مداخل الفساد
منذ أكثر من ٣٠ عاما تم انشاء هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية كهيئة غير ربحية في البحرين.
وتصدر الهيئة الكثير من المعايير الشرعية المتعلقة بكثير من المعاملات المالية مثل المتاجرة في الأسهم وتنظيم اليات عمل البنوك الإسلامية وغيرها من المؤسسات المالية.
لكن اللافت للنظر عند الاطلاع على معيار المتاجرة بالأسهم مثلا أن هناك التفاف حول توصيف الأمور وفتح أبواب فساد ضخمة جدا!
فالمعيار الشرعي للهيئة يقول بإباحة التعامل في أسهم شركات تتعامل بالربا بمعاملات لا يزيد حجمها عن ٣٠٪ من قيمة الشركة السوقية،
ثم يقول بإباحة التعامل في أسهم شركات لديها أنشطة فرعية محرمة، على ألا يزيد عائد هذه الأنشطة عن ٥٪ من قيمة الشركة السوقية،
على أن يقوم بتطهير مكاسبه بعد ذلك من تلك الأنشطة المحرمة، على الرغم أن حرمة الربا أشد وأنكى من حرمة الخمر مثلا!
والحجة في كل ذلك، أن هذا من عموم البلوى وحتى لا نحرم أموال المسلمين من الاستفادة من هذه الأعمال الكبيرة!
وعلى أمل أن يمارس أصحاب الأسهم ضغط على إدارة الشركة للتراجع عن الربا والأنشطة المحرمة!
وحتى نتصور سذاجة هذا الطرح، فشركة مثل أبل وصلت قيمتها السوقية إلى ٣ ترليون دولار، فمباح لها تبعا لكلام الهيئة أن تتعامل بالربا حتى ٩٠٠ مليار دولار!
هذا الرقم بالمناسبة يزيد عن اجمالي الناتج المحلي السنوي لبعض من دول الخليج مجتمعة!
أما عن حجم الأنشطة المحرمة تبعا لمقياس الهيئة، فهذا يعني أن شركة أبل تستطيع استثمار ١٥٠ مليار دولار في أنشطة محرمة، وستظل على قائمة الشركات الحلال للاستثمار من وجهة نظر الهيئة!
حتى نتصور الأمر، فتجارة الإباحية عبر الإنترنت يقدر دخلها السنوي عالميا ب ١٠٠ مليار دولار!
الكارثة لا تتوقف هنا، لكن خلال ٣٠ عاما من عمل الهيئة لم نسمع عن شركة عالمية واحدة أوقفت معاملاتها الربوية أو أنشطتها المحرمة لأن المساهمين المسلمين أثروا على مجلس الإدارة.
ولم نسمع كذلك عن شركات إسلامية خالصة صارت عالمية دون الحاجة للربا، فمن أين لها باستثمار حلال وأضخم الاستثمارات تذهب للخارج أو في الانفاق على الأنشطة الترفيهية؟
بل نكاد لا نسمع عن شركات إسلامية خالصة لها أي تأثير اقتصادي إيجابي على المجتمع، ولكن فقط نمو أرباح أصحابها! ولا علاقة للهيئة طبعا بهذا الكلام!
فما الذي فعلته الهيئة تحديدا خلال ٣٠ عاما؟
اتباعا لمعايير الهيئة، فقد وجد أصحاب الأموال من المسلمين حجة لهجر المشاريع ذو الطابع الإسلامي والارتماء في أحضان الشركات العالمية، حتى وإن كانت تدفع ضرائبها لدول تقتل المسلمين في كل مكان.
وعملا بمعايير الهيئة، تم تجريف بلداننا من الاستثمارات ذو الفعالية الإنتاجية الحقيقية، فمخاطرها من وجهة نظر المستثمر أعلى من الاستثمار في شركات عالمية مستقرة.
وبالطبع لأن التمويل بالربا صار مباحا بشكل غير مباشر نتيجة هذا المعيار، حيث فعليا لا تحتاج أغلب الشركات لقروض تزيد عن ٣٠٪ من قيمتها السوقية،
فقد صار التمويل بالربا هو الأصل! وصار على المشاريع الصغيرة أن تختنق أو تتعامل بالربا هي الأخرى!
وازدهرت تجارة الربا في كل البلدان المسلمة، وحتى حين تم الاحتيال أكثر في صياغة عقود التمويل في البنوك الإسلامية، فلا تظل البنوك الربوية هي الأساس والأكثر قوة في كل الدول.
وهكذا صنعنا خندقا وهميا وسقنا المبررات لنقتل أنفسنا بأيدينا، ثم ندعي أن لدينا مالية إسلامية وأن العلماء أدوا ما عليهم!،
ربما لم يوضحوا لنا فقط أنهم كانوا يقصدون تأدية واجبهم تجاه مصلحة أصحاب المال لا الأمة ولا عموم المسلمين بالطبع..
حسبنا الله ونعم الوكيل.