وها قد قطعنا على طريقنا خطوات ...
وقد استزدْنا لكل خطوة بقبس من مشكاة سابقتها ... فاستنرنا، وعشنا الآيات حركة وحياة ...
استشفَفْنا من الربط والاتصال والاتساق، قواعد ليست من وضع أحد من الناس، لا من عقل جهبذ بين الجهابذة، ولا من فكر فيلسوف بين الفلاسفة، ولا من فَرْي عبقريّ بين العباقرة ... !
إنها من أمر الخالق البارئ، الملِك سبحانه ... ملك أيام الدنيا، وملك يوم الدين، خالق النفس، العالم بها قبل أن تكون، وكما هي كائنة، وكما ستكون ...الذي خلقها، وهو يبعثها، فمنه كانت، وملكه هي ، وإليه ترجع ...
قواعد غفلنا عنها، وروحٌ في القرآن غطّيناها بدثار القراءة الحرفيّة والاكتفاء الحرفيّ... ! فتمثّلت لنا قداستُه في هيكَلِه مصحفا يُحفظ، ويُهدى ... !
قواعد لحركة الإنسان في الأرض ... هي المشكاة على درب حياته، وهو المتخبّط أبدا ما غفل عنها ...
وتبهت الحياة، وتسكن حركتُها، ما لم تحرّكها الروح، وكذلك لا يتحرّك القرآن فيك ما أخذتَه هيكلا، مجرّدا عن روحه ... ! روح هو من أمر ربّك وحده، كما أنّ الروح فيك من أمر ربك وحده... فما يُحيي الروحَ فينا غيرُ روحِه ... !
وإني لأهُمّ بخطوة جديدة ... فهلمَّ... !
بين يَدَيْ سورة جديدة... مطلعها نداءٌ عُلوِيٌّ من الله تبارك وتعالى لنبيّه وصفِيِّه صلى الله عليه وسلم: "
يَا أَيُّهَا المُدَّثِّر" ... كما كان مطلع السورة السابقة كذلك نداء له: "
يَا أَيُّهَا المُزَّمِّل" . وكلتاهُما سورتان من أوّل ما نزل من القرآن الكريم ...كلتاهُما باكُورة القرآن إلى الأرض، وأوّل الغيث منه إليها ... فكانت بدايات العلق، ثم المدثر، ثم القلم ثم المزمّل ...
"
المدثّر" هي السورة التي نزلت بعد فترة الوحي، حينما كان صلى الله عليه وسلم في بداية شأنه معه، وكان في تلك الحالة من الحيْرة والخوف، والانتقال من حال الخُلُوّ إلى حال المسؤوليّة العظيمة الجسيمة، التي أُلقيت إليه من ربّه أمانةً يؤدّيها إلى كل أهل الأرض في كل زمان...
ولقد سُبِقت في النزول بسورة العلق، ثم فتَر الوحي، فلم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء، حتى حنّ إليه، وخاف أن يكون ذاك الذي ملأ عليه كيانَه نورا، ونزل شافيا لغليله، وهو الذي اختلى في غراء وقد أدبَر عن كل اعتقادات قومِه، ذاك الذي نزل يعرّفه بربّه الذي خلق، يُحدّثه بحديث السماء، ويأمره أن يقرأ باسمِه ! خاف صلى الله عليه وسلم أن يكون خيالا، أوسراباً أوْمَضَ ثم مضى ... !
حنّ إلى كَنَف الله وهو يرسل إليه مَن يبلّغه كلامَه، ويخاطب فيه نفسا هيّأها ربُّها لِمَا لمْ تكن تدري أنها له تُهيَّأ، بل لم تكن تدري أنها التي لأجله خُلِقَت... ! لم يكن يدري أنّه قد كان الصادق الأمين، الذي هيّأه ربُّه ليبلّغ الحقّ بأمانته وبصدقه كما نزل عليه... !
لم يكن يدري وهو الذي ثبّتَتْه خديجة وهي تُعدّد خِصاله : "إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتكْسِبُ المَعْدُومَ، وتقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ" أنّه كان كلَّ ذلك قبل أن يُرسَل إليه ويُبعَث فيهم، في تهيئةٍ ربّانية لقلبه ونفسِه وِعاء زكيّا يوعي قُدسيّة الوَحي وطهارته وثِقل قوله... !
