جزاك الله خيراً يا أم عبد الهادي.
إذن نستطيع أن نقول بأنّ من تريد أن تتعلم أو تمارس الدعوة أو تعمل عليها أن تحقق ما يلي :
1- تعمل في فترة ذهاب طفلها إلى المدرسة, بحيث لا تغيب عنه حال وجوده.
2- أن لا يسبب لها ما تفعله إرهاقاً بدنياً أو نفسياً أو ضغطاً يؤثر على رعايتها وترتبيتها لأطفالها وقيامها بحقوق زوجها وشؤون بيتها.
برأيي إن كان العلم الذي ستتعلمه الأم علماً متعلقاً بدينها, فتحضر دروساً دينية, فتكون مدة الدرس مع الذهاب والإياب ساعتين مثلاً , مرة أو مرتين في الأسبوع , فهذا أمر جميل , لا سيما إن اقترن بنية لله تعالى, ولا أحسب أنه يسبب أي ضغوطات, بل فيه تزكية للنفس بنور العلم , وفيه ترفيه عن النفس حينما نلتقي بأخوات لنا في الله نحبهم ويحبوننا , ولكن تعلّم علم دينوي في هذه المرحلة , برأيي ومن مشاهداتي الشخصية , أنه سيسبب ضغوطاً نفسية , لأن منظومة التعليم القائمة على النجاح أو الفشل(الرسوب), تضغط على نفسية الطالب, فضلاً عن الوقت الذي ستقضيه الأم في الدراسة, وما يستلزمه من تركيز.
يعني عمل المرأة في بيتها فيه ما فيه من الضغوطات, فلماذا تزيد الضغوطات على نفسها ؟!
أما ممارسة الدعوة إلى الله تعالى, فهي كذلك أمر جميل, وممكن أن تقوم به المرأة ضمن دائرة أقاربها ومعارفها مثلاً, وممكن أن تقيم درساً دينياً في بيتها, أو عبر النت , وهذا لن يسبب ضغوطات نفسية , بل بالنية الخالصة يوفقها الله تعالى في أمورها الشخصية إن شاء الله.
ولكن.. من تجربتي , بالنسبة للنت , الدخول في جدالات ومناظرات , وشد وجذب , يؤثر على نفسية المرأة , فقط لاحظت هذا من نفسي , وعندما قارنت وضعي بوضع زوجي, رأيت أنه لا يتأثر, وإن تأثر فبشكل سطحي عابر.. فسبحان الله !
أما العمل.. لا أدري, ربما بحسب طبيعة هذا العمل , وبيئة العمل , بفرض أن ساعات العمل قليلة.
والسؤال هنا بالنسبة لي هو لماذا تريد أن تعمل ؟ اسألي قريبتك يا أسماء ( آلمني حال ابنتها أيما ألم!!ولا أدري لم تصورت مريم في عمرها! و الحمد لله رب العالمين, وما شاء الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله.).
المسلم إنسان مكلّف في هذه الحياة الدنيا الفانية , في رحلة , فلا يصدر عنه فعل (فضلاً عن القول!!) إلا بباعث مرتبط بتكليفه الأصل (العبودية لله تعالى) والذي تنبثق عنه تكليفات فرعية , هذا ما يجب أن يكون منطلق كل مسلم ومسلمة , وعلى هذا يتم تربية الأطفال المسلمين (بالقدوة وبالموعظة), فنعود للسؤال إذن.. لماذا تريد الأم أن تعمل ؟
ومِن بعدها يجب أن تنظر في طبيعة العمل وبيئته , إن كانت مشروعة .. ثم إن كانت لا تسبب لها ضغوطات نفسية تؤثر على تكليفاتها , ودورها كأم وزوجة , راعية لزوجها وأطفالها وبيتها , والذي عليه ستحاسب .
لماذا نغفل عن هذه المعاني ؟! لماذا أصبحت عنا غريبة ؟!
