المحرر موضوع: مـــــــــــــــــــالك بن نبي ..........فكر ومفــــكر  (زيارة 54511 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

حازرلي أسماء

  • زائر
جزاك الله خيرا يا سيفتاب

نكمل إخوتي مع هذا الكتاب :

ونعيد خلاصة ما جاء على ذكره مالك بن نبي من أسباب دافعة لآداء مهمتين رئيسيتين هما :
* إتاحة فرصة التأمل الناضج في الدين للشباب المسلم
* اقتراح إصلاح مناسب للمنهج القديم في تفسير القرآن

ونعني أولا الأسباب التاريخية :
وذلك في قوله :

إن مشكلة التفسيرالقرآني على أية حال هي مشكلة العقيدة الدينية ، لدى المتعلم ، كما أنها مشكلة الأفكار الدارجة لدى رجل الشارع ، ومن هاتين الوجهتين ينبغي أن يعدل منهج التفسير في ضوء التجربة التاريخية التي مر بها العالم الإسلامي .وبالتالي فإذا كانت هذه الأسباب التي قدمناها تدل على ضرورة هذا التعديل فهناك أسباب اخرى تدل على محتواه ، أعني على صورة المنهج الذي يجب أن نسلكه في مشكلة الإعجاز .

ثم نتطرق الآن إلى السبب الثاني الذي يذكره وهو :
أسباب تعود إلى المنهج :

يؤكد مالك بن نبي في هذا الإطار على أنّه في إطار التطور الثقافي والاجتماعي الحاصل وكما أسلفنا الذكر كان على موقف المسلم تأثيرات إزاء دينه بصورة عامة ، بوصف القرآن كتابا منزلا ، فيدعو ذلك إلى استحالة الفصل في دراسة ظاهرته عن باقي الكتب السماوية المنزلة ولا فصل الإسلام ورسالة الإسلام عن باقي الرسالات الأخرى ، ويستشهد بحديث الرسول صلى الله لعيه وسلم :
"ما من نبي إلا وأوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحي إليّ ، فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"

فيأتي على تعريف الإعجاز
الإعجاز لغة : هو الإيقاع في الإعجاز
واصطلاحا هو الحجة التي يقدمها القرآن لخصومه من المشركين ليعجزهم بها

ويرى مالك بن نبي أنه وتبعا لذلك لا بد من تحديد معنى الإعجاز في القرآن بالنظر إلى مفهوم الإعجاز في الأديان عامة .
ثم يذكر من القرآن ثلاث آيات هي :



سورة الإسراء


سورة هود


سورة البقرة

ويقول مالك بن نبي :

ويجب أن نلاحظ أن هذه الآيات الثلاث لم يسقها القرآن لتنشئ الحجة وإنما جاءت إعلانا هنا ، وإشهارا لوجودها في سائر القرآن ، كيما تؤتي تأثيرها في العقول المتربصة ، وتنتج أثرها في القلوب التي لازالت في أكنتها

ويأتي مالك بن نبي في هذا الإطار على ذكر سمات الشعوب بتعاقب الأزمنة والحضارات ، فعرف الفراعنة بغوصهم في بحور الرياضيات والعمارة حتى خصص العلماء المحدثون كتبا لدراسة آثارهم العظيمة من نظريات هندسية غريبة وخصائص رياضية وميكانيكية عجيبة كما فعل الأب مورو في كتابه عن دراسة الهرم الأكبر ، وعرف اليونان بحبهم للفن وإبداعهم في صور الجمال ، وآيات المنطق والحكمة ....
أما العرب فقد عرفوا ببيانهم ، وكان شعرهم ديوانا لهم ، ونحتوا من البيان صورا جمالية مبدعة فاتنة ، فيقول مالك :
وإنما كان العربي يفتن في استخدام لغته ، فينحت منها صورا بيانية لا تقل جمالا عما كان ينحته فيدياس في المرمر ، وما كانت ترسمه ريشة ليوناردوفانسي في لوحاته المعلقة في متاحف العالم الكبرى


ويقول الأستاذ  محمود محمد شاكر المقدم لكتاب الظاهرة القرآنية في الشعر الجاهلي :

