المحرر موضوع: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟  (زيارة 25726 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

وعُدّ من عندك، وإننا لو عددنا لما انتهينا ....
((لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم))
((لكم شربنا في تلك الأيام الشاي، وكم سمعنا من الاسطوانات، وكم رددنا عبارة :إننا نطالب بحقوقنا، تلك الحقوق الخلابة المغرية التي يستسهلها الناس، فلا يعمدون إلى الطريق الأصعب: طريق الواجبات.)) –مالك بن نبي-

هل سيكون بعيدا ضربي مثال الرجل الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل، فأعطاه فأسا قائلا: "اذهبْ فاحتطبْ"
إذن، هل للإنسان المسلم اليوم إلا الانبهار بما صنع الغير، وبما شقي لأجله الغير، ولما هو من عرق الغير، وفكر الغير؟؟؟ هل له فقط أن ينكفئ ويتحسّر ويضرب يدا بيد، ويعض أنامل الحسرة على حاله، وهو يرى حال الآخر المترف ...؟؟؟ إنه لو صدق مع نفسه لعرف أنّ هذا الآخر قد تعب، قد فكّر، قد قدم ما عليه، قد أدّى واجبه ليفوز بحقه فوزا مستحقا، فوزا يجعله إذا ما شارك يوما بمظاهرة احتجاج يطالب بحق من حقوقه، كان كل الحق معه، رجحت كفّته، لأنه الذي قدّم ففرض بواجبه أن ينال حقه كاملا ..... إن علينا أن نربي أجيالا تعرف ما عليها قبل أن تتعلم المطالبة بما لها ...
وهُم إذ يؤدون الواجب على أكمل وجه، فإن سلطات رقابية تُفرض عليهم في كل مكان، وفي كل المراحل، أما نحن فإنّ ديننا يفرض سلطة الرقيب الأول على الإنسان، يفرض عمل الوازع الديني، وازع مراقبة عين الرقيب سبحانه، وهذه أعظم من تلك، وأدوم من تلك، وأقوم ... ولكن ينقصنا تغيير ما بأنفسنا ....
يتبع.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
وأتابع هنا أيضا  emo (30):

تقول : ((ستقولين لنا ما لهم، كمثال المستشفيات والمدراس... أقول تلك شكليات ومنظومات لا تطال البلاد كلها، نجدها فقط في المدن الكبرى، والتهميش يطال أغلب سكان المدن الباقية، بل حتى أغلب سكان المدن الكبرى...))

لا يا أخ حسن، لم أضرب مثال المستشفيات والمدارس والجامعات، لأقول أنّ لنا ما لهم، بل ضربته لنستعرض الحال مع وجود هذا، وعدم وجود الإنسان صاحب النفس المستقيمة والفكر القويم، فهل كان منه طائل؟؟
الإنسان الذي يعرف أن له واجبا عليه أداؤه قبل أن يترنّم باللحن الممجوج لأغنية "أعطونا حقوقنا " ...
الإنسان الذي لا يلقي على مشجب السياسة وفساد السياسيين أخطاءه، فيجدها المُضغة التي تستطيبها أسنانه، فكأنه الذي لن يُحاسب ما دام رؤوس القوم فاسدين...!!

ثم من أين لنا بما يطال البلاد كلها، وما يُذهب الظلم، ويجعل السائد هو العدل بين الناس، وبين الطبقات، والسياسي نفس، والاقتصادي نفس، تماما كما أن المعلم نفس، والحارس نفس وعامل النظافة نفس .... كلها أنفس، إذا هي تأسست على السليم علا منها السليم، وانتشر....
يتبع .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
تقول: ((هذا سؤال كبير جدا وجدلية قائمة بين نجاعة تغيير قاعدة الهرم أو تغيير رأسه، وهل الناس يديرون شؤونهم بأنفسهم أم يحتاجون لراع وقائد يوجّههم، وهل يبلغ الناس مبلغا من الوعي يستطيعون به الاستغناء عن القائد الفذ الذكي القوي، أم أن الواقع والتاريخ يفيد عكس ذلك (وأنا أرى أن التاريخ يؤيد أن الناس أغلبهم مساقون ولا بدّ، وقليل منهم أكياس، ومصر خير دليل على ذلك))

نعم أدري أنها جدلية قائمة، رأس الهرم أولا، أم القاعدة أولا ....
وإذا قسنا الاستعمار على أنه استعمار الآخر لنا، كما أنه استعمار بني جلدتنا لنا بالظلم والاضطهاد، كما كانت الثورات الأخيرة بعنوان "الثورة على الظلم والظالمين".
((ليس ينجو شعب من الاستعمار وأجناده، إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لذلّ مستعمر، وتخلصت من تلك الروح التي تؤهله للاستعمار، ولا يذهب كابوسه عن الشعب، كما يتصور بعضهم بكلمات أدبيّة أو خطابيّة، وإنما بتحوّل نفسي، يصبح معه الفرد شيئا فشيئا قادرا على القيام بوظيفته الاجتماعية، جديرا بأن تُحترم كرامته، وحينئذ يرتفع عنه طابع القابلية للاستعمار، وبالتالي لن يقبل حكومة استعمارية تنهب ماله وتمتصّ دمه، فكأنه بتغيير نفسه قد غيّر وضع حاكميه تلقائيا إلى الوضع الذي يرتضيه)) –مالك بن نبي-

أما عن التاريخ، وأنه يدلّل على وجوب تواجد القائد المصلح قبل الرعية الصالحة، فلنعد إلى الوراء، نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم، كان تلك الشمس التي أضاءت بها الأرض، ولا نشكّ أنّ بهديه ستعود مضيئة...
لقد كان القائد، والسياسي، والحاكم، والمعلم، والمربي، والموجّه، لقد كان بشرا رسولا...
ثم تأتي سيرته بكل تفاصيلها، بدءا بالمرحلة المكية، مرحلة التأسيس النفسي العقديّ، مرحلة البناء، لتأتي المرحلة المدنية، مرحلة الدولة الإسلامية، تأسست تلك القاعدة الأولى، تربّت، تهيأت، تأهلت حتى صارت لبنة الدولة ... وقبل أن يموت صلى الله عليه وسلم لم يوصِ بأن يخلفه أحدهم، بل كانت منه إيماءات وإيحاءات فُهِم منها أن الصديق رضي الله عنه الأحق بعده بخلافته، ولكن وصيته كانت : " تركتُ فيكم أمرينِ ؛ لن تَضلُّوا ما إن تمسَّكتُم بهما : كتابَ اللَّهِ وسُنَّتي"..

