المحرر موضوع: في ظلال القرآن  (زيارة 134951 مرات)

0 الأعضاء و 4 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: في ظلال القرآن
« رد #100 في: 2013-03-22, 10:39:38 »
والله وبصراحة لم تعجبني كثيرا وشعرت انها مضطربة
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #101 في: 2013-03-22, 10:48:40 »
والله وبصراحة لم تعجبني كثيرا وشعرت انها مضطربة

أفصحي يا هادية  emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: في ظلال القرآن
« رد #102 في: 2013-03-22, 11:24:22 »
طبعا هذه اراء تقبل النقاش... وليس فيها حق مطلق
لكن القناعة التي وصلت لها ان النصارى الممدوحين بآية (أقربهم مودة) هم غير المذمومين بقول (لقد كفر الذين قالوا) فالاولون نصارى موحدين، آمنوا بالاسلام لما بلغهم، والاخرون منحرفون عن العقيدة الصحيحة كافرون بالله وبوحدانيته، وليسوا اقرب مودة، بل هم صليبيون لطالما اذاقونا الويلات في كل مرة ينتصرون بها سواء في الاندلس او الحروب الصليبية او غيرها
وكلامه ان اليهود ينازعون في النبوات لا الالهيات غير دقيق، لان اليهود لديهم خلل عقائدي في صفات الله عز وجل، فهم يرونه بخيلا (يد الله مغلولة) ويحسبونه لا يسمعهم ولا يعلم سرهم (أتحدثونهم بما فتح الله به عليكم ليحاجوكم به عند ربكم) ويحسبون الله يتعب ويرتاح، ويتعارك مع الانسان فيغلبه الانسان (كقصة عراكه مع يعقوب في التوراة او العهد القديم) الخ
واي دليل واقعي تطبيقي على زهد النصارى في الدنيا. بما في ذلك رهبانهم الذين يكنزون الذهب والفضة في الاديرة ويفرضون على الناس الاتاوات والا حرموهم من ملكوت السموات ...
وهناك خلاف في تفسير قوله تعالى (ورهبانية ابتدعوها) هل كانت على محمل المدح ام الذم..
وعلى هذا لم يعجبني الكلام ووجدته مضطربا
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #103 في: 2013-03-22, 11:39:00 »
طبعا هذه اراء تقبل النقاش... وليس فيها حق مطلق
لكن القناعة التي وصلت لها ان النصارى الممدوحين بآية (أقربهم مودة) هم غير المذمومين بقول (لقد كفر الذين قالوا) فالاولون نصارى موحدين، آمنوا بالاسلام لما بلغهم، والاخرون منحرفون عن العقيدة الصحيحة كافرون بالله وبوحدانيته، وليسوا اقرب مودة، بل هم صليبيون لطالما اذاقونا الويلات في كل مرة ينتصرون بها سواء في الاندلس او الحروب الصليبية او غيرها
وكلامه ان اليهود ينازعون في النبوات لا الالهيات غير دقيق، لان اليهود لديهم خلل عقائدي في صفات الله عز وجل، فهم يرونه بخيلا (يد الله مغلولة) ويحسبونه لا يسمعهم ولا يعلم سرهم (أتحدثونهم بما فتح الله به عليكم ليحاجوكم به عند ربكم) ويحسبون الله يتعب ويرتاح، ويتعارك مع الانسان فيغلبه الانسان (كقصة عراكه مع يعقوب في التوراة او العهد القديم) الخ
واي دليل واقعي تطبيقي على زهد النصارى في الدنيا. بما في ذلك رهبانهم الذين يكنزون الذهب والفضة في الاديرة ويفرضون على الناس الاتاوات والا حرموهم من ملكوت السموات ...
وهناك خلاف في تفسير قوله تعالى (ورهبانية ابتدعوها) هل كانت على محمل المدح ام الذم..
وعلى هذا لم يعجبني الكلام ووجدته مضطربا


بارك الله فيك، وأيضا قولهم "نحن أبناء الله"، وقولهم عزير ابن الله ...
ربما أن كان من النصارى قسيسون ورهبان سمعوا كلام الله ولانت له قلوبهم، هنا كان اللين من جانبهم أظهر من اليهود الذين لم يعرف حتى عن أحبارهم مثل هذا

وأرى-والله أعلم- أن الاستشهاد بقول الله تعالى "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى"، مجتزءا عن باقي السياق في الآيات لن يكون سليما،من حيث الاستشهاد على لين عريكة النصارى قياسا باليهود، فذلك لا يكون في كل حال، ولا في كل زمان، ولا ينطبق على عموم النصارى، ذلك أن المعنيين فئة بعينها، حددها الله تعالى وحدد سبب كونهم أقرب مودة بقوله سبحانه: "ذلك" التي فتح بها باب معرفة السبب والجواب على السؤال : كيف كانوا هكذا ؟