كان حين أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم نورا يضيئ ظلمات الجاهلية ، ويعكف أهله على بيانه عكوف الوثني للصنم ، ويسجدون لآياته سجدة خاشعة لم يسجدوا مثلها لأوثانهم قط ، فقد كانوا عبدة البيان قبل أن يكونوا عبدة الأوثان ، وقد سمعنا من استخف منهم بأوثانهم ، ولم نسمع قط منهم من استخف ببيانهم

ومن هذا يستخلص مالك بن نبي أن العرب بحكم تذوقهم البياني العالي الراقي وصل إليهم إعجاز القرآن بحكم فطرة فيهم أي أن تذوق إعجازه كان تذوقا فطريا ، ثم وبحكم تطورات التاريخ الإسلامي لم يعد ذلك التذوق الفطري ، وإنما أصبح إدراك جانب الإعجاز من باب التذوق العلمي ، خاصة في أواخر عهدي الأمويين والعباسيين ، يعني أصبح من اختصاص طائفة بيدها وسائل التذوق العلمي ، طائفة تدرس وتكتب وتحلل .... وبالتالي فهو هنا منحنى بياني يبرز مع التطور التاريخ الإسلامي انحدارا في درجة التذوق ....ويذكر مالك بن نبي على وعن المرحلتين أمثلة ، وفي كتب السيرة المطهرة ما يذكر مثلا :
1- إسلام سيدنا عمر بن الخطاب جراء تأثره بآيات قرأها من صحيفة تحملها أخته
2- حكم الوليد بن المغيرة الذي قال : "والله لقد سمعت كلاما ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجنّ ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة " فيقربه تذوقه الفطري ، ولكنّ مشيئة الله كانت أقوى من الحجة فينتكس ويرتدّ على عقبه

هذا عن مرحلة التذوق الفطري

أما عن مرحلة التذوق العلمي للإعجاز فيذكر مثالا لما كتبه الجاحظ وهو أحد أئمة البيان الذينوهم بالتالي قلة وصفوة من الناس الذين درسوا ونقبوا وبحثوا وكتبوا
وهو كتابه نظم القرآن ، وكذلك كتاب "دلائل الإعجاز" لعبد القاهر ، ويستعير مالك بن نبي نبذة من هذا الأخير من تعليق له على قوله تعالى : "ربّ إني وهن العظم من يواشتعل الرأس شيبا"  ........ وهو نص فيه تحليل لغوي أسلوبي متخصص لا يفقهه إلا المتخصصون ، وعلى هذا يردف مالك بن نبي أنه لا لزوم لذكر النص كاملا وإنما جاء على نبذة منه ليقول لنفسه أنه لم يستطع فهم شيء منه ، وليسقط حالته على حالات الكثيرين من المسلمين المثقفين الذين بحكم التطور الحاصل في حصيلتهم الثقافية ، وبحكم تواجد الكثيرين منهم ببلاد الغرب ، وإيجادهم لما يطرح من الغربيين من دراسات تتعرض لعقيدتهم ، وبحكم من عرف منهم من هذه الأمثلة التي انساقت وراء ما تمليه كتابت هؤلاء المستشرقين ، وما تخبئه من سم لا يظهر وإنما يتخفّى تخفي الذئب بجلد الحَمَل  ، وبحكم أن هذا العصر عصر لم تعد فيه من موازنة صحيحة وعادلة يجريها العربي بين آية وعبارة قرآنية وبين عبارة شعرية أو نثرية ليستخلص منها الفرق والحكم للقرآن بالأفضلية ....ومن هذا المنطلق يؤسس مالك بن نبي لضرورة ملحة جدا تطرحها هذه العوامل وهذه الظروف الجديدة التي يمر بها المسلم ، مع الضرورات التي يواجهها في مجال العقيدة والروح ، وهي ضرورة أن يتكون لديه إدراك لمفهوم الإعجاز في ضوء الإعجاز في باقي الرسالات السماوية ومرورا بتاريخ الأديان ...
 