وتتابع الخلفاء الراشدون، وبدأت من بعدهم الفتن، وهكذا كانت القضية، كلما ابتعدت النفوس عن السليم، كلما زادت الهوّة بين الحاكم والمحكوم، وكلما تولى الحكمَ من لم يكن أهله، وشهد التاريخ حركة في الشعوب، وقوامة في الشعوب خرّجت قادة صالحين، لم يكن صلاح الدين الأيوبي ولا نور الدين زنكي من روح معجزة الرجل الفذ، بل لقد كانوا من روح الشعب، من روح شعب تعلّق بالعلم والجهاد، فخرّجهم، فلما كانوا على رأسه كانوا في حقيقتهم أحسن ما أنتجه الشعب، فانتفع بهم الشعب....
ثارت دمشق في عهد نور الدين زنكي على واليها الذي هادن الفرنجة، وثارت مدن إسلامية غيرها، كان للمصلحين أكبر دور في ثورتهم ضد الظلم، دور علماء الحق، لا علماء السلطان، حتى توحدت الأقطار، فكانت خميرة الشعب، خميرة وعيه، وميله للحق، هي الأساس، الذي أعلى نور الدين زنكي، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي...
لم يكن من قائد مصلح إلا وأرضيّة قد خرّجته ...

ما دورنا نحن بإزاء الجدلية التي نفترض بقاءها؟؟ دورنا أن يكون لنا دور في الإصلاح، طيب أعَلَى المستوى الهرمي أم على المستوى القاعدي...
هنا نجد أن لكل طريقة تفكيره، كما قلت في إطار هذه الجدلية، فمن يقول بالدور القاعدي ومن يقول بالدور الهرميّ، ولا أرى الدور الهرميّ إلا زاد أهله الذين رأوه ساحة العمل بعدا عن القاعدة وإيغالا في دهاليز الهرم بهوة سحيقة بين الهرم والقاعدة، بينه وبين القاعدة التي حسب أنه سيخدمها وهو في الهرم...
ولا أصح برأيي من عمل قاعديّ، هو الذي ينتج ذلك التراكم الذي كتبتَ عنه مرة أخ حسن، تراكم اللمسات ...
فإذا كانت مخالطة الفساد العلويّ الهرميّ كان إما التماهي معه، أو على أحسن تقدير الخروج منه هروبا... أما مخالطة الفساد القاعديّ فالدور فيه إصلاح يؤتي ثمار الإخلاص فيه....
يتبع إن شاء الله .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
أما هذا فآخر ما عندي مع آخر سؤال لك:
((هل اقتلاع ذلك العفن يكون باللجوء إلى "حلول - إنسانية مثالية -" أو أن ذلك العفن يجد إمداداته أصلا في هذا وذاك، ويستقوي من غياب المقومات والحاجيات المادية التي تقلل من التوتر وتحمل الإنسان على التفكر في الروحانيات والفكر والثقافة تطئمن نفسه وتقوى للتغيّر.... ألا تلاحظين أن من يهاجر إلى أوروبا ويستقر وضعه ويكرم كإنسان يتديّن أحيانا كثيرة ؟! ما الذي تغير؟ هو كان مسلما من قبل وكان مؤمنا بالذي بدأ يطبقه من قبل ؟ ولم يحدثه أو يعظه أو يفرض عليه أحدا التدين هناك ؟ فلماذا.))

هو عن الحاجيات، عن الحقوق أيضا، وقد وضعت أعلاه عن الواجبات والحقوق، والحلول لا تتأتى من وحي أنّ لكل حقّه، بل من وحي أن كلا قد أدى واجبه، قد تعلم تقديم الواجب على الحقوق... من هنا تأتي الحلول العميقة .... من هنا يغيّر الله ما بقوم، وقد غيّروا ما بأنفسهم فعرفوا أن طريق الحقوق بلا واجبات طريق لن يؤتي ثمرا، وإن آتى فإنما هي الثمار المزيفة التي ما تفتأ تذهب بها الرياح....

أما طريق الواجبات فلا بدّ سيتمخّض عن ميلاد مشرق، وإن كان المخاض عسرا لا محالة .... بما يكون أمامه من عوائق، وبما يعترضه من مزعزعات.... ولكنّه يأبى إلا أن تكون نهايته ميلادا مشرقا .... ميلاد نهضة بكاؤها هو بكاء خروجها من ظلمات رحم الآلام مع الآمال إلى نور الحق والعدل ...

وحتى من هاجر إلى أوروبا وكرّم، فأصبح أكثر تدينا، وهم عدد وليسوا بالقاعدة، لن ينالوا خيرا هناك إلا وهم قد أدوا ما عليهم من واجب ..... فهم لا يعترفون بمن يطالب بحقوقه قاعدا ....

لست أنكر بما قلت أنّ هناك ظلما واقعا، ولست أنكر حال من يحتاج إنصافا، وتُهضم حقوقه، ولكن أركز على أن الإصلاح تلك طريقه، وأنّ المظلوم لن يُنصر إلا بتنشئة من ينصره، وأن الظالم لن ينصر إلا بتنشئة من يرده عن ظلمه بتحمّله لمسؤولية الإصلاح ....

والله المستعان... وهذا ما عندي، وليس الموضوع بالذي أستطيع إغضاء الطرف عنه وإن كان واسعا، ودقيقا، ولا يحصره نقاش، بل هو الذي يجب أن يُثار، ويجب أن يكون من أهم ما يُتحدث بشأنه .... نفعنا الله وإياكم بالحق، وبصّرنا به، واستخدمنا ..
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
أشكر لك ما كتبتِ مطولا وتعبت فيه، وفيه من العبارة والفكر الشيء الرفيع
وأتفق معك في ما ذهبتِ إليه لاشك، وهي النظرة الصائبة.
لماذا؟
ببساطة لأن الحقوق وجه آخر للواجبات، فمن أدّى الواجب فهو يطال حقّ الآخر بالإحقاق والإعطاء، كيفما كان هذا الحق، الحق في النظافة (واجب الآخر وواجب عامل النظافة) والحق في الاحترام (واجب التعامل باحترام مع الغير) وحق المال (واجب الموظِف أو واجب الدولة في العدل) وحق التطبيب (واجب الطبيب والممرضة وأثر لتفانيهما) ... وهكذا

وبذلك لا يُتصور البتّة (إلا في عقل كسول نرجسيّ) أن تقوم الحقوق بلا واجبات.
ولا يمكن أخذ الحقوق إلا بعد القيام بالواجبات كما قلتِ.

