"
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)"
ويعلنونها للمرة الثانية، أنهم لما سمعوا القرآن اهتدوا...
كان ذلك في : "
...فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا(01)يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا(02)"... ثمّ في هذه الآية : "
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ "
فأما المرة الأولى فقد وصفوه بـ : "
قرآنا عجبا وبــ:"
يهدي إلى الرشد" وأما هذه المرة فقد وصفوه بقولهم : "
الهدى" ...
فإذا تملّينا وتأمّلنا... وجدنا أن الأجدر ببداية الدّعوة وتعريف المدعوينّ بالموضوع، أن يبدؤوا بوصف ما وجدوا في القرآن، وما تَرَكَ في نفوسهم لمّا استمعوا إليه، لأنهم بصدد نقل ما حدث معهم، فدعوتهم لقومهم عندها كانت ضمنيّة ولم تكن مباشِرة ...
فكان وصفهم للقرآن بما انطبع في نفوسهم عند سماعه "
عَجَباً"، وأنه الذي "
يَهْدِي إِلَى الرُّشْد" ...
ثم استطردوا في وصف رأس الرّشد، توحيد الله وعدم الإشراك به، واستغنائه عن الصاحبة والولد من عظمته وجلاله، ثم في وصف حالهم وحال الإنس معهم، حينما يبتعدون عن مَعين الهدى والرشاد، فهم الواقعون بشِراك الأباطيل والأضاليل والتقوّل على جلال الله، ثم في وصف حال السماء التي حُفظت بنزول القرآن من كل استراق للسمع. هنا عرفوا أنّ الأمر جَلل وأنه المنتهى... ! وزادوا فوصفوا اختلافَهم طرائق ومذاهب، وأنهم غير معجزي الله أينما ذهبوا، اعترفوا بعجزهم وبالقدرة المطلقة لله تعالى ...
هذا الاستطراد منهم بيّن سُوءَ حالهم وحال الإنس معهم وهم بعيدون عن الحق، وبيّن قدرة الله تعالى وعظمته وحِفظه لكتابه الخاتِم، وأنّه منتهى الحقّ والهُدى، فكان أحرى -بعد تلمُّسِهم لكلّ هذه الحُجج البيّنات والدّلائل الواضحات- أن يُجدّدوا إعلانَهم الإيمان بالقرآن، واصفين إياه هذه المرة بـ "
الهُدَى" ...
كيف لا وهو الذي حمل إليهم كل تلك الهِدايات ... ! وهو الذي كان سبب اهتدائهم لضلال فيهم قديم، ولشطط في القول، وسَفَه في الفكر... لولاه للزِمَهُم، ولما بارحهم ....
إنّ المسافة ما بين الآية الأولى -وفيها وصفهم للقرآن إذ استمعوا له أول مرة-وبين هذه الآية التي يصفونه فيها مجدّدا وهم يبلّغون به قومَهم... هي المسافة بين حالهم أوّل إشراقة شمس الهدى على قلوبهم، وبين بلوغ الهدى سويداءها... إشراقة أولى عرفوا منها كلالةً كانت في بصيرتهم، وانطماسا لنور الحقّ فيها باتّباع منهم وتصديق لما يُسمَع، دونما فكر أو نظر فيما يُقال، دونما تبصّر واستدلال ... أتبِعت بما عرفنا من سردهم لضلالات كانت، ولهدايات حلّت، وقد انتقلت عقولهم من الخمول إلى الحركة، من الموت إلى الحياة ...
إنها المسافة بين الاتّباع عن عمى، والاتّباع عن بصيرة وحجّة ...
"
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ" ...
تجدر ملاحظة إيمانهم عن حجّة وتحرٍّ، لا عن اتباع أعمى كما وصفوا أول الأمر أنفسهم حينما كانوا يتّبعون الغاوين منهم عن حسن ظنّ فيهم، لا عن تمحيص وبحث، كان ذلك في قولهم : "وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا "
في سورة الجنّ، درسٌ عظيم عن خطورة الاتّباع لمجرّد حسن الظنّ فيمَن يدعو، لا عن بحث في مرجعيّته وأدلّته وحُجَجِه ... فيها بيان أنّ هذا القرآن جاء ليستنهض العقل، ويحثّه على العمل والتقصّي وعلى البحث والتحرّي ...
