2- الجيل المسروق ...
في مطار سيدني سألتني إحدى موظفات الأمن : هل أنت من الجيل المسروق ؟
ضحكت وقلت : نعم من الجيل المسروق شبابه و عمره و فلوسه
لكن ملامح الجديه ارتسمت على وجهها و هي تختم على جواز سفري لتسأل من بعدي نفس السؤال .
تمر الأيام ,بدأنا نحن إلى جلسات الشوي على الفحم , و التجمع مع أمثالنا من العرب , كنا قد تعرفنا على مجموعة من المسلمين من جنسيات عربية مختلفة , و كان عيد الأضحى , إقترح أحدهم حديقة للتجمع وجد فيها مكانا معدا خصيصا للشوي على الفحم , حزمنا أشياءنا و إنطلقنا , و من حظنا كانت الشواية فارغة بالرغم من أنه يوم عطله !
كان مدخل الحديقة قديما الى حد ما , مكتوب عليه عبارات بطلاسم غريبه و الترجمه مدرجة كالتالي : الإحترام لسكان هذه الأرض.
لكن يبدو أن الحديقة خالية من البشر , إعتبرنا ذلك من حسن حظنا و بدأت من الأخريات بتوضيب الطعام و بدأ الرجال بالإشعال الفحم.
و بينما نحن في ذلك الإنشغال و من حيث لا ندري ظهرت سيده , تبدو في العقد السادس من عمرها , داكنة البشرة , كثيفة الشعر , يبدو من مظهرها أنها لم تمشطه منذ زمن , رثة الثياب, تملأ التجاعيد وجهها , و عندما فتحت فمها لتتكلم كان خاليا تماما من الأسنان , لكن الملفت للنظر أنها كانت تترنح في مشيتها بطريقة غريبة و مقلقة , أول ما رأتنا قالت بلهجه هجومية : ماذا تفعلون هنا ؟
تسمرنا في مكاننا
قالت بعدائية : من أين أنتم؟
كنت أول من إستطاع النطق : مصر
و فجأه ضحكت خالية الأسنان قائلة : أفريقيا , أنتم أقاربنا , أنا من الجيل المسروق , الرجل الأبيض قتل أجدادي و سلب أرضي و ترك لي هذه الحديقة أشوي فيها حيوان البوسم - نوع من القوارض - و الكانجر , أهلا بكم أهلا تفضلو تفضلو يا أقاربي و اصحابي
طبعا ما أن سمع الجميع موضوع شوي القوارض حتى بدأنا نلملم أشياءنا لنذهب الى مكان آخر , أحذت السيدة تجذب يدي تتوسل أن نجالسها , لكننا اعتذرنا بلباقة و مضينا إلى حال سبيلنا .
قبل أن تحط السفن الإنجليزية رحالها في أستراليا , كانت قبائل الانديجينوس و التوريس لاند أيسلاندرز و هم السكان الأصليون لأستراليا , يعيشون بتكيف تام مع البيئة الأسترالية , كانو حفاة الأقدام , يرتدون جلود البقر , يعلمون مهارات الصيد و تقفي الأثر , و لديهم الكثير من الأساطير و الحكايات العجيبة , مؤمنون بالسحر و يتداوون به , و يعتقدون أن أرواح أجدادهم تسكن في النجوم أو أنهم النجوم نفسهم. لديهم لغات كثيره مختلفة بحسب إختلاف القبيلة , كانت قبائلهم تتحارب مع بعضها البعض , لكنهم لم يشهدو حربا بضراوة الحرب التي خاضوها لاحقا مع الإنجليز.
في عام 1788 بدأت إنجلترا تشحن مجموعات من السجناء و الفقراء و المشردين إلى أستراليا , و كان المحكوم عليه بالذهاب إلى أستراليا كالمحكوم عليه بالفناء , و كان يمكن للحكومة أن تنفي أي أحد إلى هناك بتهم بسيطه جدا كسرقة رغيف خبز , المحتلون الأوئل و الذين يسمونهم ستلرز كانو مزيجا من الجرمين و المنفيين و الميكروبات الإنجليزية التي كانت أخطر من المحتل الإنجليزي على أجسام السكان الأصليين الذين لم يعهدوها.