وما ذكرت من أمثلة تفلّت وأنانية في الإدارة العمومية أو المستشفيات، الكل فيها يعطي لنفسه الحق والسلطة لاستخدام واستهلاك ممتلكات العامة، وكم يكون ذلك يسيرا على الأفراد في المجتمعات المستهترة! وكم يكون التبرير سهلا وعبقريّا في نفوس السارقين والمفسدين. كل هذا واقع مقيت، ولو شهِدت على شيء مما أكتبه بين الفينة والأخرى (في صفحتي) تجدينني من أشد المعارضين لهذه السّلوكات.

سأحاول أن أرد على كل نقطة بالترتيب.
- بخصوص الوازع الدّينيّ الذي وصفته بأنه "أعظم وأقوم وأدوم"
أتساءل هل الوازع الديني وحده كافٍ أم "الدين" ككل ؟
أعني هل دين الله تعالى (وهو مضرب المثل هنا بما أننا لا نرى دينا سواه) يقوم في ضمان الحقوق والواجبات على مجرّد الخوف من الله ومراقبته 'الوازع الديني" أم وضع شرعا "واقعيا" يراعي تفلّت النفس البشرية وصعوبة خوفها وارتداعها من شيء لا ترى له أثرا مباشرا ؟

إن قلتِ الدين بقوانينه وصرامته وإدارته العاملة بمنظور إسلامي، وحدوده وعدله الذي يبطش بالظالم القريب ويُنصف المظلوم البعيد... سأكون أكثر اتفاقا معك.
أما الوازع الديني فهو للأكياس وذوي الحس المرهف والإيمان الطريّ, وقليل ما هم ولنتذكر قول عثمان على ما أظن (إن الله ليَزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن)
فهو يصب في المعنى نفسه.
* وهنا أعلق على النقطة المحورية الأولى:
"قلتِ لن يفيد كل تقدم مع غياب النفس الصالحة المستقيمة"

وهنا أسأل (ومن هذا التصور أنطلق أنا):
- هل تلك "النفس الصالحة المستقيمة" جوهر مستقل عن أي تأثير وفيه كل مقومات صلاحه واستقلاه عن البيئة الفاسدة ؟
أم أنّه عَرَض أو "بناء" يتحسّن بمعطيات خارجة عنه، ويقبل التغيير إذا ما حضرت شروط معيّنة؟

هذا السؤال يضع التقابل بين: أفراد كل ما يُطلب منهم هو تغيير أنفسهم وعدم الالتفات لما حولهم من فساد سواء كان مؤثرا في عزائمهم وهممهم أو غير مؤثر /
وبين أفراد لديهم قسط من المسؤولية اتجاه تغيير أنفسهم مع كونهم خاضعين لتأثيرات بيئتهم

ستقولين هناك دائما من يغير نفسه بغض النظر عن وسطه ويختار لنفسه طريقا مخالفا، أقول نعممم
ولكن انظري من حولك وانظري في التاريخ ، كم عددهم ؟ وهل عددهم يشكل فرقا حاسما في تغيير الأوضاع، بل في تغيير الناس والذي لا يزالون سجناء لما انتشر في مجتمعاتهم ؟

بل لماذا (إن كان التغيير نابعا من نفس الأفراد فقط) نجد رجالا عظماء لم يستطيعوا تغيير شيء ولا صناعة شيء ونرى من هم دونهم قدرا فعلوا أضعاف ما فعل العظماء ؟
بماذا يتميّز الزمان والمكان إن كان للصالحين والمسلمين "تحكم تام مستقل" بأنفسهم؟ إذ أن الدين والتربية والأخلاق كفيلة بجعل كل زمان يُشبه زمانا آخرا بما أن الدين والتربية والخلق والتصور واحد ؟ أليس كذلك ؟
لماذا لا تنجح خطط الإصلاح مع مال قادتها وروّادها من شأن، ليقطف أبناء الحركة بعد عقود أو قرون ثمار تلك البصمات ؟

كل هذه الأسئلة توضّح أن للبيئة والناس والمجتمع والاقتصاد تأثيرا مجتمعا ومعقدا في معادلات تكاد تتجاوز العقل البشريّ
فلا يكفي "تغيير النفوس" دون النظر إلى ما يعينها

وأعود لأبلور فكرتي الأولى بسؤال مصاغ بطريقة أخرى:
- هل فساد النفس نابع "فقط" من عزمه على الفساد وتكاسله عن الإصلاح والتغيير، أو نابع "أيضا" من إفساد خارجي يؤثر على مزاجه وطاقاته بطريقة يُخرج "أسوء ما فيه" ؟ نعم يُخرج مكنوناته الفاسدة عوض مكنوناته الصالحة الكريمة...

وأعطيك مثالا:
شخص يغضب ، هل غضبه نابع من داخله "فقط" دون مسببات خارجية أو أنّ لغضبه أسبابا قد تكون مشروعة أحيانا ؟
سيكون الجواب نعم أكيد
إذن سيكون ذلك السبب الخارجي "مستثيرا لمكنونات النفس السيّئة"
فكل قد ألهم فجوره وتقواه، يعني كامنة في نفسه
وهذا لا ينفي أن يكون شخص غضوبا أكثر من شخص آخر، لذلك أضفت "فقط"
فأي سلوك أو شعور تتداخل فيه طبيعة النفس وطبيعة الموقف وكلما ضعُف الإنسان في ترويض نفسه كان أضعف مع المواقف.
(يتبع)
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
- جدلية رأس الهرم وقاعدته (وهذه النقطة المحوريّة الثانية):
قلتِ أن الناس استكثروا من الحديث عن رأس الهرم وتناسوا قاعدته التي منها يصعد ويتكون رأس الهرم. وهذا صحيح
فالإنسان يميل تلقائيا لرمي المسؤولية والحمل على الآخر، ويظنّ أنّه أكثر عجزا عن التغيير من عجز ذلك المُلام. ويعتقد بأن ذو السلطة أو النفوذ متحررا من كل القيود عكسه هو !!