ويرى مالك بن نبي أنه على ما يبدو في المسألة من تعقيد إلا أنّ الآية الكريمة :


سورة الأحقاف

كفيلة بأن ترينا الكثير ، وذلك بالتأمل في ثناياها ، والتحليل المنطقي لمؤداها ، فهي تحمل
1- إشارة خفية إلى أن تكرار الشيء في ظروف معينة تدعم حقيقته بوصفه ظاهرة بمعنى التحديد العلمي لهذه الكلمة "الحدث الذي يتكرر في ذات الظروف مع ذات النتائج"
2- ربط واضح بين الرسل والرسالات خلا لالعصور وأن الدعوة المحمدية يجري عليها ما يجري على هذه الرسالات .

ويطرح مالك بن نبي بالتالي ويؤسس لـــ  :

إعادة النظر  في معنى الإعجاز في ضوء منطق الآية الكريمة أي في إطار معنى الظاهرة

ويأتي فيما بعد تفصيله لهذا المنطلق وتوضيحه لعناصره من أجل الدراسة التحليلية المنهجية لمفهوم الإعجاز في ضوء الظاهرة ، نكمل لاحقا بإذن الله تعالى
« آخر تحرير: 2007-11-24, 10:17:39 بواسطة حازرلي أسماء »

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
اقتباس
وهو نص فيه تحليل لغوي أسلوبي متخصص لا يفقهه إلا المتخصصون ، وعلى هذا يردف مالك بن نبي أنه لا لزوم لذكر النص كاملا وإنما جاء على نبذة منه ليقول لنفسه أنه لم يستطع فهم شيء منه ، وليسقط حالته على حالات الكثيرين من المسلمين المثقفين

كم هو نافذ وثاقب تحليله هذا يا أسماء.

كثيرا ما فكرت في هذا الناحية "الإعجاز البياني" وأشعر بما شعر به وأحزن لأني لا أمتلك فصاحة اللغة التي تريني أوجه هذا الإعجاز إلا لو قرأت لمن يملك من أهل الاختصاص القدرة على الشرح بسلاسة. والله أنني أحزن كثيرا بالفعل وأنا أقرأ القرآن ولا أستطيع معرفة هذا الإعجاز كما عرفه أهل الجاهلية والحمد لله أن للقرآن الكريم إعجازه الروحي (لا أستطيع وصف الكلمة تماما) الذي يملأ الواحد منا بالانبهار والطمأنبينة.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

حازرلي أسماء

  • زائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتأخر عن الموضوع ولكنني أعود بعون الله تعالى فإن مؤلفات هذا الكاتب من أحب ما أقرأ إلى قلبي


شكرا على متابعتك يا سيفتاب، نعم يا سيف فإنّ مالك بن نبي لم يتغاض عن ذلك وإنما وضع لأجله هذه الدراسة المتكاملة التي يطرح بها كما ذكرنا

ويطرح مالك بن نبي بالتالي ويؤسس لـــ  : [/size]
إعادة النظر  في معنى الإعجاز في ضوء منطق الآية الكريمة أي في إطار معنى الظاهرة

ويأتي فيما بعد تفصيله لهذا المنطلق وتوضيحه لعناصره من أجل الدراسة التحليلية المنهجية لمفهوم الإعجاز في ضوء الظاهرة ، نكمل لاحقا بإذن الله تعالى

وإذن نأتي للتفصيل في ضوء هذا الطرح  :

الإعجاز هو :
1- بالنسبة إلى شخص الرسول : الحجة التي يقدمها لخصومه ليعجزهم بها
2-بالنسبة إلى الدين : وسيلة من وسائل تبليغه

ولهذين المعنيين صفات هي :
أولا : أن الإعجاز بوصفه حجة لا بد أن يبلغ الجميع ويصل الجميع وإلا فقد فاتت فائدته وينكره بذلك الكثيرون أي أن تكون في مستوى إدراك الخصم .
ثانيا : وأن يكون وسيلة لتبليغ دين فيجب أن يكون فوق طاقة الجميع في الإتيان بمثله
ثالثا : أن يكون تأثيره بقر ما في تبليغ الدين من حاجة إليه

