مقال لصاحبه : فالح فليحان الرويلي
القوة في البساطة..
في طريق سفر وأثناء لحظات تأمل شعرت بحجم الخطأ الذي نقترفه كل يوم حينما ننتظر عملاً عظيماً نقوم به، أو نفكر في منجزات كبيرة لنحقق ذاتنا. ارتبط النجاح لدينا بالمادة وبكمية ما نستطيع استهلاكه، نعم المال أمر مهم وهو عصب الحياة، علينا أن نسعى إليه ونكسبه بالحلال، وأن نتقن مهارات تؤهلنا لنكون أغنياء مادياً. صحيح أن المال يشعرنا بالسعادة، ويعيننا على أبواب خير غير متناهية، ولكن ليس هذا ما أتحدث عنه بالمناسبة؛ وإنما ارتباط تحقيق ذواتنا بالحياة الاستهلاكية المترفة الخالية من القيم والغنية بالماركات.. شعرت بالاستياء حينما قرأت مقالاً مطولا لكاتب ومثقف خليجي متخم بالمال ويمكنه لقاء كبار الرواة في العالم مثل باولو كويلو، كانت فكرة المقال المعلنة هي إشكالية فوات المتعة الشخصية ولكنه في ذات الوقت مترع بنماذج المتع الارستقراطية الاستهلاكية.. لا أعلم ما شعور قارئ عربي يعيش حياة اللقمة فيها إنجاز حينما يتصفح ذاك المقال؟! لا شك أن هناك نوع من المثقفين هو مثقفي الاستهلاك..
وحتى قصص النجاح التي نقرأها تعاني من فجوة كبيرة بين واقع الألم والمعاناة التي مر بها أصحابها، والتي غالباً جعلتهم لا يشعرون بمتعة الإنجاز كما يظن المستمعون الشبقون للعظمة..
كأن هذه الأفكار والمشاعر والتصورات تفقدنا الإحساس بأجمل ما لدينا، تجلعنا نزهد بكل الجمال المحيط بنا حينما نقارنه بما نشاهده ونقرأه..
مرة أخرى ماذا يمكن لعمل بسيط أن يفعل؟
سؤال كثيراً ما نردده بصيغة استنكارية، لا يشترط أن يسمعه أحد، لأنه في الغالب يكون داخل رؤوسنا.. نقوله لنحتقر أفعالنا الصغيرة ..
ماذا لو أطفأت مصباحاً صغيرا في البيت حفاظاً على الطاقة..
ماذا لو ابتسمت أثناء سيري في أروقة عملي..
ماذا لو سلمت مصافحة على طفل صغير وسألته عن حاله..
ماذا لو كتبت نصاً مشجعاً، سعيداً، متفائلاً في بحر لجي من السوداوية المحيطة..
ماذا لو أرسلت رسالة نصية قصيرة شخصية ربما فيها خطأ مطبعي عبر الهاتف لزوجتي أُصبح عليها.. أو على أخي.. أو أختي..
ماذا لو وضعت الورقة الممزقة أو ما بقي منها في سلة المهملات..
ماذا لو استمعت إلى محاضرة فكرية رصينة عبر اليوتيوب لخمس دقائق يوميا..
ماذا لو تصفحت كتابا مميزاً، 10 صفحات لا أكثر يومياً..
ماذا لو تجاهلت رسالة سخيفة مسيئة من صديق أو قريب دون أن أتفاعل معها وأردها الصاع صاعين..
ماذا لو مشيت نصف ساعة يومياً..
ماذا لو ..
إن للبساطة قوة تشبه إلى حد كبير قوة قطرات المطر الهاطلة التي تغسل الأرض ومن عليها وربما فاضت فغمرتنا..
تشبه قوة الشرارة التي تشعل الكون وتضيء ما بين السماء والأرض..
تشبه نجوم السماء حينما تتلألأ فتكسو السماء أبهى حلة..
تشبه ذرات الرمال التي تصنع أعلى القمم..
تكون كذلك حينما تجتمع .. حينما نواصل المسير .. حينما نضع اللبنة على اللبنة.. إنها المثابرة والقليل الدائم الخير من كثير منقطع..