كتبت ديمة مصطفى سكران بعنوان :
تعدد الزوجات تحت المجهر
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)
تحذير قبل القراءة:
سأستعرض في هذا المقال المطول بعض الأفكار عن مسألة تعدد الزوجات في إحدى عشر نقطة. ولأن الأمر معقد ومتشابك وكثير التفرعات سيكون المقال طويلا نسبيا، وربما من أطول المنشورات التي كتبتها، وهذا تحذير لمن يمل القراءة سريعا، أما من يجد الأمر يستحق بعض الوقت، فعليه بفنجان قهوة أو كأس شاي قبل أن يباشر القراءة.
مقدمة:
دعونا نتفق أولا على بضعة أمور:
لن أكون في مقالي هذا بصدد استعراض التفاسير المختلفة لآيات التعدد المذكورة في القرآن الكريم، وعلاقة ذلك بالإقساط في اليتامى أو بالعدل أو غير ذلك، فـ (غوغل) لمن أراد الاستزادة بحر واسع للكثير من وجهات النظر والتفاسير، ولست فقيهة حتى أفتي في هذا الأمر. ولن أتحدث عن تعدد الزوجات في حال الزواج من أرملة ذات أولاد لكفالتهم ورعايتهم أبدا فهذه حالة لم أرها إطلاقا رغم أنها واحدة من أهم مقاصد هذا التشريع الحنيف. ولكنني سأتحدث عن التعدد الذي لم أعرف له إلا وجها واحدا للأسف، وهو الوجه الذي تروج له ثقافة المجتمع ويغيظ به الرجال النساء كحق للرجل في التمتع بامرأة أخرى وليس كحق عليه في كفالة ورعاية الأيتام والمحتاجين بالتزوج من أمهم، ولو طبق هذا الأمر على نحوه الصحيح لما رأيتم هذا الرفض الشديد للمرأة لفكرة التعدد.
إذاً سأتناول هذا الأمر من جانب أخلاقي اجتماعي إنساني ومن وجهة نظر (امرأة مسلمة) من حقها التعبير عن وجهة نظرها في هذا الأمر، وللمختصين الرد والتصحيح. هو محض دردشة معكم، ولكم أن تخالفوني كما شئتم ولكن أرجوكم افتحوا عقولكم وقلوبكم لكلامي، فأنا لا أهدف إلا لأن يفهم الإنسان الأمر من زاوية جديدة حتى لو لم يقر به، وأبواب التعليق مفتوحة للجميع، وستكون الفقرات مرقمة لترتيب الأفكار وتسهيل النقاش.
1- الغلبة العددية للرجال على النساء
يتذرع البعض للتشجيع على التعدد بغلبة أعداد النساء على الرجال ،الأمر الذي لا تؤيده الاحصائيات، بل تنفيه بفارق بسيط لحساب الرجال. المصدر:
https://www.ined.fr/en/everything_about_population/demographic-facts-sheets/faq/more-men-or-more-women-in-the-world/وفي بعض الدول يفوق عدد الرجال النساء بفارق كبير، وفي بعض الدول الأخرى تعمر النساء أكثر بكثير من الرجال، وفي بعض البلدان تموت الرضيعات بنسبة أعلى بكثير من الرضع فتكون الفروقات غير ذات قيمة إحصائية في هذا الشأن، ويجب الاعتماد على احصائيات توضح أعداد النساء والرجال في عمر الزواج لتكون المعطيات دقيقة.
