لن نكون بحاجة لخوارق في عوالم الاقتصاد والسياسة ليكون لنا صوت، وتكون لنا صولة، نحتاج عزما وإيمانا بالفكرة وبالهدف أكثر من أي شيء...
نحتاج ثقة في النفس فقدناها مع حالة الانبهار المستمرة بالغرب، طبعا لا أحب الكلام الهلاميّ، ولا أقصد بهذا أنّ معجزة ستحدث، وأن الجوعان قادر على التفكير، فديننا دين الواقعية لا دين الخيال، بل أؤمن بضرورة تحقيق قوة سياسية واقتصادية، من ناحية الاستقلالية ومُجانبة التبعية، لأن التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية هي التي جعلتنا ضعافا، ولنعد إلى الوراء في سلسلة بحث عن السبب الأول، فالذي جعلنا تابعين من الأصل هو ذلك الخنوع وتصاعد فقدان الثقة بالنفس، وبما عندنا، وبقدرتنا ....
إننا نحتاج تأسيس أجيال تؤمن بالقدرة على العمل، ولا ترى في نفسها العجز، ولا يسهل على المثبطين اختراقها.... نحتاج إنسانا، على قول مالك بن نبي، ووالله أجدني دون حتى تذكّر ما جعله أساسا، أرى من وحي واقعنا وما نعيش صدق نظريته، حاجتنا للإنسان صاحب الهدف، والفكرة، والإيمان بالقضية ....
انظر أخي حسن من حولك، ولأنظر من حولي، إن لدينا مستشفيات، ولدينا مدارس، ولدينا جامعات، ولدينا مراكز خدمات مختلفة، ولكن ما نوعية الخدمة المقدّمة؟؟
كم من الملاحظات المؤلمة تخرج بها كلما دخلت مكانا من هذه الأمكنة؟؟
كيف تجد الموظفين من أدناهم مرتبة إلى أعلاهم مرتبة؟؟؟ كيف تجد سلوكهم؟ كيف تجد عطاءهم في العمل ؟؟؟
ما قيمة البنيان الفاره، والمراكز المشيّدة وبداخلها إنسان غير معطاء، إنسان يعمل نصف وقته أو ربعه أو عُشُره، وليته في نصف وقته ذاك أو ربعه كان عمله متقنا، وكان حرصه عاليا، وكان متفانيا في خدمة أخيه ....
ما قيمة مدرسة مشيدة وفق أحدث طراز، وبداخلها مدير مرتشٍ، أو متلاعب، أو معلم يكره عمله، وغايته الوحيدة منه مرتبه الشهري، ليس فقط لأنه يعيل أبناء لو يتركهم لماتوا جوعا، بل منهم من هدفه المرتب لغايات بليدة، ربما لأنها تتسابق مع نديداتها مَن تكتنز القدر الأكبر من الذهب الذي تباهي به صديقاتها وجاراتها ....!
وهذه المكتنزة فقط مثال، ومن الغايات البليدة الكثير، ذلك أن حتى صاحب العيال يُسمح له بالحرص على ما يعيل به عياله، ولا تثريب عليه، وهذا حقه، ولكن لماذا لا يفكر بواجبه ودرجة أدائه لواجبه، قبل أن يفكر بحقه، واجبه في العطاء الصحيح، الصادق ...
ثم ماذا صنعنا بثورات على الظلم بزعم عنوانها، ونحن لم نثر على ظلم أنفسنا لأنفسنا، لم تحدث برؤوسنا ثورة قبل أن تحدث بالميادين...ونحن من فرط ما تراكم علينا تراءت لنا في بداياتها خيرا، وإن كانت تفتقد الوجهة، إلا أننا تفاءلنا... وإن كنت أؤمن أنها أيضا مراحل لا بد أن لها دورا ما، على الأقل لنعرف أننا لن نصل إلى المبتغى قبل أن نصل إلى أنفسنا فنشخص علتها، ونعرف لها الدواء...
نحتاج إعادة صياغة الإنسان المسلم، إعادة صياغته ليس بتحفيظ حروف القرآن، بل بترسيخ العمل بالقرآن، وبأخلاق القرآن التي جاءت لتسمو بالإنسان ولتصنع منه إنسانا ....
نحتاج أن يعلم أن من نفسه البداية... وأن من فكره البداية، من فكر مستنير، يضرب في عمق المشكلة ليتبيّن العفن الذي أصاب الجذر العميق، الضارب في الأعماق، فيزودها بالحل العميق، ولا يضرب في السطح فلا يتراءى له من عفن الجذر شيء ... فيولّي وهو يحسب أن السلامة كل السلامة عنوان حاله ....
نحتاج لبناء الإنسان قبل بناء سياسة، أو بناء اقتصاد.... فهو المادة الأولى، وهو الخامة التي بها تُرفع العماد السليمة ....
الموضوع واااااسع ..... ويحتاج لتولية الوجه قِبل عوامل وعوامل، ولكنّنا نحتاج أول ما نحتاج لإنسان مؤمن بقضيته، يعرف دوره، ويأخذ على عاتقه مسؤولية... كلّ من جهته وكأنه المسؤول الأول والأوحد.... والله المستعان...
وأسأله ألا أكون المتكلمة بلا عمل