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحَدِّثُ عن فَتْرَةِ الوَحْيِ(أي فترة انقطاعه عنه) : "
فَبيْنَا أنَا أمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا المَلَكُ الذي جَاءَنِي بحِرَاءٍ قَاعِدٌ علَى كُرْسِيٍّ بيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ، فَجَئِثْتُ منه(أي ثقلتُ منه) حتَّى هَوَيْتُ إلى الأرْضِ، فَجِئْتُ أهْلِي فَقُلتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَزَمَّلُونِي، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أيُّها المُدَّثِّرُ قُمْ فأنْذِرْ} إلى قَوْلِهِ {فَاهْجُرْ} - قالَ أبو سَلَمَةَ: والرِّجْزَ الأوْثَانَ - ثُمَّ حَمِيَ الوَحْيُ وتَتَابَعَ" .
وفي روايات أخرى أنه قال "دثّروني"
وعلى هذا فإن المرويّ في سبب نزول "المزمّل" و"المدثّر" متقارب، والجامع بينهما أنهما نزلتا بعد فترة الوَحي(بعد انقطاعه عن رسول الله)، وأنهما متقاربتان جدا في زمن النزول، وما تحمل السورتان يؤكّد ذلك، وهما تُلقيان بالأمر الفَصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدّعوة، وأنّه قد وجب عليه "القيام"
وممّا جاء في الحديث أعلاه : "
ثُمَّ حَمِيَ الوَحْيُ وتَتَابَعَ "، يتبيّن أنّ ما بعد المدثّر نزولٌ فلا فتور ولا انقطاع، طيلة ثلاثة وعشرين عاما قضاها صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة .
"
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)"
نداء ربانيّ علويّ فيه التلطّف والتحبّب للحبيب الذي أنزِلَ عليه ما أثقَلَهُ، وجعله يهرع إلى أنيسته في الناس وحبيبته وحاملة همِّه أن تُدثّره وأن تزمّله، محاولاً لَمْلمَةَ أشتاتِ نفسِه الذاهبة مما حلّ به ... !
والمدّثّر هو المتّخذ دثارا، أي المتغطّي، المتخذ غطاء، والدّثار هو ما يدفّئ الإنسان مما يلي ثيابه اللصيقة بجسمه، وما التصق به من ثياب يُسمّى شعارا، وقد قال صلى الله عليه وسلّم واصفا قرب الأنصار إلى قلبه: "الناس دِثار والأنصار شِعار" .
إنه لم يعد من وقت للنوم، ولا للراحة ... "
قُمْ"
كما جاءت في المزّمّل "قُمْ"، جاءت كذلك هنا : "قُمْ" .. في الأولى جاء الأمر له بقيام الليل، وفي هذه جاءه الأمر بالقيام للإنذار : "
قُمْ فَأَنذِرْ "
إنه صلى الله عليه وسلم، قد بُعِث في ظُلمة ليْلٍ حالك غشّى الأرضَ، وفي غياهِبِ ضلالات عن الفِطرة السليمة ومعرفة الربّ الخالق، وفي لُجّ خُرافات واختلاقات ما أنزل الله بها من سلطان، وفي غيابات أهواء وشهوات هَوَتْ بالإنسانِ إلى الدَّرَكِ الأسفل... إلى الغريزية والبهيميّة... !
قد بُعِث صلى الله عليه وسلم في هَرجٍ ومَرجٍ، وفي خلط وخبط تَرَاكَمَ على الإنسانية فأذهبْ بريقَها ولمعانها، وجعل منها مسخا لا هو من الإنسان ولا هو من الحيوان ... !
قد بُعِث صلى الله عليه وسلم سِراجا ينير في دُجى بهيم، نورا يُشعّ على الأرض التي ألِف عامّةُ مَن عليها الظُّلمَة، فلم يعد يستوعب قوّة النور، حالُه كحال مَن يفرُكُ عينيه منها وهو يتّقيها بيدِه لئلا تقضّ مضجَعَ عقلِه، وتُنهضَه من سُباته...! وأفٍّ ثمّ أُفٍّ لمَن يُؤذي عينَه بالنّور... !
ألِفوا الخُرافَةَ والتذلّل للحجر المنقوش بأيديهم، والخشب المنحوت بأيديهم، ألفوا تقديم آيات الطاعة بالقرابين والتعويذات، والشّعوذات ... !
فجعلوا لله العليّ الكبير الصاحبةَ من الجنّ، والولدَ من الملائكة : "
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ " -الأنعام :100-
عرفوا أنه الخالق، وأنه الله، وأنّه العظيم، وجعلوا له الشريك والنِدّ، وجعلوا معه الفاعل والمؤثّر، وكلّه خَلْقٌ من خلقِه ...!
