بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كمسلمة نشأت في بيئة دينية علمية، تعلمتُ ألا أقبل شيئا مما يلقى علي أو يُدَّرس لي إلا بعد أن افحصه وأناقشه، وأتأكد من صحته.
لطالما كان والدي –حفظه الله تعالى- يمر علي وأنا أستظهر دروسي في التاريخ أو علم الاجتماع أو غيرها، فيعلق على هذا، ويبين لي خطأ ذلك...
وكم من مرة رآني أشاهد برنامجا ثقافيا، أو عملا تمثيليا، فناقشني فيه، وبين لي الأفكار المدسوسة في ثناياه، والأهداف البعيدة التي يرمي منتجو هذه الأعمال إلى زرعها في لاشعور المشاهد، لتثمر فيما بعد تغيراً في مفاهيمه أو قيمه أو سلوكياته.
وعيت كل هذا، واكتسبت منه جرأة أدبية، علمتني أن أنا قش كل شيء، ولا أقبل أي شيء إلا إن كان مدعماً بالأدلة والبراهين المقنعة.
لازلت أذكر كيف ناقشت مدرِّستي للغة العربية –جزاها الله عني خيراً- حول شخصية المتنبي، فقد كانت مغرمة بها، فأبديت لها نفوري الشديد من تلك الشخصية الوصولية الانتهازية، التي تمدح سيف الدولة، وتوغر صدره ضد ابن عمه "أبي فراس الحمداني"، وعندما لا تجد عنده ما يلبي طموحاتها، تغادره إلى كافور الإخشيدي، وتشرع في مدحه حتى ترفعه فوق السحاب، فإذا ما خاب رجاؤها وأملها، لم يتورع لسانها عن أن يفيض بما يعتلج في ذلك الصدر من خبث طوية، فينطلق بأقذع أبيات في الذم والهجاء:
لا يقبض الموت نفسا من نفوسهم................... إلا وفي كفه من نتنها عود.
كم دُهِشت مدرِّستي من رأيي الجريء الذي لا يجرؤ ناقد على قوله، وكانت تلك المعلمة من المعلمين القديرين القلائل الذين لا يقمعون التلاميذ إذا ما رأوا منهم رأيا مخالفا لآرائهم، بل يناقشونهم ويشجعونهم...
وبدأت مدرستي تسمعني أبياتا عظيمة للمتنبي، مليئة بالحكمة والبلاغة والجمال، في محاولة منها لإقناعي، فكنت أرد بأبيات أخرى لأبي فراس، أراها أجمل وأبلغ وأصدق عاطفة، فلا يسعها إلا الابتسام، وأقول لها: إنني لا أعترض على براعته الشعرية، بل على شخصيته الوصولية الانتهازية.....
ويحضرني موقف آخر هام....
أؤجله بعون الله تعالى للمشاركة القادمة حتى لا تملوا...
ولكن عدوني أن تتابعوني..