انى كافر.......فأقم حدك!!!...(قصة قصيرة)
اهداء
الى الشاعر الساخر احمد مطر...
ذات صباح استيقظت من نومى...نظرت فى المراه فلاحظت تغيرا فى وجهى ..
عيناى... حاجباى. حتى شعر راسى فقد تغير..احسست ان نوبة من نوبات الجنون قد اصابتنى...
همست الى نفسى...لعل ذلك يرجع الى اجهادى الشديد..وارهاقى وطول تفكيرى.
قررت ان اعاود الكرة فى البحث عن وظيفة او عمل ..يسد حاجتى ويحفظنى من سؤال الناس..
ارتديت ملابسى واتجهت نحو والدتى (العجوز) ..القيت عليها السلام وقبلت يدها وطلبت دعاءها.
رددت دعاء طويلا كعادتها انتهى بقولتها المشهوره:
(ربنا يكفيك شر الطريق يابنى)
شعرت براحة شديده ..
ودعتها ثم بدات رحلتى فى البحث الوظيفة.
اشرت الى احد (الباصات) وعلى غير عادته توقف امامى لكنه كان مزدحما يذكرك من الوهلة الاولى بيوم الحشر!
ركبت مرغما اذ ليس هناك بديل اخر...وبعد جولات من التدافع وجدت مكانا يسعنى واقفا فحمدت الله كثيرا... فهذه فرصة ذهبيه قد لا ينالها كثير.
فتحت مصحفى لاقرا وردى القرانى.. لعلمى اننى قد لا اتمكن من قراءته بعد عودتى لاننى ساكون منهكا كعادتى.
فتحت المصحف وبدات اقرأ
(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار....)
كررت الايه... تذكرت احوال امتى وما الت اليه ..تذكرت اخوتى فى فلسطين والمظلومين فى العراق والمشردين فى افغانستان... بل تذكرت ما يحدث فى بلادنا...
سقطت دمعه كنت احاول كتمانها ... حمدت الله كثيرا فقد كان الازدحام الشديد كفيلا بألايؤاها احد..
وبعد وصولى الى المدينه بدات ابحث عن العمل فى اى مكان... فى المطاعم .. او(الورش) او الاسواق التجاريه.. رغم ما احمله من شهادات علمية كبيرة!!
وبينما كنت اسير فى الطريق رايت منظرا مالوفا فى بلدى لكنه غير مرغوب..
رايت دورية لسيارة الشرطه تقف على جانب الطريق وقد انتشر على جانبى الطريق بعض الجنود وقليل من (الخبرين)
رايت مخبرا ضخم الجثه يحمل فوق شفته شاربا كانه زيل الكلب_لا اعرف ساعتها لماذا اسرع هذا التشبيه الى مخيلتى_ فقد كان فعلا كذلك..
بدات اوصالى تتراقص.. فلطالما حدث معى ما اكرهه فى مثل هذه المواقف..
فكرت ان اعود ادراجى..وان اغير مسارى وسرعان ما انتفت هذه الفكرة من راسى خوفا من ان يلمحنى احد (المخبرين) فتكون الطامة الكبرى... وقررت المغامرة!!!
استوقفنى المخبر(المحترم)وطلب اثباتى فناولته اياه محملا بكل ايات الاحترام والتقدير(والخوف)!!!
سالنى فى صوت يجعلك تتخيل انك تتحاور مع ابى جهل
_اسمك ايه؟؟
ذكرت له اسمى دون ان ابدى اى استغراب ليقينى انه لا يعرف القراءة ولا الكتابة ناهيك عن انه امسك باثباتى (مقلوبا)!
_رايح فين؟
_ابحث عن عمل..
بدأ لون عينيه يميل الى الحمرة وبدا شاربه يهتز.. وقال فى صوت غليظ وشظايا ريقه يتطاير فى منظر مقزز:
(طيب يابن الكـــــــ..... واللى رايح يدور على عمل يشيل ليه مصحف؟؟؟؟ عاملى فيها شيخ الازهر يا ابن ..)
لم استطع ساعتها ان الفظ ببنت شفة فقد هوت على (قفاى) صفعة قوية كادت تخرج معها امعائى!!!
ودون ان يكتمل الحوارقال للمخبرين والعساكر:
خدوا ابن ....... (للبوكس) يقصد سيارة الشرطه.
ركبت السيارة فوجدت بعض من نالهم ما نالنى ولربما اكثر من ذلك.