وذهبت أنتِ إلى أن أنجع طريقة هي العمل على مستوى القاعدة، إذ هو شيء ممكن مستطاع وأصحابه هم أكثر الناس استفادة من التغيير وبذلك هم أكثر الناس حرصا عليه (نظريّا !)

ولي سؤال هنا:
لماذا لم يكن تغيير مكة أكبر من تغيير المدينة مع ما للصحابة المهاجرين من همة وإيمان وصبر وتضحية وعزم ؟
لماذا تنشط الجمعيات الخيرية والتربوبة ذي الطابع الإسلامي في بلاد العلمانية ولا تستطيع ذلك في بلاد "الإسلام"؟

لو كانت حصانة وهمة الإيمان والصبر والتقوى والعقيدة كافيتين، ما كان الله تعالى ليحذر من التأثيرات الخارجية، أو يأمر وييسّر أوضاع مختلفة لعباده، فالله تعالى يعلم ضعف البشر ليس من جهة الشهوات المحرمة فحسب بل من جهة الحاجيات البشرية والقوانين النفسية الاجتماعية، بل العقول أيضا. لذلك جعل علماء وأهل شورى يفوّضُ الناسُ لهم الأمر.

فإن قلنا بأن إصلاح الأفراد بغض النظر عن البيئات كاف، سيكون مثل قولنا بأن الرجال سيكونون مستعففين حتى وإن تبرجت النساء وتكشّفن في حالهن، وتغنجن في مقالهن.
فهل هذا القول يوافق الواقع والأمر الرباني؟ أم أنه يخالفه، فقد راعى الله تعالى ضعف البشر وجعل مسلكا ظاهر (القوانين واللباس والحدود) وجعل مسلكا باطنا (التقوى والورع والرجاء وكرامة النفس) ولا يغني أحدهما عن الآخر.

يقينا هناك من يستعفف ويترفع حتى إن ساءت أوضاع الحشمة، ولكن السؤال دوما
كم عددهم؟

- وتأملي أحداث التاريخ، وكيف حوّل الحكم الغشم إيران من دولة سنيّة إلى دولة شيعية تماما في بضعة قرون، وكيف تحولت تركيا، وكيف تحولت شعوب المسلمين إلى شعوب هي أقرب للكفر منها للإيمان !!

وبهذا يكون الإصلاح في نظري على مستوى القاعدة والرأس "معا" ما استطعنا لذلك سبيلا، فإن تعسّر أحد الإصلاحين مَضَيْنا في الإصلاح المتاح إلى أن تظهر "ثغرة" في رأس الهرم (ربما هذا ما قصدت أنت بالتركيز على القاعدة، إلى أن يظهر أمل في القمة، فظاهر أنّك لن ترفضي إصلاحا من رأس الهرم إن كان ممكنا) يتربّص بها العقلاء، لا زاهدين فيها إن بدَت، ولا لاهثين وراءها إن غابت. ولن تكون اللحظة الحاسمة ممكنة إلا إذا أعددنا لها رجالا وعقولا وقدرات لا يضرّها أن تمكث سنينا دون أن تغير من موقع أرقى في الهرم، ولن يكون ذلك إلا بالتوازي مع الاهتمام بقاعدة الهرم، فمتى أتت اللحظة الحاسمة لن تُنظرنا يوما واحدا، إما استعداد مسبق، أو سحق محقّق.

(أشير هنا إلى عقلية إصلاحية شاملة بعيدة عن السذاجة والغباء والدروشة، كما وقع في مصر، شيوخ وعلماء يحفظون المواعظ والأحاديث والآيات عن ظهر قلب، ويرددون كلام السلف ليل نهار، ويزّهدون في العمل السياسي ويركزن على عمل القلوب... فلما أتت اللحظة الحاسمة "التاريخية" والتي لا تعوّض، كانوا أكثر جهلا بالوضع والمخاطر ومكرِ الأعداء من بعض العامّة، ولم يشفع لهم علم "التزكية" في شيء !! وكانوا أعداء للأمة والمصلحين من حيث لا يشعرون ! وقدّموا ما (مَن) وجب تأخيره، وأخروا ما (مَن) وجب تقديمه)

- مثال "تدين المهاجرين" لا يحصر التغير في التدين فقط، إنما هو مثال للتغير الإيجابي، أو فلنقل "مصالحة بين المعتقد والسلوك"
فالمهاجر المسلم، يكون معتقدا لكثير من الأمور وغير مطبق لها في بلاده، وبعد أن يهاجر يصير سلوكه (نسبيا) أكثر تناسقا مع اعتقاده، الاعتقاد لم يتغيّر بل السلوك
وقسي على ذلك كل تغير إيجابي يصالح بين الفكرة وتطبيقها، سواء في النظافة أو التحدث بأدب، أو تقبل الآراء، أو أي شيء آخر، وربما تتكون أفكار جديدة لم تكن عنده إثر التفاعل مع مجتمع آخر.
- والتساؤل الذي طرحت بخصوص المتدين في الغرب، ليس من قبيل تساؤلك (وإن كان صحيحا): ""لن يحلم بحقوقه حتى يقوم بواجباته، وبعد أن يأخذ حقوقه سيرتاح ويتدين كنتيجة""

بل هو من قبيل: ""لماذا كان "المهاجر" أكثر استعدادا للقيام بالواجب مقارنة مع بلاده ؟ هذا هو السؤال الذي يخصّنا هنا، والذي يبيّن أن النفس وتغيراتها لا تقوم على عوامل داخلية فقط "فبلال هو بلال" قبل أن يهاجر وبعد أن هاجر، والدول المتقدمة لا تغسل قلبه في "طست وتُخرج علقة صدره السوداء"

لو ركزنا على تساءلك، فلن نجد جوابا "لحرص بلال على القيام بالواجبات" إذ من الممكن جدا أن يتثاقل ويتلاعب فيُطرد أو يُقصى من المجتمع، ببساطة شديدة... فتضيع حقوقه كما ضاعت منه في بلاده !
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
- وآتي على النقطة المحورية الثالثة:
أظن أنّ معظم الاختلاف بيننا قائم على كوني مركزا على "أثر فساد الأوضاع" ، ومن جهتك تركيزك على "لماذا فسدت الأوضاع"

