نواصل مع قطاع الأسرة (222-242)، وقد عرفنا منه (222-227) محور البناء، ومحور الطلاق والدعوة للحفاظ على البناء ما أمكن إلى ذلك سبيل (228-232)
والآن نبدأ مع الجزء الأخير من القطاع (233-242)
3-ما بعد الانفصال بالطلاق أو بالموت
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(234) وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ(235) لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ(236) وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237) حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ(238) فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ(239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ(241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(242)
سينجرّ عن الطلاق حتما ما يستدعي تشريع ما يضمن بقاء الكيان الذي خلفّه المنفصلان. وكذا من مات عنها زوجها ينبغي أن يشرّع لها ما يحفظها ويحفظ الأسرة من بعده، وستكون الفرصة متاحة لبدء حياة جديدة للمطلقة أو الميت عنها زوجها، وكلّه سنراه في هذه الآيات .
3-أ) الآية 233: تهتم بشأن الولد، وأحكامها تسري على ولد المطلّقين كما تسري على ولد غير المطلقّين، ولكن ناسب مجيئها بعد آيات الطلاق اتصالها بها، واحتواؤها أحكاما تعنى بأمر الولد، فهذا
حكم الرضاع لحولين كاملين لمن أراد أن يتمّ رضاع الولد، ثم حكم
إنفاق الوالد على ولده وعلى أم الولد أثناء هذه الفترة بما يقدر عليه، ثم بيان ألا يضار أحد من الوالدين بولده، فلا الأم يضرها الأب بولدها بحكم تعلقها به فيزهد في الإنفاق عليه وعليها مثلا، ولا الأب تضره الأم بأن تلزمه بإنفاق ما يفوق طاقته، ثم بيان
الفطام بتراض ما بين الوالدين وتشاور في أمر قطع الرضاع، كما أنه سبحانه يذكر جواز
الاسترضاع بشرط إيتاء المرضعة حقها. ثم تختم الآية الجامعة لشؤون الولد المرضَع بالأمر بالتقوى، لتعليق الأمر دائما وأبدا بالله تعالى خالق الخلق، ومنزل المنهج لهم مشكاة على درب الحياة .
3-ب) الآيتان 234 و235: يأتي حكم المتوفى عنها زوجها، والتي عليها أن تعتدّ عليه لأربعة أشهر وعشرة أيام، ومتى انقضت مدة العدة، والتي فيها زيادة عن عدّة الطلاق لخصوصية وفاة الزوج، ولتخصيص وفاته بحزن امرأته عليه مدة تدوم كل هذه الأشهر، لمكانة الزوج من زوجته، ولبيان قدر هذا الميثاق الغليظ الذي يربط بين الرجل والمرأة، وليكون أيضا مدة كافية لتبرئة الرحم، فأما إذا انقضت العدة فلا جناح على أهلها وعلى وليّها في إٍرادتها الزواج مرة أخرى بما يقرّه الشرع ويرتضيه العُرف. وفي الآية 235، يأتي ذكر من يُراد الزواج بها سواء كانت مطلقة طلاقا كاملا لا رجعة فيه، أي بالبينونة الكبرى، أو متوفى عنها زوجها، وهنا يشرَّع التعريض بالزواج منها في مدة العدة ولا يشرع التصريح احتراما وتوقيرا لحزن المرأة على زوجها، فلا يجوز لمسلم أن يخطب خطبة صريحة خلال العدة، إلا من التعريض، وهنا أسوق كلاما للطنطاوي رحمه الله في الأمر:
"
قال القرطبي: (قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك أجمعت على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز وكذلك ما أشبهه وجوز ما عدا ذلك. ولا يجوز التعريض لخطبة المطلقة طلاقا رجعيا إجماعا لأنها كالزوجة. وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض لخطبتها).
والتعريض في خطبة النساء أساليبه مختلفة، ومما ذكره العلماء في هذا الشأن أن يقول الرجل للمرأة: إنى راغب في الزواج أو أن يقول لوليها: لا تسبقني بها إلى غيرى."
وفي الآية بيان تحريم المواعدة سرا للمتوفى عنها زوجها أو المطلقة طلقة البينونة الكبرى، وألا يحدث العزم على الزواج إلا بعد انقضاء مدة العدة المقررة شرعا . وف يهذا مصلحة من جهتين، من جهة توقير العلاقة السابقة واحترامها، وتتبّع آثارها بالتوقير، ومن جهة جواز أن تبدأ المرأة حياة جديدة، فليس معنى وفاة زوجها تحريم الزواج عليها، ولكل نفس من الأنفس ما تطيقه، فمن النساء من لا يتزوجن بعد وفاة الزوج الأول، ولا يقبلن بزوج ثان، ومنهنّ من تعيل أطفالا وتستعين بزواج ثان على الإعالة، ومنهنّ من لا تطيق صبرا على الزواج، فأن تأتي الحلال خير لها من أن تأتي الحرام، وقد جاءت الأحكام مناسبة لكل نفس من هذه الأنفس المتفاوتة في طاقة الاحتمال .
