عشنا مع "
المزمّل" و"
المدثّر"... وقد كانتا من أول ما نزل من القرآن العظيم ... كما عشنا مع ما قبلهما من سور هذا الجزء المبارك... وعرفنا التسلسل الذي لا يغادر الآيات في السورة الواحدة، كما لا يغادر ما بينَ السورة والسورة ...
عرفنا الأمرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بأمر هذه الرسالة العظيمة ليلا ونهارا، وعرفنا كيف أنّها الدّعوة التي لا مُداهنة فيها ولا ملاينة، فأُمِرَ أن يبلّغها بالقوّة اللازمة التي هي زادُه من ربّه، بالقيام بين يدَيْه ليلا -كما جاء في سورة المزمّل- وبتكبير الله والصبر له، كما جاء في سورة المدّثّر ...
وجاء في كلتَيهما الإنذار للمكذّبين، مما أعدّهُ الله لهم من عذاب أليم ...
وقد انتهت سورة المدّثّر تستفظع إصرار المُعرضين على إعراضهم رغمَ كون القرآن كلّه تذكرة -كما جاء وصفُه في أواخِرِها- وجاء ذكرُ إحدى حُجَجِهم البالية الواهية على إعراضهم : "
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً " -المدّثّر:52- . وذلك قولُ ألسنتِهم .. بينما يبيّن سبحانه حقيقة أمرِهم، المتمثلة في عدم خوفهم الآخرة، وهم الذين لا يؤمنون بها أصلا ليخافوها، وذلك ما يحول دون أن تبلغ تذكرة القرآن قلوبَهم: "
كَلَّا بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ" -المدثّر:53-
وقد قال تعالى أيضا في ذلك: "
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا" -الإسراء:45-
ولنضع نُصب أعيننا هذه العلّة الأساسية، وهي من أهمّ أسباب إعراض المعرضين عن القرآن، إعراضهم عن هُداه، وتكذيبهم به، تكذيبهم باليوم الآخر، وبالبعث، وبالحساب ... ولذلك كثيرا ما تقع في القرآن على القرينَيْن :"آمن بالله واليوم الآخر" .. "يؤمن بالله واليوم الآخر" كأساس للاعتقاد بأمر الله تعالى.
تلكُم هي حقيقة أمرِهم، والدافع الحقيقيّ لإصرارهم على الإعراض عن تذكرة القرآن ...
إنّهم لا يخافون الآخرة، لا يخافون يوم القيامة، لا يؤمنون به ! وعدم إيمانهم به ناتجٌ عن عدم إيمانهم بالبعث ... ناطحوا بأهوائهم وبشطحاتهم أمرَ الله تعالى، وما اختُصّ به وحدَه سبحانه وهو الخالق وهو الباعث، والبعث أهوَنُ عليه : "أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ" -ق:15- . ولجّوا في لِجاجهم وهم ينكرون البعث، ويستبعدونه، ويتّخذون قوْلَ القرآن به هزؤا : "
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا" -الإسراء:49-
وجعلوا بذلك لقدرة الله تعالى قبيلا، وما كان مُحالا على الإنسان فعلُه جعلوه على الله مُحالا ! ما قدروه سبحانه حقّ قَدْرِه، وما أحسنوا النّظر في أنفسهم، وفي خَلقِهم، وفي الكونِ مِن حولِهم، وكُلُّه قد كان بأمرِ الله من لا شيء ! كان بقوله "كُن" فكان ... ولو أنّهم تفكّروا في الخَلق الأول من لا شيء، لما لاجّوا في البَعث من عظام ورُفات ... !
ومع اختتام "
المدّثّر" بالحديث عن الآخرة وموقف المُعرضين عن التذكرة، تُفتَتح السورة الموالية بالحديث نفسِه، ولكن بتوسّع أكبر، بل إن السورة كلّها عن يوم القيامة، باسمها ورسمها، بعنوانها وبيانها :"سورة القيامة" بل مُستهلّها القسم بيوم القيامة .
"
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(01) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(02) "
ويأتي القسم في القرآن بواو القَسَم من مثل: "وَالشَّمْسِ وَضُحَاها" و: "وَالفَجْر**وَلَيَالٍ عَشْر" أو بصيغة : "لا أقسم" التي جاءت في عدد من السّور ...
