اشمعنى قصر النيل يعنيمقالتان عن الأسرة لشيخي الإسلام
مصطفى صبري التوقادي،و
محمد زاهد الكوثري رضي الله عنهما، وأسكنهما فسيح جناته،.. آمين
(1)
صلاح المجتمع الإسلامي بصلاح الأسرة - محمد زاهد بن الحسن الكوثري
من استعرض أحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يجد كثيراً مما يحزّ في النفس : تحلل خلقي في المجتمع، بعد أن كان مزداناً بالأخلاق الفاضلة، ورضاً بالذل بعد عزّ شامخ، وضعف شامل بجميع أنواع الحياة، بعد قوة رفعت شأن المسلمين إلى ما فوق السماكين، وقلة مبالاة بما حل بهم من تخاذل، ينذر بالسقوط من مستوى أمّة لها عزها وكيانها، إذا لم يتدارك الأمرَ عقلاءُ الأمة وأهل الحل والعقد منهم بمنتهى الاهتمام.
وليس من شكّ أنّ صلاح المجتمع الإسلامي بصلاح أسره، وصلاح الأسرة بصلاح أفرادها، فمتى بدأ التغاضي في الأسرة عن فساد يطرأ على بعض أفرادها، فهناك تبدأ الأسرة تنهار، وتنحلّ بعدوى مرض هذا العضو في الأسرة. فبانهيار الأسرة تنهار البلدة التي تكونت من أمثال تلك الأسرة، وهكذا تتصاعد العدوى إلى وحدات المجتمع الإسلامي كلها، فتصبح الممالك الإسلامية في بقاع الأرض ـ على اختلاف شعوبها ـ أشبه شيء بوحدات عسكرية متخاذلة لا تجمعها قيادة. ومثل تلك الوحدات المفكّكة القوى لا يكون مبعث انتصارٍ في أي ساحةٍ من ساحات الكفاح، بل يكون عبئاً ثقيلاً على أكتاف الأمة الإسلامية يسرع بها إلى سقوط لا نهوض بعده، إلاّ إذا تداركنا الله بفضله. ونحن في مثل هذا الوضع المخيف في حافة الهوَّةِ المنذرة بالانهيار في كل لحظة.. والإسلام دين علم وعمل. وأنّى يكون هذا وذاك، إذا لم يكن من يسهر سهراً دقيقاً على العلم والعمل في الأمة، ويتخذ تدابير تحول دون استفحال الشرّ في المجتمع بكلّ تبصّر في كلّ ناحية.؟! فإذن نحن في حاجة ماسّة إلى تشكيلات جماعات إسلامية متصاعدة، تقوم بهذا الواجب في الأسر والمجتمعات والبلدان والممالك، بعد دراسات شاملة، وبعد تقرير ما لابدّ من تقريره في مؤتمرات تعقد لهذه الغاية الشريفة، مع السعي البالغ في تعارف شعوب المسلمين، لتتمكن الجماعة من تقويم أود المعوج منهم، بالتشاور والتآزر، وإصلاح ما يحتاج إلى الإصلاح بكل عناية، بدون أن يقول أحد : "أنا ما لي" بل يعتقد أنّ من الواجب عليه أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وإلاّ لا يكون إذ ذاك مؤمناً، كما ورد في الحديث الشريف. وهذا التضامن الاجتماعي هو مرمى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشرع الإسلامي، والمسلم يهتم بشؤون أخيه المسلم قدر ما يهتمّ بشؤون نفسه. ويحدثنا التاريخ أن السلطان أحمد الأول العثماني، مُشيّد ذلك الجامع الخالد في الآستانة، بعث كبير حجابه إلى شيخ الإسلام في الدولة إذ ذاك، محمد بن سعد الدين، يسأله بكتاب عن سبب الخلل الطارئ على كيان الأمة، وشؤون الرعية مع النصر الموعود للمسلمين، فأخذ الشيخ الخط من يد كبير الحجاب، وكتب تحته بعد مد باء الجواب على الوجه المعتاد في الإفتاءات : " ما لي ولهذا الأمر "، كتبه محمد بن سعد الدين. وأعاد الورقة إلى السدّة السلطانيّة، فاغتاظ السلطان جدّ الغيظ، حيث ظنّ أنّ شيخ الإسلام لم يلتفت إلى سؤاله، فاستحضره، وأخذ يعاتبه، ويقول : كيف تقول : " أنا ما لي " في أمر يهمّني جدّاً، وتهمل الجواب. فقال شيخ الإسلام : كلا ! بل أجبت عن السؤال أدقّ جواب ! فمتى كانت عناية رجال الدولة وأفراد الأمة بما يخص أنفسهم فقط دون التفات إلى ما يعمّ ضرره الجميع قائلين : ما لي ولهذا الأمر؟. فقد طمّت البليّة، وعمّت المصيبة، لانصرافهم إلى منافعهم الشخصيّة دون النفع العامّ. ولما شرح شيخ الإسلام كلامه هذا الشرح أعجب به السلطان جدّاً، وخجل من عتابه، فسعى في إرضائه سعياً بالغاً. وكلمة "أنا ما لي" على وجازتها هي علة العلل في طروء الخلل على شؤون الأمة في كل زمن، فلابدّ من وجود تشكيلات من رجال مخلصين على درجات متصاعدة، تسهر على شؤون المسلمين الاجتماعية، وتقرر ما هو في صالحهم في درء الأخطار، فإذ ذاك تدخل شؤونهم في طريق الإصلاح. لكن لا يتمّ هذا برجال رسميين، ولا بشيوخ هرمين، ولا بكهول شملهم الخور، بل بشباب أقوياء في العزم والحزم، يسعون في رضا الله سبحانه، مخلصين لله جل شأنه، بعزائم على قدر قوة إيمانهم، ومن الله سبحانه التوفيق والتسديد".