فالذي أريد أن أنبّه عنه هو أثر الفساد واليأس والظلم والإذلال على نفسيات الناس والشعوب، متى تحققت تلك المساوئ
فلا تعارض بين فكرتي وفكرتك عن "لماذا حلت تلك المساوئ" إضافة إلى تأييدي للأسباب التي ذكرتِ

وأعطيك مثالا تتضح فيه الرؤية قليلا:
شاب شرب الخمر وساق سيارته فحطمها وكسر رجليه.
أنا أركز على: هو مكسور الرجلين، ونفسيته منهارة لفقده سيارته الجديدة، لا يمكنه العمل
أنت تركزين على: حالته الصحية وفقدانه لسيارته سبب لشربه الخمر، ولولا تهوره واستهتاره لما كان ذلك.

تأملت، لا تعارض
- الحالة الصحية = نفسية ذلك الإنسان السلبي الضعيف الهمة عن كل تغيير إيجابيّ
- الخمر= تضييع الواجب والاستكانة والدّعة
- العمل = هو ذلك التغيير المطالب به كل واحد منا، وذلك الصبر والالتزام لتحقيق الأفضل.

وقد يصح هذا المثال في حالة الجماعة، فكل شخص يضيّع واجبا ويكسل عن أداء حق أو ورقة أو يطمع في مصلحة فهو يحمل الآخر على فعلٍ مثله، ويضيّع حق من إذا حصل عليه عمل بأحسن ما يعمل الآن...

لذا فالفرق واضح بين الكلام عن الأثر، وسبب الأثر، وبذلك يكون الاضطهاد والفساد واليأس المتسّرب لقلوب الناس من الأوضاع المتعفّنة والرؤساء والمسؤولين الفجرة اللصوص، هو أثر لا يُستهان به

وإن كنت أرى مثلكِ أنّ كثيرا ممن يستنكر على رئيس الجماعة الناهِب لأموال الناس مثلا، هو مثله في الحقيقة، إلا أنه في وضعية "الكمون" latence ، لأن كل تصرفاته وأفكاره تدل على أنه سارق "بالقوّة" (كما في الفلسفة) وذو عقلية انتهازية، يبرّر لنفسه التجوال بسيارة ووقود الشركة في مصلحته الشخصية، أو أخذ معدات لنفسه، وما يمنعه من سرقة ما هو أكبر هو قدر المتاح عنده، فإذا تضخّم المتاح ومعه هامش السرقة والنهب كان أوّل "المتأقلمين" مع ذلك الهامش !


عذرا على الإطالة
« آخر تحرير: 2016-06-04, 22:28:43 بواسطة حسن »
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل ابنة جبل النار

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 618
  • الجنس: أنثى
أسرع حوار في العالم  :)
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت أستغفرك وأتوب إليك[/co

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولا ارحب بالاخ حسن الذي اسعدنا باشتراكه في المنتدى وبمشاركته في هذا الموضوع الدسم
ثانيا- قرات الصفحة الاولى من موضوعكم الثري، وشدني حواركم، وهأنذا أسجل متايعة، وبانتظار التتمة
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
نعم هو كذلك أخت بهية :D
وعليكم السلام ورحمة الله
شكرا الأخت هادية
قد تمت التعليقات ووننتظر التفاعل
إلى أن نعلق على ما تمخّض منه

وهو موضوع في الحقيقة أظنني لن أحسن الكلام فيه إلى أن يبلغ عمري الخمسين سنة  :D
لما يجمع من كل التخصصات والتأملات، ولتداخل التاريخ والاقتصاد والاجتماع والسياسية وتاريخ العلوم، والدين والثقافة.. كل في بنية متناسقة
« آخر تحرير: 2016-06-01, 12:39:50 بواسطة حسن »
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل ابنة جبل النار

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 618
  • الجنس: أنثى
نعم هو كذلك أخت بهية :D
وعليكم السلام ورحمة الله
شكرا الأخت هادية
قد تمت التعليقات ووننتظر التفاعل
إلى أن نعلق على ما تمخّض منه

وهو موضوع في الحقيقة أظنني لن أحسن الكلام فيه إلى في سنّ الخمسين  :D
لما يجمع من كل التخصصات والتأملات، ولتداخل التاريخ والاقتصاد والاجتماع والسياسية وتاريخ العلوم، والدين والثقافة.. كل في بينة متناسقة

:) يعني كم سنة ننتظر ؟
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت أستغفرك وأتوب إليك[/co

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
:) إلى ذلك الحين أدلي بدلوي هه
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
لقد اثرتم اسئلة في غاية الاهمية
وخاصة جدلية التغيير وهل يبدأ من القمة ام من القاعده
وهي جدلية محيرة
وقد عكفت في العامين الاخيرين على مطالعة التاريخ لعله يكشف لي عن اجابة واضحة لهذا السؤال، فوجدت التاريخ يُكتب ويُرسم بحسب وجهة نظر المؤرخ، الذي مهما اجتهد ان يكون موضوعيا، فهو لابد ان يعكس باسلوب روايته للاحداث وترتيبها شيئا من فكره ونظرته.
وما استخلصته حتى الان من دراستي وقراءاتي وتفكري فيما حدث ان التغيير لا بد له من قائد فذ، تحيط به كوكبة من المخلصين لفكرته ولقيادته، وقاعدة مهيأة نفسيا لطلب التغيير، وان كانت لا تملك الشجاعة او البصيرة او الرؤيا لإحداثه ، لكنها بتململها من الواقع واملها في التغيير سيسهل قيادها من قبل القائد ومن حوله.
فمن استطاع ان يهيئ القاعدة فليفعل، ومن استطاع ان يهيء الكوكبة المخلصة فليفعل، واما القائد الفذ، فأحسبه عطية ربانية، توهب لنا عندما يأذن الله بالتغيير

على اية حال، وبالنسبة لي كشخص فرد ضعيف، لا املك الا العمل في تغيير ما استطعت على مستوى القاعده، فاجتهد في هذا، حتى لا اضيع وراء البحث عن نظريات كبرى، دون ان يكون لي فعل ملموس على ارض الواقع
والحمد لله اننا نؤجر على اجتهادنا، لا على ما نحدثه في عالمنا من أثر.