وقد قال المفسرون وأهلُ اللغة الكثير في مجيئ "
لا" قبلها، وأهمّها أنّها صيغة مبالغة لبيان قيمة المُقسَم به، وكأنّ المقسِم يهمّ أن يُقسِم به، ثم يترك القسَم لنفاسته مخافة الحِنثِ به، وهي أيضا عند العرب لتأكيد القسم، مثل قول القائل : "لا والله"، كما هي صيغة في التأكيد بالنّفي، من مثل من يشدّد وهو يوصي: "لا أوصيك به "
ولا يُقسم الله إلا بعظيم ... ويوم القيامة جاء وصفُه في القرآن بالعظيم: "
أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ(04)لِيَوْمٍ عَظِيمٍ(05)يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(06)" –المطففين-... "
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" -الأنعام:15
"
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ" -مريم:37-
كما جاء مقرونا بهذا القَسَم العظيم، قسم ثانٍ عظيم هو الآخر: "
وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ " ...
نفسُ المؤمِن التي تلومُه في الدنيا على تقصيره، وعلى ما يقع فيه من زَلَل، وعلى ما يتسرّع فيأتيه، أو ما يتكاسل فلا يفعله، وعلى ما يقترف من ذنب، فهي التي لا ترضى له الارتكاس والانتكاس، وهي التي تحول بينه وبين تقهقُر صِلَتِه بربّه... فهي نفس المؤمن اللوّامة العظيمة، إذ تُنجيه ساعة لا ينفع لوم، وهي التي تستحقّ لعظمتها أن يُقسِم الله بها ... وإنّ قرنَ القسم بها بالقسم بيوم القيامة، يلوّح إلى ما ينتظر تلك النّفس من كرامة وجزاءِ خير عظيم...
ونفس الكافر يومَ القيامة تلوم يومَ لا ينفع ندمٌ ولا لوم ! التّلاوُمُ يومَها كائنٌ بين المتَّبِعين والمتَّبَعين، وحتى بين الشيطان وأتباعه من الناس، وهو الذي يردّ عليهم لومَهم : "
فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم..." -إبراهيم: من الآية22-
وسبحان الله...! حقيقٌ بالتأمّل، القسم بالنّفس اللوامة التي تُذنب وتخطئ وتزلّ، بينما يسود الاعتقاد أنّ الشيء العظيم المبجّل هو الذي لا تشوبه شائبة، والذي اقترب من الكمال ! بينما النّفس اللوامة هي نفسٌ يعتريها الضعف البشريّ، ولكنّها تنتشل صاحبَها من المخاضات العفِنة، وترنو دوما للسموّ به، بل إنّ الذنب دافعٌ قويّ فيها للتوبة النصوح التي يميّزها العزم على عدم العودة له كرّة أخرى ... !
"
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) "
استفهام استنكاريّ جاء جوابا للقسم، إذ التقدير: "لنجمعنّ عظام الإِنسان أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه" . وفي قوله سبحانه بجمع العظام إشارة ضمنيّة إلى أنها إعادة من موجود، وهي أهونُ عليه سبحانه من الخلق الأول، الخلق من عدَم...
وعِظامُ كلّ إنسان يُجمَع بعضها إلى بعض، ولا تختلط بعظام غيره وإن لم يُقبَر صاحبُها... وإنْ يهْلَك الناس جماعات من كوارث تنزل بهم، أو من حريق أو من غرق، كلها يجمعها الله، بعضَها إلى بعض في قدرة مطلقة له وحدَه سبحانه ! كانت دافعا لسيدنا إبراهيم عليه السلام لسؤال الله تعالى أن يُريه كيف يُحيي الموتى : "
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" -البقرة:260-
سبحانه يجمع ما افترق بعضَه إلى بعض، وإن كان كلّ جزء منه في مكان مختلف عن مكان الآخر ... لا يعزُب عنه شيء منها ! فأيُّ حُسبان هذا من الإنسان وهو يساوي القدرة المُطلَقَة لله الخالق الملِك العظيم، لقدرته هو المحدودة والتي هي عطاء من عطاء الله تعالى لخَلْقِه!
أيُّ حُسْبان هو من الإنسان حينما لا يقدّر اللهَ حقَّ قدرِه، فيتشدّق وقد أصبح شيئا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا ! بعد أن أصبح من إرادة الله ومشيئته وفِعله فيه وفَضْله عليه خصيما لخالقه ! مُنكرا لأمرِه، مكذّبا لرُسُلِه، فيتحدّى الدعوة إلى توحيده والتصديق بصفات كماله وجلاله وعظمته المطلقة، التي هي له وحده وليست لأحد غيره ... !
"بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)"
"
بـــــــــــلى" ...
ودورها إبطال النفي، إبطال لباطل حُسبانهم أنّه سبحانه لا يجمع عظام الإنسان لخلق جديد ...
بل إنه سبحانه القادر على تسوية بنان الإنسان(أطراف أصابعه) بَلَه أن يجمع العظام بعضها إلى بعض ! والتسوية أدقّ من الجمع، إذ هي إتمام الشيء على أكمل صورة، فهو سبحانه قادر على تسوية أدقّ أطراف الإنسان... !
وبصمات الأصابع.... ! ذلك النسيج الدّقيق الذي أبهر العلماء وحيّرهم، والبصمة في أصبع الإنسان الواحد لا تشبه بصمة أيّ إنسان على وجه الأرض برمّتها، هي ما يميّزه وتُعرَف له وحدَه، ولا تكون لغيره في أي مكان من الكُرة الأرضيّة... !
سبحانه الذي خلق البشر بالعدد الهائل على مرّ الأجيال والعصور، وجعل البصمة لكل إنسان فريدة لا تشبهها بصمة، قادرٌ على إعادتها من جديد هي هي، بصمتُه الخاصّة الدقيقة التي هي له وحده ...! سبحانه ما قدرناه حقّ قدره ... !
فما الذي يذهب بهذا الإنسان مذاهب التكذيب بقدرة الله تعالى المطلقة، التي لا تحدّها حدود ؟ ! وما الذي يجعله يذهب مذاهب الكفر ببعثٍ جديد هو عليه سبحانه هيّنٌ هيّنٌ...؟!
في أواخر "
المدّثّر" عرّفَنَا الله العلة الحقيقية لإصرارهم على الإعراض عن القرآن وتذكرته، وهي عدم إيمانهم بالآخرة، وعدم خوفهم منها ومن أهوالها، ثم نجده سبحانه في سورة القيامة يفصّل، ويزيد ليأتينا بالعلّة الكامنة وراء تكذيبهم بالآخرة، الكامنة وراء تكذيبهم بالبعث ...
وكأنّ سائلا يسأل ويستطرد سائلا : يكذّبون بالقرآن، بهذا الهُدى الساطع والحقّ اللامع ؟ ! ما سرّ هذا فيهم ؟ ! يجيبه القرآن في أتمّ بيان، أنه من تكذيبهم باليوم الآخر ... ليزيد فيسأل : ولمَ تُراهم يكذّبون باليوم الآخر ؟ !
ليزيد القرآن، ويُسفِر أكثر ... ليقول لك في عطايا ملفوفة في آيات بيّنات، اسألْ اسأل أيها الإنسان، فإنّك المُكَرَّم بعقلك، وإنّ هذا القرآن لحاجته قضاء، ولغليله شفاء ... اسأل فليس في القرآن نقص، ولا به ما يُخاف لأجله سؤال ... !
تملَّ معي ... فما أروع أن نتملّى هذا الكتاب العظيم ... ! ما أجمل أن نسبر غورَه الدريّ، وسرَّه الأعظم، فنستكشف، ونتبيّن الحقيقة تتلوها الحقيقة، وترتسم لنا القاعدة تتلوها القاعدة، في تنظيم وإحكام، ليسا إلا لهذا المنهج الربانيّ، والدستور الأخلاقيّ العظيم ... الذي هو من أمر خالق الكون وما فيه ...
يأخذ بيدِك على الطريق، أخذَ الهادي الذي لا يُخطئ المسار، ولا الهدف، بل ينجيك وينبيك من نبأ الحياة والوجود، ومن نبئك أيها الإنسان المُبتَلى ...
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ
لهذا هو يكذّب بيوم القيامة ... لهذا هو يكذب ببعث وبحساب ...
إنه هذا الإنسان المكذّب الكافر المعاند، الملاجِج في أمر الله تعالى وفي قدرته، وفي شأن بعثِهِ لخلقه بعد الموت، يُعطينا الله العلّة الحقيقية وراء تكذيبه بالبعث... إنه يريد ليفجر أمامه...
يريد أن يستمرّ في فجوره، وأن يجد نفسَه مُطلَقا من كلّ قيد، ليفعل ما يحلو له، وليوغِل في الفساد وفي الإفساد في الأرض، وليطلق العنان لشهواته، وليفتح الباب على مصراعيه أمام نزواته، وليخلِط حابلا بنابل، وليلهو ويلعب دونما رادع من حساب أو عقاب يجعل له محاذير ...!