استكبروا أن يطيعوا له أمرا، أو أن يصدّقوا رسولا من رُسُلِه، وهم فيهم ومنهم ويعرفون صِدقَهم ! يتشبّثون بالقشّة الواهية من الحُجَج ليتولّوا عنهم وعمّا يَدْعون إليه من توحيد... ألِفوا ما ألْفَوا عليه آباءَهُم، وعبدوا ما عبدوا قبلَهم من حجر ومَدَر، وما هي إلا صورٌ لرجالٍ صالحين منهم، بينما أنكروا على الرّسول الهادي المبعوث من الله أن يكون بشرا...! أعرضوا عن اتّباع البشر ... وكأنّ الصالحين الذين صوّروهم حجرا وخشبا لم يكونوا بشرا... !!
في هذا الخِضَمّ وأكثر، بُعِث الهادي صلى الله عليه وسلم، وأنزِل عليه القرآن نورا، فجاء الأمر له بالقيام ليُنذر ! وكيف لا يكون الإنذار من سوء عاقبة ما غرقت البشريّة فيه من أوحال وأدران وأرجاس ... !
قُمْ فأنذِرْ ... !
إنك من الساعة، لم تعد محمد الجار والنسيب والقريب في قريش، والذي لا يخفى على قرشيّ ولا على عربيّ من العرب نسبُه وأصلُه ...! لم تعد هذا وكفى يا محمّد... !
إنك يا محمد من الساعة، لم تعد تخالط منهم مَن تخالط، وتُصادِق مَن تُصادق، وتسأل عن حال مَن تسأل، وتبتاع من أسواقهم أو تتاجر، وترعى الغنَمَ قريبا منهم، وأنت لا شأنَ لك بمَن عبد صنما، أو قدّم آيات الولاء والطاعة لوثَن... ! وأنت لا شأن لك بمَن ظلمَ عبدا له، وبمَن زنى وبمَن بغى...
إنّك وإن كنتَ تكرهُهُ كُلَّه، وتُعرِضُ عنه كُلَّه ...! فإنك لم تعد هذا وحسب... !
لا... لم تعد القريب وابنَ العشيرة والجار وانتهى... !
إنك من الساعة، لن تصمت ... !
بل إنّك ستخالِطُ الكلّ، وستدعو الكلّ، لن تعود علاقتُك بهم علاقة نسابة وقرابة، بل علاقة نبيّ يدعو قومَه إلى رحِم العقيدة التي تجمع الكلّ إخوةً أكثرَ مما تجمَعُ رحِم الدمّ... !
قُــــــــــــــــــمْ....قُم فأنذر مَن حولك، وأنذِر كلّ غارق في لُجّ الباطل في كلّ زمان، فأنت يا محمد نورٌ للأزمنة كلّها لن يذهب، ولن يُطمَس ...أنت شمسٌ ستضيئ على الأرض على مدى الأزمان، ولن تغيب ... !
لم تُبعَث لتنير طريق قريش ولا طريق أهل الجزيرة العربية وحدَها، بل بُعِثتَ هناك لتنير هناك وهنا وهنالك... وفي كل مكان ... !
لم تُبعَث لتكون بطلا لقصّة تاريخية مشوّقة، خُلِّدت لتتداولَها الألسُنُ ولتبقى عَبْرَ الأزمنة نقلا من النّقل يُستهلّ بـ: "كان يا ما كان في سالف العصر والأوان" ! فتبقى تاريخا من التاريخ القديم الذي صلُح لزمانه، ثم انتهت صلاحيّته بانتهاء زمانه ... !
أنذِر يا محمد بهذا النور الذي ينزل عليك ... وأنت مع بدايات الوحي، وأنتَ تتشوّف وتحنّ وتشتاق، فيُعاودك ما إليه تشتاق، ويأتيك المَلَك الذي عرفتَ في حِراء ... لتعرفه في عرَض السماء ... فتهرع لتتدثّر ... !
فيعاودُك المَلَك مرة أخرى ليقيمك، ولتُميط عنك الدّثار ...! فإنه أوانُ الإنذار ... !
ثم لنــــــــــــــــتأمّل...فإذا "الدّثار" وهو يعني الغطاء، يعني معه الابتعاد والسكون، ويعني أن يخلد صاحبُه إلى الراحة، وإلى العزلة إلى نفسه تحت ذلك الغطاء، يتّقي به البرد والتقلّبات ... فجاءت الدّعوةُ إلى إماطته وإزاحته دعوةً إلى السّفور والخروج، ومخالطة الأجواء رغم قساوتها وتقلّباتها، ومواجهة المحيطين به رغم كلّ ما سيجد فيهم من صُدود وصدّ وعناد وكِبر ومكر وكيد ... !