فجاءت : "ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ(82) وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83) وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ(84"
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #104 في: 2013-03-23, 07:27:23 »
تفيض...تفيض العين من الدمع، تمتلئ العين بالدمع فتخرجه عن حدودها......العين وعاء الدمع، تفيض منه فتطرحه خارجها منسابا على الخدود، مبلِّلَها.... يفوق الأمر الاغريراق فيصير فيضانا ......!
ما الذي يجعل العين تفيض من الدمع ؟!!! إنها أمور كثيرة ...
ولكن ترى ما الذي يجعل العين تفيض من الدمع عند الاستماع لكلام الله تعالى ؟!
ما بال أقوام لا يعرفون اللغة العربية، فإذا سمعوا القرآن، فاضت أعينهم من الدمع ...!!
إنه الحق .....
أجل إنه الحق له فِعله في الفطرة، تلك الفطرة التي فطرنا الله عليها سليمة صحيحة غير منحرفة ولا معوجّة ...
إنه لَيوقظها حتى في النفس الكافرة، فكأني بها تنتفض باكية على ما ظلمت نفسها ...
وكأني بالفطرة تستيقظ ذلك الحين فتخِزُ النفس، فتفيض العين من الدمع أن فرطت، ونسيت، وضلّت، وتاهت عن دوائها، وعن ملاذها، وملجئها الآمن ....
كما تفيض العين من الدمع من الحق، وهي لنفس مؤمنة، ذلك أن الفطرة فيها ترتاح، وتزداد راحتها، وتستلذ الحق، وتستشعر حلاوته، فتفيض العين من دمع مريح شافٍ...
أليس قوله تعالى :
وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83)-المائدة-

تفيض أعينهم من الدمع مما عرفوا من الحق، والمفسرون يذكرون حال النجاشي والقساوسة من حوله وجعفر الطيار يتلو عليهم شيئا من سورة مريم.... ....مما عرفوا، إنها الفطرة فيهم تعرِف، إنها الفطرة تميل للحق، إنها تريده، إنها ترتاح له ، غنها تعرفه فتبكي النفس ظلمها نفسَها...تستوحش ما هي فيه من ضلال، تحنّ للحق، تحنّ لسواء السبيل، تحنّ للحق وهي النفخة من روح الله ..............
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #105 في: 2013-03-26, 08:28:40 »
قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(71)-الأنعام-

"ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله"...
هنا يأتينا الله سبحانه بمَثَل لهذا الذي يرتد على عقبه، فمثله كمثل الذي استهوته الشياطين...
الشياطين تستهويه، أي تطلب هُوِيَّه أو تطلب هواه،من هوِيَ (بكسر الواو وفتح الياء) ومن هوَى ...

وكما يقول الشعراوي طلب الهُوِيّ أو طلب الهَوَى كلاهما واحد، فهذه الشياطين تطلب هويّه في سُحق، سقوطه في سحق بعيد، أو تطلب أن يكون هواه هو هواها، فهو حيران، حيران لأنه كان على الحق ثم ارتدّ، فأصبح حيرانا ولم يعد مستقرا، لأن الاستقرار لا يكون إلا مع الحق، إلا مع نفحات الله، إلا بنور الله، والنفس بعد ارتدادها قد أظلمت فلم تعد تعرف الطريق...بل قد التبس عليها حق بباطل، تماما كما يلتبس على الساري في ظلمة دامسة الحائط من فضاء ....

والضياع والحيرة نتيجة الارتداد والابتعاد من بعد قُرب بأمس قريب، وحيرته تزيد وهو تجتذبه الشياطين من جهة وتدعوه صحبة إلى الهُدى من جهة أخرى، فبعدما انتكس ونكص على عقبيه لم يعد يثق أنّ أصحاب الهُدى هم أهل الحق، بل أصبح الغبش يعمّي عليه، فهو بين هذا وبين ذاك حيران .....حيران، ويالكذب الكاذبين وهم يحاولون عبثا إخفاء حيرتهم بمسوح سموها "حُريّة"، وداخله ظمآن، وداخله تعبان، وداخله حيران ....حيران لا مراء ولا جدال....

فكيف السبيل إلى الخلاص وهذا الحيران فيما هو فيه من حيرة ومرض وتخبّط ؟

إنه أن يفصل مع نفسه بتعليم الهادي سبحانه له في هُداه بأن الهُدى الذي سيرتاح له ويرتاح فيه لن يكون إلا هُدى الله الخبير العليم بهذه النفس التي خلقها، ويعلم ضعفها ويعلم قلة حيلتها، ويعلم حقّ دوائها ....
فلن يكون دواؤه إلا إذا عرف القاعدة أن : "هدى الله" هو "الهدى" ...