وحجة كثرة عدد المتأخرات عن الزواج من النساء لتبرير التعدد بهدف (الستر) على العوانس، هي ليست إلا جزءا من حقيقة كثرة عدد المتأخرين عن الزواج رجالا ونساء في مجتمع نسبة الرجل إلى المرأة فيه هي تقريبا 1:1، ولكننا نرى الأمر عند النساء ونتغاضى عنه عند الرجال. فليست إلا نسبة قليلة من النساء يصلن إلى ما فوق الثلاثين وهن عزباوات، ولكن معظم الرجال في أيامنا هذه يتزوجون ما بعد الثلاثين من عمرهم، ولكنهم يختارون الصغيرة، فلم نسمي النساء ههنا عوانس ونطالب بتفعيل تعدد الزوجات لحل هذه المشكلة الفرعية، بينما نترك الكثير من الرجال يتأخرون في الزواج ولا نقيم لهذا الأمر وزنا. والأولى هو حل مشكلة تأخير الزواج لكلا الجنسين لما تورثه من مشاكل في المجتمع وعلاقات زوجية مضطربة جدا، وميول غير سوية في العلاقات الجنسية بسبب الإدمان على الأفلام الإباحية، تصل حد العزوف عن الزوجة في كثير من الحالات. فالمسألة ليست بسيطة ومجرد (تأخر في الزواج) وحسب، بل هي تدمير لشخصية الرجل والمرأة معا في المجتمع المسلم نتيجة الكبت الجنسي والعاطفي. والأولى حل المشكلة للجنسين معا، علما أن المتضررين منها هم الرجال أكثر من النساء، وذلك بتيسير الزواج وتمويله للشباب الصغار العاجزين عنه وبتغيير مفهومه وبتصحيح مفاهيم المهر ومعايير الاختيار للزوج والزوجة، وليس بهدم بيت لبناء آخر فلا يمكن بحال طلب مصلحة واحدة في أمر تغلب عليه مفاسده، ولا يمكننا أن نعالج العرض ونهمل المرض الأساسي.
2- الزواج الثاني ليس حلا لسوء خلق الزوجة
ويتذرع آخرون بسوء خلق الزوجة في البيت ويجعلون من ذلك ذريعة للزواج الثاني، فهل إذا تزوج الزوج على زوجته سيئة الخلق انحلت المشكلة أو تحسن خلقها؟ بل لعله سيسوء أكثر وأكثر، ولعله أصلا ناتج عن خلل في أصل العلاقة بينهما يحتاج إلى إصلاح، فهل يكون الإصلاح بالهرب إلى امرأة أخرى وترك العلاقة الأولى على حالها؟ هل يكون الحل بالهرب إلى ملاذ زواج جديد وترك المرأة تعاني فوق بؤس زواجها بؤس تزوج زوجها عليها؟ أم أن العشرة بالمعروف والحكمة وتأمين جو صالح لتربية الأولاد هو الواجب الأولى على الأب المسلم؟ أوليس هو من اختارها زوجة له منذ البداية وعليه بالتالي تحمل مسؤولية قراره هذا حتى النهاية؟
وماذا تفعل الزوجة إذا كان زوجها سيء الخلق؟ ألا تؤمر بالصبر والتحمل ومحاولة الإصلاح؟ أم أن عليها هي الأخرى الهرب من علاقتها الزوجية الصعبة؟
الزواج الثاني لا يمكن أبدا أن يكون حلا لمشاكل الزواج الأول، بل هو هروب جبان عاجز عن حل المشكلة بدل مواجهتها.
3- تعدد زوجات أيام النبي وفي القرآن الكريم
ويتذرع آخرون بالتعدد الذي كان شائعا في مجتمع الصحابة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وهو كان شائعا قبل الإسلام أيضا كما كان الرق أيضا شائعا، وهذه المظاهر الاجتماعية كانت من سمات ذلك المجتمع القبلي. وكما أنك لن تجد آية في القرآن الكريم تحرم الرق فإنك لن تجد آية مشجعة عليه، وكذلك الأمر مع التعدد، جاءت الآيات لتقيد مسألة التعدد في مجتمع يتزوج فيه الرجل عدد لا محدود من النساء. ولم يشجع القرآن على التعدد أبدا، بل كان مقرونا في الآيتين اللتين ذكر فيهما بالتحذير من عدم العدل والظلم وعدم الإقساط (سواء بين اليتامى أو بين الزوجات)، وذكر سبحانه وتعالى في العديد من الآيات الأخرى أحكام العلاقة الزوجية من خطوبة وخلاف ومصالحة وطلاق وعشرة بالمعروف ووو.. دون ذكر التعدد أو التلميح له حتى!
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا)
زوجها وليس أزواجها! وهناك الكثير من الآيات الأخرى التي جاءت بنفس المعنى، وهو سبحانه خلق لأبينا آدم أمنا حواء، ولم يخلق له أكثر من امرأة.
إذا التعدد مباح بالتأكيد، ولكن ليس كل مباح مأتي، بل يجب وزنه بميزان المصالح والمفاسد وإلا تحول الحلال إلى حرام إذا غلبت مفاسده على مصالحه.
4- هل الرجل مفطور على التعدد حقا؟
خلق سبحانه وتعالى لأبينا آدم أمنا حواء فقط، ولم يخلق له أكثر من امرأة، رغم أن هذا كان ليجعل أمر تزاوج الأبناء أسهل وأيسر، ولكنها الفطرة التي فطر الله كلا من الرجل والمرأة عليها، أن يكتفيا ببعضهما البعض.