عمارة الأرض ليست الغاية , ولم تكن يوماً , هي مجرد وسيلة , لتحقيق غايتنا , المكلفين بتحقيقها , ولا نعمرها كما يعمرها الكفار , لا شكلاً ولا مضموناً !
فلماذا هذا التهافت من المسلمين عليها ؟! لماذا أصبحت الغاية ؟! التي نبرر بها لأنفسنا منافستنا لأهل الدنيا عليها !
نعم الأم بلا شك تشعر بحاجة ماسة لكي تجد لنفسها فسحة خاصة , لوحدها , تسترخي , وتشحذ همتها, ولا حرج من أن ترفّه عن نفسها, بمعنى ليس بالضرورة أن تقوم بعمل جاد!
نعم في فسحتها الخاصة قد تشعر برغبة أن تتلو القرآن الكريم, أو تذكر, أو تصلي, أو تقرأ ما شاءت.. ولكن قد تشعر بحاجة إلى أن تجلس لوحدها بهدوء وصمت, أو أن تنام , أو أن تنشد بصوتها النشاز , وقد ترغب في زيارة قريبة من قريباتها أو جارة أو صديقة .
وفي الحقيقة عندما تكون الأم واعية لحقيقة نفسها كمكلفة فهي حتى في زياراتها لن تغفل عن أصل تكليفها , والدعوة –بمعناها اليسير- إلى الله تعالى , وقد تزلّ , فهي إنسان.. ما أريد قوله هنا, بأن عمل المرأة لا ينبغي أن يكون بحال من الأحوال باعثه هو الرغبة بتحقيق "كيان المرأة", كما قالت بهية , لأنّ من تفعل هذا هي أساساً إنسان تائه عن حقيقة كيانه ابتداءً , ولو أنّها وعت لحقيقة خلقها والغاية من وجودها في هذه الأرض , لما استطاعت أصلاً أن تجد لنفسها كياناً تسعى لتحقيقه إلا ضمن التكليفات والأدوار التي فرضها الله تعالى عليها كإنسان وأنثى , سواء كانت بنتاً أو زوجة أو أم .
بل حتى الرجل , لا ينبغي أصلاً أن يكون عمله الدينوي باعثه تحقيق كيانه!! هذا عبث..!
بل هو يعمل لأنّ الله تعالى كلّفه بهذا السعي , فيسعى وهو مسلم , بما أمر الله تعالى , ولا يجعل سعيه غاية تتوق لها نفسه, كما الكفار!
أي كيان هذا ! وأي "تقدير للذات" هو الذي يريدون منا كمسلمين أن نحققه وينبغي أصلاً أن نقضي أعمارنا في مجاهدة أنفسنا وآفات قلوبنا , والابتعاد عن مواطن تدسيتها !
لا كيان ولا تقدير لذات المسلم يتحقق إلا بإخضاع نفسه لله تعالى , إلا بتحقيق عبوديته المكلف بها , وباستقامته لما أُمر به , بل إنه ومع كل جهاده لهذه النفس/الذات يخشى عليها من نفاق أو عجب أو كبر أو رياء .. فكيف بتنا نسعى بدعوى علماء النفس والاجتماع الكفار (قضاء حاجة تقدير الذات) من أجل أن نكتمل أو نشعر برضى وسعادة ؟!
نعم حتى الرجل, لا ينبغي أن يكون لديه غاية "تحقيق كيانه" هذه التي تغبطه عليها النساء..!!
هو عابر سبيل , وغريب في هذه الدنيا , وعليه أن يسعى في الدنيا للقيام بتكليفات فرعية تخدم التكليف الأصل (العبودية لله تعالى) , والمرأة عابر سبيل , وغريبة , والأطفال هم كذلك , فعلام تلك التعلقات, والحجب, والتيه.. وليتها ترضي أنفسنا أو تسعدنا , بل نبقى نتذمر, ونطلب المزيد, وتتعقد حياتنا, وتكثر مشاكلنا النفسية والاجتماعية, ونبحث عن حلول جزئية تخدرنا! ومن تيه لآخر, لأنّ المنطلق من الأساس كان خاطئاً , والله المستعان .