" ألم نقل: إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة. ولكن منطق العمل والحركة، فهو لا يفكر ليعمل، بل ليقول كلاما مجردا
بل أكثر من ذلك، فهو أحيانا يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا، ويقولون كلاما منطقيا من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط "
اقتباس من كتاب "شروط النهضة" لمالك بن نبيّ. الصفحة 140
- أقول: ما أقرب هذا "لمعارك الكلام" والعقائد والردود التي يتعاطاها المتديّنون، "المعارك اللذيذة" المريحة بين طيات الكتب كما وصفها وصفا دقيقا الباحث الشاب "محمد إلهامي" !
يقتحم "سور العلم" من جداره القصير، فلا حفظ للقرآن، كيف وهو متعب! ولا ضبط للأصول، كيف والمسار فيها طويل! وهل ينتظر حتى تمرّ 2 أو 3 سنوات حتى يخوض النقاشات ويتصدّر المجالس !؟ هل ينتظر سنوات بأكملها يكون فيها وسط أقرانه مستمعا متلقّيا محرّكا لسانه دوما ب "الله أعلم" !؟
لذا كان من الأفضل أن يأخذ له مادة يكثر فيها الجدل والقيل والقال والخلاف والاختلاف، حتى يصير بسرعة البرق "عارفا بالدين" وخباياه !
ومع أنّ هذا الباب من الدين باب يضيق به الصدر ويسوَدّ له القلب، ويقسوا به الوجدان (بسبب الترقّب الدائم والتقلب بين الآراء وعدم الاطمئنان لرأي واحد، وتصنيف الناس بين ضال ومهتد تبَعا، والانشغال به عن العلاقة مع الله تعالى) فإن النفس تتوق له إذ من طبيعتها أن تحبّ "المواد الجدَلية الدّسمة"، متناسية أن "ليس كلّ ممتع مفيد" كما أن ليس كلَ "لذيذ من الطعام صحيّ"، وأن المواضيع "الدسمة" قد تكون مضرّة، مثل ضرر الوجبات الدّسمة على الصحّة !
فيُحيي بقراءاته واهتماماته سجالات سرمديّة، معتقدا أن العلماء والعامة على حد سواء لم يخوضوا فيها من قبله. مع أن العكس هو الصحيح، فقد سالت فيها بحار من المداد، ولم تخرج الأمة بعدُ منها !
وبعد سنة أو سنتين يضعف إيمانه ويفتر نشاطه ولم يُحصِّل من الدين إلا سجالات كلامية، وبغضا لنصف الأمة ربّما، مفتقرا لتزكية حقيقية تجعل منه مسلما فاعلا خيّرا مؤثّرا في وسطه، ثابتا على مبادئه فاهما لجوهر دينه، ذو نفَس طويل...
والله أعلم بحاله بعد مرور سنينَ أخرى...
(وأستثني أصحاب التخصص بطبيعة الحال، فلكلّ مجال نحتاج متخصصين مهما بلغ من الغرابة أو التفاهة).
بقلم: حسن خالدي