هذا هو التعريف الحقّ للهدى، هو أنه هُدى الله، وأن هُدى الله هو الهُدى ...وما من هُدَيَيْن اثنَيْن ...
بل إنه "الهدى" معرّفة بألف ولام، ثم يعرّفه بلفظين اثنين : "هُدى الله"، فمتعلَّقُها الذي يعرفها في الجزء الأول من المساواة :"هدى الله= الهدى" هو لفظ الجلالة "الله"
ما من بابين اثنين، إن هو إلا باب واحد تطمئن فيه النفس، وتستقرّ وترتاح وتهنأ حق هناءتها، وتجد الفطرة مطلبها وحاجتها فيه لأنها منه... لأنه منبعها ....
هي صنع هذا الهُدى .....

ولن يعلم براحة النفس وعلاجها من كل أسقامها إلا خالقها الذي خلقها ......فهُدى الله هو الهُدى ....

وذلك سبيل الخلاص وما عداه حيرة وتخبط، تماما كما نرى حال الأرض اليوم في تململها وتخبّطها وهي تُعرض عن دوائها الأصلي وتطفق باحثة عن مسكّنات ما تفتأ تقوّي الألم وتبرّحه بعد أن توهِم لبرهة أنها سكّنتْه .....
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #106 في: 2013-03-28, 08:43:50 »
تأملت قبل قليل آيات من سورة الأنعام، فإذا الفعل فيها بصيغة الماضي الذي حدث وكان وتحقّق، فتأتيك الومضات هنا كيف أن الله سبحانه وتعالى يأتي بالأفعال ماضية ومضارعة كلّ في مكانه المناسب الدقيق، الملائم لعلمه ولوعده المتحقق، ولوجوب فعله سبحانه وتعالى لكل ما قدّر وكتب، فكأن الشيء قد كان ومضى وتحقق، وهو ما يزال موعده إلى حين قيام الساعة ....سبحان الله ! لننظر مثلا قوله :


وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(28)

 وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ(31)

لقد وقفوا على النار، ولقد قالوا قول الندامة والحسرة وتمنّي العودة ليؤمنوا، ولكن قد فات الأوان، وقد بدا لهم ما كانوا يُخفون ....انتهى الأمر وانقضى، كما هو علم الله تعالى، وكما هو وعده الحق، وكما هو تقديره الدقيق المتحقق .... لنستشعر ونحن نقرأ كم أن الوعد حق، وكم أن الواعد سبحانه فعّال لما قدّر، لا ريب ولا جدال، ولكنها حياتنا الدنيا تحول بيننا وبين رؤية ما يعلمه الله، فقط هي حياتنا الدنيا، وبعد انتهائها نقول نحن "ســ"، و"سوف" نرى، ولكنّ الله يؤكّد لنا وقوعه وكأنه وقع وانتهى .

وكما نلاحظ ورود الفعل الماضي في مكانه المناسب والملائم له تمام الملاءمة، نلاحظ أيضا ورود الفعل مضارعا حاضرا وهو في زمن المستقبل من غير "سين" التسويف ولا "سوف" التسويف، بل الفعل كما هو حاضر أمام العيان ليتبيّن لنا عيانا حاضرا تلك الصورة المتحققة أيضا، لنستشعرها أمامنا مصوّرة متحركة ليس بيننا وبينها حائل من تسويف، بل هي أمامنا .... ولنستشعر عِظم هذا الذي سيحدث، وعِظم هذا الذي سيكون وكأنه أمام أعيننا اليوم . فلننظر قوله سبحانه :

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ


ويشاء الله أن أقرأ الآن كلمات للدكتور مصطفى محمود رحمه الله فيها من الرؤية ذاتها إذ يقول:

ونجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن .. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض .. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
" و نفخ في الصور"
"و انشقت السماء فهي يومئذ واهية "
"و برزت الجحيم للغاوين"
"وعرضوا على ربك صفا"
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
"أتى أمر الله فلا تستعجلوه"
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد .. و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض .. و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #107 في: 2013-03-28, 14:22:59 »
قال الله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) سورة العنكبوت 2

قانون إلاهي

إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف ، و أمانة ذات أعباء ، و جهاد يحتاج إلى صبر ، و جهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس : آمنا . و يتركون لهذه الدعوة ، بل سيتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها و يخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه و بين العناصر الرخيصة العالقة به – و هذا هو أصل الكلمة اللغوي و له دلالته و ظله و إيحاؤه – و كذلك تصنع الفتنة بالقلوب .

هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت ، و سنة جارية ، في ميزان الله سبحانه :

(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)

و الله يعلم حقيقة القلوب قبل الإبتلاء ، و لكن الإبتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله ، مغيب عن علم البشر ، فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم . و هو فضل من الله من جانب ، و عدل من جانب ، و تربية للناس من جانب ، فلا يأخذوا أحداً إلا بما استعلن من أمره ، و بما حققه فعله . فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه !

إن الإيمان أمانة الله في الأرض ، لا يحملها إلا من هم لها أهل و فيهم على حملها قدرة ، و في قلوبهم تجرد لها و إخلاص . و الذين يؤثرونها على الراحة و الدعة ، و الأمن و السلامة ، و على المتاع و الإغراء .

و إنها لأمانة الخلافة في الأرض ، و قيادة الناس إلى طريق الله ، و تحقيق كلمته في عالم الحياة ، فهي أمانة كريمة ، و هي أمانة ثقيلة ، و هي من أمر الله يضطلع بها الناس ، و من ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء .

أنواع الفتن

و من الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل و أهله ، ثم لا يجد النصير الذي يسانده و يدفع عنه ، و لا يملك النصرة لنفسه و لا المنعة .

و هناك فتنة الأهل و الأحباء الذين يخشى أن يصيبهم الأذى بسببه ، و هو لا يملك عنهم دفعاً .

و هناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين ، و رؤية الناس لهم ناجحين مرموقين ، تهتف لهم الدنيا ، و تصفق لهم الجماهير ، وتتحطم في طريقهم العوائق ، و تصفو لهم الحياة . و هو مهمل منكر لا يحس به أحد ، و لا يحامي عنه أحد ، و لا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئاً .

و هناك فتنة الغربة في البيئة و الاستوحاش بالعقيدة ، حين ينظر المؤمن فيرى كل من حوله غارقاً في تيار الضلالة ، و هو موحش غريب طريد .

و كما قال صلى الله عليه و سلم (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء) مسلم

و هناك فتنة من نوع آخر . فتنة أن يجد المؤمن أمماً و دولاً غارقة في الرذيلة ، و هي مع ذلك راقية في مجتمعها ، متحضرة في حياتها ، يجد الفرد فيها من الرعاية و الحماية مع ما يناسب قيمة الإنسان . و يجدها قوية غنية ، و هي مشتاقة إلى الله !

و هنالك أكبر و أعنف فتنة وهي فتنة النفس و الشهوة . و الرغبة في المتاع و السلطان ، أو في الدعة و الاطمئنان . و صعوبة الاستقامة على صراط الإيمان و الاستواء على مرتقاه ، مع المعوقات و المثبطات في أعماق النفس ، و في ملابسات الحياة ، و في منطق البيئة ، و في تصورات أهل الزمان !

حكمة الفتن

و ما بالله – حاشا لله – أن يعذب المؤمنين بالابتلاء ، و أن يؤذيهم بالفتنة . و لكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة . فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق ، و إلا بالاستعلاء الحقيقي للشهوات ، و إلا بالصبر الحقيقي على الآلام ، و إلا البثقة الحقيقية في نصر الله أو ثوابه ، على الرغم من طول الفتنة و شدة الابتلاء .

و النفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث ، و تستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ و تتجمع . و تطرقها بعنف و شدة فيشتد عودها و يصلب . و كذلك تفعل الشدائد بالجماعات ، فلا يبقى صامدا إلا أصلبها عودا ، و أقواها طبيعة ، و أشدها اتصالا بالله ، و ثقة فيما عنده للمحسنين : النصر أو الأجر . و هؤلاء هم الذين يستلمون الراية في النهاية . مؤتمنين عليها بعد الاستعداد و الاختبار .

و إنهم ليستلمون الأمانة و هي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن ، و بما بذلوا لها من الصبر على المحن ، و بما ذاقوا في سبيلها من الآلام و التضحيات . و الذي يبذل من دمه و أعصابه ، و من راحته و اطمئنانه ، و من رغباته و لذاته . يشعر و لا شك بقيمة الأمانة التي بذل ، فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات و الآلام .

فأما انتصار الإيمان و الحق في النهاية فأمر تكفل به وعد الله . و ما يشك مؤمن في وعد الله . فإن أبطأ فلحكمة مقدرة ، فيها الخير للإيمان و أهله . و ليس بأحد بأغير على الحق و أهله من الله . و حسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة و يقع عليهم الابتلاء ، أن يكونوا هم المختارين من الله  ، ليكونوا أمناء على حق الله . و أن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء :

جاء في الصحيح : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء )

قانون آخر

و أما الذين يفتنون المؤمنين ، و يعملون السيئات ، فما هم بمفلتين من عذاب الله , مهما انتفخ باطلهم و انتفش ، و بدا عليه الانتصار و الفلاح .

وعد الله كذلك و سنته في نهاية المطاف :

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ)

فلا يحسبن مفسد أنه مفلت و لا سابق . فإن الله الذي جعل الابتلاء سنة ليمتحن إيمان المؤمن و يميز الصادقين و الكاذبين ، هو الذي جعل أخذ المسيئين سنة لا تبدل و لا تتخلف و لا تحيد .