يريد أن يَفْجُرَ أمامه... أن يكمل مسيره في الحياة دون كوابح تكبح جِماح نفسِه المتمرّدة الماضية في غيّها، التي تألَف المعصية، وتألف الشّطح والرَّتْع فلا تعود تعرف حدودا، ولا تتبيّن أبيض من أسود، ولا حلالا من حرام ... !
هكذا يريدُها الإنسان... !
وهكذا نعرف في ملاحدة اليوم، وفي العَلمانيّين وفي أدعياء التحرّر، وهم في الحقيقة دُعاة للتحرّر من الإنسانية ! دُعاة للتفسّخ وللبهيميّة العمياء التي تتقنّع بالعلم وِشاحا يُغطّي جفافا روحيّا مستفحِلا، يُذهِبُ معنى الوجود الإنسانيّ، ومعنى كرامة الإنسان على سائر خَلق الله تعالى، ومعنى تسخير الوجود كلّه له لتحقيق الخلافة في الأرض...
ويحضرني هنا معنى الفجور في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "
...وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كذّابا " -صحيح البخاري-
فهذا أكبر كذب الإنسان، أن يقول بألّا إله، وأنّ الدنيا عبث ! وأنّ الإنسان مادة ! هو من الصدفة إلى وجود بلا معنى ولا هدف، هو لوثٌ كيميائيّ كما وصفه "ستيفن هوكنغ" أحد أكبر عُتاة الإلحاد الذين جمعوا بين العلم وإنكار الله تعالى... ! فبمَ عساه نفعه علمه، وقد انتقل إلى دار عاش ينكرها ؟ !
تجد النّاس من حولِ أحدهم، لفيفَ انبهار وتسبيح بحمد عقله الجامع لأطراف علم من العلوم، فإذا تكلّم في الوجود وفي تصوّره للوجود، لم يُترَك وتصوُّره الأخرق، بل من المسلمين مَن يحسب لخروقاته تلك حسابات...! يجعلون عِلمَه بالمادّة كفيلا بمصداقيّة لتصوّراته الوجودية الخرقاء ! وكأنّ الذي حاز عِلما ماديّا قد حاز حقيقة الوجود حتى وإن أنكر الموجِد ... !
فلا أخلاق في قاموس الإلحاد ولاقِيَم، ولا فرق حتى بين فِطريّ سليم وناسِفٍ للفطرة ! كلّه في الإلحاد سواء، صُدفة هو الإنسان في هذه الحياة، والحياة كلّها صُدفة، ثم العَدم والهباء والسُّدى .....!! فكيف يستقيم قانون أخلاق، وقِيَم وإنسانيّة ؟؟
كيف يُقبَل الدّين في خضمّ هذه الفوضى العارِمة، وهي التي تُعلَى ويُعلى أصحابُها، ويُنَصَّبون جهابذةً منوّرين، مُخرجين للناس من ظلمات الإنسانية إلى أنوار البهيميّة ... !
بل وحتى تقاريرهم العلميّة مُسيَّسَة مُوَجَّهة نحو إعلاء نظريّة التطوّر الصُدَفِيّة المُنكِرة للوجود من موجِد، وإسقاط كلّ تقرير علميّ قد تُشمّ فيه رائحة نظريّة الإله الموجِد الخالِق... !
وتلك العلّة الحقيقية وراء إنكار الإنسان للبعث، وللحساب، وليوم القيامة... يريد ليَفْجُرَ أمامَه ...!! فلا وجود عندهم ليوم يُبعَث فيه الإنسان بعد الموت، ويُحاسَب على ما قدّم ... لا وُجود لإلهٍ خلق ليبتلي عباده أيؤمنون ويصدّقون، أم يكفرون ويكذّبون... ففِكرُهُم الملوّث وأهواؤهم الناطحة للحقّ إلهُهُم... ولا حسيب ولا رقيب ... !
وذاك لَعَمْري أكبرُ كذب الإنسان ! وهو الذي هداه إلى الفُجور .... ثم إلى الفُجور أمامَه فالفُجور ... ! وهو هو هاديه إلى النار ... !
ومن فُجوره، وجرأته على ربّه الخالق المُنعِم سبحانه، أن يسأل مستهزئا : "
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) " ...
وقد وصفهم الله بالخرّاصين (أي الكذّابين) في قوله تعالى : "
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ(12)" -الذاريات-