ويتذرع آخرون بميل الرجل الفطري إلى النساء، وبأنه قادر على حب أكثر من امرأة في نفس الوقت، بل وهو محتاج إلى ذلك. وأعتقد أن المسألة هنا مسألة ثقافية بحتة متعلقة بالبيئة التي تربى فيها هذا الرجل ، وبالأفكار التي زرعت في وعيه ولا وعيه. فمن الملفت للنظر فعلا أنه في مجتمعاتنا المسلمة تسود مفاهيم مثل (جهلة الأربعين) و(الرجل قادر على حب أكثر من امرأة) أو (النساء مخلصات أكثر من الرجال) بينما لا تسود مفاهيم مماثلة في كثير من المجتمعات الأخرى، جهلة الأربعين مثلا مسألة لا وجود لها إطلاقا في المجتمع الألماني، كما أن الخوف في هذه المجتمعات من الخيانة قائم لدى الزوجين بنفس الدرجة، فالمرأة تتخوف من خيانة زوجها لها مع أخرى، تماما مثلما يتخوف الرجل من خيانة زوجته له مع آخر، ولا يوجد جنس يخون أكثر من جنس أو جنس مخلص أكثر من جنس (والشاهد هنا أن الخيانة هي الميل للجنس الآخر لدى الشخص المتزوج والذي يتذرع به البعض كـ "حكمة" لتشريع التعدد)
وحتى في مجتمعاتنا، فإن معظم الخيانات الزوجية تحدث في أوساط المتزوجين بين رجل متزوج وامرأة متزوجة، ولو كان أمر الخيانة في الرجل فطرة مبررة، فما هو حاله في المرأة التي تخون، هل هو شذوذ وانحراف غير مبرر أو أنه هو الآخر جزء من طبيعة الإنسان الأصيلة في الطمع بما لا يملك والميل إلى الجنس الآخر في مواضع الاختلاط غير المضبوط؟
إذا المسألة ثقافية اجتماعية بحتة، ولا علاقة لها كما يدعي البعض ب (فطرة الرجل)، بل إن فطرة الإنسان رجلا كان أو امرأة هي الميل إلى الجنس الآخر حتى لو كان هذا الإنسان متزوجا، ويبدو هذا الميل على أشده في الرجال في مجتمعاتنا حين يبرره هذا المجتمع ويزرعه في عقول أبنائه منذ نعومة أظفارهم بل ويباركه في أحيان كثيرة، ويتعامل معه على أنه من مزايا الرجولة ومحامدها لا من نقائصها في عدم القدرة على ضبط النفس عند الميل للشهوات.
وصف الحسن البصري الرجل مكتمل الرجولة بهذه العبارات " هو من يمتلك نفسه عند الرهبة و الرغبة وعند الشهوة و الغضب "
نعم، المجتمع يلعب دورا كبيرا في إظهار بعض الحقائق حول طبيعة البشر وإخفاء بعضها الآخر. وكمثال علي ذلك خذ العرب هنا في أوروبا، فبينما يشهق الرجال العرب انبهارا بحسن الأوروبيات وجمالهن، وهم مطمئني القلوب إلى أن نساءهن مكتفيات بهن، تتنهد النساء حسرة بين بعضهن البعض سرا حين يرين من جمال الرجال الأوروبيين ما هو جديد على عيونهن. المجتمع يسمح بالحالة الأولى ويتفهمها ويبررها فتظهر واضحة جدا في كثير من النكات والقصص والتعليقات والسلوكيات الصريحة، بينما يجرم الحالة الثانية ويستنكرها فتبقى طي الخفاء محصورة بهمسات النساء وغمزاتهن وضحكاتهن الخافتة.
5- الحب لغير الزوج/الزوجة في القرآن الكريم
إن أفقع مثال على ميل الشخص المتزوج لغير زوجه ورد في القرآن الكريم في سورة يوسف حين قص سبحانه وتعالى قصة امرأة العزيز التي أغرمت بسيدنا يوسف (شغفا، وحبا، وتعلقا عاطفيا شديدا).