(2)
مبدأ تعدد الزوجات جُنة من البغاء وقوة للأمة العاملة به - مصطفى صبري التوقادي:
معلوم أن مسئلة المرأة لا زالت أعظم المسائل الإجتماعية في الأعصر الحديثة، وأكبرَ ما تفترق به الحضارة الغربية عن حضارة الإسلام، ولا زال تعددُ الزوجات أولَ ما يُنتـَقـَدُ به الإسلام، وأشهرَ نواحي الضعف الذي يلتاث في نظر الغربيين ومن ينظرون الأمور بمنظارهم من المسلمين، حتى إذا عنّ لبعضهم الاعتذار عن حكم دينهم فيه كانت غاية ما يتمسك به أن تعدد الزوجات ليس بضروري في الإسلام، وأن جوازَه محاط بشروط تجعله مستحيلَ الوقوع، ويفوته أن الاعتراف بجواز تعدد الزوجات مبدئيًا ضروريٌ للمسلم، وأن شروطه لا تجعله مستحيلا، وإلا كان تشريعُه عبثـًا ولغوًا، وكان فـِعْلُ الصحابة العاملين به معدودًا من طلب المستحيل.
وقد كنت أشبعت الكلام عن هذه المسئلة في كتابي الذي ألفته قبل ثلاث عشرة سنة باللغة التركية (1)، ولما كان البحث والنظر فيها من بعض الكاتبين مستأنـَفـًا في الأيام الأخيرة على صفحات بعض الجرائد أردت أن أقول قولي فيه:
إن ما يرمي إليه الإسلام في معاملة النكاح والزواج هو النسل وقضاء الحاجة البشرية إلى المناسبات الجنسية بشكل مشروع. ولا تبتعد جميعُ الأديان وقوانين الحضارة في مرماها عن هاتين الغايتين، فيُفهَم أن الدين والعقل مجمعان على مراجعة الشكل المشروع في المناسبات بدلاً من غير المشروع.
ومتى دعت حاجةُ أي رجل إلى الاقتران بأي امرأة فلا سبيل إليه عند العقل والنقل إلا سبيله المشروع أي الزواج.
وما دام في الدنيا رجل لا يكتفي بما عنده من زوجة وحيدة، ويبحث بعينه ورجله عمن عداها، فالاعتراف بمبدأ تعدد الزوجات ضروري، إلا لمن يشذ عن طريق العقل والنقل ويبيح الزنا، أو لمن يغضُ بصرَه عن الحقائق وينكر وجود الزناة في الدنيا بين الرجال المتزوجين، أو لمن يتقاصر حِجاه عن إدراك التلازم بين منع تعدد الزوجات وإباحة الزنا لبعض الرجال.
فهذا القدر من الكلام يكفي في تغليب حجة القائلين بمبدأ تعدد الزوجات، وإدحاض حجج المعارضين من دون حاجة إلى إطالة النقاش.
وإني لا أبرح على طول طريق المناظرة أتعلق بالمقارنة بين النكاح والسفاح، وأكتفي بترجيح تعدد الزوجات للذين تسوقهم شهواتـُهم إلى الاستمتاع بأي امرأة لا يحِلُ لهم ذلك في نظر الشرع، سواء كان استمتاعهم بوقاعها أو بتقبيلها أو مخاصرتها أو النظر إليها.
