كانت الأمور تسير معه كقضبان القطار، متوازية ومتشابهة ولكن تختلف أنها لا تصل لمحطة أخيرة، كان قد قرب على نهاية العقد الأول من عمله في الخليج، حيث هو مهندس برمجيات، حياته جافة عبارة عن أوامر هنا وهناك، ورغم كل السنين التي مرت عليه والأموال التي جمعها لم يفكر للحظة في ان يتوقف لتركب معه أخرى ويستكملا الرحلة، قد تكون غابت عنه تلك الفكرة الحالمة لكن لم يستطع ان يتغلب على نفسه وأوامر جسده وتوسلات أمه.
وطلب من أمه أن ترسل له ببنت الحلال التي تستطيع تحمل الحياة هنا بجفافها ومللها وتكون عوناً له لا عائقاً عليه, وتم الأمر سريعاً، فقد كانت قريبتهم من ناحية والدته، لم يكن يعرفها جيداً فقد تركها صغيرة تتطاير ضفيرتها على شنطتها المدرسية حين كان يستعد هو للسفر، ولم يعترض، قد يكون لأنه لم يتعود الإعتراض أو أن الأمر مر أسرع من تفكيره.
واستقبلها في المطار، فرآها تمشي بهدوء كجمالها البسيط، وحمرة الخجل تعلوها حينما رأته وصوتها لا يكاد يظهر عندما سلمت عليه……
ومرت الأيام الأول على اثنين من الغرباء لم يستطيعا حل شفرة بعضيهما, واستقر الوضع فترة فلا هي تذمرت ولا هو شكا، بل عاد لعمله بعد عدة أيام، وبعد الدوام يعود للبيت ولكنه ليس هو البيت، ففيه روح أخرى تسري ورائحة جديدة تعطر ومذاق آخر للأكل وهدوء مشوب بالدهشة بين الاثنين، فكأنما ينتظران بعضهما البعض منذ فترة ولكن الخوف من أي يتلاقيا فيكتشفا أن العنوان خطأ…
وتمر الأيام فيجدها زوجة واعية، ترعاه كطفل صغير وتحب بيتها كأنه قطعة منها وتهتم بها رغم أنه لا يبادلها أي من حقوقها، وتذيب حرارة الحب الصادر من قلبه نحوها عقد من لسانه، فيعود لها يوماً متأنقاً حاملاً ورداً مقدمه لها قائلاً “هل تبايعينني خليفة على قلبك؟”.