وهنا يشير مالك بن نبي إلا أن هذا هو المقياس الذي يطبق على معنى الإعجاز بالنسبة للرسالات السماوية المختلفة التي نزلت ، ويأتي على ذكر رسالة سيدنا موسى كمثال ، ويذكر معجزتي اليد والعصا فيحلل صفاتهما بالنظر إلى ما سبق من ذكر فهما :

1-ليستا من مستوى علم فرعوني هو من اختصاص قلة بينهم بل كانتا في صورتيهما من مستوى السحر الذي يصل إلى إدراك الجميع في ذلك الزمان عن طريق المعاينة الحسية دون إجهاد فكر
2-هما توابع للدين وليستا ملازمتين له ، إذ هما تتصلان بالتاريخ ولا تتصلان بتشريع الدين
3-زمن المعجزتين محدود بزمان ظهرتا فيه ، لم تدوما إلى زمن بعده ، ويرجع مالك ذلك إلى سببين ضمن دائرة حقائق نفسية وتاريخية لمن يدينون بما جاء به سيدنا موسى اليوم ، فليست لديهم نزعة التبليغ إلى غيرهم ، والذين يسمونهم الأميين ، فانتهت المعجزتان بانتهاء الحاجة إليهما ، والسبب الثاني مجيئ سيدنا عيسى رسولا نسخ بمجيئه الكثير مما كان قبله ، وينسخ جانب الإعجاز الأول وذلك لاحتياجات نفسية تلزم الجديد الذي يكون حجة تتلاءم وتلك الاحتياجات ، ويقول مالك بن نبي في ذلك :

ولسنا بحاجة إلى أن نكرر بالنسبة للدين الجديد ما قدمنا من اعتبارات عامه بالنسبة إلى خصائص الإعجاز في الدين السابق ، لأن القضية تتعلق هنا وهناك بالتركيب النفسي الذي عليه الإنسان ، من جهة أنه إنسان يدرك الأشياء بعقله ، مع ما في عقله من عجز عن إدراك حقيقة الدين مباشرة إن لم يكن هنا حجة خاصة تسند تلك الحقيقة لدى عقله في صورة إعجاز

وكذلك يلغى دور الإعجاز الذي أتى به سيدنا عيسى بمجيئ دين جديد ورسول جديد يلغي ضرورة بقاء الإعجاز السابق ، ويأتي الرسول الأمين ولكن ما يميز رسالته أنها الحلقة الأخيرة في سلسلة البعث ....وما يميز الإسلام والقرآن الذي جاء به محمد أن حاجة التبليغ ستبقى مستمرة سواء في ذلك من الناحية النفسية أو التاريخية إذ أن المسلم بعكس اليهودي مغروسة به نزعة التبليغ وأن دينه لللناس كافة وأنها رسالة عالمية ، ومن الناحية التاريخية أنه دين آخر الزمان ، وبالتالي فإن حاجة الإسلام إلى وسائل تبليغه ملازمة له على مدى الأزمنة والأحقبة ولا يحدها هنا زمان بعينه ، وبالتالي يقول مالك بن نبي يجب أن يكون الإعجاز في القرآن الكريم صفة ملازمة له غير تابعة تنقطع بعد مدة وزمن ، فأدركها من عايش الرسول صلى الله عليه وسلم بفطرته عن طريق تذوق فطري ، ثم المسلم في أزمنة بعدها عن طريق التذوق العلمي في عصر النهضة العلمية للمسلمين ، ومسلم اليوم  قد يفتقر للذوق الفطري وإمكانيات عالم اللغة في العصر العباسي ، ولكن القرآن لم يفقد جانب إعجازه ولن يفقده يوما . فيضطر المسلم إلى أن يتناوله في صورة أخرى وبوسائل أخرى ، فهو يتناول الآية من جهة تركيبها النفسي الموضوعي ، أكثر مما يتناولها من ناحية العبارة ّ، فيطبق في دراسة مضمونها طرقا من التحليل الباطن .
ويقول أن هذه الضرورة بقدر مساعدتها للمسلم اليوم ، بقدر ما يسهل على دارس القرآن غير المسلم تطبيقها باتخاذه القرآن موضوع دراسة أو مطالعة .