وبينما أنكر القرآن الكريم التجاوب مع هذا الميل بارتكاب المعصية، إلا أنه لم يجرم هذا الشعور العاطفي، بل عبر عنه بلفظ غاية في الجمال "قد شغفها حبا" ولم يسمّ الأمر رذيلة أو فجورا أو انحطاطا، في إشارة لطيفة منه سبحانه إلى حالة طبيعية تمر بالإنسان رجلا كان أو امرأة، بل لعل الميل القلبي هو عند النساء أشد قوة وأعتى تأثيرا لطبيعتهن العاطفية المتحكمة، فيكون تعلق قلوبهن بغير أزواجهن أمرا أكثر ورودا - منطقيا- من انجذاب الرجل المتزوج لغير زوجته، والذي يكون غالبا انجذابا جنسيا ماديا، بسبب تأثر الرجل بالغريزة أكثر من تأثره بالعاطفة، وأما الغريزة الجنسية فهي غريزة قابلة للكبح والفرملة وخاصة عند الرجل المتزوج الذي سيجد قنوات مباحة لتصريفها، وأما الميل العاطفي عند المرأة فهو سيل جارف يصعب عليها جدا إيقافه حتى لو كانت متزوجة، لأن القلب على عكس الجسد لا يرضى إذا عشق إلا بالمحبوب.
إذاً ورد عشق المتزوج لغير زوجه في القرآن في سورة كاملة بطلتها امرأة، أما ورود تعدد الزوجات في ذات الكتاب الحكيم فلم يرد صراحة إلا في آية واحدة في سورة النساء ولم يكن مقرونا لا بالعاطفة ولا حتى بالشهوة الجنسية بل كان مقرونا بحفظ حقوق اليتامى وبطمع الرجال في المال.
ويعيبون على المرأة عاطفيتها ويصفونها بـ "نقص العقل" ويستأثرون لأنفسهم بـ "القوامة" ومزاياها (على كل ما في هذه الأمور من فهم مغلوط للمصطلحات)، ثم يأمرون هذه المرأة بكبح جماح عاطفتها الجبارة في حال تملكها العشق وهي متزوجة، وهذا ما تفعله النساء، لأنه ما تربين عليه، ثم يتعاطفون مع الرجل الحكيم العاقل القوّام الذي تعلق بامرأة، ويقولون (شهوته غلبته وفطرته حكمته!) فقط لأن المجتمع سهل وبرر وبارك.
6- هل النساء أكثر مروءة من الرجال؟
ومن الحجج التي يوردها البعض لتبرير الزواج الثاني مرض الزوجة مرضا مستعصيا أو عجزها عن إنجاب الأطفال. وماذا تفعل الزوجة إذا لو مرض زوجها مرضا مستعصيا؟ أفلا تصبر مروءة وكرم أخلاق وطمعا في الأجر والثواب متغاضية عن كل احتياجاتها العاطفية والجسدية والنفسية وربما المادية، وهي "ناقصة العقل العاطفية"؟!! أفلا تصبر إذا عجز زوجها عن الإنجاب في غالب الحالات فتحرم نفسها من التمتع بأقوى غريزة وضعها الله فيها؟! أفتكون وهي "ناقصة العقل والدين" أكثر مروءة وأكرم خلقا من كثير من الرجال الذين يسارعون في هذه الحالات للزواج بأخرى؟! أسئلة مشروعة تنتظر إجابات!
7- التعدد في حالات السفر وتفوق رغبة الرجل الجنسية على المرأة
ويتذرع البعض لتبرير التعدد بحجة السفر ومفارقة الزوجة لأوقات طويلة. أفيفارقها طويلا فتصبر على فراقه متحملة القيام بأعباء بيته وأولاده كابتة مشاعرها واحتياجاتها وأشواق نفسها وهي المرأة العاطفية ، ثم يفارقها هو فلا يقدر، وهو رب الأسرة وقائدها، على التصبر والتحمل؟
فإذا لم يكن على ذلك قادرا، فالأولى لها ألا تقدر. ومن منا ينسى الحادثة الشهيرة التي سمع فيها سيدنا عمر زوجة شابة تصوغ أشواق نفسها شعرا لزوجها في الليل، فيأمر رضي الله عنه بألا يترك الجندي زوجته أكثر من أربعة أشهر، رأفة بقلوب النساء وأشواق نفوسهن.
وأما شدة الرغبة الجنسية وتفوقها لدى الرجل فأظن أنها معتقدات سادت في أيام كان الصمت فيه غالبا على تناول هذا الأمور علميا وطبيا، ولكن دراسات اليوم تنفي هذه الحقيقة، بل لعلها تتحدث عن سطحية الرغبة الجنسية لدى الرجل وارتباطها بمعايير فيزيائية بحتة، بينما تتعقد الرغبة الجنسية لدى المرأة لترتبط بمستويات نفسية وعاطفية عميقة في داخلها، ولذا يسهل إشباع رغبة الرجل بينما يصعب إرضاء المرأة جنسيا. وإذا كان الرجل قادرا على التمتع جنسيا بزوجتين أو أكثر، وإذا كان قادرا على التمتع حتى مع امرأة لا يحبها، فإن المرأة إذا أصابها من زوجها جرح نفسي فسيكون من المحال عليها التمتع بالعلاقة الحميمة بأي حال من الأحوال، وسيحرمها هذا الجرح من الوفاء باحتياجاتها العاطفية والجسدية. فكيف إذا يستخدم هذا الأمر حجة لتعدد الزيجات؟ أليس فيه ظلم كبير؟
8- البحث عن حب جديد كذريعة للزواج الثاني!
وأما الحجة الأكثر إثارة للعجب والتي يتذرع بها البعض فهي خفوت لهيب الحب للزوجة الأولى، وبالتالي الحق بالتمتع بحالة عاطفية جديدة تحيي ما مات في القلب، وتجدد الشباب وتنعش الفؤاد طالما أن الأمر مباح ومحلل.
وأنا أقول أن هذه هي الأنانية الصرفة، فالحب إذا خفت لهيبه لدى الرجل فهو أولى بالخفوت لدى المرأة أيضا لما تقاسيه مع زوجها من شقاء الخدمة وتعب الحمل والوضع وتربية الأولاد والبقاء في المنزل، وهي الأحق بالبحث عن هذا الحب الجديد مع رجل آخر كونها الإنسان العاطفي ذو المشاعر الفياضة. فبعد أن رأت من زوجها ما رأت من مساوئ ومناتن لن يعود في نظرها ذلك الرجل الجذاب الذي تزوجته، ومن المنطقي أن تتمنى هي الأخرى في سرها حبا جديدا ولكنها لا تفعل، وإذا فعلت فلا تصرح، لأن المجتمع لم يعلمها أن ذلك مفهوم ومباح ومبرر كما علم الرجل!
إن أزهد الناس بالنعمة هو صاحبها. ومن الطبيعي أن يزهد المرء مهما حسن خلقه بزوجه أو بزوجته، فهذا من طبيعة البشر، وسيمر به أي رجل وأي امرأة في كل زواج. وعوضا عن الاستسلام لهذا الجحود للنعمة يجب مقارعته بتذكر المزايا لدى الشريك وتذكير النفس بعيوبها ومساوئها، فهذا من خلق الكرام.
9- خاص للرجل: كيف يطاوعك قلبك؟
نعم كان التعدد شائعا في وقت سابق، وكان أمرا مقبولا لا تستنكره النساء، وكان له غايات كثيرة ليست الرغبة الجنسية إلا أقلها طرقا، كالتأليف في حالات النزاع وخطب ود الملوك وزعماء القبائل والطمع بالمال ورعاية اليتامى وغير ذلك، ولكنه الآن أصبح مقصودا بذاته لغايات تمتع الرجل بامرأة أخرى دون زوجته. وهو الآن في وقتنا ومجتمعاتنا هذه يعد إهانة عظيمة للمرأة وسفحا لكرامتها وانتقاصا لقدرها وقيمتها بين أهلها وأقرانها، وهو مدعاة لشماتة أعدائها بها ومدعاة لشفقة القريب والبعيد عليها، وهو فاطر لقلبها وكاسر لخاطرها ومورثها لأمراض النفس والجسد، فأي ظلم عظيم هذا الذي قد يقترفه الرجل بحق زوجته ليرضي نزوة عابرة أو ليجدد شباب قلب قد مضى؟ أي ظلم عظيم لا يرضاه الله لهذه المخلوقة التي تكون، إذا سكتت عنه، مقهورة عليه بسيف الدين وبسيف رضا الزوج وبسيف الطلاق والأولاد؟!
هذا ليس من العشرة بالمعروف في شيء، فـ (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ).
فأي قسوة في القلب يمكن أن تصل برجل لأن يغدر بشريكة حياته التي آمنته على نفسها وقلبها وعمرها ووهبته كل شيء لتنال رضاه؟ وهي التي أعطته زهرة قلبها وعمرها وهي التي تحملته في كل حالاته وتقلباته متعرقا منتنا وغاضبا متأففا ومتدللا ومفلسا وفاغر الفم غافيا على أريكة أو أشعث الشعر خارجا من دورة المياه صباحا، فيأتي الآن ليعيد ثقته بنفسه على حسابها في علاقة جديدة مع امرأة تراه الفارس المنتظر وترضي له غرور نفسه بالمديح والغزل؟
وحين يتزوج من جديد ستنكشف أستار الجاذبية بعد فترة وسيعود في نظر زوجته الجديدة ذلك الرجل الذي له من المساوئ والمناتن ما له وستعود هي في نظره امرأة عادية منطفئة الفتنة، وسيزول الحب الثاني من جديد. أفيعود حينها ليفكر بالثالثة؟ أوليس هذا بطمع وأنانية ليس لهما حد؟!
وحين يخطو هذه الخطوة، هل سيصفو له قلب زوجته الأولى يا ترى بعدما انفطر حزنا وهي جالسة تبكي على سريرهما في أول ليلة تنامها وحدها، بينما هو نائم في حضن أخرى؟! لا والله، ما ينكسر من القلوب لا يعود أبدا كما كان. وما من امرأة ترضى بهذا الأمر إلا وتكون قد قررت إخراج زوجها من قلبها تماما، فهذا أمر لا ترضى به عاشقة، بل امرأة مجبورة مقهورة، ونعوذ بالله من قهر الرجال.
وهل تزوج عليه الصلاة والسلام على محبوبته خديجة وهو الشاب الفتي وهي العاشقة له التي تكبره بخمسة عشر عاما؟ هل رضي لها ولنفسه بذلك؟ بل عدد عليه الصلاة والسلام بعد وفاتها تعدد قائد الدولة والنبي، وكان لكل زيجة من زيجاته حكمة جلية بعيدة كل البعد عن مطاوعة هوى النفس وكسر قلوب النساء.
لا، ليس بذي مروءة أبدا من يقدم على ذلك بحق زوجته التي تحبه.
وليست بذات مروءة أبدا تلك التي تقبل ببناء حياتها على أنقاض امرأة أخرى من بنات جنسها.
ولكن لكل قاعدة استثناءات بالتأكيد، وأنا لا أنكر أن هناك حالات يكون فيها التعدد حلا مثاليا، ولكنني أصر دوما على أن يكون برضا جميع الأطراف وهم متمتعين بحرية القرار بدون أي ضغط أو ابتزاز، وإلا لوقع في الأمر ظلم، وأنا متأكدة لو أن التعدد عاد مقبولا في المجتمع ولم يَعُد يُعَدّ إهانة وانتقاصا للمرأة لطالبت به كثيرات من النساء اللواتي لا يعشقن أزواجهن، تحررا من ثقل مسؤوليات الزوجة عليهن، وتحررا من ثقل تطلب الأزواج وتدللهم وتكبرهم.
10- خاص للمرأة: الله يا عزيزتي لا يرضى لك بالحزن
تأملوا معي أصدقائي هذه الآيات القرآنية:
( ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ )
(فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)
(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)
(فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ)
لقد ورد فيها جميعها عدم رضاه سبحانه وتعالى عن حزن النساء في مواضع عديدة لم يرد مثيل لها بهذا الخطاب الرقيق وهذا التخصيص لإنسان بعينه إلا في خطاب الله لنبيه الكريم في آيات أخرى، وكأنه يريد سبحانه أن يخبرنا أن حزن المرأة شيء عظيم عنده جل جلاله، لأن قلبها الرقيق إذا فطره الحزن تستحيل حياتها كلها بنهاراتها ولياليها سوادا وكآبة لرقة مشاعرها ورهافة حسها. ولأنها إذا حزنت حزن معها البيت كله فلا ترى له بهجة أبدا. وهو سبحانه أرحم بها من نفسها، أبى لها الحزن وأراد لها دائما الرضا والسرور. ونبيه رضي الله عنه كان آخر كلامه: استوصوا بالنساء خيرا، وكانت آخر تحذيراته الخشية على الرجال من فتنة النساء، لا من فتنة جمالهن فقط، بل من أن تفتنهم قوتهم وبأسهم وتفوقهم على النساء وأن يفتنهم ضعفهن وعجزهن واحتياجهن لهم فيظلمونهن ويكسرون قلوبهن ويأكلون حقوقهن كما نرى في أيامنا هذه بأم أعيننا.
