نقلت على صفحتي استشارة نفسية من فتاة عانت من قصة حدثت معها في طفولتها، وموضوعها التحرش الجنسي، أنقل هذه الاستشارة من على موقع "مجانين" النفسي :
---------------------------------
الاستشارة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في البداية أتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لكم أن يمدكم بنور من عنده ويرزقكم السعادة في الدنيا والفردوس الأعلى في الآخرة... ثم أستسمحكم أن تقبلوا خالص شكري وامتناني لمجهوداتكم الرائعة وأسأل الله تعالى أن يثقل بها ميزانكم يوم القيامة....
أنا فتاة عمري 22 سنة، ترتيبي الوسطى بين إخوتي البالغ عددهم أربعة، علاقتي بأمي سطحية تماما، وأقصد بذلك أني لا أتكلم معها في أي شيء يخصني إلا القليل جدا ولكني أستمع إليها باهتمام إذا تكلمت هي معي، ويعلم الله وحده أني أحاول إرضائها بكل السبل وهى تعترف بذلك، فأنا أفضل الموت على أن أكون عاقة لأمي، وهذا هو حالي مع كل أفراد أسرتي وكذلك أصدقائي فأنا كتومة جدا، ولا أثق في الناس بسهولة بل لم أثق في أحد قط إلا مرة واحدة فقط حيث كانت صديقتي في الثانوي وانتهت علاقتي بها منذ دخولي الجامعة، بالنسبة لأمي فالسبب هو تراكمات نفسية منذ سن الطفولة....
والأسباب لن استطيع شرحها حتى لا أحيد عن المشكلة الأساسية التي أنا بصددها، وأيضا حتى لا أطيل عليكم من الناحية الاجتماعية فلدي الكثير من الصديقات وهن يحببنني بشدة وأعتقد أن السبب في ذلك هو القدرة الكبيرة التي منحنى الله إياها في الاستماع لمشاكل الآخرين وامتصاص آلامهم وكأنها مشاكلي الخاصة.... وفى المقابل أنا لا أبادلهن هذا الشعور القوى فوجودهن أو عدمه لا يؤثر في كثيرا.
وأبدأ الآن بسرد مشكلتي، وقبل أن أبدأ أحب أن أعترف بأني أواجه صعوبة شديدة جدا في التعبير عن نفسي بمعنى أنه قد توجد بعض الأحاسيس بداخلي لا أعرف كيف أعبر عنها، فسامحوني إن كان هناك شيء غامضا أو كنت غير مرتبة في سرد التفاصيل فأنا لم أقصد ذلك أبدا.
ولدت في دولة خليجية وكانت لدينا قريبة تعيش في نفس الدولة ولها ولدين يكبراني، كانت تزورنا على فترات متباعدة، ثم عدنا إلى بلدنا وهي كذلك، وفي تلك الفترة مات زوجها، فتكررت زيارتها لنا بشكل كبير حتى أنها كانت تبيت عندنا أياما متتالية، ومن هنا بدأت الكارثة.
كان عمري وقتها 8 سنوات وكان ابنها الكبير في الثانوي، كانت البداية بأن شرح لي كيف تتم العلاقة الزوجية، وقتها شعرت بصدمة عنيفة جدا ولم يستوعب عقلي الصغير ذلك الشيء، ثم بدأ هو في التطبيق، كان ينتهز كل فرصة لينفرد بى، كان يذهب لأمي ويخبرها بأنه سيأخذني ليشترى لي بعض الحلوى ثم يأخذني في بئر السلم المظلم ويفعل ما يحلو له، كنت أشعر برعب كبير ولم أفهم لماذا يفعل ذلك، كان يقول لي بأنه يحبني مثل أخته وبكل سذاجة صدقته، وكنت أصمت تماما ولكني في كل مرة أشعر وكأن براكين من القرف والتقزز تنفجر وتملأ كل ذرة في جسدي.... أقرف من جسده وأنفاسه ورائحته كل شيء فيه ولكن الحمد لله فالأمر لم يصل إلى العلاقة الكاملة، ظللت في هذا العذاب لمدة سنتين متصلتين، وفي خلال هذه الفترة انتقلنا إلى منزل جديد واستمرت تلك الزيارات في تزايد وفي كل مرة أشعر برعب هائل لأني أدرك تماما أي عذاب سينتظرني....