وتأمّل معي تناغم اللفظ مع المعنى ...واختلاف تركيبه بين مقام ومقام بحسب اختلاف حالة المتحدّث ... فهم أول الأمر قالوا: "
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ" بصيغة فعل، ثم قالوا : "
لَمَّا سَمِعْنَا الهُدى" بصيغة اسم للتدليل على التمكّن، من بعد تمكّنه في نفوسهم بحججه ودلائله.
"
فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا"
إنه سبحانه الملجأ والمنجى، والملاذ والعِياذ ...
فأمّا مَن عاذ بغيره فما يزيده المستعاذُ به إلا رهقا، إلا ذُلا وضلالا... ! وأما من يؤمن بالله فإنه يأمَن ... وهكذا جاءت : "فلا يخاف" لتوحي أن الإيمان بالله أمان، ملجأ، حامٍ من الرَّهق والبخس ... والبخس نقص واقع من ظلم، فالمؤمن بالله لا يضيع له عند ربّه أجر ولا ثواب ... آمِنٌ هو من الذلّ ومن أن يلحقه ظلم ...عبدٌ لله وحده، آمِن في رحابه سبحانه ....
وأيّ فهم، وأيّ حكمة ... وأيّ رشاد قد حازه النّفر الرشيد... !!
"
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا"
أخبرونا أنّ منهم المسلمون، ومنهم القاسطون... ولعلّهم أرادوا بالمسلمين أنفسَهم، وهم الدّعاة للإسلام الحقّ من بعد ما سمعوا الهدى وآمنوا به، إلا أنّهم يتحرّون الحكمة والرشاد وهم يحدّثون بصيغة الجمع، لا يتعالون على قوْمهم، بل يُشْعِرونهم أنّهم القريبون منهم المُحبّون لخيرهم...
وقد سبق وأن قالوا بأنّ منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، وأنهم كانوا طرائق قددا، أما الآن ... فالأمر قد اختلف ... ! أصبح وصفُهم موافقا لإيمانهم، إيمانهم الذي عرفوا به الإسلام...
فمنهم مسلمون ومنهم قاسطون، و"
القاسط" هو الظالم الجائر، بعكس "
المُقسط" الذي هو العادل ... وقد جاء الوصف بالظلم مضادّا للوصف بالإسلام، فيما تتبادر للذهن آليّة مضادّة الكفر للإسلام، وهو ما لم يكن... لأن الوصف بالظلم أعمّ من الوصف بالكفر... أليس بين المسلمين ظالمون ؟ بلى... ! وعلى هذا هي إشارة قوية إلى كل ظالم، أنّ ظلمَه لا يستقيم مع كونه مسلما ...وكأنّ الظالم ليس في عِداد المسلمين، بل هو إلى الكافرين أقرب ... !
وتأمّلوا معي –ونحن في حديث تناغم اللفظ مع المعنى- كلمات النَّفَر الرشيد ...! إنّ في اختيارهم لألفاظهم لرَشداً وحكمة ... فهم قد قابلوا: "الصالحون" بـ : "دون ذلك" تدليلا على أنّ الأمر ليس بين أبيض وأسود، بل إنّ الحال درجات، ولكلٍّ جزاء بحسب درجته ...
كما قابلوا الشرّ في : "
أشرٌّ أريد بمن في الأرض" بـالرشد في : "
أم أراد بهم ربّهم رشدا" ... والرَّشَد أعمّ من الخير، فهو الحكمة، والحكمة خير كثير "
...وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا..." -البقرة: من الآية269-
"
فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا"
المسلم هو صاحب الفِكر والنّظر والتروّي والتبصّر والحِكمة...
مَن أسلم ليس إمّعة ولا منقادا عن عمى، ولا منساقا خلف شطحات الهوى، بل هو المتعقّل، الذي يُعمِل عقلَه، والذي يُسلِم وقد تحرّى... ! والإسلام لا يضيق بالسؤال، والبحث والتحرّي، بل هو الذي يحثّ العقل على القيام بعمله، فليس فيه ما يُجافي العقلَ ويُعارضه، بل كلّ ما فيه يتنسّمه ويستسيغه، إلا مما هو خارج حدوده وفوق طاقته، من مثل الغيوب والمُعجزات التي اختُصّ بها الرُّسل .
وقد عرفنا من قبلُ كيف جعل الجنّ يسوقون الحُجج في إخبارهم عن حالهم وحال الإنس معهم ... كلّ ذلك كان لهم فيه نظر وتبصّر أوصلهم للإيمان... من بعد ما تبيّنوا ضلالهم وتَيْهَهُم حينما كانوا يتّبعون بإحسان الظنّ، لا بإحسان النظر... !
ويُعيَّر المسلمون اليوم من أصحاب الهوى، وأرباب الفساد في الأرض والفُحش والتبذّل، والتمسّح بمُسوح الغرب المتحرّر من الدين ومن الفضيلة، بأنهم الرجعيّون المتخلّفون، المتقوقعون، الذين يريدون بالحريّات قمعا، وبالمتحرّرين إلجاما وإرهابا... !
ويضيقُ الكثيرون من بني الإسلام بتعييرهم لهم، لا ضيقَ مَن يزيد استمساكا بعقيدته، قائلا للمتبجّح المتجرّئ مُتْ بغيظك... !! بل ضيقَ الذي يتنصّل من أصله، ويقتفي خطوات المعيِّر، ليكون وإيّاه في وَهْم التحرّر سواء، عساه يَنعَم برضاه ... !
"
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا"
هو ذا مصير الظالمين أنفسَهم بالكفر، وهي ذي الإشارة إلى كل ظالم، كافرا كان أو مسلما، أنّ الظالم حطبٌ لجهنّم ... عياذا بالله !
ثمّ تتقدّم بنا سورة الجنّ في تفصيل لحال مَن أسلم، ولكن هذه المرّة ليس على لسان الجنّ، بل من كلام ربّ العالمين الذي أوحاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَرَه أن يخبِر به الناس في مستهلّ السورة بقوله سبحانه : "قُلْ أوحِيَ إليّ " .
والعطف بحرف الواو يقوم في السورة مقامَيْن: أوّلهما عطف قول الجنّ بعضه على بعض، والموحَى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبارا له بقولهم، وهو الذي عرفناه في الآيات السابقات. وثانيهما عطف كلام الله تعالى الموحَى به إليه صلى الله عليه وسلم، الموجَّه إليه مباشرة .
فبدءا من هذه الآية ننتقل من أقوال الجنّ إلى قول الله تعالى :
"
وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16) لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)"
الترابط ملازم، والآية السابقة وثيقة الصلة بهذه الآية، إذ كانت عن حال مَن أسلم، وأنه الذي تحرّى رشدا، وهنا مزيد تفصيل في شأنه ...
"
وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا"
الإسلام... وإعلان الإسلام هو البداية وليس النهاية... وكثيرٌ من بني الإسلام اليوم تخلخلتْ في ذهنه المفاهيم ولم تعد راكزة...يرى أنّه المسلم وكفى، أنه المسلم وانتهى ... ! حتى نرانا اليوم في حالٍ رُزء، لا تسرّ إلا عدوّا... !
نحسب أن الإسلام إعلان شهادة التوحيد وانتهى الأمر ! ننسى أو نتناسى في غمرة الدنيا وغمرة الانغماس فيها، أنّ ذلك الإعلان بداية، وأنّ الإسلام على حقيقته طريق تُقطَع ... طريق تستغرق الحياة ...
يعيش المسلم في الدنيا وهو يدندن بأنه المسلمُ، ويأبى أن يكيّف حياتَه على طريقة الإسلام، يختار ألف طريقة وطريقة، ويقطع طُرُقا شتى، ويتيه عن "الطريقة" الواحدة .... ! تلك التي اتخذ لنفسه منها العنوان ...لا شيء غير العنوان ... ! يتيه عن الطريقة، ثم يتيه مجدّدا وهو يبحث عن سرّ التأخّر والتقهقر والعناء والشقاء... ! ويطرق أسبابا وأسبابا، وما السبب إلا في الضلال عن الطريق، وفي التّيْه عن "الطريقة"... !!
لذلك فإنّ الكلمات -كعادتها في القرآن- قليلة، ولكنها بوَزْن ثقيل، وبمدلول واسع ممتدّ : "استقاموا" ...
إنهم قد أسلموا .... ولكنّ الحكمة كل الحكمة في استقامتهم على ما اختاروا من طريق للحياة، استقامتهم على "الطريقة"... هكذا جاءت معرّفة بـ الألف واللام للتدليل على أنها هي الطريق...هي السبيل الموصِل... هي المبلّغة إلى الرُّشد...إلى خيرَي الدنيا والآخرة ... !
الاستقامة ... هي امتحان المسلم في هذه الدنيا... أيستقيم ويثبت ولا يبدّل الطريق، أم يتزعزع، ويهتزّ، ويميل مع كل ريح ؟
أيعتزّ بإسلامه وإن سمّاه مَن سمّاه رجعيا متخلّفا ؟!