فهل تصدقين عزيزتي أن الله سبحانه يرضى بأي ظلم يقع عليك كما يريد البعض إفهامك؟ وكيف يعطي سبحانه للرجل الذي قد يكون (كل ما في حياة هذه المرأة وقلبها) الرخصة بأن يفطر فؤادها حزنا بالزواج عليها؟ وكيف إذا كره سبحانه حزنها تأتي أنت أيها الرجل لترضاه لها فتفطر قلبها بما تكره؟! وهل تستنكر مشاهد التعذيب الجسدي في السجون ثم تستهين بالتعذيب النفسي الذي يورث آلاما نفسية عظيمة في شعور المرأة، قد تكون أقوى من الآلام الجسدية، لمجرد أنك لا تستطيع رؤية هذه الجروح بأم عينيك؟ وهل نزعت الرحمة من قلبك حتى تفعل ما تفعل؟ ولكنه ربي الرحمن الرحيم جبار الخواطر والقلوب.
11- أهم من كل ما قيل: لا تفتنوا النساء في دينهن!
كلمة أخيرة: تستطيع عزيزي القارئ أن تنس كل ما قيل وأن تنكره وأن تخالفني فيه كما تريد، لكن أرجوك تذكر هذه النقطة الأخيرة فقط، وأنا راضية بذلك.
التشجيع على تعدد الزوجات بهذه الحجج الواهية، واختصار هذه الرخصة الإلهية التي أقرها القرآن لعلاج بعض الحالات الإسعافية في المجتمع، ولرأب صدعه برعاية الأيتام والثكالى وضحايا الحروب، أصبح بالفهم الذي يروج له الآن فتنة للمسلمات في دينهن!
نعم، تعتقد كثير من النساء في قرارتهن أن الله متحيز للرجال، وحاشاه سبحانه وتعالى عما يصفون، وذلك بسبب الإجحاف في تفسير النصوص لصالح الرجل. ولذا لم يعد الحديث عن التعدد (كما في كل مسائل المرأة الأخرى) ترفا فكريا يؤخذ ويرد فيه في المنتديات والملتقيات، ثم يأوي المختلفون إلى بيوتهم كل على ما آمن به، بل أصبح مسألة تستوجب البت والتقنين العاجل وفق مقاصد الشريعة وروحها السمحة العادلة بما يرفع الظلم عن النساء ويضع التشريع في سياقه الصحيح السليم الذي أراده الله له أن يكون. فبعد كل هذه التغيرات التي ألمت بمجتمعاتنا من ظروف الهجرة واللجوء والاحتكاك بالحضارات الأخرى، أصبحت مسألة التعدد وما يرافقها من تعنت وتكبر ذكوري مقيت في التفسير وسحب لحاف المصالح لطرف الرجال فتنة كبيرة للنساء، بالذات الشابات منهن، في دينهن، أصبح بوابة واسعة للتشكيك والخروج عن الملة لكثرة ما أحاط بهذا التشريع من سوء فهم وتفسيرات ذكورية لم ترد في القرآن أبدا وتطبيق مجحف وظالم (لا يمكن لأحد إنكاره) بحق النساء.
فهل يرضى أي رجل مسلم صادق أن يفتن امرأة مسلمة عن دينها حين يريد المدافعة عن هذه الفكرة من وجهة نظر ذكورية متعنتة أنانية بحتة بعيدا عن هديه سبحانه الرحمن الرحيم العادل الودود؟؟!! هل يرضى أن يحمل أمام الله سبحانه مسؤولية هذه الصورة المغلوطة التي يصدرها للنساء مسلمات وغير مسلمات عن إلهنا الرحيم العادل ودينه الحق؟ هل هو قادر على الوقوف بين يدي الله ليقر له أنه جعل فلانة وفلانة من المسلمات وغير المسلمات تفهم شرعه سبحانه وفق ما يشتبه بأنه صادر عن حكم أهواء الرجال وما يتفق مع مصالحهم ورغباتهم؟ ألا يستحق استشعار هذه المسؤولية الثقيلة وهذه الأمانة العظيمة وقفة جديدة لإعادة النظر في الأحكام الفقهية وتفاسير النصوص ومحاولة فهمها وفق روح الإسلام الحقيقية؟
نعم، أظن ذلك،ولكن السؤال برسم المختصين.