تطمين الذين يرجون لقاء الله ، ووصل قلوبهم به في ثقة و يقين

(مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )

فلتقر القلوب الراجية في لقاء الله و لتطمئن ، و لتنتظر ما وعدها الله إياه ، انتظار الواثق المستقين ، و لتتطلع إلى يوم اللقاء في شوق و لكن في يقين . فإن الله سمع لها و يعلم تطلعها (و هو السميع العليم)

(وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)

فإذا كتب الله على المؤمنين الفتنة و كلفهم أن يجاهدوا أنفسهم لتثبت على احتمال المشاق ، فإنما ذلك لإصلاحهم ، و تكميلهم ، و تحقيق الخير لهم في الدنيا و الآخرة .

(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه)

فلا يقفن أحد في وسط الطريق ، و قد مضى في الجهاد شوطا ، يطلب من الله ثمن جهاده ، و يمن عليه و على دعوته ، و يستبطئ المكافأة على ما ناله !

فإن الله لا يناله من جهاده شيء و ليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل (إن الله لغني عن العالمين) . و إنما هو فضل الله أن يعينه في جهاده ، و أن يستخلفه في الأرض ، و أن يأجره في الآخرة بثوابه :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)

فليطمئن المؤمنون العاملون على مالهم عند الله ، من تكفير للسيئات و جزاء على الحسنات . و ليصبروا على الجهاد و الفتنة و البلاء . فالأمل مشرق و الجزاء طيب ينتظرانهم في نهاية المطاف . و إنه لحسب المؤمن حتى لو فاته في الحياة الانتصاف .

نموذج من النفوس

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ )

ذلك النموذج من الناس ، يعلن كلمة الإيمان في الرخاء يحسبها خفيفة الحمل ، هينة المؤونة ، و لا تكلف إلا نطقها باللسان ، (فإذا أوذي في الله) بسبب الكلمة التي قالها و هو آمن معافى (جعل فتنة الناس كعذاب الله) فاستقبلها في جزع ، و اختلت في نفسه القيم ، و اهتزت في ضميره العقيدة و تصور أن لا عذاب بعد هذا الأذى الذي يلقاه ، حتى عذاب الله ، و قال في نفسه : ها هو ذا عذاب شديد أليم ليس وراءه شيء ، فعلام أصبر على الإيمان ، و عذاب الله لا يزيد على ما أنا فيه من العذاب ؟

(وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ)

إنا كنا معكم .. و ذلك موقفهم في ساعة العسرة من التخاذل و التهافت و التهاوي ، و سوء التصوير و خطأ التقدير ، و لكن حين يجيء الرخاء تنبث الدعوى العريضة ، و ينتفش المنزوون المتخاذلون ، و يستأسد الضعفاء المهزومون ، فيقولون (إنا كنا معكم) !

(َأوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ)

أو ليس يعلم ما تنطوي عليه تلك الصدور من صبر أو جزع ، و من إيمان أو نفاق ؟

(وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ)

وليكشفهم فيعرفون ، فما كانت الفتنة إلا ليتبين الذين آمنوا و يتبين المنافقون .

فهل نحن مستعدون لتحمل البلاء ؟ ؟

في ظلال القرآن للسيد قطب رحمه الله – سورة العنكبوت (2-11)

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #108 في: 2013-04-02, 16:25:50 »
"رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا"

وكيف يكون المؤمنون فتنة للذين كفروا؟

قال المفسرون: تصيبهم هزائم بسبب تقصيرهم فينظر الكفار إلى هذه الهزائم ويقولون: لو كانوا على حق ما مستهم تلك المصائب . .



محمد الغزالي: حصاد الغرور

غير متصل الميماس

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 479
  • الجنس: ذكر
رد: في ظلال القرآن
« رد #109 في: 2013-04-03, 04:26:42 »
بارك الله بكم ....متابع
وأين حمص وما تحويه من نزهٍ  :  ونهرها العذب فياضٌ وملآنُ

لاتكتب( إنشاء الله) بل اكتب إن شاء الله

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #110 في: 2013-04-03, 10:13:25 »
بارك الله فيك يا زينب وجزاك كل خير، وأرجو ألا تحرمينا من هذا في هذا الموضوع...