لكن هناك نقاط متناثرة جزئية في حواركم، لا ادري هل يحسُن التعليق عليها ام لا
*منها القول بان بعض الافراد يزدادون تدينا في الغرب
من وجهة نظري هؤلاء الافراد هم ندرة، والاغلبية يتراخى دينها وتنحل عراه عروة اثر عروة، سلوكيا وفكريا
ولهذا انصح كل مغترب ان يقضي حاجته من غربته ويسارع بالعودة الى وطنه ان استطاع، حفاظا على دينه ودين اولاده.

*ومنها التزام الانسان الغربي باداء واجبه قبل المطالبة بحقه، ماوجدته في الغرب ان الانسان عندهم منضبط غاية الانضباط بسبب خوفه من العقوبات المشددة التي تحيط به في كل حركة يتحركها، عقوبات من المرور، عقوبات من البلدية، عقوبات في العمل، وغرامات لاقل مخالفة للنظام
بصراحة لم اجد عندهم حرية الا في التفلت من الدين ، والا فقيود صارمة على جميع حركاتهم
وما يعطي قوانينهم فاعلية هو تطبيقها العادل على الكبير والصغير، واما في بلادنا فالمحاباة والمحسوبية التي تتيح لكل من له واسطة ان يفلت من العقوبة، تجعل الرقابة لا معنى لها، ومن امن العقوبة اساء الادب.

*ونعم، مقولة : ان الله ليزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن، هي لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وارضاه.
والله اعلم
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
اقتباس
وان كانت لا تملك الشجاعة او البصيرة او الرؤيا لإحداثه ، لكنها بتململها من الواقع واملها في التغيير سيسهل قيادها من قبل القائد ومن حوله.
[/size]

صحيح بارك الله فيك، إخراج مكنوناتهم ولو خفيت.

اقتباس
حتى لا اضيع وراء البحث عن نظريات كبرى، دون ان يكون لي فعل ملموس على ارض الواقع
[/size]

هذا صحيح أيضا

اقتباس
واما القائد الفذ، فأحسبه عطية ربانية، توهب لنا عندما يأذن الله بالتغيير
[/size]

لماذا يكون القائد الفذ وحده مستثنى من أسباب معلومة لنا؟ الكل لاشك من عطاء الله تعالى وكل شيء من خير فهو من عطائه تعالى
ربّما تقصدين ملابسات صعود القائد وتقلّده الحكم ونفاذه إلى مواطن القرار وضرب الفساد من الداخل... كل هذا يكون صعبا على الإنسان تخطيطُه... مع ما فيه من هامش للحسابات البشرية
ولكن تربيته وإعداد القائد القادر على التغيير لا شك متاحة ومطلوبة

أما عن مثال تدين المسلم في الغرب، فهي حالات قليلة أتفق، إنما هو مثال أعطيته فقط للإشارة إلى أثر البيئة، وقد نعطي أي مثال آخر، في التعلم والبحث العلمي، أو حتى في الفساد نفسه الذي ذكرت أخت هادية، مثل أن نقول: لماذا يسهل على المرء الانفلات وتبني الأفكار الإلحادية والتحررية في الغرب أكثر من بلده العربي المحافظ مثلا !؟

لا أتبنى فكرة التقديس للغرب خصوصا من هذه الناحية، أي "سهولة التدين"

وصحيح ما قلتِ عن الغرامات
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
نعم.. أتفق معك بشدة حول تأثير البيئة على نفوس الأفراد، وأخلاقياتهم وتدينهم، وهذا ثابت من ديننا الحنيف، ومن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، لماذا أوجد لهم في مكة دار الأرقم كمحضن تربوي، ولماذا أمر كل قادر على الهجرة إلى دا الهجرة، ولم تنقضي تلك الفريضة حتى كان  الفتح، ولماذا قال تعالى عن الذين لم يهاجروا (ما عليكم من ولايتهم من شيء)، ولماذا جاء في حديث الذي قتل مائة نفس أن العالم نصحه بأن يهجر أرض السوء التي هو فيها ويهاجر إلى أرض كذا وكذا لأن فيها قوما يعبدون الله تعالى.
ولعل هذا هو أعظم دور لنا حاليا، وهو إصلاح البيئة قدر الغمكان، بإصلاح النفوس وتربيتها، وإيجاد المحاضن التربوية والبيئات المصغرة البديلة..

أما أن القائد الفذ وكونه عطية ربانية، فأنا لاحظت هذا من سياق التاريخ، هناك مربون ربانيون، يعكفون على تربية جيل إيماني صحيح، تنشأ منه الكوكبة التي ستحيط بالقائد، ثم يكرمهم الله بشخص من نوع ممتاز، فيه نوع ممن الاصطفاء إضافة إلى اجتهاده الفردي، يفوق الجميع، ولا يبذل له المربي أكثر مما بذل مع أقرانه، لكن الله تعالى يزوده بصفات خاصة، ويحيطه بعناية خاصة، لاحظت هذا في سيرة عمر بن عبد العزيز، ويوسف بن تاشفين، والإمام الغزالي، وصلاح الدين الأيوبي، والإمام حسن البنا، وغيرهم
والله أعلم
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
أهلا وسهلا بك يا هادية، سعيدة بمشاركتك، ونحن نتفق جميعا أن هذا الموضوع أكبر منا جميعا، وهو على كبره واتساعه، وامتداد أطرافه، إلا أننا يجب أن نخوض غِماره، خاصة مع هذه المدارسات المشتركة بين فكرة لأحدنا وفكرة للآخر، ليحدث تلاقح يسهم في تجلية الرؤية، أو تحييد بعض الغبش..

منذ قليل بدأت بقراءة ردودك الأخيرة يا حسن ... أحببت أن أشكرك على كمّ الأسئلة المحفّزة، والتي سعدتُ بها حقا، مع ما يجب استشعاره دوما من ملامسة واقعنا..