إنها المواجهة ... !
إنه عَرْض هذه الرسالة وتبليغُها في تلك الأجواء المُفعَمة بالجهل والكفر والضلال، المُترَعة بحبّ الجاهِ والسلطان، والخوف عليه من كلّ مَن يحمل إلى الضالين هدى، وإلى المظلومين عدلا، وإلى المستضعَفين نصرا وقوة ...
فيا أيها المدّثّر قُم فأنذِر ... !
"
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)"
قُمْ بأعباء هذه المسؤولية التي ألقِيت إليك، قُم بهذا القول الثقيل، كما عرفنا في المزمّل : " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا"
أنذِرْهم مغبّة كُفرِهم وجحودهم ربّهم، وتكذيبهم رُسُله، وإصرارهم على الهوى وشطحاته !
وإنّك ستلقى ما ستلقى من عُتُوٍّ ونفور... سيقولون، وسيكذِبون، وسيكذّبونك، وسيتهمونك، وسيكيدون لك، وسيمكرون بك ... وسيحرّشون بك كلّ سفيه أثيم ...
فماذا عساه يكون سلاحُك ...؟! إنــــــه : "
وَرَبَّـــــكَ فَكَبّـــــِرْ"
ويأتي "ربَّكَ" مُقَدَّما على عامله لإفادة التخصيص... إيذانا بأنه هو وحْدَه مَن ستُكبّر، هو الكبير فوق كل كبير، هو الذي من تكبيرك له سيهون عليك كل صعب... هو الكبير الذي لن يكبر عليه كُبَراؤُهم، ولا كُبّارُ مَكْرِهِم ... !
هو الكبير الذي مكَر مَن كان قبلَهم مكرا كُبّارا، ولم يكن إلا ما أراد الله الكبير : "
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " -آل عمران:54-
فكلّما وجدتَ كِبَرَ ما يواجهون به دعوتك وإنذارَك لهم، فإنّ تكبيرك ربَّك سيكون سلاحَك الأمضى... يقينُك بأنه سبحانه الأكبر سيهوّن عليك كل همّ كبير ... !
ولقد كبّر محمد ربَّه... حتى إنّك لتراه عَبْرَ سِنِيّ سيرته العطِرة، ومسيرة دعوته يُلاقي ضُروب الكَيْد والمَكْر فما يتزعزع له قلب !
تجده في الطائف حيث لاذَ بالدّعوة يُريد لها ملجأ ومنجى، يُرمَى بالحجارة حتى تُدمى قدماه الشريفتان، فيقول: "إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي" !!
تجده وجبريل يصطحب -بأمر ربّه- ملكَ الجبال ليكون رَهْنَ أمرِ محمّد إن شاء يُطبِق عليهم الأخشَبَيْن، فيردّ محمّد مكبِّرا ربَّه، لا ما نزل به من تعذيب وإذلال : "بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله لا يُشرِك به أحدا"... !
تجده وقد آلمَ أصحابَه ومحبّيه أن تناديه قريش في أشعارها "مذمّما"، يؤسي ألمَهم وهو يقول : " ألا تَعْجَبُونَ كيفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ ولَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، ويَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وأنا مُحَمَّدٌ " ... !
تجده وقد تمالأت قبائل قريش على قتله، وجمعت له أشجع فتيانها، يوصي عليّا وهو يهمّ بالرحيل من بعد ما كشف له ربّه مكرَهم، بأمانات رجالهم التي أودعوها عنده، وهم على الكفر بعدُ ... وهو الداعي فيهم للإيمان ... !
تجده وهو ثاني اثنَيْن إذ هما في الغار، مختبئا في طريق هجرته بنور الأرض قاطبة إلى الأرض الحاضنة، وصاحبُه يرتعد فَرَقا وخوفا، والمشركون المتعقّبون لو طأطؤوا رؤوسَهم لرأوهما ! يهدّئ من رَوع صاحبه وهو يقول : "لا تحزن إنّ الله معنا" ... !
تأمّل كُلَّ خُلُق كان فيه طيلة سنيّ الدعوة المباركة، وستعرف أنّه كان من تربية قرآنيّة ألقِيت إليه ذات نزول من نزول الوَحْي... ! لذلك ما أخطأت عائشة وهي تصف خُلُقَه أعمَق الوصف، وأدقّ الوصف فتقول: "
كان خُلُقُه القرآن" ... !