3-ج) الآيتان 236 و237 وفيهما عودة للحديث عن الطلاق، ولكن هنا ليس في حيثيات الطلاق وطريقته وعدد الطلقات، وإنما حول ما ينبغي من المطلِّق نحو مطلَّقته في حالتين خاصّتين:
الأولى : حالة المطلقة التي لم يدخل بها زوجها ولم يذكر لها صداقا والتي تشرع لها متعة يمتعها بها طليقها، كلّ حسب مقدوره وذلك إيناسا لها من وحشة ما يلحقها من طلاق قبل المسّ.
والثانية: حال المطلقة قبل المس وقد فرض لها صداق، فهذه تأخذ نصف صداقها، ولا ترجعه كله، إلا أن تعفو هي في هذا القدر فلا تأخذ منه شيئا أو أن يعفو الزوج فيعطيها الصداق كله.
وأن العفو هو الأقرب للتقوى. كما يدعو سبحانه إلى عدم نسيان فضل الواحد على الآخر، لأن هذه الذكرى من شأنها أن تعمل على نشر الأمان والوئام بين الناس، وحلول المودة والاحترام بدل التنافر والبغض بفعل الطلاق والتفرّق .
نلاحظ في هاتين الآيتين أنّ الأمر فيهما بالعفو وعدم نسيان الفضل، وبمؤانسة المرأة غير المدخول بها بإمتاعها بشيء من المال يعوّضها مصابها، وهو ما يوجب انبثاث الأمان والسلام والوئام، وتطييب الخواطر. وكلها دعوات لأن يكون التسريح والتطليق بتقوى وبإحسان، وبطرق لا تنشر البغضاء والكره والأمراض النفسية في المجتمع . وقد بُيِّن في الآيات السابقة لهاتَين أنّ لكل مفارق الحق في تأسيس حياة جديدة، وفي فتح صفحات جديدة، لا إثم ولا حرج ولا جُناح ولا غبار على ذلك، ما دام كله في إطار ما حدّده الشرع، وما بيّنه من أوجه السلامة.
والآن بعد الحديث عن العفو، وعن الفضل، وعن التقوى، وعمّا من شأنه أن ينشر السلام والوئام، ويبعد البغضاء والشحناء... إنه تمهيد وحُسن تخلّص للانتقال إلى مجال روحاني سامٍ يخرج بنا من عالم الواجبات والحقوق، وعالم الحدود إلى عالم الروحانيات المحلّقة في فضاء الله تعالى، إلى عالم الاتصال بالله تعالى، ليس بمعنى أنّ ما كان سابقا لم تكن فيه الصلة بالله، كلا ثم كلا... فلقد عرفنا أنّ كل خطوة من تلك الخطوات كانت محفوفة بالدعوة للتقوى، ولذكر الله، واليوم الآخر، وإنما هنا انغماس في عالم الصلة الأقوى بين العبد وربه، في عالم الصلاة 3-د) الآيتان 238و239 : "حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ(238) فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ(239)"
إنها الصلاة، إنها الصلة بين العبد وربه، إنها مناجاة العبد ربه، وتوجهه له بالسؤال، والدعاء، وتأكيد العبودية له في اليوم خمس مرات، والاستعانة به، وسؤاله الصراط المستقيم خمس مرات في اليوم، والبكاء بين يديه سبحانه، وإفراغ جعبة الآلام والأنواء بين يديه، وبثّه الشكوى، وسؤاله التثبيت .
إنها ملاذ المؤمن، ومهربه من عالم الدنيا وأنوائها، وأثقالها، إلى الرب الخالق الرحمن الرحيم، إلى يده الآسية سبحانه، إلى المربِّتِ على الروح بيد رحمته وحنانه، إنها الصلاة من بعد الحديث عن مطلّق فارق زوجته، حزين على ذهاب ما كان به سعيدا يوما قريبا، ومطلّقة تبحث عما يؤنسها من بعد ما صارت حياتها إلى فراق بعد لقاء، ووحدة بعد مؤانسة، وضعف بعد قوة بالشريك....
هي ملاذ الغاضب الذي آلى من زوجته، أو أوشك أن يفعل...
إنها الصلاة ملاذ مَن توفي عنها زوجها، وملاذ مَنْ قد عُرّض لها بزواج وهي في عدّتها، وملاذ من ترك لها الولد الرضيع وغير الرضيع وهي المطلقة أو المتوفى زوجها عنها، هي ملاذ كل هؤلاء، هي مدرستهم التي تذكّرهم بالتقوى التي أمِروا بها جميعا، هي وسيلة اتصالهم بالله تعالى في كل خطوة من خطواتهم، هي التي تنهاهم عن منكر وتأمرهم بمعروف، كلما اتصلوا عبرها بالله، فذكروا وتذكروا، أن المصير إليه والأوبة إليه، وأن الحساب عليه، فيعدِل عن الشَّيْن مَن فكّر به حلا، ويُقدم على فعل الخير والبر والإصلاح من نواه...
وهذا كله تفسير لقيام هاتين الآيتين هذا المقام، بعد آيات الزواج والطلاق والعدة، والرضاع والخلع وغيرها من أحكام الأسرة... إنها التذكرة، إنها استرواحة المؤمن من لأواء السفر البعيد في ثنايا طلاق أو فراق، أو غضب أو حزن أو مسؤولية ثقيلة من الأولاد ....
وإنها الدعوة للحفاظ على الصلوات عقبت الدعوات المتتالية للحفاظ على الكيان الأسري وعلى حقّ الرجل والمرأة في حياة هنيئة ملؤها السلام والأمان النفسي.
وقد يسأل سائل: وما شأن : "فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ"؟نقول: هو بيان أنّ الصلاة باقية لا تنقطع، لا يقطعها خوف في حرب، فكيف تقطعها مشاكل الحياة؟ اتصال المؤمن بالله تعالى لا ينقطع وإن كانت الحالة حالة حرب، فكيف تقطع الصلة مشاكل الحياة ؟إن المؤمن إنسان ضعيف، معرّض للابتلاءات، معرّض للمشاكل، وليس حلا أن يهرب من مشاكله بالحزن والانطواء، والاكتئاب والانعزال، بل إنه بإيمانه وبصلته الدائمة بربه، سيعلم أنه يُمتحن، فلا تكون غايته ولا يكون مناه إلا أن ينجح في امتحانه، ولا يكون ذلك إلا وهو مؤتمر بأمر ربه، منتهٍ عن نهيه، فليست المطلقة إنسانا ناقص الإنسانية، ولا مؤمنا أقل درجة من غيره من المؤمنين، وليست المتوفّى عنها زوجها في إدبار عن الحياة وعن علاقتها بربها وقد فارقها زوجها بالموت.
وفي هذا المقام لنا أن نرجع للوراء قليلا (الآية153) وهي التي سبقت بداية الحديث عن الابتلاءات(155): "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(153) وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ(154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ(155).
إذن من هنا كان المبتدأ (153) وهي دعوة المؤمنين للاستعانة بالصبر والصلاة على الابتلاء، وهنا (238) التي بين أيدينا، جاءت بعد ذكر عدد من الابتلاءات في الحياة الأسرية دعوة للحفاظ على الصلوات، فالمؤمن المستعين بالصبر وبالصلاة على الابتلاءات، ها هو يتعرض للابتلاءات، فيُدعى للحفاظ على الصلوات ليتمّ نجاحه وفوزه.
مؤمن مستعين بالصبر والصلاة-----> ابتلاءات------> حفاظ على الصلواتكما تجدر الإشارة إلى أنّ الحديث عن صلاة الخوف-وهي صلاة الحرب غالبا-، بوادر ومقدّمات لما سيأتي من حديث عن القتال في الآيات المقبلة، فناسب مقام الآيتين الأمر من وجهين اثنَيْن، وجه صلة الصلاة بحياة العبد، وهي صلته بربه في كل خطوات حياته، وما لها من دور في تقويم الاعوجاج، وعلاقة صلاة الخوف بما هو آت من حديث القتال .
3-هـ) الآيات (240-242) يأتي فيها ذكر حقوق متممة لكل من المتوفى عنها زوجها والمطلقة، فأما المتوفى عنها زوجها (240)فهذه وصية زوجها بأن تترك في محل الزوجية ولا تُخرج منه حولا كاملا، وتُضمن النفقة عليها وعلى احتياجاتها تماما لحسن المعاشرة الزوجية حتى من بعد الوفاة، وزوجها يوصي بها قبل وفاته، ومن العلماء من قضى بأن الآية منسوخة بآية الميراث، إذ لا وصية لوارث، ومنهم من يقول بإحكامها.و أما المطلقة فيوصى بأن يمتّعها مطلّقها متاعا بالمعروف من غير إضرار له ولا لها وكله من باب التقوى.
ثم تُختم الآيات كلها، آيات قطاع الأسرة كلها(222-242) بقوله تعالى : "
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(242)"
وهكذا قد بيّن الله لعباده آياته، حتى يعقلوا، وحتى يحكّموا عقولهم، فيدركوا إدراك البصر والبصيرة أنّ ما أمر الله به هو عين ما يجب اتباعه، وأن ما نهى عنه هو عين ما يجب اجتنابه. لأن الحق حق ظاهر أبلج، والباطل باطل زاهق لجلج .كيف لا وسلامة المجتمع من سلامة الأسرة التي تُراعى حقوق كل أفرادها، ويُراعى الكيان كلّه ويُتّبع بحسن التشريع لحالاته، بينما نرى بأمهات أعيننا مجتمعات غارقة في الحيوانية والشهوانية والإباحية لا يردعها رادع، ولا يحدّها حادّ، وما حالها الرُّزء إلا من انبتات صلتها بالله المشرّع سبحانه .
وهذا تمثيل لقطاع آيات الشؤون الأسرية كله(222-242):