وأخصُّ هؤلاء اللصوص؛ لصوص الأعراض بوضعهم موضع الخلاف بين أنصار تعدد الزوجات وأعدائه.
فالإسلام عفيف لا يبيح استمتاع الرجال بغير نسائهم اللاتي يوجد بينهم وبينهن عقد شرعي، فإذا شعروا بحاجة إلى ذلك يجب عليهم أن يأتوه من بابه، ويتوسلوا إليه بعقود ثابتة، فيعلم الشرع ويعلم الناس أن هذه المرأة زوجة ثانية لهذا الرجل.
ولا يرضى الإسلام أن يدع علاقات الرجال بالنساء سرقات، ويدعهن صيدًا لمن قنص، أو ملعبة للفساق.
زوجة ثانيةَ! نعم، هذا الاسم يثقـُلُ على السنة المفتونين المستبدلين بعقلياتهم وءادابهم الاجتماعية عقليات الغربيين وءادابهم، المشترين الضلالة بالهدى. وليت شعري كيف يجدونه عند المقارنة باسم المزنيّ بها ـ التي يعبّرون عنها بالخليلة سترًا لمعابتها، وتخفيفـًا لفضاحتها، ولا يعترف الشرع ولا القانون بهذه الخلة، ولا يُجهَر بها في المجتمع، وإنما يتهامس بها الأخلاء: أي الزناة فيما بينهم.
مضار الزنا أعظم من تبعات الزواج بأكثر من واحدةولقد دُهِشتُ عندما قرأت قول أحد الكاتبين بهذا الصدد: "لو سألنا أي امرأة: هل تفضل أن ترى زوجَها يتزوج من امرأة أخرى أو يخادنها فقط؟ لقالت: بل أفضّل أن يخادن ألف امرأة غيري لأنه قد يعود إلى صوابه فيعود إليّ وحدي".
وأنا أقول: ماذا عسى أن يكون قدْرُ امرأة تفضّل أن تكون زوجة رجل يخادن ألف مرأة على كونها الزوجة الأولى لرجل عفيف.
وماذا تكون قيمة قول تلك المرأة الساقطة الحس والشعور بهذه الدرجة، وقيمة تقديرها الرجال وهي لا تقدّر العفة وقدْرَها؟
أفمثل هذه المرأة ينصّبها الكاتبُ حَكـَمًا ويجعل قولها الفصلَ في مسئلة اجتماعية هامة كهذه؟
وهل يمكن أن يقول أحدٌ من الرجال: لا أمنع امرأتي أن تخادن ألف رجل فحسبي أنها قد تعود إلى صوابها وتعود إليّ؟!
وإني قد كنت قبل خمس وعشرين سنة أنشأتُ قصيدة بالتركية موضوعها تحاورُ امرأتين ونشرتـُها في صحف الأستانة تحديًا لمقلدي الغرب المستهجنين لمبدأ تعدد الزوجات، فشبهت فيها ـ بلسان إحدى المتحاورتين ـ المرأةَ التي يشق عليها أن يتزوجَ بعلـُها بامرأة ثانية فلا ترضاه، ولا يشق عليها أن يخادن النساء فترضاه، بامرأة ذات قرنين.
ولو سألتُ الكاتبَ الذي يصف في أول مقالته أعداء تعدد الزوجات بأنهم حاملو لواء المدنية: هل فيهم هذه المرأة التي يُحكى عنها أن تبيح لزوجها أن يخادن ألف امرأة فتحمل ألف قرن؟
ومنشأ استسهال الكاتب تقويلَ أي امرأة بذاك القول تفشي الفسق بين الرجال، حتى عمت بليته، فهان على النساء اختيار أزواجهن من الفساق، وهان على الرجال أن يحبّذوا هذا الاختيار.
والكاتب يعدُّ الرجلَ الذي يُعْقـِبُ أولادًا من زوجتين ءاثمًا، فكأن أولادَ الزوجة الثانية أعداءً يدخـِلهم الرجلُ في الأسرة، ولا يعده ءاثمًا إذا أدخل فيها وَلدَ زِ نـْيةٍ، ولعله يتغاضى عنه كما تتغاضى الزوجة عن خليلة زوجها [وما ولدت منه] أو يعتبرهما في حكم العدم كما اعتبرت هي، لأنهما مجهولان عندها وعند الناس ومعدومان. ولقد دقَ نظرُ الإسلام حيث رأى في الزنا قتلَ نفسٍ وإعدامَها، وجازاه بمثله.