أبادت أمراض الإنجليز كالحصبة , الجدري , و الأنفلوانزا مع أسلحتهم في خلال عشر سنوات ما يقرب من تسعين في المئة من السكان الأصليين بلا رحمة و لا هوادة , و قد كان وقتها من حق الستلرز قتل السكان الأصليين و ضربهم بالنار في أي وقت .
لاحقا صدر قرار باستخدام ما تبقى من السكان الأصليين في الزراعة وفي الأعمال الشاقة , على إعتبار بأنهم سينقرضون بفعل الطبيعة بسبب أنهم أقل تطورا من العرق الأبيض , أما بالنسبة للعرق الخليط و الذي نتج عن تزاوج الستلرز البيض مع السكان الأصليين أو بمعنى أصح نتيجة إغتصاب المحتلين الساديين لنساء قبائل السكان الأصليين , فقد قيل أن لهؤلاء شأن آخر , و أنهم فيهم أمل بأن يتطورو و أن يصبحو مثل البيض .
أصدر البرلمان الأسترالي عام 1905 بيانا بأن يتم عزل كل الأطفال المختلطين أو المجنسين عن أهلهم من السكان الأصليين و إدراجهم ضمن عائلات إنجليزية من أجل تعليهمهم سبل العيش على الطريقة الإنجليزية " الراقية "
و إنطلقت الشرطه في ذلك الوقت تجوب القرى و تخطف بناء على وشاية أهلها الأطفال المجنسين قسرا تاركة أمهات ثكالى تتجرعن مرارة الألم لفراق أطفالهن .
فإن كان طفل القبيلة أفتح من أقرانه أو شعره أكثر نعومة أو ملامحه أقل جبلية كان يعد هجينا و كان يؤخذ الى معتقلات خصصت لتدريبه و لمحو ذاكرته .
فيساق مع أمثاله من الأطفال لهذه المعتقلات التي يديرها جنود مسلحون لتدريبهم على برامج مفادها طاعة الرجل الأبيض و يتم إستخدام معهم أسلوب الضرب و السحل و التعذيب , يمنعون من التكلم بلغتهم أو استخدام عاداتهم , ثم ما إن يتم إخضاعهم حتى يصبحو مؤهلين للحياه مع العائلات الإنجليزية التي لا تكون أكثر رحمة من المعتقلات , حيث يقومون باستكمال مسيرة إستعبادهم .
من هنا نشأ جيل كامل من الأطفال المسروقين , و استمر هذا الفعل الشنيع حتى عام 1967
إلى الآن تعيش بيننا في أستراليا أجيال من الأطفال المسروقين , أغلبهم مدمنون أو مصابون بأمراض عقلية , و كثير منهم إتجهو للجرائم و الفواحش , يشعرون دوما بالعار و ينعزلون في الغابات عن باقي الأسترال كطريقة للتعبير عن رفضهم لما حدث لهم في الماضي, كما أن منهم من رفض الإنخراط في الحياة المرفهة بما فيها من مشافي و مدارس و متاجر.
يعد يوم 26 من شهر مايو من كل سنه يوم عيد في أسترايا , و يسمى يوم الإعتذار , حيث يعتذر الشعب الأسترالي لمن بقي من السكان الأصليين بسبب الجرائم التي تم إرتكابها في حقهم و حق أطفالهم من إنتهاك لحقوق الإنسان , و اليوم , يتم منح الأسترال الأصليين تعويضات مادية من قبل الحكومة الأسترالية و إمتيازات إضافية من أجل شراء سكوتهم على ما سبق و فعله الأجداد.
نقطة.