قرأتها وأنا أسقط فعلا على ما حولي، وعلى ما أنا فيه، وهكذا سنكون واقعيّين لا خياليّين، وذلك ما يجعل هذا النقاش بإذن الله مثمرا  emo (30):

لي عودة بإذن الله للتعليق   emo (30):
« آخر تحرير: 2016-06-01, 21:41:45 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 254
  • الجنس: ذكر
في الهندسة، هناك ما يسمى بالهندسة العكسية أو ال reverse engineering
والهدف من هذا الفرع من الهندسة هو تفكيك منتج هندسي ما إلى عناصره وبنيته الأولية، وفك شفرة البنية التكوينية له، وبالتالي يمكن استنساخه أو تعديله.
وقد اشتهرت الصين بهذا المجال، وفي تحليل أعقد الأنظمة الإلكترونية، والتي غالبا أمضى المهندسون في أمريكا مثلا سنوات في ابتكارها وتصميمها.

فلماذا نتعب أنفسنا إذن بالدخول في جدالات طويلة لن نستطيع أبدا حسمها، فضلا على أنها تستنزف الوقت والجهد،
فلم ينزل الله سبحانه وتعالى القرآن ويرسل لنا نبيه ويهيء جيلا فريدا من المؤمنين حوله لمجرد أن تقوم الدعوة وتنتشر،
إنما بالأساس لنقلد ونتبع، ويكون لدينا المثال الذي لا يجعلنا في حيرة من أمرنا، ولا غموض عن كيف سيبدوا المنتج النهائي الذي نسعى له.

لكن هذا أيضا يستوجب منا رغبة حقيقة في التجرد من أهواء النفس وتصوراتها المسبقة، والبدء أمام هذا النموذج القدوة بكوب فارغ على الحقيقة لا ظنا.

فمنذ بداية الموضوع وأنا أشعر بحيرة شديدة! ولهثت وراء الردود الطويلة المتشعبة التي طرحت العديد والعديد من الأسئلة والتي فعليا لا يمكن الجزم بجواب واحد لها.
ولأنكم ذكرتم التكنولوجيا والالكترونيات، وهذا مرتبط بمجال عملي بشكل كبير، فقد تعلمت أيضا في هذا المجال أسلوب طرح المشكلة هو جزء مهم من الحل.
فإن إحدى أكثر الطرق انتاجية هو البدء بتعريف معنى الإنتهاء او المواصفات التي ينبغي أن تتحقق حتى أستطيع أن أقول أنني انتهيت من العمل ووصلت إلى بغيتي، ويسمونه أحيانا في إدارة المشاريع DoD أو Definition of Done ، وهذا بالتبعية يتطلب أن نسمي هذا المنتج النهائي ونضع صفاته الخاصة به.

فإذا أردنا تطبيق ذلك هنا، فيجب أولا قبل الدخول في سياق المشكلات والحلول أن نعرف التصور النهائي الذي نريد الوصول له،
ولأننا نتكلم عن مشكلة و حل، فيكون تعريف معنى الانتهاء هنا أن نصل إلى آليات واضحة يمكن تطبيقها عمليا لحل هذه المشكلة.

والسؤال هنا، ما هي الصورة التي نريد أن تكون عليها مجتمعاتنا ونعتبرها الهدف المنشود الذي من أجله نقوم بتحليل الأسباب والمعوقات وبالتالي الحلول، للوصول إليه؟
« آخر تحرير: 2016-06-02, 06:23:56 بواسطة جواد »

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
جواد

 emo (23):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
أخ جواد


ربما الردود التي وجدتَها متشعبة، نتجت عن كون الموضوع قد بدأ دون سابق تحديد لعنوانه، وقد قمنا بنقل كل تلك المشاركات، بما فيها شرارة الموضوع الأولى، وصولا إلى ما وصل إليه، بمعنى أنه هنا فقط على مستوى المنتدى وُضِع العنوان، من بعد ما جرّنا حديث إلى حديث غيره، إلى أن استقرّ بنا الحال على "محاولة" نقاش السبيل إلى ما نرنو إليه من مجتمع يُصلح ما به ...

وتأمل الردود الأخيرة لتجد أن التمحور غدا حول ذلك، حول سؤالك الأخير، فكان عن النفس، وتغيير النفس، وعن القاعدة وعن القمة، وعن البيئة المحيطة بالنفس والتأثر والتأثير، عن التغيير المنشود .

أما نقاش بعض النقاط فشخصيا لا أجد منه مناصا، ليس لغرض الإطالة، بل لغرض الاستيضاح من جهة، ولغرض منع الالتباس، ومحاولة لتبنّي الفهم الأدق والأقرب للواقع، في موضوع هو بهذه الدسامة ...  emo (30):
« آخر تحرير: 2016-06-02, 11:58:01 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
اقتباس
إن قلتِ الدين بقوانينه وصرامته وإدارته العاملة بمنظور إسلامي، وحدوده وعدله الذي يبطش بالظالم القريب ويُنصف المظلوم البعيد... سأكون أكثر اتفاقا معك.

ولكن هذه القوانين، وهذا العدل الذي يأخذ على يد الظالم، وينصف المظلوم، هو الذي نبحث عنه، هذا الذي لم يتحقق، وكل كلامنا يتمحور حول تحقّقه، والسبيل إلى تحقّقه على الأرض... من أين لنا بنظام كهذا وأنت تعلم ما تعلم من تبعيّة أنظمتنا و"علمانيتها" المقنّعة حينا والسافرة أحيانا ؟

اقتباس
أما الوازع الديني فهو للأكياس وذوي الحس المرهف والإيمان الطريّ, وقليل ما هم ولنتذكر قول عثمان على ما أظن (إن الله ليَزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن) فهو يصب في المعنى نفسه.

أولا: الوازع الديني، مع ما نحن فيه، ومع المؤثرات، والمعوّقات، والمُزعزعات المختلفة، نعم للأكياس، وهؤلاء الأكياس لهم دور، ونعم الأنفس في هذا متفاوتة لا ريب، وهذا التفاوت هو الذي ما أردتُ النفس "الصالحة " فحسب وإنما على رأسها نفس "مصلحة" هي التي أردتُ بذلك العمل على مستوى القاعدة..

هنا كما نتحدث عن القائد الفذ، برأيي يسبقه المربي والمصلح الفذ، ويسبقه العالِم الفذ الذي لا يكون طوعا للسلطان، وقد عرفنا عبر التاريخ كيف كان لعالم الحق لا عالم السلطان من أثر وإن جار السلطان...