ولكوننا بعيدنا عن سمع الجنود بدانا نتحاور وننتقد هذا النظام الذى يفرضه قانون الطوارىء الذى يتنافى مع ادنى حقوق (الحيوان)!!
وبعد ساعتين من الانتظار تحركت بنا السياره الى مقر (امن الدوله)لاستكمال اجراءات الاشتباه!!!
نزلنا من السيارة وتسلمنا احد الجنود الذى بادرنا قائلا :
(كل واحد منكم يغمى عنيه ويعصبها يا ولاد(.....)والا هامسح بيه البلاط هو واهله)
وحتى لا نصبح عرضة لذلك فعلنا ما امرنا به .. وبعد قليل وصلنا الى مكتب السيد المحترم(ضابط التحقيق)كما اعلمنا الجندى.
انتظرنا امام المكتب فترة طويله تفطرت فيها قلوبنا من هول ما نحن فيه.
كنا نسمع اصوات الاهات والصراخ تملأ ارجاء المكان الذى علمنا فيما بعد انه تحت الارض!
كانت الاصوات والصرخات تعلو..وتعلو..وتعلو...ثم تهدأ لتعود الى ما كانت عليه..
خوف شديد واجتماع لصور الاذى فنحن لا نرى شيئا ونسمع الاصوات والصراخ واصوات الصفعات تدوى هنا وهناك.. واهوال وتعذيب ذلك ما كنا نسمعه فى عزلة عن العالم وحقوق (اللانسان)..
وبعد انتظار طويل.. جاء احدهم وركلنى بحذائه الضخم وامرنى بالسير الى مكتب (سعادة الباشا)
دخلت المكتب معصوب العينين...القيت السلام فى سزاجة وبراءه... لم اسمع ردا للسلام فتخيلت ان احدا غير موجود فى هذا المكان..
تشجعت قليلا وهمست بصوت مسموع...سبحان الله!ماذا يحدث واين الحرية والديمقراطيه المزعومة؟؟!!
كادت نفسى تزهق عندما سمعت(نحنحة) قريبه تبين لى منها انها صدرت عن (سعادة الباشا).. الذى عاجلنى بسؤاله:
_ما رايك فى الديمقراطيه والحريه ؟
_انا احب الحرية والديمقراطيه بشرط الا يتعارض ذلك مع قضايا الاسلام..
ولعدم مقاطعته لى تشجعت قليلا فاردفت قائلا:
انا احب الخير لوطنى واحب حسن البناء فنحن جميعا اخوان مسلمون لابد ان نشارك فى بناء الوطن...
بدأت (الصفعات) تنهال على عنقى من هنا وهناك وكثرت الركلات بالاحذية فايقنت ان المكان يعج بالمخبرين!!!
صاح سعادة الباشا وكانه وجد ضالته:
(وانت علاقتك ايه (بحسن البنا) (والاخوان المسلمين) يا ابن الكـ....؟؟
استجمعت قواى بعد (العلقة) ثم اجبت:
_انا اقصد حسن البناء بناء الوطن لا حسن البنا شخصه.. واننا اخوة فى الاسلام..
هنا قهقه (سعادة الباشا )بصوت مرتفع ثم قال:
اه ..... وما رايك فى مبادئنا نحن؟ الديمقراطية والحريه والمساواه؟
سكت قليلا... فماذا اقول ؟ حالى هو الذى يجيب!
بدات اشعر باثر (صعق الكهرباء ) يزيد .. ويزيد
_جاوبنى يا ابن الكـــ...
ثم نوبات من الصفع والركل والتعذيب... سرت فى نفسى حماسة شديده وشعرت بان الالم فى قلبى زاد ولابد من صرخة فى وجه الباطل ..
وحينها صرخت باعلى صوتى.... انى كافر..... نعم كافر بمبادئكم الكاذبة المخادعه..
وبقوانينكم الوضعيه...كافر بكم وبالهتكم التى تعبدونها من دون الله وباسيادكم الذين لا تستطيعون مخالفتهم ابدا.. ومؤمن فقط باسلامى ودينى لاننى تربيت على مبدأ الاسلام هو الحل..
وبعد ثلاث سنوات من الاعتقال والتعذيب.. خرجت الى الحرية . وعدت الى دارى وعلمت ان (العجوز) انتظرت طويلا ...وبكت كثيرا ثم ودعت الدنيا دون ان تودعنى...
ذهبت لزيارتها فى العالم الاخر ....وبعد ايام اخذت جواز سفرى وغادرت وطنى...
.تحياتى..
مصعب الشهيد