وبهذا يكون مالك بن نبي قد فسر فعليا وعن طريق هذا التحليل الأسباب التي دعته لمثل هذه الدراسة الواجبة في عصر يؤثر على المسلم فيه   تطور التاريخ الإسلامي وجديد الثقافات ، وليتمكن المسلم من دراسة وتأمل ناضج في دينه يجد به حجة قائمة دائمة لا تنقطع مع انقطاع تميزه اللغوي


« آخر تحرير: 2007-12-03, 12:41:01 بواسطة حازرلي أسماء »

أحمد

  • زائر
كم أود حقا أن أعيد قراءة الموضوع، ولكن بالتفصيل وعلى مهل

جزاكم الله خيرا كثيرا

 emo (30):

حازرلي أسماء

  • زائر
كم أود حقا أن أعيد قراءة الموضوع، ولكن بالتفصيل وعلى مهل

جزاكم الله خيرا كثيرا

 emo (30):

يسعدني ذلك يا أحمد emo (30): مرحبا بك أخي

حازرلي أسماء

  • زائر
نواصل إخوتي بعون من الله سبحانه

وبعد أن فصلنا مفهوم الإعجاز في ضوء الظاهرة ، وكيف أن إعجاز القرآن الكريم علىعكس باقي المعجزات التي صاحبت الأنبياء ملازم له يدوم بدوام الزمان ، وليس تابعا من توابعه ينقطع بعد زمن معيّن ، مما دعا مالك بن نبي إلى دعوته في إعادة النظر في طرق التفسير التي ركزت أكثر ما ركزت على الإعجاز اللغوي وكان يدرك مرمى ومعنى ما يكتب في ذلك من كانوا من المسلمين الأوائل يتمتعون بالذوق الفطري ثم بالذوق العلمي في عصر النهضة العلمية للمسلمين وكثرة الكتابات والدواوين ، أما مسلم اليوم فلا ينبغي بحال من الأحوال بقاؤه في معزل عن إعجاز قرآنه وكتاب حياته الذي عليه أن يتخذه منهجا ، ذلك إن تسنى له فهمه والغوص في بحوره ، فإن لم يكن ابتعد عنه ونأى وجنح بالتالي إلى ما يكتبه المستشرقون ويضعونه مع ما في أقلامهم من أنياب مكشرة مخبأة تنفث السم الزعاف ، فيغلف بملاءمة ما يكتبون لعقول مسلمين تأثروا أكثر ما تأثروا بالفكر الغربي وبالنهج الديكارتي .
فكان لزاما أن يرسم المسلم لنفسه نهجا يمكنه من أن يكون هو صاحب الرأي في عقيدته وفي أدق دقائقها بإعماله لعقله المسلم الذي يعلم أنّ الكمال في نهجه السماوي الخالد إعجازه  وليس في نهج وضعي من حبك البشر .


******

ونتطرق الآن مع مالك بن نبي إلى

الظاهرة الدينية

يقول مالك بن نبي أنه كلما أوغل المرء في التاريخ الإنساني سواء في ذلك عصور نهضته وحضارته أو عصور بدائيته وجد سطورا للفكرة الدينية ، وقد أثبت علم الآثار بقايا آثار خصصها الإنسان لشعائره الدينية ، فمن كهوف العبادة في العصر الحجري إلى المعابد الفخمة متخذا الفكرة الديينة التي طبعت قوانينه وعلومه ، فكانت المعابد مهودا للحضارات ، وكانت تشرق لتنير العالم ويضيف مالك بن نبي قوله :
من هنالك كانت تشرق هذه الحضارات لكي تنير العالم ، وتزدهر في جامعاته ومعامله بل لكي تجلي المناقشات السياسية في برلماناته ، فقوانين الأمم الحديثة لاهوتية في أساسها ، أما ما يطلقون عليه قانونهم المدني فإنه دينيّ في جوهره .