الاعتراف بجواز تعدد الزوجات ضروري للمسلمأما ما ذكره من معاداة بني العلات(2) بعضهم بعضًا فمنشؤه نقصانُ التربية الدينية الواجبِ تداركـُه.
وماذا يقول الكاتب فيمن يحاذيهم من بني الأخياف (3) في المعاداة الممكنة الوقوع فيما بينهم، فهل يتصور سَنَّ قانون يمنع زواجَ امرأة مات عنها زوجُها أو طلقها بزوج ءاخر، لئلا تلد منه أولادًا يعادون مَن ولدَتـْهم من الزوج الأول، كما يُتصوّر سَنَّ قانون يمنع تعدد الزوجات؟
بل هل يَتصوّر سَنَّ قانون يمنع الرجال ـ بعد موت زوجاتهم أو مفارقتهن بالطلاق ـ أن يتزوجوا مرة ثانية، لئلا يلدوا بني العلات فتحصل بينهم المعاداة.
فقد ظهر أن أعداء تعدد الزوجات الذين لا زالوا يتعقبون ما فيه من المحاذير الاجتماعية ويتتبّعونها، يمكن معارضتهم في كل خطوة بالزنا، وما فيه من المضار والويلات، ثم لا يمكن عند العقل السليم تفضيل الزنا عليه، وتفضيل ويلاته على تبعاته.
لذا قال مظهر عثمان بك ـ الطبيب التركي الكبير الأخصائي الشهير في الأمراض العقلية والعصبية ـ في كتابه المسمى "الطب الروحاني": ((الاكتفاء بالزوجة الواحدة Monogamie على ما يُرى في أوروبا إنما هو مظهر Etipuette كاذب بعيد عن الحقيقة، فقد تبين أنه لا يمنع الفسق، فالأولى أن نحترم تعدد الزوجات المشروع في ديننا، بدلاً من أن نكترث بهذا التوسع الضروري في الفسق والفجور)).
وتكلم الكاتب المعارض في عدد الرجال بالنسبة إلى النساء وقال: ((إن قامت حرب ومات فيها عدد كبير من الرجال، أمكننا حينئذ أن نرجع إلى ديننا، وإلى تطبيقه بحسب اختلاف الزمان)).
وإني أوصيه بالرجوع إلى دينه من غير تريث.
وقد قلت في كتابي المذكور (4) : "بناء على كون عدد النساء أكثر من الرجال، أو تقليل الحروب عددهم، أو عدم رغبة بعض الرجال في الزواج، أو رغبة بعض النساء الحرائر في اختيارهن في الزواج ببعضٍ معين من الرجال المتأهلين، بناء على أي سبب من الأسباب، فقد توجد امرأة يمكن أن تكون زوجة ثانية لأي رجل، حتى يتحقق تعدد الزوجات في ساحة الوقوع، وحسبك هذه المرأة زائدة في المقارنة بين عدد الرجال والنساء، فإن لم توجد تلك المرأة فلا محل حينئذ لتعدد الزوجات ولا لشكاية الشاكين منها.
وجود المتجرات بأعراضهن دليل على زيادة عدد النساء على الرجالثم إن دفاعي عن تعدد الزوجات لما كان بالنسبة إلى الزنا والسفاح، ففي استطاعتي إثباتَ زيادة النساء على الرجال، بوجود نساءٍ في كل بلدة يعِشن ببيع أعراضهن، من غير حاجة إلى سَوق المسئلة إلى أودية بعيدة.
ولا عليّ أن أثبت كون هؤلاء النساء زائدات في المقارنة بين نفوس الذكور والإناث بكل بلدة يوجَدن فيها، فها هن ظاهرات فيها بمظهر الزيادة، فعلى الرجال الذين لا مندوحة لهم عن الاقتران بهن أن يتزوجوهن، سواء كانوا متزوجين قبل ذلك أو عزابًا، ويجعلوا ما يعطونهن ثمن العفة نفقة الأهل.
إني ألزمهم ذلك، ولا يرضاه المعارضون لأنهم يحاولون أن يبقى الرجال دومًا بموقفٍ يسهل عليهم تبديلهن غيرهن، وبه يظهر أن المعارضين لا يرضون التحديد الذي يتضمنه تعدد الزوجات، بالرغم من أنهم يشـْكـُون التعدد، ولذا قال أحد أدباء أوروبا: "إن للمسلمين أن يفترشوا من النساء إلى أربع، وللغربيين ـ الذين يعدون أنفسهم أرقى مدنية منهم ـ أن يفترشوهن إلى ما شاؤوا من العدد".
وكأني بالمعارضين يتعجبون من قولي ويقولون كيف يتزوج كل رجل من التي أراد أن يزني بها؟ وربما تكون من المومسات وتسكن بيتـًا من بيوت الدعارة الجهرية أو السرية وتعرض نفسها على من طرق بابها فكيف تتفق الكرامة وهذا الزواج؟ ولكني أعود فأزيد في تعجبهم قائلا: إن الزواج منها لا يُخـِلُ بالكرامة الإنسانية قدر ما يخل الزنا بها، وإن الرجل مهما بلغ من الكرامة فهو يسقط في درك امرأة يريد أن يزني بها، لكن الزواج لا يحط من كرامة الرجل، وإنما يُعلي المرأة وينجيها من سقطتها.
المرأة والرجل بالنسبة إلى مسئلة التعددأما قول الكاتب: "ومن حق المرأة أن تستأثر بزوجها وأن تستأثر بحبه وأن تقول له في علانية: إنْ أنت ضممت إلى صدرك امرأة أخرى فلسوف أضم إلى صدري رجلا آخر، فإن العين بالعين والسن بالسن".
وكان هو قد حكى عن أي امرأة فرضنا أنْ سألناها أنها تفضل أن يخادن زوجُها ألفَ امرأة غيرها على أن يتزوج من امرأة ثانية، كما سبق نقلـُه منا مع التعليق عليه.
فعند الجمع والتوفيق بين هذين القولين تكون النتيجة أن تلك المرأة التي يخادن زوجُها ألف امرأة سوف تضم إلى صدرها ألف رجل، لأن العين بالعين والسن بالسن، بالرغم من إباحتها لزوجها تلك المخادنة غير المحدودة في ضمن تفضيلها على تزوجه من أخرى، ولعل تفضيلها أن يخادن على أن يتزوج ليُمْكِنـَها الاقتصاص منه، إذ لا يمكنها أن تقول: إن هو تزوج بعدي بثانية وجمَعَها إليّ فلسوف أتزوج بآخر وأجمع بين الزوجين، لأن القانون لا يأذن لها في ذلك، ولا تأذن به فطرتها أيضًا لأن بطنها لا يجمع بين ولدين من رجلين من دون اختلاط الأنساب، أما الرجل فيمكنه أن يقترن بعدة نسوة فيحصل منه عدة أولاد من غير وقوع التباسٍ في أبيهم أو أمهاتهم، وهذا من أبرز ميّزات الرجل التي يمتاز بها على المرأة.
فقد ثبت أن فجور الزوج يستفز الزوجات ويؤدي إلى فجورهن، أما وجود الفجار من الرجال فأمرٌ لا يمكن إنكاره بالكتمان، بل لا يمكن كتمانه أيضًا، فالواجب أن نتداركه بتعدد الزوجات الذي أخذ [بعض] المسلمين ينسونه منذ أقاموا في الفسق.
فإن قال قائل: كيف نتدارك الفسق الفاشي في البلاد بإحياء مبدأ تعدد الزوجات وليس جميعُ الفسقة من المتزوجين حتى نزوجهم ثانية؟
فالجواب عليه: إن الفاسق، وبعبارة أولى من رأى نفسه على شرف الوقوع في الفسق ـ إن كان عزبًا ـ فليتزوج، ـ وإن كان متزوجًا ـ فليتزوج ثانية وثالثة ورابعة حتى يحصل له الاستغناء، فإن لم يحصل بالرابعة وتاق إلى خامسة فليطلق إحدى نسائه وليجعلِ الخامسةَ رابعةً.
فإن عدّ هذه الفعال تلاعبًا بالأهل والعيال.
قلت: إن كل ذلك أفضل من الفسق، حنانـَيْك بعضُ الشر أهونُ من بعض.
وإن سألوني عن منابع المال اللازم لهذه الزيجات اُرِهم منابعَ المال الذي ينفق في سبيل الفسق، وهو أكثر.
ــــ
(1) "ديني مجددلر" - مجددو الدين، بالتركية - طبع في استانبول وقد صادرته الحكومة الكمالية في حينه، وتوجد نسخة منه في دار الكتب المصرية، وقد أعيدت طباعته بالأحرف اللاتينية في تركيا مؤخرًا
(2) أولاد الرجل من أمهات مختلفات.
(3) أولاد المرأة من ءاباء مختلفين.
(4) "ديني مجددلر".