وفي سن العاشرة لم أستطع الصمت أكثر من ذلك فواجهته وقلت له أن يبتعد عني، بالفعل لم يقترب مني مرة أخرى، وساعد على ذلك أن والدته تزوجت بعد هذا الحدث بفترة قصيرة فانقطعت زيارتها لنا وأصبحت على فترات متباعدة جدا انتهى كل شيء بالنسبة له... أما أنا فتركني محطمة تماما فقدت الثقة في كل من حولي، أصبحت انطوائية جدا، أكره الناس ولا أحب التكلم مع أحد، ليس لي أصدقاء غرفتي هي صديقتي الوحيدة....
معظم أحلامي تتمثل في مجموعة من الرجال يهرولون خلفي لكي يغتصبونني وأنا طوال الحلم أجري وأصرخ بشدة، كنت بعيدة كل البعد عن الله تعالى حتى الصلاة كنت أقطع فيها، مارست تلك العادة اللعينة بشراهة، كانت حياتي مظلمة وشديدة السواد، حتى انتقلت إلى الصف الأول الثانوي وهناك تعرفت على أحب صديقة إلى قلبي، وكانت إرادة الله أن تكون سببا في هدايتي....
تغيرت حياتي تماما ...بفضل الله انتظمت في العبادات، وامتنعت عن ممارسة العادة نهائيا ويعلم الله تعالى كم عانيت حتى أتخلص منها وشعرت بمعنى الطهر والسعادة الحقيقية وطهر الله تعالى قلبي من كل كره أو حقد على ذلك الشخص وأدعو الله تعالى أن يعفو عنه ويرزقه الهداية وظننت أن كل شيء انتهى وأني نسيت كل شيء، ولكن كان هناك شيئا يؤرقني كثيرا وهو هذا الشعور الرهيب بالقرف من الرجال وخاصة المتزوجين منهم، كنت أتجاهل هذا الشعور واعتقدت أن كل الفتيات يشعرن مثلي بهذا الإحساس، ووصل الأمر بي إلى أن شعرت بالقرف الشديد من أبي لدرجة أني كنت أبتعد عنه تماما ولا أدعه يلمسني حتى عند عبوري الطريق معه كنت أتركه وأسير وحدي حتى لا أدعه يمسك يدي، وكذلك أخي عندما تزوج انتقل إليه هذا الشعور وبالتالي منعته من ملامستي تماما (أخي تزوج منذ حوالي شهرين)... والحقيقة لم أدع عقلي يفكر في إيجاد تفسير لذلك بل كنت أتجاهله في سن الثامنة عشر.
تقدم لخطبتي شخص كانوا يزكون أخلاقه وأدبه وافقت عليه، وبعد حوالي ثلاث زيارات انفجر ذلك البركان بداخلي، شعرت تجاهه بكم رهيب من المشاعر المقرفة، شعرت بالتقزز والقرف من كل شيء فيه حتى مجرد سماع صوته في الهاتف كان يشعرني بالقرف منه لدرجة أني لم أستطع النظر إلى وجهه، وبعد شهر طلبت من أبي فسخ الخطوبة ولكنه رفض بشدة، ظللت أبكي كثيرا ولم يتحمل جسدي تلك النفسية السيئة كثيرا فأصبت بضعف شديد وخسرت من وزني ثماني كيلو جرامات في شهرين فاضطر أبي لإنهائها ولا أستطيع أن أصف لكم مدى السعادة التي شعرت بها وكأني قد حكم علي بالإعدام ثم أفرج عني.
وخلال الأربع سنوات التالية تقدم لي بعض الأشخاص ولكن لم يكتمل أي ارتباط ومنذ حوالي ستة أشهر تقدم لي شاب بمواصفات قياسية فيه الكثير من الصفات التي تمنيتها أو هكذا ظننت، وافقت عليه وعاهدت نفسي أن لا أرفض هذه المرة وكانت النتيجة مؤلمة إلى أبعد درجة، وهذه هي الأعراض:
فقدت سبعة كيلو جرامات إضافية وذلك لأني لم استعيد وزني السابق فأصبحت كالمومياء استمرار نزول دم لمدة شهر كامل ظهور حبوب في وجهي بشكل بشع وبالطبع كانت النتيجة الحتمية وهي فسخ الخطوبة ولكن هذه المرة كانت بخصام ومقاطعة تامة من أهلي، وشعرت بتلك السعادة الطاغية مرة أخرى واختفت معظم الأعراض السابقة.
والآن أعلم أنكم ستنصحونني بالذهاب إلى طبيبة نفسية ولكن للأسف فذلك شيء مستحيل تماما فقد فكرت كثيرا في الذهاب ومنذ مدة طويلة، ولكن كيف سأذهب؟ فلابد أن يكون الأمر سريا... ولن أستطيع الذهاب بدون علمهم لأن أمي تفرض على حصارا قويا فهي لا تحب خروجي إلى أي مكان، وإذا حدث وخرجت فستظل تلاحقني أين ستذهبين؟ ومتى ستعودين؟ وهكذا هذا إذا سمحت لي أصلا بالخروج، وفي شهر رمضان هذا سافر أبي وأمي لأداء العمرة وكانت الفرصة لي مناسبة وبالفعل ذهبت إليها، طبيبة مشهورة جدا ولكن للأسف ليتني ما ذهبت فقد عاملتني بمنتهى القسوة والجفاء... حقيقة لا أعرف لماذا؟ كل ما أتذكره أني قلت لها أني لن أستطيع أن أكمل العلاج لأني جئت بدون علم أهلي وشرحت لها ظروفي... فعاملتني بقسوة وقالت لي في النهاية: "إن هذا النوع من العلاج ليس من تخصصي وسأحيلك إلى دكتورة أخرى لو استطعت الهروب من أهلك مرة أخرى اذهبي إليها".... وخرجت من عندها والدموع تسيل على خدي من شدة الإهانة فتوجهت بالدعاء إلى الله تعالى وقررت أن أستشيركم، فإن كان في رسالتي هذه شيء يدعو إلى مضايقتكم فصدقوني أنا لا أقصد ذلك فألتمس منكم عذرا رجاء.
أريد أن أعرف هل أستطيع الزواج بدون علاج؟ أم أن هذا لن يتحقق؟ وماذا سيكون مصيري لو تزوجت وأنا أشعر بهذا الكم الهائل من المشاعر المقرفة تجاه الرجال؟ كيف ستكون حياتي بعد الزواج؟ وهل الأفضل لي أن لا أتزوج وأنا بتلك الحالة؟ وهل الحل الوحيد لكي أكون طبيعة هو الذهاب للطبيبة النفسية؟
ملاحظة: ما ذكرته هو قليل من كثير فإن كان هناك شيء يحتاج للتوضيح فأرجو إخباري بذلك وبإذن الله سأوضح ما هو غامض أو غير مفهوم ولكم مني جزيل الشكر والتقدير، وجزاكم الله خيرا
03/12/2010
--------------------------
رد المستشار
"زينة"....... أفهم شدة الألم الذي تحملينه منذ سن الثامنة، وقدرة الإنسان على تحمل الأذى والألم محدودة ولكن حباك الله بقوة من خلالها استطعت أن تتجاوزي المشقات والصعاب. وهذه القوة هي الصبر فكنت خير العبد لذلك الأذى.
ومرت الأيام والسنون من حياتك وتعرفت على فتاة من بني جنسك وهداك الله على يدها كما ذكرت تماما بالرسالة. السؤال يا زينة الذي كان لم يكن بإرادتك ولم يكن لك من القوة أن تدافعي عن نفسك حينها، وخلال سنتين استطعت أن توقفيه عن التحرش بك، فانتهى التحرش ولم ينتهي الألم. حتى الأحلام لم ترحمك.
"زينة"... سوف أعمل على تحليل لنفسيتك وبشكل مبسط وبسيط بعيدا عن المصطلحات النفسية.
حالة التقزز والقرف التي تملأ كيانك هي ردة فعل طبيعي وتحمل صيغة الانفعال الذي ينتابك كلما تذكرت المواقف المؤلمة من جراء التحرش لجسد طفولتك الطاهر (براكين من القرف والتقزز تنفجر وتملأ كل ذرة في جسدي). رفضك الخطبة أو الزواج ولمرتين متتاليتين..... هو رفضك لجنس الرجل الذي انتهك طفولتك البريئة ولطخها........, وفقدان الوزن (وزني ثماني كيلو جرامات في شهرين) و(فقدت سبعة كيلو جرامات إضافية)........., هو رفض لا شعوري لعملية الحمل.......... وفسخ الخطوبة.......... هو إجهاض لعملية الحمل,.... شعورك بالقرف من أبيك أو أخيك هو استمرار الشعور بالرائحة النتنة التي ظلت مكبوتة أو بالأصح كامنة وقريبة من حيز الشعور من خلال (أقرف من جسده وأنفاسه ورائحته) ولذا تكَوَّن لديك شعور بأن مسك يدك من قبل الأب أو الأخ أو رجل غيرهما هو دنس لجسدك.
"زينة"........ ذكرت أنك تستمعين لصديقاتك (الاستماع لمشاكل الآخرين وامتصاص آلامهم) وكأنها مشاكلي الخاصة، بمعنى أن لك القدرة على الإنصات وكأن مشاكلهن هي مشكلتك والفرق أنك تنسين أنك الأولى بمساعدة نفسك. انسي أمر الدكتورة وكأن الأمر لم يكن...... ولكن لا تنسي أنك قادرة على علاج نفسك من خلال أن تكون لك من الشجاعة أن تتحدثي مع الأسرة بأنك محتاجة لطبيب نفساني يعلل لك عملية الرفض للزواج......... ومن هنا إذا ما استطعت أن تقنعي أمك, فبقية الأمور الأخرى ستكون سهلة, هذا من جانب.
أما الجانب الآخر فهو أن تكون لديك الشجاعة بأن تذهبي إلى الطبيب واعلمي أنك سوف تتلقين علاجا يساعدك في حل مشاكلك, وهنا تضعين أمك أمام أمر واقع.. أنه لابد من مساعدتك.
أجزم لك يا زينة أنك إذا ما عملت بأحد الخيارين فإن حياتك سوف تتحول إلى شيء جميل وسوف تقبلين على الزواج وأنت مقتنعة.
لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لأنك سوف:
تكونين أما توعي أبناءها منذ الصغر، مراقبتهم عند اللعب خاصة عندما يختلون بأنفسهم، لا تسمح للأطفال اللعب مع الكبار والمراهقين لئلا يحدث المحذور عن طريق الاستغلال والاعتداء كما حدث لك...... تحيطين أطفالك بالحنان والحب وزرع الثقة بينهم كيف نشجعهم في حالة تعرضوا لأذى أو تحرش أن يخبروك بحيث تستطيع فعل شيء، أو على الأقل منع أي تحرشات جديدة قدر الإمكان.
... ولا أريد أن أطيل عليك ستكون حياتك طبيعية إذا ذهبت إلى طبيب نفساني يهتم بالإنصات جيدا لمرضاه ويحسن أساليب العلاج غير العقَّارية، أنا شخصيا أرشح لك صديقي وأخي الدكتور وائل أبو هندي، أو أقرب طبيب نفساني ينطبق عليه الشرطان السابقان.