أتستقيم وإن نعتها مَن نعتها بأنها المنغلقة ؟ لا لشيء إلا لأنها التي تحافظ على حجابها، فهي المتعلمة، وهي المعلمة، وهي العالمة المتستّرة، التي لا تخضع بقول، ولا تعرض نفسَها لمَن يشتهي ويهوى ... !
أتستقيم وتعتزّ بالطريقة، أم تترنّح وتهتزّ، وتخجل، وهي بين المتحرّرات تلك المتزمّتة المنغلقة المُغيَّبة عن دواعي العصر، وصيحات العصر، وجنون العصر...!
أتهتزّ والمتحرّرة مُقدَّمة عليها في كل محفل، وفي كل موقع، وهي المؤخَّرَة، لأنّها التي لا ترضى أن تكون عرضا بين العُروض المُربِحة ... !
أيستقيم على "الطريقة"، أم ينساق خلف مَن يُفتي له بأنه العصر، وبأنه الذي يقتضي ويقتضي، فيرضى بالدنيّة في دينه ليحوز الدُّنيا ... يرضى بفتوى العصر وما يقتضي، ويُسكّن آلامَ ضميره بمُسكّن المقتضيات والضرورات ... !!
أتُراه يستقيم أم يهتزّ....؟!! أتُراها تستقيم أم تهتزّ ؟ !!... ذلك الابتلاء.... ذلك الابتلاء... !
عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: "
قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ. قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ" - صحيح مسلم-
"قل آمنت بالله ثم استقم" .... وهكذا قال النّفر من الجنّ آمنّا، وقالوا منّا المسلمون ومنّا القاسطون ... وكذلك يقول كلّ مَن آمن، بها يضع قدمه على الطريق.... يختار الطريق ... طريق حياته التي عليها يسير، لا أن يقول ويُعلن، ثم على طريق أخرى هو سائر... ! فهو التائه الحائر، الذي لا يُفهَم من إسلامه إلا الإعلان ... أما البيان فما من بيان ... !
وهي ذي حالنا المُحيّرة التي يُشدَهُ منها كلُّ مَن يرى المسلمين وهو لا يرى الإسلام، يرى المعلنين، ولا يرى البيان... !
وإنّ تمام الحكمة، وتمام الرّشاد في الاستقامة والثبات على "الطريقة" ...
"وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا"
الماء الغدق الكثير الذي هو علامة الرّفاه والعيش الرغيد، الماء أساس الحياة، وأساس قيام الحضارات، فجاءت : " مَّاءً غَدَقًا " هنا تدلّل على الإنبات، والخضار والحياة، والدنيا توصَف بأنها الحلوة الخضِرة، استُعمِل في وصفها الخضار الذي هو من الماء، كنايةً عن الحياة المرفَّهة ...
صلة وطيدة وعلاقة وثيقة هي بين الاستقامة والاغديداق، بين الاستقامة والرّزق الوفير من الله تعالى.
ولقد أسهبتُ في هذه العلاقة في تدبّراتٍ عرفتَها معي في سورة نوح...
أتذكر... ؟ ! إذ جاء فيها قوله سبحانه: "
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا(12)"
عرضتُ لقول مَن يعترض على خصوصية العطايا الربانية للمؤمن دون غيره، على اعتبار أنّ الكافر أيضا مُرَفَّهةٌ ومُترَفَةٌ حياته، وأنّ المسلمين اليوم هم الذين يكابدون شظف العيش ... فعودتك لذلك الإسهاب حول الآية يُغني عن مزيد تفصيل هنا ...(تُرجى العودة إلى سورة نوح، مع قوله سبحانه: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهارًا (12)")
آيات عديدة في القرآن تعرِض العلاقة بين الاستقامة والرزق الوفير... تُبِين في كل مرة حقيقة هذا التلازم .... وما حال المسلمين التي نعرفها اليوم، والتي تجعل المتسائلين المغرضين والمتسائلين المستفهمين في واد واحد، إلا مِن غلبة العنوان فيهم على البيان !
فهم قد قالوا وأعلنوا الطريقة، ولكنهم ما استقاموا عليها ! والاستقامة عليها تساوي الجهاد في سبيل بيان أنّها الطريقة الواحدة للأرض قاطبة، وأنها المناسبة لكل أهل الأرض ...ولكننا نعيش المداهنات، والاستسلامات والمساومات، والتنازلات في سبيل إرضاء مَن لا يرضون إلا أن تُتَّبع طريقتُهم :"
وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم..."- البقرة: من الآية 120-