والإنسان اتجه بأبسط صوره إلى الحياة الروحية ، فالأساطير والتوتمية واللاهوت ما هي إلا محاولات من الإنسان لفك لغز الحياة وغاية الوجود وأصل الوجود
ومن جميع الضمائر ينطلق السؤال نفسه  الذي يصوره هذا المقطع من أغنية الفيدا الهندوسية (والفيدا هي مجموع كتب الحكمة لديانة الهندوس) :

من يعرف هذه الأشياء ؟*** ومن يستطيع الحديث عنها ؟
من أين تأتي هذه الكائنات؟*** وما حقيقة هذا الإبداع ؟
هل "هو" قد خلق الآلهة ؟*** ولكن من يعرف كيف وجد الخالق ؟

ويتساءل مالك بن نبي أن كيف يؤمن بتعدد الآلهة وإن كانت تلك الراية التي يعليها من كان هذا هو إفصاح ضميره ؟؟؟!!!
ويصف علم الاجتماع ضمن ما يصف وحيث بلغت برواده ذروة المبالغ النسان وفق هذه النداءات المتعالية منه رغم كل ما يدعيه من اعتناق لأي مذهب من المذاهب بالحيوان الديني !!!

وأعقب ها هنا لنرى إخوتي سوية كيف أن القرآن والإسلام دين الفطرة ودين يأتي بكل الأجوبة عن كل تساؤلات ترهق البشر ، ولما وجد الإنسان صاحب الفطرة السليمة ضالته في هذا الدين وحده عضّ عليه بالنواجذ ولم يتركه إلى غيره وتيقن أنه مفتاحه وأنه الدين الذي فطرت نفسه عليه ، فسبحان الله هذا علم الاجتماع الذي تدرّس قوانينه ونظمه ونظرياته في كل جامعات العالم يرقى ويرقى ويرقى بالمفاهيم وبالبحث المفاهيمي حتى يصف الإنسان بالحيوان الديني ، فأية علاقة هذه بين الحيوان وبين الدين وكأن الدين في تصويرهم هذا لا علاقة له بالعقل وإنما هو مهرب الإنسان من عقله إلى جنونه فالجنون بالتالي  يساوي الدين ، وكما يصف ماركس الدين في قولته الشهيرة أنه أفيون الشعوب أي ذلك الذي يغيّب عقلها !!!! فأية طوام وأية هوام هذه التي يأتينا بها الغرب ويااااااه ما أكثر ما نأخذ عنهم دون تفكير !!!!!!!!!!!!!! 


إخوتي لإفادة أكبر وسعيا للإجابة عن تساؤلات قد تكون في ثنايا قراءاتنا ، وأحب جدا أن يسأل المرء عن كل ما يعترضه فباب المعرفة الواسعة سؤال يقود إلى جواب، ويحضرني هنا أنه كثيرا ما يستهزء بأسئلة يطرحها الكثيرون ، قد تبدو أسئلة تافهة غبية لأول وهلة ولكن هناك من الأسئلة الغريبة ما كان حقا بابا لمعرفة جديدة ، فنيوتن لم يتركه عقله وسؤاله للسهولة والتصرف العادي حينما سقطت التفاحة من الشجرة ، فلم يقدم على أكلها وإشباع بطنه ، بل أراد أن يشبع بها نهم عقله أولا لما تساءل : "لماذا سقت إلى الأسفل ولم تصعد إلى فوق ؟"   فكانت نظرية الجاذبية الأرضية .........

وعلى هذا نشرح سويا بعض المفردات :
التوتمية و اللاهوت :
أما التوتمية فهي اعتقادات قبائل بأمريكا مثل الهنود الحمر  وبأستراليا على وجه الخصوص ترى في حيوان معين تختاره أصلها وأصل كل أفرادها وأن أواصر عميقة تربطها به حتى لكأنهم يشكلون وذلك الحيوان أصلا واحدا وأسرة واحدة ، فيتخذون الذئب مثلا رمزا لتلك القبيلة ، ويقدسونه ويضعون له رسما متفننا يكون رمزهم الذي يعرفون به ويسمى التوتم ، وقليلا ما يتخذون التوتم نباتا أو مظهرا من مظاهر الطبيعة كالنجوم أو الماء أو الشمس ، وهذه بعض التوتمات والحمد لله على نعمة الإسلام


توتم قندس


توتم ضفدع

والحمد لله على نعمة الإسلام


وأما اللاهوت فهو من كلمتين يونانيتين تعنيان "الله" و "الكلمة". وبمزجهما تأتي كلمة "لاهوت" وهي تعني "دراسة علم الله". فاللاهوت الأبوي هو دراسة الله الأب. و اللاهوت المسيحي هو دراسة الله الأبن، الرب يسوع المسيح. و اللاهوت الروحي هو دراسة الله الروح القدس. واللاهوت الكتابي هو دراسة الكتاب المقدس. واللاهوت الخلاصي هو دراسة الخلاص. و اللاهوت الكنسي هو دراسة الكنيسة. ولاهوت الأخرويات هو دراسة نهاية الأيام. واللاهوت الملائكي هو دراسة الملائكة. ولاهوت الشياطين والعفاريت يتناول علم دراسة الشياطين من منطلق مسيحي. والأنثروبولوجيا المسيحية هي دراسة البشرية. و أخيراً لاهوت السقوط هو علم دراسة الخطيئة.

والحمد لله الواحد على نعمة التوحيد



ونواصل إخوتي بعدما عرفنا من نداءات الإنسان الداخلية التي لا تنفك تصدر منه على شكل ضمير متسائل عن أصله وأصل هذا الوجود ، يطرح مالك بن نبي نتيجتين نظريتين مختلفتين

سأكمل في الرد القادم بإذن الله
« آخر تحرير: 2007-12-04, 11:12:25 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انشغال يحول دون تركيز يعطي للموضوع حقه جعلني أتأخر عنه ،ولكنه بالبال دوما ، وسأعود له قريبا بإذن الله تعالى

ماما فرح

  • زائر

أتممت قراءة الموضوع بالأمس فقط

رااااااااااااااااائع يا أسماء جزاك الله كل خير ولا تحرمينا من البقية

حازرلي أسماء

  • زائر

أتممت قراءة الموضوع بالأمس فقط

رااااااااااااااااائع يا أسماء جزاك الله كل خير ولا تحرمينا من البقية


كم أسعدتني مطالعتك للموضوع يا ماما فرح وحقا حزينة لانشغالي عنه ، ولكن بإذن الله لي عودة ، فموضوع النظافة يا مامافرح أخذ كل وقتي ، ونحن الآن في بدايات نهايته بإذن الله ، ....فأسألك الدعاء بالتيسير ....وبعدها إن شاء الله أسأل الله أن ييسر لي عودة لهذا الكتاب ولكاتبه العظيم
« آخر تحرير: 2008-01-29, 20:04:29 بواسطة حازرلي أسماء »

ماما فرح

  • زائر

يسر الله لك كل أمورك أختي وأعطاك ما تتمنين وزيادة

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
 :emoti_133:

نذكرك يا أسماء بهذا الموضوع القيم

أنهيت قراءة الفقرات الاخيرة منه للتو، وهو دسم جدا جدا.. ولكن الأسلوب عال نوعا ما... لعلنا نأمل في بعض التبسيط ليتمكن شباب المنتدى على اختلاف مستوياتهم واعمارهم من الافادة منه

وجزاك الله خيراً
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر
 :blush::

 :emoti_64:

 :emoti_17:

سأحاول بإذن الله أن أكمل الموضوع ....المشكلة أنه يستدعي مني تركيزا ووقتا وهذا ما أخشى ألا يكون عندي ....سأحاول أن أركز بموضوع "تعال نعش مع صفحة وربما به هو أيضا " والله المستعان .

غير متصل أبو دواة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 640
  • الجنس: ذكر
تقضّى الليل سريعًا وأنا أقرأ كتابًا توافر عليه أربعة من أعمدة الفكر الإسلامي........... هم مالك بن نبي مؤلفا........ وعبد الصبور شاهين مترجمًا........ وأبو فهر مقدّما......... ومحمد عبد الله دراز مصدّرًا......... كان هذا الكتاب (الظاهرة القرآنية) الذي أسعدني كثيرًا أن أجد عنه كلامًا هنا..........

وقد اتّفق لي -هذا الأسبوع- أن أطالع في كتابين علمين في التحليل النفسي للديانات.......... هما كتاب فرويد عن (موسى الإنسان وديانة التوحيد) وكتاب مالك بن نبي (الظاهرة القرآنية)..........

وإن لمحت تعارضًا بين محتوى الأديان وأوّليّات علم التحليل النفسي............

بمعنى أنني لم أقبل فكرة فرويد عن نشأة الديانات التي بسط القول عنها في كتاباته عن الطوطم والتابو........... ولا اعتبار النبوّات أمرًا ناتئًا من اللا شعور إلى الشعور.......... وعلى العكس أومن أن النبوة أمر موضوعي طارئ ليس للنبي أي تدخّل في استحضاره بل على العكس يبدو الأمر مفاجئًا للنبي ومفزعًا......... ومع ذلك لا يسعى إلى كبته بل يشتاقه ويستاء لانقطاعه............. الأمر نفسه يتكرر عند الحديث عن النبوءات والأحلام التى تستشرف المستقبل....... فالنبوءة تصدق وهي على ذلك أمر لا يدخل فيما يسيغه العقل الجمعي بل يناقضه ويناقض ما يعرض للذات النبوية....... فالنبوة إذن أمر موضوعي خارج عن الذوات وليست مفرزًا مجتمعيًا أو ناتج خبرة أو دراسة أو رؤية مسبقة.......... وتخالف الكشف في كون النبي يثق بنبوته وورود الوحي عليه من الرب سبحانه ثقة تقطع كل شك.............

كل هذه النقاط جلّى الأستاذ بن نبي بأسلوب عصري رائع..... على الرغم من مرور أكثر من ستين سنة على إصدار الكتاب في طبعته الأولى.......

يا دولة الظلم امّحي وبيدي.........

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
مرحبا بعودتك يا عبد الرؤوف
وتحليل جيد
بارك الله بك وأنار قلبك
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
أهلا بك يا عبد الرؤوف. emo (30):.. أتمنى لو تكمل باقي كتب سلسلة كتب "مشكلات الحضارة" لمالك بن نبي، والتي كان "الظاهرة القرآنية " أول كتاب فيها، هناك الكتاب الرائع "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة " مثلا وهو الذي يعرض فيه مالك بن نبي لمشكلة الفكر وغربة الفكر الراشد في ظل الاستعمار، ويليق أن تسقط ما ورد فيه على حالاتنا اليوم وإن كنا ظاهريا لسنا بلادا مستعمرة. لتجده يجلي لك صراعا تحياه اليوم بين بني جلدتك، صراع مرير بين الفكر واللافكر، بين الأصيل والمستورد، بين الراقي والهابط .

وأيضا كتاب "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي "   كتب رائعة وقيمة ونحتاجها فعلا ...فأتمنى لو تكمل الاطلاع عليها يا عبد الرؤوف


 
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ

مرحبا بك عبد الرؤوف ومرحبا بمشاركاتك التي تثري الموضوع.

ليتك تفعل ما اقترحته أسماء فتفيد وتستفيد
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل أبو دواة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 640
  • الجنس: ذكر
شكرًا جزيلًا أيتها الأخوات الكريمات...... سأطالع هذه الكتب قريبًا جدًّا إن شاء الله.... فقط بعد أن تنتهي الامتحانات........

أنا حقا سعيد لأن عيوني تفتحت على مكتبة هذا الرجل العظيم.....
وأرجو الله عزّ وجلّ أن أكون إنسانًا مخلصًا...... يا ربّ......

يا دولة الظلم امّحي وبيدي.........

غير متصل أبو دواة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 640
  • الجنس: ذكر
ألا يلفتنا كون الكتاب لرجل جزائري واعتني به ثلاثة مصريين؟

يا ليتنا نتذكّر كم يفسد الجاهلون كل هذه المودّة في النهاية لأجل كرة القدم......

يا دولة الظلم امّحي وبيدي.........

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
ألا يلفتنا كون الكتاب لرجل جزائري واعتني به ثلاثة مصريين؟

يا ليتنا نتذكّر كم يفسد الجاهلون كل هذه المودّة في النهاية لأجل كرة القدم......

نعم ما قلت يا عبد الرؤوف
ومما يدمي القلب انجراف بعض العقلاء إلى مستنقع الجاهلين هذا وتلوثهم به
وإلى الله المشتكى
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*