أهلا بك أخي الميماس .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #111 في: 2013-04-04, 16:02:17 »
في شأن تحريم الله سبحانه لأمور وتحليله لأخرى، وكيف لم تكن معالجة الإسلام لأمراض الجاهلية تلك المعالجة السطحية التي لا قيمة لها ولا جدوى منها، يقول في ذلك سيد قطب في ظلاله:
----------------------------------------------
ولم يبدأ المنهج الإسلامي في معالجة هذه التقاليد في أول الأمر , لأنها إنما تقوم على جذور اعتقادية فاسدة ; فعلاجها من فوق السطح قبل علاج جذورها الغاثرة جهد ضائع . حاشا للمنهج الرباني أن يفعله ! إنما بدأ الإسلام من عقدة النفس البشرية الأولى . عقدة العقيدة . بدأ باجتثاث التصور الجاهلي الاعتقادي جملة من جذورة ; وإقامة التصور الأسلامي الصحيح . إقامته من أعماق القاعدة المرتكزة إلى الفطرة . . بين للناس فساد تصوراتهم عن الألوهية وهداهم إلى الإله الحق . وحين عرفوا إلهم الحق بدأت نفوسهم تستمع إلى ما يحبة منهم هذا الإله الحق وما يكرهه . وما كانوا قبل ذلك ليسمعوا ! أو يطيعوا أمرا ولا نهيا ; وما كانوا ليقلعوا عن مألوفاتهم الجاهلية مهما تكرر لهم النهي وبذلت لهم النصيحة . . إن عقدة الفطرة البشرية هي عقدة العقيدة ; وما لم تنعقد هذه العقيدة أولا فلن يثبت فيها شيء من خلق أو تهذيب أو إصلاح اجتماعي . . إن مفتاح الفطرة البشرية ها هنا . وما لم تفتح بمفتاحها فستظل سراديبها مغلقة ودروبها ملتوية , وكما كشف منها زقاق انبهمت أزقة ; وكلما ضاء منها جانب أظلمت جوانب , وكلما حلت منها عقدة تعقدت عقد , وكلما فتح منها درب سدت دروب ومسالك . . إلى ما لا نهاية . .

لذلك لم يبدأ المنهج الإسلامي في علاج رذائل الجاهلية وانحرافاتها , من هذه الرذائل والانحرافات . . إنما بدأ من العقيدة . . بدأ من شهادة أن لاإله إلا الله . . وطالت فترة إنشاء لا إله إلا الله هذه في الزمن حتى بلغت نحو ثلاثة عشر عاما , لم يكن فيها غاية إلا هذه الغاية ! تعريف الناس بإلههم الحق وتعبيدهم له وتطويعهملسلطانه . . حتى إذا خلصت نفوسهم لله ; وأصبحوا لا يجدون لأنفسهم خيرة إلا ما يختاره الله . . عندئذ بدأت التكاليف - بما فيها الشعائر التعبدية - وعندئذ بدأت عملية تنقية رواسب الجاهلية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأخلاقية والسلوكية . . بدأت في الوقت الذي يأمر الله فيطيع العباد بلا جدال . لأنهم لا يعلمون لهم خيرة فيما يأمر الله به أو ينهى عنه أيا كان !

أو بتعبير آخر:لقد بدأت الأوامر والنواهي بعد "الإسلام" . . بعد الاستسلام . . بعد أن لم يعد للمسلم في نفسه شيء . . بعد أن لم يعد يفكر في أن يكون له إلى جانب أمر الله رأي أو اختيار . . أو كما يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه:"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" تحت عنوان:"انحلت العقدة الكبرى ":" . . انحلت العقدة الكبرى . . عقدة الشرك والكفر . . فانحلت العقد كلها ; وجاهدهم رسول الله [ ص ] جهاده الأول , فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر أو نهي ; وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى , فكان النصر حليفه في كل معركة . وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة , لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ; ولا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى ; ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى . حدثوا الرسول عما اختانوا أنفسهم ; وعرضوا أجسادهم للعذاب الشديد إذا فرطت منهم زلة استوجبت الحد . . نزل تحريم الخمر والكؤوس المتدفقة على راحاتهم ; فحال أمر الله بينها وبين الشفاه المتلمظة والأكباد المتقدة ; وكسرت دنان الخمر فسالت في سكك المدينة
" .
« آخر تحرير: 2013-04-04, 20:03:59 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #112 في: 2013-04-04, 20:22:03 »
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(93) -المائدة-

تدعو هذه الآية للتأمل والتعمق، والتفكر، والتدبّر، وتدعو للسؤال عن سرّ ورود التقوى فيها على ثلاث صيغ متعاقبة مختلفة، وقد وجدت أن سيد قطب رحمه الله قد تأمل ذلك كعادته في تأمل الصور الجمالية في القرآن العظيم، وفي صيغ القرآن العظيم، وقد اقرّ أنه لم يجد ما ترتاح له نفسه كل الراحة، فيما ورد عن المفسرين، ولا فيما وضع هو ذاته، فيقول:

----------------

ولم أجد في أقوال المفسرين ما تستريح إلية النفس في صياغة العبارة القرآنية على النحو وتكرار التقوى مرة مع الإيمان والعمل الصالح , ومرة مع الإيمان , ومرة مع الإحسان . . كذلك لم أجد في تفسيري لهذا التكرار في الطبعة الأولى من هذه الظلال ما يستريح إليه نفسي الأن . . وأحسن ما قرأت - وإن كان لا يبلغ من حسي مبلغ الارتياح - هو قاله ابن جرير الطبري:"الاتقاء الاول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل . والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل" . .
وكان الذي ذكرته في الطبعة الأولى في هذا الموضع هو:"إنه توكيد عن طريق التفصيل بعد الإجمال . فقد أجمل التقوى والإيمان والعمل الصالح في الأولى . ثم جعل التقوى مرة مع الإيمان في الثانية , ومرة مع الإحسان - وهو العمل الصالح - في الثالثة . . ذلك التوكيد مقصود هنا للاتكاء على هذا المعنى . ولابراز ذلك القانون الثابت في تقدير الأعمال بما يصاحبها من شعور باطني . فالتقوى . . تلك الحساسية المرهفة برقابة الله , والاتصال به في كل لحظة . والإيمان بالله والتصديق بأوامره ونواهيه , والعمل الصالح الذي هو الترجمة الظاهرة للعقيدة المستكنة . والترابط بين العقيدة الباطنة والعمل المعبر عنها . . هذه هي مناط الحكم , لا الظواهر والأشكال . . وهذه القاعدة تحتاج إلى التوكيد والتكرار والبيان" .
وأنا , اللحظة لا أجد في هذا القول ما يريح أيضا . . ولكنه لم يفتح علي بشيء آخر . . والله المستعان .


-----------------------------

وقد نزلت هذه الآية في الذين ماتوا من قبل بلوغهم تحريم الخمر،وهم مؤمنون منهم من مات في غزوة أحد، وفي بطنه الخمر، كما تساءل عنهم أصحاب لهم شهدوا التحريم، نزلت تبين أنّ التحريم يبدأ من النص لا قبله، وألا عقوبة إلا بنص....

فقلت -والله أعلم- أليس ورود التقوى في الصيغ المتعاقبة في الآية متعلقا بحال الذين ماتوا ولم يشهدوا تحريم الخمر، أو أي محرم لم يكن محرما وهم أحياء، ثم حال المؤمنين الذين شهدوا التحريم... ؟
بمعنى :
1- "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ"---------->  هذه عن الذين ماتوا ولم يشهدوا التحريم فلا عقوبة عليهم، وقد اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات، أي قد اتقوا الله في كل ما أمر ونهى وهم أحياء، ولم يشهدوا ما حرم بعد وفاتهم، وآمنوا، أي صدقوا بأمر الله كله، وعملوا صالحا أخذوا عليه جزاءهم من عند الله تعالى .

2-"ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ " ------------>  هذه عن المؤمنين الذين عايشوا ما قبل التحريم، وما بعده، فهم بعد التحريم اتقوا الله وآمنوا أي صدقوا ولم يرفضوا ويكذبوا، رغم سطوة الخمر على أنفسهم وتعودهم الكبير عليها .

3-"ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"--------------> هؤلاء الذين ارتقوا بإيمانهم إلى مرتبة الإحسان، فكلما شهدوا حكما جديدا من الأحكام وهم أحياء صدقوا وأطاعوا ولم يرتدوا، بل إن إيمانهم في رقيّ وازدياد وهم يسمعون ويطيعون كل أمر جديد وكل حكم جديد .

والله أعلم .



« آخر تحرير: 2013-04-04, 20:24:54 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #113 في: 2013-04-05, 11:10:39 »
أعجبتني هذه لابن عاشور في "التحرير والتنوير"، فلننظر إلى دقة استخدام فعل "طعموا"


لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(93) -المائدة-

وأصل معنى ) طَعِموا ( أنّه بمعنى أكلوا ، قال تعالى : ( فإذا طعِمتم فانتشروا ( ( الأحزاب : 259 ) . وحقيقة الطعم الأكل والشيء المأكول طَعام . وليس الشراب من الطعام بل هو غيره ، ولذلك عُطف في قوله تعالى ) فانظُر إلى طعامك وشَرابك لم يَتَسَنَّهْ ( ( البقرة : 259 ) . ويدلّ لذلك استثناء المأكولات منه في قوله تعالى : ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرّماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنّه رجس أو فسقاً أهلّ لغير الله به ( ( الأنعام : 145 ) . ويقال : طَعِم بمعنى أذَاق ومصدره الطُّعْم بضمّ الطاء اعتبروه مشتَقّاً من الطَّعْم الذي هو حاسّة الذوق . وتقدّم قوله تعالى ) ومن لم يطْعَمه فإنّه منّي ( ( البقرة : 249 ) ، أي ومن لم يذقه ، بقرينة قوله ) فمن شرب منه ( ( البقرة : 249 ) . ويقال : وجَدت في الماء طعْم التراب . ويقال تغيّر طعم الماء ، أي أسِنَ . فمن فصاحة القرآن إيراد فعل ) طَعِمُوا ( هنا لأنّ المراد نفي التَّبِعَة عمَّن شربوا الخمر وأكلوا لحم المَيْسر قبل نزول آية تحريمهما . واستعمل اللفظ في معنييه ، أي في حقيقته ومجازه ، أو هو من أسلوب التغليب .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #114 في: 2013-04-08, 15:18:57 »
إن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره وكرمه، ولذلك لا يضيف ذلك إلى نفسه، وأما العذاب والعقوبة، فإنما هو من مخلوقاته، ولذلك لا يسمى بالمعاقب والمعذب، بل يفرق بينهما، فيجعل ذلك من أوصافه، وهذا من مفعولاته، حتى في الآية الواحدة، كقوله تعالى: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم*وأن عذابي هو العذاب الأليم) [الحجر: 49، 50].

ابن تيمية

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #115 في: 2013-04-08, 21:05:04 »
(قل أعوذ برب الناس* ملك الناس* إله الناس* من شر الوسواس الخناس)

ومع ما في الآية من تكرار، فإنها في غاية البلاغة والإبداع والجمال، ولو قال: (رب الناس وملكهم وإلههم). لذهبت حلاوتها وطلاوتها، وغاض حسنها!

سلمان العودة: مع الله

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #116 في: 2013-04-13, 08:54:18 »
(قل أعوذ برب الناس* ملك الناس* إله الناس* من شر الوسواس الخناس)

ومع ما في الآية من تكرار، فإنها في غاية البلاغة والإبداع والجمال، ولو قال: (رب الناس وملكهم وإلههم). لذهبت حلاوتها وطلاوتها، وغاض حسنها!

سلمان العودة: مع الله
أي والله ....أي والله ... ما أجملها ، ما أروعها بتكرارها ....

بارك الله فيك يا زينب
« آخر تحرير: 2013-04-13, 10:40:40 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #117 في: 2013-04-13, 09:15:47 »
رائعة رائعة، أرجو أن تستمعوا لهذه المكالمة إخوتي ولمن لا يفهم اللغة الفرنسية سأضع أدناه المعنى الإجمالي لما كان في المكالمة :


https://www.facebook.com/photo.php?v=476848455683426


 أصل القصة أنها مكالمة من عاملة بمصلحة الاتصالات لسيدة تريد الاستعلام منها عن حال الأنترنت في بيتها، فتجيبها السيدة أنها مخطئة لأنه لا أنترنت في بيتها، ولا تملك حاسوبا أصلا، وأنها سيدة مسنّة عمياء، فيشاء الله أن تفتح معها حوارا، تُعجب العاملة بالمصلحة بالسيدة وتشفق عليها لما سمعت بعمى عينيها، فتسألها السيدة : هل أنت أفريقية فتجيب العاملة: نعم، فتسألها إن كانت مسلمة، تجيب العاملة: نعم ، فتفرح السيدة لذلك أيما فرح، وتقول لها ها أنا ذي أنطق الشهادة، فتنطق الشهادة صحيحة سليمة : "أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله"وتقول لها أنها درست أربع سنوات اللغة العربية لتتمكن من فهم الفصحى ونطقها، وأنها عرفت القرآن، وأنها أعجبت جدا جدا بسورة البقرة، وأنها قد أعجبت بالقرآن وهي التي قرأت الإنجيل وكتاب البوذيين، ولكن لم يؤثر بها كلام كما أثر بنفسها قوله تعالى :

"لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا "-من الآية 286 من سورة البقرة-، تقرأها عليها بالترجمة الفرنسية، تقول: لقد أعجبتني جدا جدا، وتقول لها: إن لديكم دينا جميلا جدا،تُعجب بها العاملة جدا فتستأذنها أن تعاود الاتصال بها مرة أخرى، فتأذن لها، ثم تقرأ عليها دعاء جميلا جدا بالفصحى، اسمعوه من صوتها في أواخر الفيديو .... emo (30):

تقول لها العاملة أن كلماتها قد أبكتها . وفعلا كلماتها مبكية،مبكية لأنها كلمات حق ....
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #118 في: 2013-04-14, 02:05:36 »
(وهو الغفور الودود) [البروج: 14]، إشارة إلى أنه مع المغفرة يزيل آثار الذنب، أما العباد فربما سامحوا، ولكن تبقى الجفوة والوحشة.

مع الله: سلمان العودة

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #119 في: 2013-04-15, 13:54:58 »
(وهو الغفور الودود) [البروج: 14]، إشارة إلى أنه مع المغفرة يزيل آثار الذنب، أما العباد فربما سامحوا، ولكن تبقى الجفوة والوحشة.

مع الله: سلمان العودة

سبحانه !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب