وأنا أعيش مع هذه الفقرات رأيت مواءمتها لهذا الموضوع...
إذ كم يتحايل أهل هذه الممارسات على الناس باسم تحقيق المعجزات،بالعناوين الرنانة، بالإبهار والإدخال في عالم خياله أكبر من حقيقته، بالتمويه والتدليس والكذب والنفاق والإيهام .... بينما في المقابل هذا هو منهج الله بين أيدينا ونحن نغفل عن أساليب تربيته القويمة الرائعة الذكية التي تسير مع الفطرة وتوائمها وتتوغل في أغوار النفس تعطيها حاجتها بما يناسب فطرتها وليس بما يتعارض معها أو بما يرفضها ....
تأملوا إخوتي هذه الفقرات معي والتي فيها تفسير أو لنقل تأملا وتعمقا مع معاني : "كتب عليكم القتال وهو كره لكم"
والإسلام يحسب حساب الفطرة ; فلا ينكر مشقة هذه الفريضة , ولا يهون من أمرها . ولا ينكر على النفس البشرية إحساسها الفطري بكراهيتها وثقلها . فالإسلام لا يماري في الفطرة , ولا يصادمها , ولا يحرم عليها المشاعر الفطرية التي ليس إلى إنكارها من سبيل . . ولكنه يعالج الأمر من جانب آخر , ويسلط عليه نورا جديدا إنه يقرر أن من الفرائض ما هو شاق مرير كريه المذاق ; ولكن وراءه حكمة تهون مشقته , وتسيغ مرارته , وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنساني القصير . . عندئذ يفتح للنفس البشرية نافذة جديدة تطل منها على الأمر ; ويكشف لها عن زاوية أخرى غير التي تراه منها . نافذة تهب منها ريح رخية عندما تحيط الكروب بالنفس وتشق عليها الأمور . . إنه من يدري فلعل وراء المكروه خيرا . ووراء المحبوب شرا . إن العليم بالغايات البعيدة , المطلع على العواقب المستورة , هو الذي يعلم وحده . حيث لا يعلم الناس شيئا من الحقيقة .
وعندما تنسم تلك النسمة الرخية على النفس البشرية تهون المشقة , وتتفتح منافذ الرجاء , ويستروح القلب في الهاجرة , ويجنح إلى الطاعة والأداء في يقين وفي رضاء .
هكذا يواجه الإسلام الفطرة , لا منكرا عليها ما يطوف من المشاعر الطبيعية , ولا مريدا لها على الأمر الصعب بمجرد التكليف . ولكن مربيا لها على الطاعة , ومفسحا لها في الرجاء . لتبذل الذي هو أدنى في سبيل الذي هو خير ; ولترتفع على ذاتها متطوعة لا مجبرة , ولتحس بالعطف الإلهي الذي يعرف مواضع ضعفها , ويعترف بمشقة ما كتب عليها , ويعذرها ويقدرها ; ويحدو لها بالتسامي والتطلع والرجاء .
وهكذا يربي الإسلام الفطرة , فلا تمل التكليف , ولا تجزع عند الصدمة الأولى , ولا تخور عند المشقة البادية , ولا تخجل وتتهاوى عند انكشاف ضعفها أمام الشدة . ولكن تثبت وهي تعلم أن الله يعذرها ويمدها بعونه ويقويها . وتصمم على المضي في وجه المحنة , فقد يكمن فيها الخير بعد الضر , واليسر بعد العسر , والراحة الكبرى بعد الضنى والعناء . ولا تتهالك على ما تحب وتلتذ . فقد تكون الحسرة كامنة وراء المتعة ! وقد يكون المكروه مختبئا خلف المحبوب . وقد يكون الهلاك متربصا وراء المطمع البراق .
إنه منهج في التربية عجيب . منهج عميق بسيط . منهج يعرف طريقه إلى مسارب النفس الإنسانية وحناياها ودروبها الكثيرة . بالحق وبالصدق . لا بالإيحاء الكاذب , والتمويه الخادع . . فهو حق أن تكره النفس الإنسانية القاصرة الضعيفة أمرا ويكون فيه الخير كل الخير . وهو حق كذلك أن تحب النفس أمرا وتتهالك عليه . وفيه الشر كل الشر . وهو الحق كل الحق أن الله يعلم والناس لا يعلمون ! وماذا يعلم الناس من أمر العواقب ? وماذا يعلم الناس مما وراء الستر المسدل ? وماذا يعلم الناس من الحقائق التي لا تخضع للهوى والجهل والقصور ?!
من ظلال القرآن