أبحث عن قلب يحبني
الحلقة 6 والأخيرة
ترقت دالية في عملها الوظيفي، ورزقت أنا بمولود جديد، وانشغلت كل منا بأبحاثها ومسؤولياتها الجديدة..
لم نكن نقصد أن نتخلى عن هؤلاء الأيتام...
والله لم نقصد ذلك...
اعتذرنا أول أسبوع، ثم الذي يليه، ثم بدأت امتحانات أبنائنا، ولم يكن من الممكن ان ننشغل عنهم،
ثم..........
وثم..........
وثم................
ومر أسبوع تلو الآخر
وشهر جر شهرا
وبعدت الشقة بيننا وبين أولئك الأطفال...
وأخذت كلمات سارة تتردد في أذني، وتطرق مسامع قلبي، وتمزقه تمزيقا...
ذهبنا مرة بعدها لزيارة الدار، وقد اشترينا بعض الحلويات والهدايا، وقمنا بتوزيعها على الأطفال..
...
أقبلت إحدى الفتيات وسألت عن ابنتي... (واخجلتاه..)
وأخرى سألت عن ابنة أخي دالية..... (لم تستطع دالية إرغامها على القدوم، فقد ملت الفتاة من هذا النشاط الاجتماعي وبدأت تبحث عن شيء جديد تتسلى به)
سألتني طفلة اسمها رضوى: أين القصة التي وعدتني بها؟
- أي قصة يا صغيرتي؟
- ألم تعديني يا أستاذة أن تحضري لي مجموعة قصص عندما اخبرتك أنني أحب القراءة...
(يالي من منافقة... أوزع الوعود بلا حساب... ولا أذكرها حتى لأفي بها)
كانت زيارة سريعة وخاطفة، حاولنا خلالها أن نسكت صوت ضميرنا المتعالي الذي كان يؤرقنا...
حاولنا ان نغض الطرف عن إعراض الأطفال عنا، ونظراتهم العاتبة والمتهمة لنا..
لقد تخليتم عنا أنتم أيضا.... مثلما تخلى عنا آباؤنا...
كلكم متشابهون
لماذا بدأنا تلك الخطوة الخطيرة دون أن نحسب حساب خطواتنا جيدا؟؟....
دون أن نفكر هل نستطيع الاستمرار أم لا؟
هل كانت مغامرة لطيفة أردنا أن نعيشها غير عابئين بتأثيرها على هؤلاء الأبرياء؟
هل كانت لحظات انفعالية أردنا أن نثبت فيها لأنفسنا أننا ملائكة الله تمشي على أرضه؟؟...
هل كانت محاولة منا لإرضاء غرورنا وضميرنا الديني، ولنستمتع من خلالها بالقيام بدور المحسنين؟؟...
لكنني لم أكن السبب...
لا
لقد كانت فكرة دالية.. ولم تكن فكرتي...
هكذا كنت أحاول أن أسكت ضميري، وأبعد عني أشباح صورهم ووجوههم الحزينة كلما أحاطت بي وأرّقتني..
نظراتهم المتهمة كانت تحاصرني
ونبرة أصواتهم المنكسرة كانت تصم أذني
ونصيحة سارة وتحذيرها كان سكينا يمزق الحشا ..
أهم شيء في تعاملنا مع هؤلاء الأيتام هو الاستمرارية.... فهؤلاء يشعرون أن الجميع تخلى عنهم، ونهرب من مسؤوليته تجاههم
يوم اليتيم العالمي
هيا بنا ننظم رحلات
نمسح على رؤوس بعض الأيتام
نوزع بعض الابتسامات الغبية وبعض الحلوى السخيفة
هيا بنا نشتري لأنفسنا الشعور بالرضا والزهو، ونكتسب لقب المحسن العظيم، والبار الرحيم...
هيا .. هيا... من يشارك؟ ....
مغامرة لطيفة... من يحب أن يجرب...
لن تكلفكم التجربة شيئا سوى بعض الوقت وبعض الحلوى وبعض البسمات...
أيتام التجربة جاهزون ومتوفرون...
هيا
هيا
لا استمرارية
لا إخلاص
لا تحمل للمسؤولية
كيف سأخرسك يا ضميري
كيف أتخلص من شبح وجهك يا حاتم الذي يلوح لي ليل نهار؟...
كيف أنسى ملمس كفك الصغيرة وهي ترتجف وسط كفي؟؟
ها هي قصتك يا رضوى... لقد اشتريتها... ولكنني أخجل من أن آتي لأوصلها لك...
إنها أمامي على الرف.... تلوح لي كل يوم... دليلا على تفاهتي وغدري بك
وبكم جميعا
سأمزقك أيتها القصة اللعينة...
وستخرس يا ضميري
وأنت يا حاتم
ابتعد عني
ابتعد عن ذاكرتي أرجوك
أرجوك
و أنا التي هوت و احترفت اشعار الناس بأنهم لا شيء و حثالة .. وكما يقول الشوام " زُبالة " لا يساوون شيئاً
لم اهتم كثيرا ببدايات القصة ولا اسئلة رولا الجوفاء ولا حماسة داليا .. لم يشغلني سأم ابنة أخي داليا و لا ضجر بنات رولا ..
لم يدهشني لين كف حاتم ولم تحركني نظرة رضوى المتأهبة و المتوسلة كالقطط التي تنظر إليك .. وتتمنى أنك لن تخذلها !
لم اهتم بأي شيء آخر ..
و لااا أي شيء ..
إلا ما اقتبست .. يالسوأة ضمائرنا , أين غراب قابيل فيعجزنا في انفسنا ..
حسناً , لا شيء لاقوله..
فقط , سأظل ابرر لنفسي أنني لازلت في كنف ابي ولا املك ثمن مواصلاتي و كل هذا الهراء الذي لا ينتهي ..
دعيهم , سيغنيهم الله عنا و عن تفاهة اعذارنا ..