بين الغدر والخذلان
انتشرت في الأيام الماضية دعوات لمقاطعة تطبيق واتساب بعد قرار شركة فيسبوك توسعة مشاركة بيانات المشتركين لتشمل بيانات الواتساب، مما يزيد من اختراق خصوصية المستخدم.
وانتشرت الدعاوى في تركيا لاستخدام تطبيق مراسلة تركي اسمه bip ، حتى أن الرئيس أردوغان قام بعمل دعاية للتطبيق التركي وصرح بالانتقال إليه.
المؤسف والمحزن في الأمر، أن تطبيق bip التركي أشد اختراقا لخصوصية المستخدم من تطبيقات الفيسبوك، وأكثر منها خطورة أيضا من الناحية التقنية.
وللأسف تم استغلال الهجمة الإعلامية على واتساب لخداع الناس ودفعهم بخطاب عاطفي للوقوع في فخ أسوأ، وهناك بالطبع استفادة مادية ضخمة من وراء إغراء الناس بالانتقال إلى تطبيق bip
الأمر وإن كان أقل نسبيا في دعاوى الإنتقال إلى تطبيق تليجرام، إلا أن أصحاب تلك الدعاوى لم يبينوا للناس أن الخيار التلقائي للمحادثات في تليجرام غير مشفر، وهو اسوأ من واتساب في هذه النقطة!
وأنه حتى يمكن استخدام تليجرام بأمان، يجب أولا اختيار انشاء محادثة سرية، وهو ما لن يفطن له المستخدم البسيط فيقع في فخ المحادثات العادية التي يمكن لشركة تليجرام قراءتها بسهولة.
مع الأخذ بالاعتبار أن المقر الرئيسي لشركة تليجرام هو دولة الإمارات.
ويظل الخيار الامن للمحادثات حتى الان هو تطبيق سيجنال المفتوح المصدر.
ذكرتني هذه الأحداث السريعة بحال قطاع البنوك الإسلامية، وكيف يستغلون حاجة الناس لمعاملات حلال فيجتهدون في إيجاد المخارج الشرعية التي تعظم أرباح البنك وتستغل العميل بأكبر قدر.
فإذا ما كان الهدف من تقديم حل إسلامي سواء في قطاع البنوك أو غيره، هو تعظيم الربح بأي طريقة كانت، فإننا في مأساة حقيقة أكبر مما نتخيل!
فالعقلية الرأسمالية التي تجعل الربح المتزايد غايتها العظمى وهدفها الأساسي لن تقبل على أي خيار فيه مصلحة للأمة إلا إذا كان هذا الخيار هو الأكثر ربحا لهم.
وهذا بالطبع غير متحقق.
فمصالح الأمة تحتاج إلى قناعة بالربح المعقول والتضحية أحيانا بالدخول في مغامرة قد تؤدي لخسارة، لكنها ضرورية من أجل تحقيق مصالح الأمة.
وغياب هذا المفهوم يفسر لنا لماذا رغم كل العقول المسلمة والأموال الغزيرة لم تثبت الأمة أقدامها في أي مجال دنيوي يعود على الأمة بالقوة!
فهذا الطريق الثاني غير مرغوب، ومادام هناك طريق أكثر ربحا وراحة فلماذا نشغل أنفسنا إذن بالمخاطرة والربح الأقل؟!
لهذا أيضا تؤثر النوابغ المسلمة العمل في شركات عالمية رأسمالية على العمل في مشاريع صغيرة لها هدف إسلامي، فالأولى أكثر استقرارا ووجاهة اجتماعية وأكثر ربحية.
المشكلة هنا، أنه مع الوقت تختفى الكفاءات التي تحمل هم المسلمين، فلا يعود لنا إلا الشجب والاستنكار والتحسر على حالنا بين من يتربص الغدر بنا، وبين من يخذل أمته لأجل راحته.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.