إذن فالحقيقة أنّ المستوى القاعديّ ذاته منظومة، هيكلة، تقسيم، يحددها هذا التفاوت، فهو ليس هكذا كتلة تنبت من هواء، أو تنبت من جهود فردية، ومراقبات فردية للوازع الديني في نفس كل فرد وحدها، بل هي جهود ذلك "المصلح" ، وذلك "العالم الحق" وذلك "المربي"

كلهم، يعملون على المستوى القاعدي...

ثانيا: هذا في حالنا، وما نعلم من واقعنا، ما نعلم من أن "السلطان" ليس هو "السلطان"  الذي عناه سيدنا عثمان رضي الله عنه، السلطان الذي عناه هو سلطان الحقّ لا السلطان الجائر الذي نعرفه اليوم...
هذا ما عنيت يا أخ حسن على المستوى القاعدي الواقعي، الذي نريد به إصلاحا، لا صلاحا ينشأ من الذات وحسب، ولا أنكر أبدا مع هذا تأثير البيئة، وتأثير المحيط على هذه النفس ..

هو عمل لأهله، يحتاج جَلْدا، مجاهدا، صاحب فكر سليم غير متطرف، محيط بأحوال عصره، وبمحيطه، لن يكون عملا سهلا، ولن يكون عمل أي كان، ولكنه يوجد، ويُتاح رغم كل ما نعرف...

أما بخصوص سؤالك عن النفس، والمؤثرات المحيطة بها ودورها في التغيير، فلا أنكرها، ولا أقول أنه يكفيها ما يكون  من أصلها وذاتها، وأن البيئة لا أثر لها عليها، ولكن بالمقابل:

"التغيير" في حد ذاته يحمل من ذاته مدلول المغايرة، الاختلاف، مخالفة الواقع المقيت، التحلّي بالصفات التي تجعل من صاحبها محصّنا بشكل كبير، ولا أقول على الأقل بشكل "تام" من المؤثرات، وهذه الأنفس كما أسلفت قليلة نعم، ولكن منها، لا من غيرها تكون الأنفس المصلحة، التي تعلم جيدا أعباء حملها لرسالة التغيير، وهم موجودون ...

وكما ذكرتَ عن الحركات وعظمة من كان على رأسها، والثمار التي تُقطف بعد أجيال، وهذا هو "تراكم اللمساتemo (30): الذي يؤمن به أصحابه أيّما إيمان ... وهم لا يعملون مع خلفيّة التفكير بحصاد يكون بين أيديهم، بل يعملون ليزرعوا، ويتركوا مِن خلفهم زارعين، حاملين للفكرة... وعرفناهم ...
حسن البنّا رحمه الله، عمل ولم يحصد في حياته، بل دُبّر لقتله وقُتِل، ولكنه ترك آليات عمله من خلفه، سيد قطب رحمه الله عمل، وتجلّد وصبر، ولم يحصد، بل قُتِل ممن كان يوما فردا من حركته ذاتها ...
ولكنه ترك خلفه....

الحركة اليوم، "الإخوان" اليوم، وما نعرف جميعا، ورثوا العمل السياسي ضمن النظرة الشمولية للدين، التي آمن بها  قائدهم وتبناها مع ثلة ممن معه كانوا أصحاب قيادة الحركة، من منظّريها، وأصحاب أفكارها...
ورثوا العمل السياسي كشرط في الحركة، وكجزء من فهمهم  لشمولية الدين، وهم اليوم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولا أؤمن بمن يعمّم فيصوّرهم الذين لا معرفة لهم بالحِراك السياسي، وأنّما هم محسوبون على السياسة، لأنها فيهم متأصلة متجذرة عبر تاريخ الحركة وأساسات فِكرها، كما لا أؤمن بمن يصوّرهم الذين لا غبار على حركتهم، وعلى تحركاتهم، وعلى ما كان منهم، فهم قد أصابوا، كما قد أخطؤوا ... وليس مَن كان في الخضمّ مثلهم، كمَن ينظّر مرتاحا من بعيد ويتفرج وينتقد لا شغل له إلا الانتقاد.... ونعرف ما نعرف من تأثير المحيط على جهودهم، وما آل إليه الحال، ولكن يستمر الناشؤون ولا ينكفؤون، وهي طريق تعوّدوها، مع جَور السلطان، بل ويعلمون مغبّة عواقبها منذ بداية الحركة إلى اليوم... ولكن سيستمر عمل من بعدهم وإن كان ما كان ... والتغيير سيكون بذلك التراكم ...

اقتباس
إذن سيكون ذلك السبب الخارجي "مستثيرا لمكنونات النفس السيّئة" فكل قد ألهم فجوره وتقواه، يعني كامنة في نفسه،وهذا لا ينفي أن يكون شخص غضوبا أكثر من شخص آخر، لذلك أضفت "فقط"
فأي سلوك أو شعور تتداخل فيه طبيعة النفس وطبيعة الموقف وكلما ضعُف الإنسان في ترويض نفسه كان أضعف مع المواقف.

أكيد، لا خلاف على هذا، ولكن السياق يقضي بالتمام للفهم الكامل "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها"
ولا يقوم "للتزكية" من معنى، ما لم يكن ذلك ضمن تفاعل النفس مع محيطها،  بمعنى ما أشرتَ له بالترويض ... "الصبر بالتصبّر، والحلم بالتحلّم، والعلم بالتعلّم "...

وليس من يتكئ على "جعلوني مجرما" بمغيّر لنفسه، بل هذا إنسان عمله الإلقاء باللائمة على "الظروف"... نعم هناك ظلم يُغضب الإنسان، هناك تعدّ على الحقوق، هناك أكل للحقوق، هناك تفاخر، هناك إذلال، وهناك وهناك... ولكن أين الذي يأخذ على يد الظالم؟؟ والذي يأخذ على يد المتعجرف والمتغطرس؟؟

هذا الذي نبحث عنه .... هذا الذي نريد أن نصل إليه من "التغيير"
من المنظومة التي أسلفتُ عنها، منظمومة فيها "المصلح" و"المربي" و"عالم الحق لا عالم السلطان"...

يتبع  emo (30):
« آخر تحرير: 2016-06-02, 12:58:09 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب