المحرر موضوع: من وحي كتاب  (زيارة 38169 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب
« في: 2014-10-15, 16:19:35 »
بسم الله الرحمن الرحيم

في الحقيقة، كلما قرأت شيئا مهما في كتاب، أحببت التعليق عليه، أو اقتباسه، أو تذكرت منه أمرا آخر، أو أسقطت، فأحببت أن أخصص لذلك هذا الموضوع، حتى لا تضيع نيتي بفعل ذلك  emo (30):

يصعب عليّ تزامنا مع استرسالي في القراءة أن أضع تلخيصا للكتاب، ولذلك سأحاول وضع تعليقاتي أو اقتباساتي لفقرات مهمة بإذن الله .

والله المستعان . وأسأل الله أن يعمنا ما ينفعنا وينفعنا بما يعلمنا .
« آخر تحرير: 2014-10-15, 16:27:49 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
هذه الأيام أنا مع "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" لأبي الحسن الندوي، وهو الكتاب الشهير الذي لم أقٍرأه من قبل....

يصعب عليّ تزامنا مع استرسالي في القراءة أن أضع تلخيصا للكتاب، ولذلك سأحاول وضع تعليقاتي أو اقتباساتي لفقرات مهمة بإذن الله .

----------------------------

كلما قرأت عن الظلمة التي سادت العالم والأرض قاطبة بين القرنين السادس والسابع ميلادي... تحيرت، وبهت، وشدهت لكم التخبطات والتضاربات التي كان يعيشها الناس....
لقد عبدوا كل شيء.... عبدوا الذهب والفضة، والمعادن كلها، والنار والجبال والأنهار، وآلهة سموها آلهة التناسل !!
والآلات، وما يخطر بالبال وما لا يخطر.... ونحتوا الأصنام والأوثان أشكالا وألوانا... من ذهب ومن فضة ومن خشب.....
ومجدوا ما لا يمجد.... وتاهوا وضاعوا وتخبطوا..... واتخذوا بوذا إلها وهو الرجل الذي قالوا عنه "حكيم" وضع خبرات حياة !!
وكنفوشيوس الذي وضع حكمة رأسه...!! واختلطت البرهمية بالبوذية... وتفنن الزرادشتية والمزدكية في ضروب الفاحشة.... وأحلوا كل محرم، حتى تزوج الرجل ابنته، وتزوج أخته... وأحلوا أن يتقاسم الرجال نساء الرجل الواحد لا يملك أن يتكلم أو يرفض وعندهم وعنده سواء ولا تثريب...!!

كم كانت الأرض تحتاج مخلصا من نوع فريد خاص... فها هم قد عبدوا حكيما لم يدعهم إلى الله... وها هم قد عبدوا الطبيعة.... وها هم قد قدسوا الصالحين حتى صنعوا لهم أصناما وعبدوهم....!
 
لم تكن الأرض بحاجة لمصلح أو حكيم.... إذن لعبدوه كما عبدوهم.... لقد احتاجت الأرض داعيا إلى الله.... إلى عبادة الله.... إلى توحيد الله.... إلى رجل ذي إشراقات سماوية....وتربية ربانية، إلى رجل يدعو العباد لعبادة ربهم لا لعبادته وتقديسه...إلى رجل يحدثه الله ليبلغ عنه.... !! لقداحتاجت الأرض محمد.... لقد تاقت لمحمد ولا أحد غير محمد......!!
« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:14:25 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

دولة الظلم ساعة... ودولة العدل إلى قيام الساعة... قالها ذلك الرراهب الرومي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقطع المسافات الطوال ويخوض المخاضات من المدينة إلى القدس فاتحا بثياب مرقعة....يسوق دابته التي يركبها خادمه...والذي كان يتناوب وإياه ركوبها طوال الطريق....!

وكانت دولة الروم ودولة الفرس دول ظلم وطغيان وأكل القوي للضعيف واستطالة فئة خاصة على الضعفاء....!! وكان ذلك سبب سقوطهما.... ويستدير الزمن... وتدور الدوائر... ويصبح الظلم في ديار الإسلام.... ولا يقيم الله لديار الظلم قائمة وإن كانت مسلمة... ولن نعود أقوياء حتى يعود العدل إلى ربوع ديار الإسلام....
« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:14:40 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
كتاب : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

" إن الإسلام لا ينظر - كالنصرانية – إلى العالم بمنظار أسود ، بل هو يعلمنا أن لا نسرف في تقدير الحياة الأرضية ، وأن لا نغالي في قيمتها مغالاة الحضارة الغربية الحاضرة .إن المسحية تذم الحياة الأرضية وتكرهها، والغرب الحاضر -خلاف الروح النصراني – يهتم بالحياة كما يهتم النهم بطعامه ، هو يبتلعه ولكن ليس عنده كرامة له ، والإسلام بالعكس ينظر إلى الحياة بسكينه واحترام ، هو لا يبعد الحياة بل يعدها كمرحلة نجتازها في طريقنا إلى حياة عليا ، وبما أنها مرحلة ومرحلة لابد منها ليس للإنسان أن يحتقرها أو يقلل من قيمة حياته الأرضية .إن مرورنا بهذا العالم في سفر الحياة  لابد منه ، وقد سبق به تقدير الله ، فالحياة الإنسانية لها قيمتها الكبرى ، ولكن لا ينبغي لنا أن ننسى أنها ليست إلا واسطة وآلة وليست قيمتها إلا قيمة الوسائط والآلات ، الإسلام لا يسمح بالنظرية المادية القائلة (( إن مملكتي ليست إلا هذا العالم)) ولا بالنظرية المسيحية التي تزدري الحياة وتقول (( ليس هذا العالم
مملكتي )) وطريق الإسلام طريق وسط بينهما...


أبو الحسن الندوي _ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين_
« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:14:50 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


بالعودة إلى تاريخ أوربا من أقلام أبناء أوروبا لا من أقلام العرب... نكتشف أن النظرة المادية الأوروبية للدنيا والكون والحياة والإغراق فيها ليست أبدا بالشيء الجديد ولا المستجد الذي تولد عن تهافت التطور في شتى المجالات العلمية والتكنولوجية... بل إنه أهم موروث تاريخي يعود إلى الحضارة الأم لأوروبا .... الحضارة اليونانية بماديتها المغرقة في المادة حتى الثمالة والتي ورثتها عنها الحضارة الرومانية بحذافيرها....
إن المادية الأوربية البعيدة كل البعد عن التأثير الروحي للدين ليست وليدة التطور العلمي بل هي أصل من أصولها وجزء من تكوينها.... أصل في حضارة قامت على الإيمان بالمحسوس حتى بلغ ذلك منهم أن لم يتصوروا وجودا غيبيا لله... بل جعلوا للرحمة آلهة، وللحب آلهة وللجمال آلهة.... ولم يقدسوا دينهم وآلهتهم إلا كما يحترمون رجلا عظيما بينهم أو دون ذلك... حتى أن أحد قادة الرومان لما غرق أسطوله البحري كسر آلهة البحر....!!

وكانت الدنيا عندهم قائمة على الاستجابة لكل الشهوات قبيحها وحسنها سواء بسواء... لا رادع ولا حد...وكانوا يقدسون "الوطنية" -منذ العصور اليونانية- إلى الحد الذي استفحلت معه شهوتهم في التعدي على غيرهم من الشعوب ونهب ثرواتهم وسلبهم أملاكهم وديارهم، حتى عرفوا بالنزعة الاستعمارية... لا غرابة إذن في مادية تتفاقم يوما بعد يوم وهي ليست بالوليدة ولا الجديدة بل هي القديمة الموروثة عن حضارة وثنت الدين وحرفته وخرفته.....! وعلمت أبناءها منذ الأزل أن الدنيا غابة يأكل فيها القوي الضعيف....
« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:15:00 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


عندما تتنادى أوربا وأمريكا متباكين... منتحبين على رجل منهم يقتل على يد من يصفونهم بالإرهابيين الإسلاميين... عندما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على تفجير أو اثنين... يتناسون جرائمهم التاريخية الشنعاء...! يتظاهرون بمظهر الحمل الوديع الذي ينتف الإرهابيون الأصوليون صوفه... وينسون ما اقترفت أيديهم ...!
أين انجلترا من وعد "بلفورها" المشؤوم الذي سلمت به فلسطين لقمة سائغة لإسرائيل؟! أين رقتها ووداعتها من فتكها بمسلمي الهند في بدايات القرن التاسع عشر ؟!
أين إنجلترا الراقية الحرة الديمقراطية من جرائمها الاستعمارية؟! وأين فرنسا الحرة الثائرة المتنورة من جرائمها الاستعمارية في أفريقيا ؟! ومن قتلها للنساء ومن زرعها للألغام ومن تعذيبها لرجال لم تكن خطيئتهم إلا أن قالوا "الله أكبر" أيها المعتدي الغاصب.... وهب يريد استرجاع حقه الذي سلبته إياه ...
أين أوروبا من ميراثها الدموي ؟ ومن تاريخها النازف من دماء الإنسانية التي شقيت بتأليهها للقوة ؟!
ويأتي اليوم من تعلوه أبهة البذلة ويضع نظارة العلم ليصف الإسلام بالعنف والإرهاب ؟! أتنسى أيها الإنجليزي ؟! ولكن التاريخ لا ينسى .......
وإن كنت تنسى الماضي ويصيبك حياله "الزهايمر" فكيف تنكر جرائمك اليوم في كل بقعة من بقاع الأرض الإسلامية ؟! لا هم لك إلا النهم والشره لدماء الأبرياء تقيضها بذهب الأرض الأسود الذي أخذ لبك وقلبك .....!!!! هل عجزت الألسن أن تذكركم بشنائعكم يا من تشنعون على الإسلام والمسلمين ؟؟
« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:15:11 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


الفلسفة الإسلامية في شنّ الحروب تقوم على أنّها في سبيل إعلاء كلمة الله، وفي تعبيد الأرض لله .

جاء في صحيح البخاري :

قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله

إذن فهذه هي المعادلة، من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ...

الحرب في الإسلام لتصرة المظلوم، لإقامة العدل والمساواة، للانتصاف للضعيف من القوي، أما الحروب عند الآخرين، عند الغرب، عند أوروبا، وعند أمريكا، فتقوم على تقديس القومية، ذلك التقديس الذي يجعلها نهمة شرهة لامتلاك ما ليس لها، لإعلاء أعلامها على أراض أخرى ....

ويعبر عنها الندوي، ويورد من عبر عن هذه الفلسفة المادية، والتي تقدس القومية وترى القوة إله، بتعبيرات وافية ، أورد منها :
*************************

أما الدولة الكبيرة فترى من واجب قوميتها أن تبسط سيطرتها على أكبر رقعة من الأرض وترفرف أعلامها على مساحات واسعة وإن كانت قفاراً أو صحارى وتكون لها مستعمرات وممتلكات في قارات مختلفة ، وأن كان ذلك يكلفها جيوشاً وأموالاً بغير فائدة جدية تعود عليها ويصعب عليها حراستها والقيام بشئونها ، كل ذلك مما توجبه عليها شريعة القومية ، وليس لها غاية أخلاقية وتمرة أدبية غير ما تسميه (( المجد القومي والشرف القومي )) .
وقد شرح الأستاذ (( جود )) المجد القومي بقوله :
(( إن المجد القومي إنما يعني أن يكون الشعب يملك قوة يسلط بها رغبته وهواه على آخرين إذا مست الحاجة ، ويكفي لشناعة ما يسمونه ( المثل الكامل للشعب ) وهو المجد القومي إنه يناقض الصفات الخلقية والفضيلة إذا كانت بلاد لا تقول إلا صدقاً ، وتفي بوعودها وتعامل الضعفاء معاملة إنسانية فمستوى شرفها عند الأمم منحط فالشرف – كما قال المستر بلدون - : عبارة عن قوة تنال الأمة بها المجد والفخار وتستلفت إليها الأنظار وتشغل الأفكار ، ومعلوم أن هذه القوة التي تنال الأمة بها هذه الدرجة من الشرف إنما تتوقف على قنابل نارية متفجرة ومشعلة للنيرات ، وعلى وفاء الشبان وولائهم للوطن ، الذين يحبون إلقاء تلك القنابل على المدن . فالشرف الذي يمدح لأجله شعب يناقض تلك الصفات والأخلاق التي يمدح بها الفرد ، فأرى أن الشعب يجب أن يعد همجياً وغير مهذب بالمقدار الذي يملكه من الشرف ، إذا ليس من الشرف أن ينال الإنسان أو الشعب الشرف بالخديعة والمكر والظلم (225))) .
(( إن الكبر – أكثر من الطمع – هو الذي يحمل الطبقة الحاكمة في بريطانيا على اتباع خطط لا تتفق مع ما يتظاهرون به من حب الصلح والوئام ، دع رجلاً يقترح على ولاة الأمر في بريطانيا أن يهجروا قيراطاً من رمل من ممتلكاتها التي لا تغرب فيها الشمس ومن أشدها قحولة وجدباً ، تر المحافظين الأبطال في إنجلترا يقيمون العالم ويقعدونه سخطاً وحنقاً ، وترى الصحافة الإنجليزية المعتدلة تتميز غيظاً ، إذاً تعلم أن هؤلاء المحافظين ليسوا طماعين فقط بل هم مستكبرون معاندون(226) )) .

منافسة الشعوب في المستعمرات والأسواق :
وقد سبقت إلى هذا الاستعمار والامتلاك أمم وتخلفت أخرى ، ثم نهضت الأخيرة تنافسها وتطالب بأسهامها وتبحث لها عن مستعمرات وأسواق لبضائعها وشرفات تغزو عليها على المجد والفخار ، وتعد بفضلها من الإمبراطوريات الكبار ، وقامت الأولى تدفعها وتحول بينها وبين ما تشتهي ، وتزعم أنها إنما تغضب للأمم الصغيرة ونصرة المظلوم . ولكن كثيراً من الناس ، من أنفسها ومن الأجانب ، يشكون في إخلاص هذه الأمم وفي صفاء طويتها وحسن نيتها .

يقول الأستاذ (( جود )) : (( الانجليزي – جاهلاً أو متجاهلاً للمسائل التي أدت إلى قسمة ضيزى للعمران ، ضارباً صحفاً عن سخط الشعوب مثل اليابانيين – يعتقد أن الإنجليز أمة سلمية ويرمي اليابانيين بحب القتال والضراوة بالحروب . والإنجليز لا شك أمة سلمية ، ولكن مسالمتهم مسالة لص قد اعتزل حرفته القديمة ، وقد أحرز شرفاً وجاهاً بفضل غنائمه السابقة ، وهو يبغض الذين يدخلون جديداً في حرفته القديمة ، عنده فضول أموال وغنائم لا يستهلكها ، ولكنه يلقب الذي يريدون أن يساهموا في ذلك بهواة الحرب(227) )) .

وكثيراً ما تنشب الحرب بين هذه الأمم السابقة إلى السيادة والتملك وبين الأمم المتطلعة لها الطامحة إليها ، ولكن هذه الحرب لا يصح قياسها على حرب تشهر لردع الظالم والانتصار للمظلوم وإقامة القسط عملاً بقول الله عز وجل : {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }( الحجرات ) ، ولكن هذه الحرب حرب شح ومنافسة ، وحرب غيرة وحسد ، ما كانت جمعية الأمم ( الفقيدة ) التي كانت هذه الحروب تشهر تحت إشرافها ، ولا خليفتها الأمم المتحدة )) إلا كما قال الأمير شكيب أرسلان : (( مثل العروض بحراً بلا ماء ، ما وجدت إلا لتلبس الاعتداء حلة قانونية ، وتسوغ الفتوحات بتغيير الأسماء ، لا يطيعها سوى ضعيف عاجز ، ولا تستطيع أن تحكم على قوي متجاوز )) أو في لفظ فقيد الإسلام الدكتور محمد إقبال : (( جمعية لصوص ونباشين تألفت لتقسيم الأكفان )) .
قال الأستاذ ( جود ) الإنجليزي : 
(( إن حرباً تشهر تحت إشراف عصبة الأمم ليست للعدل بين الأمم يقوم بها شرطة العالم للأخذ على يد الظالم وعقاب المعتدي ، ليست هذه الحرب إلا كفاحاً بين الطوائف المتنافسة في القوة . الواحدة منها حريصة على المحافظة على القسط الأكبر من ثروة العالم ومواردها ، والأخرى متهالكة على تحصيلها ، إن مثل هذه الحروب لا تختلف عن حروب نشبت بين الطوائف المتنافسة في الماضي ، ولا عن حروب النمسا وبروسيا(228) ، وعن حروب السنوات السبع(229) وعن حروب نابليون ؛ وعن حرب 1914 – 1918 . لا تختلف هذه الحرب عن هذه الحروب كلها إلا في الاسم .
« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:15:22 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

عبدت أروروبا المادة والطبيعة، وتشبثت بالأسباب، حتى خلطت الوسيلة بالغاية... فلم تعد مخترعاتها وسيلة، بل أصبحت في ذاتها غاية، وقد اخترعتها لتسهل عليها سبل الحياة، وتوفر لها الراحة ....وأصبحت ترى الحضارة في الراحة .وتقدمت على ذلك الدرب حتى لم تعد ترى الحضارة هي الراحة بل تراها في السرعة ....

"يقول دزرائيلي Disraeli إن المجتمع في عصره يعتقد أن الحضارة هي الراحة ، أما نحن فنعتقد أن الحضارة عبارة عن السرعة ، فالسرعة هي إله الشباب العصري ، وإنه يضحي على نُصبه بالهدوء والراحة والسلام والعطف على الآخرين من غير رحمة"
« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:15:34 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من  : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


وأقتبس ها هنا مقالا رائعا جديرا بالتأمل لأبي أعلى المودودي عن الحضارة الأوربية، أورده أبو الحسن الندوي في كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاك المسلمين"

------------------------------

"ظهرت الحضارة الغربية في أمة لم يكن عندها معين صاف ولا نبع عذب للحكمة الإلهية ، لقد كان فيها قادة الدين ولكن لم يكونوا أصحاب حكمة ولا علم ولا شريعة إلهية ، ولم يكن عندهم إلا شبح ديني لو حاول أن يسير بالنوع الإنساني على صراط مستقيم في طرق الفكر والعمل لما استطاع ، ولم يكن له إلا أن يكون حجر عثرة وسداً في سبيل ارتقاء العلم ، والحكمة ، وهكذا كان ، وكان عاقبة ذلك أن الذين كانوا يريدون الرقي نبذوا الدين بالعراء ، واختاروا طريقاً لم يكن دليلهم فيها إلا المشاهدة والاختبار والقياس والاستقراء ، ووثقوا بهذه الدلائل التي هي في حاجة بنفسها إلى الهداية والنور ، وجاهدوا واجتهدوا باحتذائها في طرق الفكر والنظر والتحقيق والاكتشاف والبناء والتنظيم ، ولكن ضلت خطوتهم الأولى في كل جهة وفي كل مجال ، وانصرفت فتوحهم في ميادين العلم والتحقيق ، ومحاولاتهم في سبيل الفكر والنظر إلى غاية لم تكن صحيحة ، إنهم بدأوا وساروا من نقطة الإلحاد والمادية ، نظروا في الكون على أنه ليس له إله ، نظروا في الآفاق والأنفس على أنه لا حقيقة فيها إلا المشاهد والمحسوس ، وليس وراء هذا الستار الظاهر شيء ، إنهم أدركوا نواميس الفطرة بالاختبار والقياس ولكنهم لم يتوصلوا إلى فاطرها ، إنهم وجدوا الموجودات مسخرة واستخدموها لأغراضهم ، ولكنهم جهلوا أنهم ليسوا سادتها ومدبريها ، بل هم خلفاء سيدها الحق ، فلم يروا أنفسهم مسئولين عنها ، ولم يروا على أنفسهم عهدة وتبعة ، فاختل أساس مدنيتهم وتهذيبهم ، وانصرفوا عن عبادة الله إلى عبادة النفس ، واتخذوا إلههم هواهم ، وفتنتهم عبادة هذا الإله ، وسارت بهم هذه العبادة في كل ميدان من ميادين الفكر والعمل على طريق زائغة خلابة رائعة ، ولكن مصيرها إلى الهلاك .

هذا هو الذي مسخ العلوم الطبيعية فصارت آلة الهلاك الإنسان ، وصاغ الأخلاق في قالب الشهوات والرياء والخلاعة والإباحة ، وسلط على المعيشة شيطان الأثرة والشح والفتك ببني النوع ، ودس في عروق الاجتماع وشرايينه سموم عبادة النفس والأنانية والإخلاد إلى الراحة والتنعيم ، ولطخ السياسة بالجنسية والوطنية وفروق اللون والنسل وعبادة إله القوة ، فجعلها لعنة كبرى للإنسانية .

والحاصل أن البذرة الخبيثة التي ألقيت في تربة أوربا في نهضتها الثانية لم تأت عليها قرون حتى نبتت منها دوحة خبيثة ، ثمارها حلوة ولكنها سامة ، أزهارها جميلة ولكنها شائكة ، فروعها مخضرة ولكنها تنفث غازاً ساماً لا يرى ، ولكنه يسمم دم النوع البشري .

إن أهل الغرب الذين غرسوا هذه الشجرة الخبيثة قد مقتوها ، وأصبحوا يتذمرون منها ، لأنها خلقت في كل ناحية من نواحي حياتهم مشاكل وعقداً لا يسعون لحلها إلا وظهرت مشاكل جديدة ، ولا يفصلون فرعاً من فروعها إلا وتطلع فروع كثيرة ذات شوك ؛ فهم في معالجة أدوائهم وإصلاح شئونهم كمعالج الداء بالداء وناقش الشوكة بالشوكة ، إنهم حاربوا الرأسمالية فنجمت الشيوعية ، إنهم حاولوا أن يستأصلوا الديمقراطية فنبت الدكتاتورية ، أرادوا أن يحلوا مشاكل الاجتماع فنبتت حركة تذكير النساء (Feminism) وحركة منع الولادة ، أرادوا أن يشترعوا قوانين لاستئصال المفاسد الخلقية فاشرأبت حركة العصيان والجناية ، فلا ينتهي شر إلا إلى شر ، ولا فساد إلا إلى فساد أكبر منه ، ولا تزال هذه الشجرة تـثمر لهم شروراً ومصائب ، حتى صارت الحياة الغربية جسداً مقروحاً ، يشكو من كل جزء أوجاعاً وآلاماً ، وأعيا الداء الأطباء ، واتسع الخرق على الراقع ؛ الأمم الغربية تتململ ألماً ، قلوبهم مضطربة وأرواحها متعطشة إلى ماء الحياة ولكنها لا تعلم أين معين الحياة ، إن الأكثرية من رجالها لا تزال تتوهم أن منبع المصائب في فروع هذه الشجرة ، فهم يفصلونها ويستأصلونها من الشجرة ويضيعون أوقاتهم وجودهم في قطعها ، إنهم لا يعلمون أن منبع الفساد في أصل الشجرة ، ومن السفاهة أن يترقب الإنسان أن ينبت فرع صالح من أصل فاسد ، وفيهم جماعة قليلة من العقلاء أدركوا أن أصل حضارتهم فاسد ولكنهم لما نشأوا قروناً في ظل هذه الشجرة – وبأثمارها نبت لحمهم ونشز عظمهم – كلت أذهانهم عن أن يعتقدوا أصلاً آخر غير هذا الأصل يستطيع أن يخرج فروعاً وأوراقاً صالحة سليمة ، وكلا الفريقين في النتيجة سواء ؛ إنهم يتطلبون شيئاً يعالج سقمهم ويريحهم من كربهم ولكنهم لا يعلمونه ولا مكانه." -أبو الأعلى المودودي من كتابه التنقيحات-   


« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:15:44 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


في الفصل الرابع من الكتاب : رزايا الإنسانية في ظل الاستعمار الأوروبي، يعدّد الندوي الرزايا واحدة تلو الأخرى، فيبدأ ب"بطلان الحاسة الدينية"، والتي يوعِزُها لاستغراق أوروبا ماديا، وافتقارها الشديد روحيا... وتحت هذه الرزية يذكر ظاهرة دقيقة جدا يفصّل لها تحت عنوان : ما لجرح بميت إيلام

شدّني جدا استنتاجه هذا، والذي يقول فيه أن أهل الشرق كانوا يتميزون بالبحث الدائم والسؤال النّهِم عن مراد الحياة، ومعنى الحياة، والهدف منها، وما بعد الحياة .... وأنهم اشتغلوا بهذه الأسئلة الروحية، وكتبوا فيها، واستلهموا لأجلها ما سموه "الحكمة"، واستنطقوا في محوره "ما وراء الطبيعة"، وتكلموا فيه بالفلسفة .... ولكنهم أصابوا أم لم يصيبوا فقد كانت سمتهم البحث، وكان ميزتهم السؤال المستمر ...

أما أوروبا فقد أوغلت ماديا، واستغرقت حسيا حتى فقدت الحاسة الدينية، تلك الجاسة التي فعلها في الإنسان كفعل حاسة البصر التي بفقدها قد ينكر الأعمى جحودا الأشياء.... وكفعل حاسة السمع التي تجعل الحياة أمام الأصم مقبرة أموات .....!

فما الدقيق الذي شدّني ؟

هو أن الإنسان بهذه الصفات التي تكبر كلما كبرت المدنيّة من حوله، وكلما كثرت الاكتشافات، وتوسع مجال الاختراعات، وسبرت أغوار الطبيعة من حوله فأمدّته بكنوزها المحسوسة ... وكلما كبرت ماديته، صغرت حاسته الدينية، فلا يعود يكلّف نفسه عناء السؤال ....وذلك ضرب من الناس لا تجدي معه المواعظ الدينية، ولا تستدرّ الكلمات الروحية عاطفته، ولا دمعَه، قسا قلبه حتى لم يعد تجدي معه الكلمات ...وفي هذا أذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :"فواللَّهِ ما الفقرَ أخشَى عليكم، ولكن أخشَى عليكم أن تُبسَطَ عليكمُ الدُّنْيا، كما بُسِطَتْ علَى مَن كان قبلكم، فَتَنافَسوها كما تَنافَسوها، وتُلْهيَكُم كما ألهَتْهُمْ" -صحيح البخاري-

وعن ذلك يعبّر الندوي :
------------------
"أشد العقبات التي واجهها الأنبياء والدعاة الدينيون , واصطدمت بها خطبهم ومواعظهم ودعوتهم , هم أولئك الذين حرموا الحاسة الدينية أو فقدوها بتاتًا , والذين تحجرت قلوبهم وماتت نفوسهم في مسألة الدين, والذين آلوا على أنفسهم أنهم لا يفكرون في أمر الدين وأمور الآخرة , ولا يلقون السمع لهذا الموضوع أصلاً , والذين لما سمعوا كلام النبي الذين تجيش له الصدور وتلين له الصخور , ما زادوا أن قالوا في صمم وإعراض : {إِنْ هِيَ إِلّاحَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } ولما انتهى النبي من كلامه السائغ المعقول الذي يفهمه الأطفال , والذين كان بلغتهم الفصيحة قالوا : { مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً }, {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } .
لاشك أن هذه الأسئلة كانت موضوع دراسة العلماء والمفكرين في فجر النهضة الأوربية الجديدة , واستمروا يبحثون فيها ويؤلفون ويتناقشون , ولكن كلما قطعت المدنية الأوربية شوطًا تخلفت هذه المباحث والأسئلة شوطًا ؛ ولما ظهرت خواص هذه المدنية الباطنة وتجلت هي في مظهرها المادي خفت - في ضجتها – هذا الصوت الذي كان ينبع من أعماق القلب وقرارة الضمير الإنساني الحي , ولا ينكر أن هذه الأسئلة تدرس في قسم الفلسفة وعلوم ما وراء الطبيعة في المدارس والمجامع العلمية والمكاتب العامة , ويتباحث فيها العلماء المتخصصون وتظهر لهم في هذا الموضوع تأليفات بين آونة وأخرى ؛ ولكن الذي لاشك فيه أنها فقدت سلطانها على القلوب والأفكار وامحت علامة الاستفهام الواضحة النيرة التي كان يراها كل إنسان عاقل فيقف أمامها كما تقف القطر أمام الإشارات , وأصبحت هذه الاستفسارات لا تحيك في صدر الإنسان ولا تشغله كما كانت تشغل آباءه وتحيك في صدوهم , ولم يكن ذلك عن إيمان وانشراح صدر وطمأنينة قلب واقتناع بحل صحيح وارتياح إلى نتيجة حاسمة . كلا ! لم يكن ذلك إلا لأن هذه الأسئلة قد فقدت أهميتها وأخلت مكانها لأسئلة مادية أهم في أعين أبناء القرنين التاسع عشر والعشرين منها , ولأن رجل العصر قد لزم الحياد التام في هذه المسائل وصرف النظر عنها , فلا عليه إن كانت بعد هذه الحياة حياة ثانية وكانت الجنة والنار والثواب والعقاب والنجاة والهلاك أو لم تكن , فلا يهمه شيء من ذلك لا سلبًا ولا إيجابًا , لأن شيئاً من ذلك لا يمس مسائلة اليومية أو في آخر الشهر , ولا يتصل بشخصه ولا يترك عاجلاً بآجل  ولا يتكلف ما لا يعنيه فيترك هذه المباحث (( الفارغة )) يبحث فيها معلم الفلسفة في الجامعة ويفضي فيها برأيه المؤلف في هذه الموضوع . أما هو فهو رجل جد وعمل ، لا يعرف إلا حياة المصانع والإدارات وسير الماكينات ولا يهتم إلا بتسلية النفس وترويحها في آخر النهار والنوم الهادئ في آخر الليل والأجرة في آخر الأسبوع أو الراتب في أواخر الشهور وحساب الأرباح في أخر السنة وإعادة الصحة والشباب في آخر العمر وأما ما بعد الحياة فهو عنده مجهول ووهم من الأوهام : {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ } .

إن هذا الضرب من الناس لا يزال يزداد عدداً وأهمية في كل أمة وبلاد بتأثير الحضارة الغربية ، ذلك الضرب من الناس لم يترك واشتغالهم بالحياة الدنيا والعكوف عليها فراغاً لدعوة دينية ، وإن الذين يدعوهم إلى الدين والحياة الأخروية ليتحير معهم كما يتحير السندباد البحري – كما تروي لنا حكاية ألف ليلة وليلة – مع بيضة العنقاء ، ظنها السندباد البحري بناء من رخام فدار حولها عدة مرات ليبحث عن باب يدخل منه فلم يجد ، كذلك الداعي الديني يدور حول رؤوسهم فلا يجد منفذاً يدخل منه إلى عقولهم ، ويدخل به دعوته الدينية إلى نفوسهم ، فقد أقفلت الحياة المادية ومسائلها جميع أبوابها وسدت جميع نوافذ فكرهم .

وكما أن رجلاً لم يحظ من الفطرة بالذوق الأدبي ، يسمع الألحان الجميلة والأبيات الرقيقة فلا يعدها إلا أصواتاً لا فن فيها ، كذلك الذي حرم الحاسة الدينية لا تؤثر فيه دعوة الأنبياء وخطب الوعاظ ، وحكمة العلماء وأمثال الصحف السماوية ، وتضيع فيه بلاغة البلغاء وإخلاص المخلصين ، ويصبح كل ذلك صيحة في واد ونفخة في رماد :
لقد أسمعت لو ناديت حياً  *** ولكن لا حياة لمن تنادي
والذي مني بهذا الضرب من الناس يفهم السر في قوله تعالى : {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } ، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } وتظهر له حقيقة قوله : {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } ولم يلق في شرحها وتعليلها ما لقيه المفسرون الذين لم يشاهدوا هذا النوع من صعوبة .

داء هذا العصر الذي لا ينجح فيه الدواء ولا يؤثر فيه العلاج هو الاستغناء التام عن الدين ، ولم يلق رجال الدعوة الدينية من العنت والشدة في أحط أدوار الفسق والفجور وفي أحلك عهود المعصية والغفلة ، ما يلاقونه في دعوة هؤلاء الذين لزموا الإعراض التام في هذه المسائل ( الكلامية ) فلا تعنيهم سلباً ولا إيجاباً {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } .

وقد فطن لهذا الفرق الجوهري بين النفسية القديمة والجديدة أحد كبار معلمي الفلسفة وعلم النفس في إحدى جامعات أوربا الكبرى وشرحه في عبارة وجيزة . قال س م جود :
(( ثارت في قديم الزمن شكوك واعتراضات وأسئلة واستفسارات حول الدين ، لم يطمئن بعض أصحابها ولم يرتاحوا إلى جواب مقنع ، ولكن مما يمتاز به هذا الجيل أنه لا تزعجه الأسئلة رأساً ، ولا تحيك في صدره ولا تنشأ في هذا العصر أصلاً )) ."

« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:15:57 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

إذا كان كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" قد طبع لأول مرة عام 1947، ويصف الندوي حال العالم بهذه الدقة، وبهذه الأوصاف، فكيف بحالنا اليوم ؟؟ 

كيف سيطرت النزعة المادية الأوروبية المتأصلة في أوروبا كابرا عن كابر على العالم، وكيف أن العالم يمضي في قطار سريع يريد أن يصبح بسرعة البرق إلى حيث المادة، وإلى حيث كل محسوس ومادي، وينبذ وراءه الروح  .... فإلى أين ؟!!

من أجمل ما وصف الحال المادي المغرق، في قوله أن الحياة الشخصية لا تؤمن إلا باللذة والمنفعة المادية ، والحياة السياسية بالقوة والغلبة ، والحياة الاجتماعية بالوطنية المعتدية والجنسية الغاشمة....

وأقتطف هذا التحليل الرائع منه لما عليه حال السيطرة الأوروبية الغربية على العالم :
 
--------------------
لأسباب تاريخية عقلية ، طبيعية قاسرة ، ذكرناها في البحوث السابقة ، تحولت أوربا النصرانية جاهلية مادية ، تجردت من كل ما خلفته النبوة من تعاليم روحية ، وفضائل خلقية ، ومبادئ إنسانية ، وأصبحت لا تؤمن في الحياة الشخصية إلا باللذة والمنفعة المادية ، وفي الحياة السياسية إلا بالقوة والغلبة ، وفي الحياة الاجتماعية إلا بالوطنية المعتدية والجنسية الغاشمة ، وثارت على الطبيعة الإنسانية ، والمبادئ الخلقية ، وشغلت بالآلات ، واستهانت بالغايات ، ونسيت مقصد الحياة ، وبجهادها المتواصل في سبيل الحياة وبسعيها الدائب في الاكتشاف والاختبار مع استهانتها المستمرة بالتربية الخلقية وتغذية الروح وجحود بما جاءت به الرسل ، وبإمعانها في المادية ، وبقوتها الهائلة مع فقدان الوازع الديني ، والحاجز الخلقي ، أصبحت فيلاً هائجاً ، يدوس الضعيف ، ويهلك الحرث والنسل ، وبانسحاب المسلمين من ميدان الحياة وتنازلهم عن قيادة العالم وإمامة الأمة ، وبتفريطهم في الدين والدنيا ، وجنايتهم على أنفسهم وعلى بني نوعهم ، أخذت أوربا بناصية الأمم ، وخلفتهم في قيادة العالم ، وتسيير سفينة الحياة والمدنية التي اعتزل ربَّانُها ، وبذلك أصبح العالم كله – بأممه وشعوبه ومدنياته – قطاراً سريعاً تسير به قاطرة الجاهلية والمادية إلى غايتها ، وأصبح المسلمون – كغيرهم من الأمم – ركاباً لا يملكون من أمرهم شيئاً ، وكلما تقدمت أوربا في القوة والسرعة ، وكلما ازدادت وسائلها ووسائطها ، ازداد هذا القطار البشري سرعة إلى الغاية الجاهلية حيث النار والدمار والاضطراب والتناحر والفوضى الاجتماعي والانحطاط الخلقي والقلق الاقتصادي والإفلاس الروحي ، وها هي أوربا تستبطئ الآن أسرع قطار ، وتريد أن تصل إلى غايتها بسرعة الطائرة بل بسرعة القوة الذرية .

استيلاء الفلسفة الأوربية على العالم :

وليس على وجه الأرض اليوم أمة أو جماعة تخالف الأمم الغربية في عقائدها ونظرياتها وتزاحمها في سيرها وتعارضها في وجهتها وتناقشها في مبادئها وفلسفتها الجاهلية ، ونظام حياتها المادي لا في أوربا ولا في أمريكا ، ولا في أفريقية وآسيا ، والذي نرى ونسمع من خلاف سياسي ونزاع بين الأمم فإنما هو تنافس في القيادة ، وتنازع فيمن يكون هو القائد إلى هذه الغاية المشتركة ، فدل المحور إنما كانت تكره أن يبقى الحلفاء مستبدين بالقيادة العالمية منذ زمن طويل ، مستأثرين بموارد الأرض وخيرتها وأسواقها ومستعمراتها ، وبشرف السيادة على العالم وحدهم مع أنها لا تقل عنهم في القوة والعلم والنظام والنبوغ والذكاء ، بل ربما تفوقهم ، أما إنها كانت تريد أن تسير إلى غاية أخرى وأن تقوم بدعوة المسيح ، وتقيم في الأرض القسط ، وأن تقود الأمم الدين والتقوى وتنصرف بها وتتجه من المادية إلى الروحانية والأخلاق ، فهيهات هيهات .

أما روسيا الشيوعية فليست إلا ثمرة الحضارة الغربية ، قد أينعت وادركت . ولا تمتاز عن الشعوب والدول الأوربية إلا أن روسية قد خلعت جلباب النفاق والزور ونفذت ما تزوره وتبطنه الأمم الغربية منذ زمن طويل ، وتعتقده منذ قرون في الأخلاق والاجتماع ، وقد استبطأت روسية سير هاتيك الأمم والدول في سبيل الإلحاد واللادينية والإباحية والمادية البهيمية فهي تريد أن تتولى قيادة العالم، وتسير بالأمم الإنسانية سيراً حثيثاً إلى ما وصلت إليه.

« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:16:11 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

أما في أواخر هذا الكتاب المميز، فيعرض الندوي رحمه الله وأجزل له الثواب لدور المسلمين، وما ينتظر منهم في قيادة هذا العالم الظمآن للروح، هذا الجسد المسجّى على عتبة الخواء... والذي يفتقر لنفخة الروح فيه، وما هي إلا الإسلام بعدله، ونوره، وحقّه، ومساواته، وخيره، وبرّه .....

ويذكر دور العرب، وتميزهم بين الأمم، وإنعام الله عليهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبرسالة الإسلام، ويدعوهم للعودة، وللأوبة، وللاستفاقة، ويعدّد حلولا، ويدعو شباب العرب والمسلمين للتضحية من أجل سعادة البشرية، للتضحية بالملذات والشهوات، وبالتقوّي، وبالتحلي بالشهامة وحمل الرسالة، وتأدية الأمانة والاضطلاع بأعباء الدعوة والاهتمام بهمّ الأمة، ولمعرفة دور المسلمين كقادة وأساتذة للعالم، ومخلّصين له برسالة الإسلام العظيمة ....

يدعو المسلمين لتبوئ الزعامة في العلم والتحقيق، ولتظليل العلوم بروح الإسلام وبظلّه، فلا تكون مادية صرفة، بل علوم وتقدم وسبر لأغوار الطبيعة بخلفية إيمان عميق بالله تعالى وبرسالة الإسلام في توخّي ما ينفع الأمة من علوم. لم يدعُ لرهبانية، بل قد دعا لعلم مشبع بالإيمان....وألا يتركوا الساحة للمستشرقين يعلمون المسلمين دينهم على النحو الذي يريدون، وأن يعمّروا عواصم الإسلام العلمية وتكون هي منارات الهدى والمعرفة والعلم، وألا يجعلوا من أوروبا مصدرهم، ولا من المستشرقين الحاقدين معلّمين...

كما دعا لضرورة اكتفاء المسلمين ذاتيا، بأن يلبسوا مما ينسجون، ويأكلوا مما يزرعون، ولا يكونوا عيالا على الأمم الأخرى فتخضّد شوكتهم، ولا يعود لهم صوت ولا قرار ....ودعا للاستعداد الصناعي والحربي للتقوي على الأعداء، ولفرض القوة وبسطها، قوة لا تحمل الدمار والهلاك للبشرية، بل تحمل العزّ والعمار والخير والنور والدواء الشافي ....

دعا إلى عيش الرجولة، وإلى عيش الخشونة، وإلى ترك الدعة والراحة والعيش في سبيل تبليغ الرسالة وتنوير العالم بها ....

كما أشار في جوامع كلمات إلى خطورة الأثرة بكل أنواعها، وأن حياة الإسلام والمسلمين لا تقوم على محورية شخص، أو بعض أشخاص، سواء تمثل ذلك في ملك وحاشيته، أو في وزراء وأعيان، أو في طبقات فاحشة الغنى .... وذكر أن مصيرها كلها إلى زوال، لأن الإسلام الحق ودعوة الإسلام لا تقوم أبدا على محورية شخص في حياة الأمة، كما كان ذلك في عهود الملك العضوض، ودلّت عليه كتابات ألف ليلة وليلة وكتاب الأغاني.....وغيره .

كم هي جميلة أواخر هذا الكتاب الرائع... كم ترى وأنت تقرأ ضرورة أن يقرأ المسلم كتابا مثله، وضرورة أن يتشبع بما هو له وما هو عليه ..... كم هي رائعة توجيهاته وتحليلاته في أواخر الكتاب ....إنها لتبعث الأمل في المسلمين، ولا تبعثه مجردا عن الواقع وعن الحقيقة وعن العمل العظيم الذي ينتظر المسلم، لا تبعثه هكذا بكلمات تهيئ لقارئها أنه الممكن هكذا بلمسات سحرية وبضربات خارقة، بل بالعمل والدأب والاجتهاد، والتضحيات ....

ثم تعرض إلى نقطة بالغة الأهمية والدقة، وهي الوعي، وضرورة إيجاد الوعي ف يالأمة، وتربية عقول أبنائها على الوعي ، وكان ذلك منه بأسلوب شائق رائع لا مفرّ من أن أورده كما جادت به قريحته:
----------------------
إن أخوف ما يخاف على أمة ويعرضها لكل خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعي في هذه الأمة ، وافتتانها بكل دعوة واندفاعها إلى كل موجة وخضوعها لكل متسلط وسكونها على كل فظيعة وتحملها لكل ضيم ، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها لكل ضيم ، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها ولا تميز بين الصديق والعدو وبين الناصح والغاش وأن تلدغ من جحر مرة بعد مرة ولا تنصحها الحوادث ، ولا تروعها التجارب ، ولا تنتفع بالكوارث ، ولا تزال تولي قيادها من جربت عليه الغش والخديعة والخيانة والأثرة والأنانية ، ولا تزال تضع ثقتها فيه وتمكنه من نفسها وأموالها وأعراضها ومفاتيح ملكها وتنسى سريعاً ما لاقت على يده الخسائر والنكبات فيجترئ بذلك السياسيون المحترفون ، والقادة الخائنون ويأمنون سخط الأمة ومحاسبتها ويتمادون في غيهم ويسترسلون في خياناتهم وعبثهم ثقة ببلاهة الأمة وسذاجة الشعب وفقدان الوعي .
إن الشعوب الإسلامية والبلاد العربية – مع الأسف – ضعيفة الوعي – إذا تحرجنا أن نقول : فاقدة الوعي – فهي لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملها معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح وقد يكون الصديق في تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو ، ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة ولا تعتبر بالحوادث والتجارب ، وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان تنسى ماضي الزعماء والقادة ، وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة ، وهي ضعيفة في الوعي الاجتماعي وأضعف في الوعي السياسي ، وذلك ما جر عليها وبلاً عظيماً وشقاء كبيراً وسلط عليها القيادة الزائفة وفضحها في كل معركة .
إن الأمم الأوربية – برغم إفلاسها في الروح والأخلاق وبرغم عيوبها الكثيرة التي بحثنا عنها في هذا الكتاب – قوية الوعي المدني والسياسي – قد بلغت سن الرشد في السياسة ، وأصبحت تعرف نفعها من ضررها ، وتميز بين الناصح والخادع ، وبين المخلص والمنافق ، وبين الكفؤ والعاجز ، فلا تولي قيادها إلا الأكفاء الأقوياء الأمناء ، ثم لا توليهم أمورهم إلا على حذر ، فإذا رأت منهم عجزاً أو خيانة أو رأت أنهم مثلوا دورهم وانتهوا من أمرهم استغنت عنهم وأبدلت بهم رجالاً أقوى منهم وأعظم كفاءة وأجدر بالموقف ، ولم يمنعها من إقالتهم أو إقصائهم من الحكم ماضيهم الرائع وأعمالهم الجليلة وانتصارهم في حرب ، أو نجاحهم في قضية وبذلك أمنت السياسيين المحترفين ، والقيادة الضعيفة أو الخائنة ، وخوف ذلك الزعماء ورجال الحكم وكانوا حذرين ساهرين يخافون رقابة الأمة وعقابها وبطش الرأي العام .
فمن أعظم ما تخدم به هذه الأمة وتؤمن من المهازل والمآسي التي لا تكاد تنتهي هو إيجاد الوعي في طبقاتها ودهمائها وتربية الجماهير التربية العقلية والمدنية والسياسية ، ولا يخفى أن الوعي غير فشو التعليم وزوال الأمية وإن كانت هذه الأخيرة من أنجح وسائلها ، وليعرف الزعماء السياسيون والقادة أن الأمة التي يعوزها الوعي غير جديرة بالثقة ولا تبعث حالتها على الارتياح وإن أطرت الزعامة والزعماء وقدستهم فإنها – ما دامت ضعيفة الوعي – عرضة لكل دعاية وتهريج وسخرية كريشة في فلاة تلعب بها الرياح ولا نستقر في مكان .






« آخر تحرير: 2014-10-20, 08:16:22 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "مبادئ أساسية لفهم القرآن"

اخترت أن أقرأ هذه المرة لأبي الأعلى المودودي، العلامة الباكستاني الشهير الذي خلّف كتابات منيرة في مجال العمل الإسلامي ...

كتابه "مبادئ أساسية لفهم القرآن"

لم يكن كتابا سميكا، بل كان كتيّبا من 34 صفحة، ولكنه وضع فيه خلاصة قيّمة يرشد بها الإنسان عموما، مسلما كان أو غير مسلم إلى كيفية التعامل مع القرآن، يبيّن ويجلّي أن القرآن ليس كأي كتاب تراد قراءته، يحدّد موضوعه، ويفصّل في أبواب وفصول، ينبّه قارئه أنه لن يجد ما كان يتوقعه من تنظيم هو التنظيم البشري، ومن نظم هو النظم البشري، وأنّ من وقف عند هذه الحدود التي تعوّدها وأراد أن يجد القرآن على شاكلتها، لن يستطيع الغوص فيه، ولا استيعاب معانيه....

سيبدو لهذا القارئ الذي يستعجل في القرآن صورة ذهنية مخزّنة عنده عن الكتاب أنّ القرآن كتاب غير منظم ولا متناسق، وأنّ فيه من التكرار في كل موقع منه بين حين وحين، ويُبدأ ويُعاد وأنّ فيه من الانتقال من موضوع إلى موضوع آخر بطريقة مباشرة ومباغتة، كما يكون الأسلوب غيبة، فيتحول فجأة إلى مخاطبة وهكذا ....

أما من لا يؤمن بالقرآن ويبحث عن مداخل لمهاجمته، فيجد في هذا متسعا لتعزيز شبهاته، وتكبير معارضاته . وكل هذا كان تحت عنوان "أسلوب الوحي وأسلوب البشر"

كما يعرض الكاتب لما يطرحه الكثيرون عن كثرة ورود فئة معينة من الناس (وهم العرب)، وأحوالهم، ومعارضاتهم، ودعوتهم، وتخويفهم وترغيبهم، وما كان منهم، على أن ذلك قصور، ومما يدل على محدودية رسالة القرآن لزمن بعينه، وأنه ربما قد حمّل أكثر مما يطيق بتحويله إلى مصدر هدى للناس في كل زمان وفي كل مكان !!  وأن القرآن ليس أبدا من هذه الشاكلة لأن النظام القومي المؤقت إنما يعنى بالمطالبة بحقوق شعب من الشعوب دون غيرهم، وبإعلاء شوكتهم دون غيرهم، بينما النظام العالمي الخالد هو الذي ينشر المساواة والعدل بين كل الناس، ويدعو لخير كل الناس، ولا يخصّ فئة دون أخرى، ولا تمييز عنده، كما أن النظام المؤقت القومي لا ملكة عنده للازدهار والانتشار عبر الأزمنة، وهو ما تحقق للقرآن، وأنّ تلك التوجيهات والمخاطبات التي يخصّ بها فئة العرب في زمان نزول القرآن إنما هي حركة القرآن ككائن متحرك غير جامد، لا يصبّ النظريات صبا، وإنما يتفاعل مع التفاعلات البشرية، والحالات والأحداث التي تتميز بها النفس البشرية عبر الأزمنة، فهو إذ يتوعد أه الشرك في ذلك الزمان، فهذا ينطبق على كل أهل الشرك في كل زمان، سواء أشركوا بالله صنما أو عبدا أو غيره، هو إذ يذكر من صفات أهل الكتاب من اليهود مثلا في ذلك الزمان، فهو يكشف عن جبلة فيهم عرفت عبر العصور وعلى امتداد الأزمنة مع مختلف الرسل، ويبيّن للمؤمنين خطلهم وسوء طوياتهم في كل زمان ....

إذن فطبيعة هذا الكتاب أنه حركي، لا يصب النظريات، بل يتفاعل عمليا مع حياة الإنسان .

ثم يمشي الهوينى ليبين أن للقرآن موضوعا وبحثا رئيسيا وهدفا، فأما موضوعه فهو الإنسان، وأما بحثه الرئيسي ففي المنهج الصحيح الذي على الإنسان سلوكه ف يالدنيا، وأما هدفه، فالدعوة إلى هذا المنهج.

وتحت عنوان "شروط أساسية لدارس القرآن"
أقتطف لكم زهرة أنعش روحي عبيرُها الفوّاح، تعبر عما أراد من هذا العنوان :

--------------
ومهما يتخذ الإنسان من التدابير ويستخدم من الوسائل لفهم القرآن، فإنه لا يصل إلى جوهر القرآن وروحه كما ينبغي، مادام هو لا يعمل وفق ما جاء به القرآن.
إن القرآن ليس يحوي نظريات مجردة، وأفكارًا محضة، حتى تدرسه جالسًا على الأريكة ...
كما أنه ليس كتابًا يبحث في اللاهوت، فتحل جميع أسراره ومكوناته في المعاهد والزوايا ..
إن هذا الكتاب كتاب دعوة وحركة، وبمجرد نزوله أخرج رجلاً وادعا، دمثا، سليم الفطرة، كريم الشيم، ومحبا الانعزال، وأوقفه في مواجهة العالم الذي كان قد انصرف عن الحق، وجعله يقارع الباطل، ويحارب أئمة الكفر، وقادة الفسق، وروَّد الضلال.
إن هذا الكتاب انتزع كل روح سعيدة، وكل نفس زكية من كل بيت، وجمعها تحت لواء صاحب الدعوة.
إن هذا الكتاب هو الذي قام بتوجيه الحركة الإسلامية خلال مدة ثلاث وعشرين سنة، والتي بدأت عملها من صرخة فرد واحد، وانتهت في نهاية المطاف إلى إقامة الخلافة الإلهية في الأرض ..
وهذا الكتاب هو الذي تولى وضع مخططات الهدم، ومشاريع البناء في كل مرحلة من المراحل، وفي كل خطوة من الخطوات خلال المعركة المديدة الضارية بين الحق والباطل.

ويقول:


لا تستطيع أن تفهم مطالب القرآن ومعانيه البعيدة إلا حين تحكّم هذا الكتاب وتبدأ بالدعوة إلى الله، وتخطو جميع خطواتك كما يوجهك، وكيفما يعلمك، ومن هنا لا بد أن يستقبلك جميع ما استقبل حامليه من التجارب والمحن: تشاهد مشاهد مكة والحبشة والطائف، وتواجه المراحل الممتدة من بدر إلى حنين إلى تبوك، وتتشابك مع أبي جهل، وأبي لهب، وتلاقي المنافقين واليهود، وترى وتختبر كذلك كل النماذج الإنسانية، مارا بالسابقين الأولين، والمؤلفة قلوبهم. فهذا سلوك فريد لا يماثله أي نوع من السلوك، واسمه "السلوك القرآني"، ومن شأنه أنه كلما مررت بمنزل من منازله تطالعك آيات وسور من القرآن تحيطك علما بأن هذا هو المهبط الذي نزلت فيه، وجاءت فيه بكذا من التوجيهات والتعاليم. وفي ذلك الحين لا يستبعد أن يغيب عن نظر "السالك" شيء من أسرار اللغة والبلاغة والمعاني والبيان، إلا أنه يستحيل أن يضِنّ القرآن بالكشف عن جوهره وروحه أمام ذلك "السالك".

ووفقا لنفس المبدأ لا يستطيع الإنسان أن يدرك مغزى أحكام القرآن وتعاليمه الخلقية وتوجيهاته الاقتصادية والمدنية ومبادئه ونُظُمه في مختلف نواحي الحياة، مادام لا يطبقها في الحياة، ولا يدرك مغزاها فرد يعيش في حلّ منها في حياته الفردية، ولا تدركه أمة تسلك جميع مؤسساتها  الاجتماعية مسلكا يخالف منهجها


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
هذه المرة سنخوض كتاب الأستاذ مجدي هلالي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

موضوع الكتاب بالغ الأهمية، وهو عن دبيب داء خفيّ في النفس صعب، إلا على من منّ الله عليهم فهداهم لرياضة النفس وتهذيبها، ومعرفة مداخلها ووساوسها، وكبح جماحها، وتوجيهها وفق ما يحب الله ويرضى لا وفق ما تحب هي وتهوى .... يرشد إلى ضرورة التنبّه والتحذّر من داء العُجب عفانا الله وإياكم، وأعاننا على جهاد أنفسنا وعلى قمع أهوائها...

فسأحاول في كل مرة كتابة شيء من وحي هذا الكتاب، أو اقتطاف فقرات منه عساها تنفعنا وإياكم.

فما العُجب ؟
يقول ابن المبارك: العُجب أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك . .. فهذا هو جوهر العُجب: أن ترى أن عندك شيئًا ذاتيًا تتملكه، وليس عند غيرك.

قال المحاسبي: العُجب هو حمد النفس على ما عملت أو علمت، ونسيان أن النعم من الله عز وجل .
ويؤكد على هذا المعنى أبو حامد الغزالي فيقول: العُجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها للمنعم .

العجب تضخيم للذات، وأكثر المتعرضين له، أصحاب اشهرة والصيت في أي مجال كان، حتى في مجال الدعوة لله تعالى، كأن يرى الداعية نجاحا يتحقق على يديه، وكأن يكون تأثيره على الناس كبيرا، ويكون فصيحا، بليغا، مؤثرا عاطفيا، فينساق وراء هذه النتائج، وتظهر له نفسه بمظهر القادر على كل هذا وقد ينسى أن يرجع الفضل لله تعالى، ويرى في نفسه فعلا ذاتيا من نفسه -عياذا بالله-

قيل لداود الطائي: أرأيت رجلًا دخل على هؤلاء الأمراء، فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟! فقال: أخاف عليه السوط. قبل: إنه يقوى عليه ( يعني أنه وطن نفسه على احتماله إن وقع واحتسابه عند الله تعالى) فقال: أخاف عليه السيف قيل: إنه يقوى عليه. قال: أخاف عليه الداء الدفين؛ العُجب

والكاتب يشير إى ضرورة عدم تجاوب المرء مع تلك اللحظات التي تحدثه فيها نفسه بتميّز فيه، ونجاح وقدرة على أي فعل كان، بل تجب مجاهدة النفس، وإرجاع الفضل لله...

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: لبست مرة درعًا لي جديدة فجعلت أنظر إليها فأعجبت بها. فقال أبو بكر: ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك!
قلت: ومم ذاك؟ قال: ما علمت أن العبد إذا دخله العُجب بزينة الدنيا مقته الله عز وجل حتى يفارق تلك الزينة!
قالت: فنزعته فتصدقت به.. فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفر عنك .

فهل بداخلنا أصنام ؟

لا غنى لأحد عن الله الذي خلق سبحانه، ودبّر وسيرّ ويسير، ويدبر في كل حين وفي كل آن، والذي لولاه لا حياة لأحد ولا لحيوان ولا لكائن، ولا لشيء في الكون كله، ولولاه لاختلط حابل بنابل، ولما كانت الأرض مستقرا ولا مقاما، ولولاه ما نعم الإنسان ولا ارتاح ولا بحث ولا عرف، ولا اخترع، ولا عاش ولا تحرك، ولا فكر، ولا اهتدى، ولا عرف ربه، ولا عرف شكره، ولا عرف حقا من باطل ....

والشرك الخفي منه رؤية الإنسان لنفسه بعين التعظيم، ووقوفه عند حد الأسباب التي حباه الله إياها على أنها ملكه الذاتي، وأن فعله فياها فعله الذاتي، ونسيانه المنعم المسبب

ومن أسباب تضخم الذات


1- الجهل بالله تعالى من أهم هذه الأسباب
الجهل بأن الله تعالى هو مصدر كل خير، يمد الإنسان بأسبابه لحظة بلحظة من أهم أسباب تضخم النفس. فيرى الإنسان الخير منه، والفعل منه، والتوفيق منه، والتميز فيه .

2- الجهل بالنفس، من أسباب تضخمها، أي بمعنى الجهل بمساربها، وثغراتها، وأحاديثها، وشرورها، ودورها في أن تلبى شهواتها، لا شيء غير شهواتها، وأهوائها، وشهواتها منها الجلي ومنها الخفي، فأما الجلي فمن مثل الطعام واللباس وغيرها، وأما الخفي فحب الإطراء والمدح والثناء، والانتشاء عند سماعها .

3- إهمال تزكية النفس
يقول أبو حامد الغزالي: فالعبد إن لم يشتغل أولًا بتهذيب نفسه، وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات، بقى خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم – أي علم كان – صادف العلم من قلبه منزلًا خبيثًا فلم يطب ثمره، ولم يظهر في الخير أثره ..... فالعلم تحفظه الرجال، فتحوله على قدر هممها وأهوائها، فيزيد المتكبر كبرًا والمتواضع تواضعًا .

4- كثرة الأعمال الناجحة:
قال الحسن البصري: لو كان كلام ابن آدم صدقًا، وعمله كله حسنًا يوشك أن يخسر. قيل: كيف يخسر ؟ قال: يعجب بنفسه.

5- كثرة المدح:
مدح شخص ما في وجهه من أخطر أسباب تضخم الذات، ولقد انزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلًا يمدح آخر في وجهه فقال له: " ويحك، قطعت عنق صاحبك، لو سمعها ما أفلح " .

6- السلطان والنفوذ: من أسباب التمرد، ورؤية النفس مالكة فاعلة، آمرة .

7- قلة مخالطة الأكفاء وعدم وجود النُصحاء: ويلخص هذا في قول عمر رضي الله عنه: رحم الله امرءا أهدى إليّ عيوبي.

أضف إلى هذه الأسباب، تنشئة الوالدين لأولادهما على كثرة مديحهم وشكرهم  وإطرائهم، وأنهم خير من غيرهم، وكذا وجود نقاط ضعف في شخصية الفرد، يحاول بتكبير ذاته وتكبره أن يكمل نقصا فيه، وعيبا من عيوبه، إضافة للاشتهار بين الناس، وتنادي الناس بمدحه، مما يضعف أمام نفسه الت تصوره ضخما.

كما أن للعُجب مظاهرا يُعرف بهها صاحبه...
عندما تقرأ هذا الكتاب، تشعر برهبة، وبخوف، ويساعدك على تعزيز حاسة المراقبة، والقيام للنفس بالمرصاد، فهذه أبوباب مخيفة حقا .... يجدر بالمؤمن معرفتها حتى لا تحبط أعماله من تمجيده لنفسه

نسأل الله السلامة، ونكمل لاحقا بإذن الله مع الكتاب .
« آخر تحرير: 2014-10-21, 10:30:59 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
 من وحي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

كما أن للإعجاب بالنفس وتضخم الذات مظاهرا، أهمها :

كثرة الحديث عن النفس، أب يكثر الحديث عن أولاده تفاخرا، وامرأة تكثر الحديث عما يجلبه لها زوجها، أو عما عندها من لباس وغيرها، وكذا طلب الأعمال والتقدم إليها  وذلك من كثرة ما يعرف الإنسان في نفسه موهبة أو ميزة لا يرى غيره أقدر عليها.
صعوبة التلقي من الغير أو قبول النصيحة، واستصغار الآخرين: أخرج ابن المبارك في الزهد أن عمر بن الخطاب قال لسلمان:
يا سلمان ما أعلم من أمر الجاهلية شيئًا إلا وضعه الله عنا بالإسلام، إلا أنا لا ننكح إليكم ولا ننكحكم، فهلم فلنزوجنك ابنة الخطاب .... أفر والله من الكبر. قال سلمان: فتفر منه وتحمله عليّ .. لا حاجة لي به .

والمنّ بالعطايا من مظاهر تضخّم الذات،وكذا تمني الاشتهار بين الناس، والتعالي على الناس.

ثم يضرب الكات أمثلة بمن غزاهم العُجب، وإبليس عليه لعائن الله أولهم حين رفض أمر الله بالسجود لآدم عيه السلام، وبصاحب الجنتين الذي أعجبته نفسه حتى وقع في نفسه أن الله ممدّه في الآخرة بخير كما أمدّه في الدنيا...

ومن الأمثلة المخيفة التي تبعث على تشديد المراقبة على النفس، ما أورده مما وقع فيه عبد الله القصيمي  الذي برع في علوم الدين، وخاصة في علم العقيدة، وكان أكبر منافح عن السنة، ولكن آفة العُجب فتكت به إذ لم يتصدَّ لها، حتى غدا كافرا عياذا بالله -نسأل الله السلامة-، وحوّل قلمه إلى سلاح ضد أهل التوحيد والسنة، حتى قال:
حاشا لهم أن يعدلوا بي واحدًا **      من بعد ماوضحت لهم أنبائي
وأعيذهم من أن يحيل أديبهم**      وأديب كل الناس في النعماء
عابوا على تحدثي وتمدحي**          بأصالتي وشجاعتي وذكائي
إن لم يبح مدح الفتى أخلاقه**      بيضا فأى تمدح وثناء

أما عن خطورة العُجب، فهي مما ينبغي بمعرفتها التشمير عن كل ساعد، والوقوف له كل مرصد، فهو شرك بالله، وذلك بوقع صاحبه في أوهام أنّ القوة من نفسه لا من الله تعالى، وهو محبط للعمل، ولابن تيمية قول في ذلك رائع :"المُعجب بنفسه لا يحقق إياك نستعين، كما أن المرائي لا يحقق إياك نعبد. "

قيل لابن المبارك: ما الذنب الذي لا يغفر؟ قال: العُجب.
 وكان الصالحون يرون: أنه يموت مذنبًا نادمًا أحب إليهم من أن يموت مُعجبا.


كما أنه يؤدي إلى مقت الله وغضبه، ويؤدي إلى الخذلان وحرمان التوفيق والتعرض للفتن، وإلى اتباع الهوى ونسيان الذنوب ولئن تصحب جاهلًا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالمًا يرضى عن نفسه، وقد يؤدي إلى سوء الخاتمة، وإلى نفور الناس من صاحبه،  قال صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم " .   

كما قال عليه الصلاة والسلام:" لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك: العُجب "
وقال ضرار بن مرة يقول إبليس: إذا استمكنت من ابن آدم ثلاث أصبت منه حاجتي: إذا نسي ذنوبه، واستكثر عمله، وأعجب برأيه.
يقول الماوردي -: إن العُجب سيئة تحبط كل حسنة، ومذمة تهدم كل فضيلة، مع ما يثيره من حنق، ويكسبه من حقد .


« آخر تحرير: 2014-10-22, 11:06:28 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

كيف نحطم أصنامنا

وذلك بألا نظن أن عندنا شيئًا نفضل الناس به، بل نراهم جميعًا أفضل منا. كيف لذلك أن يتحقق فينا ؟

بوسائل منها :

1- طلب العلاج من الله، وكم هو رائع فعل الله تعالى في عباده، وكم هو جميل تأمّل رسالاته، وتتبع خطوات فعله فينا وفي الأرض.... وكم هو جميل أن يلهمنا سبحانه حسن النظر وبعده، فلا نحكم على الأشياء من ظاهرها، فكم خفيّة خطّأت أحكاما صدرت عن ظاهر بدا !! وكم قيل عن رجل أنه الناسك المتعبد، فإذا هو الذي أظهرت أفعاله خلاف ما أبدى من تعبد وتبتّل !

الدواء المر النافع من العلاجات الربانية المربية للإنسان
 قال جعفر بن محمد: علم الله عز وجل أن الذنب خير للمؤمن من العُجب ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب.
ويشرح ابن القيم هذا المعنى فيقول: إن العبد يفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه، ويتكبر بها، ويرى نفسه، ويعجب بها، ويستطيل بها، ويقول: فعلت، وفعلت، فيورثه ذلك من العُجب، والكبر، والفخر، والاستطالة، ما يكون سبب هلاكه .

قال ابن عطاء: رب معصية أورثت ذلًا وانكسارًا خير من طاعة أورثت عجبًا واستكبارًا.
ولقد سئل سعيد بن جبير: من أعبد الناس؟ قال: " رجل اجترح من الذنوب وكلما ذكر ذنبه احتقر نفسه" .

ومن العلاجات الربانية الحرمان من القيام بالطاعة

أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن أنس – رضي الله عنه – مرفوعًا: يقول الله عز وجل: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح حاله إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من يطلب بابًا من العبادة فأكفه عنه كيلا يدخله العُجب إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني عليم خبير".
سأل رجل سفيان الثوري وقال له: ما لي أطلب الشيء من الله تعالى فيمنعني ؟! قال: منع الله إياك عطاء، لأنه لم يمنعك من بخل ولا عدم ولا افتقار ولا احتياج، وإنما يمنعك رحمة بك.

كما أن من صور التربية الربانية حسن الفهم عن الله
يقول ابن عطاء: ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك. متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء.
ويقول أيضًا: ربما أعطاك فأشهدك بره، وربما منعك فأشهدك قهره، فهو في كل ذلك متعرف إليك، ومقبل بجميل فضله عليك.

وكذلك التربية بالتعرف على الأكفاء

وهنا أحب أن أورد قصة للماوردي رحمه الله فيها حكمة وتربية :
ومما أنذر به من حالي، أنني صنعت في البيوع كتابًا، جمعت به ما استطعت من كتب الناس، وأجهدت فيه نفسي، وكددت فيه خاطري، حتى تهذب واستكمل، وكدت أعجب به، وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعًا بعلمه، ثم حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان، فسألا عن بيع عقداه في البادية، على شروط تضمنت أربع مسائل، لم أعرف لواحدة منهن جوابًا، فأطرقت مفكرًا، وبحالي وحالهما معتبرًا. فقالا: ما عندك فيما سألناك من جواب وأنت زعيم هذه الجماعة ؟ فقلت: لا. فقالا واهًا لك، وانصرفا، ثم أتيا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي، فسألاه، فأجابهما مسرعًا بما أقنعهما، وانصرفا عنه راضيين بجوابه، حامدين لعلمه، فبقيت مرتبكًا، وبحالهما وحالي معتبرًا. وإني لعلى ما كنت عليه في تلك المسائل إلى وقتي، فكان ذلك زاجر نصيحة، ونذير عظة، تزلل بهما قياد النفس، وانخفض لهما جناح العُجب، توفيقًا منحته، ورشدًا أوتيته ..

ومن التربية أيضا وتدريب النفس على ترك العجب، عدم الشعور بالتميز عند الله، وسأختصر هذا المعنى في :
في الحديث القدسي قال تعالى " إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضًا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثم نقر بيده صلى الله عليه وسلم فقال: عجلت منيته، قلت بواكيه، قل تراثه "

وكذا باستصغار النفس
أخرج الإمام أحمد في الزهد أن سليمان بن داود – عليهما السلام – خرج بالناس يستسقي، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنَّا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا، فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم .
« آخر تحرير: 2014-10-22, 11:06:52 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل فارس الشرق

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 827
  • الجنس: ذكر
  • وحشيتي سرج على عبل الشوى نهد مراكله نبيل المحزم
رد: من وحي كتاب
« رد #16 في: 2014-10-26, 02:39:20 »
بسم الله الرحمن الرحيم

في الحقيقة، كلما قرأت شيئا مهما في كتاب، أحببت التعليق عليه، أو اقتباسه، أو تذكرت منه أمرا آخر، أو أسقطت، فأحببت أن أخصص لذلك هذا الموضوع، حتى لا تضيع نيتي بفعل ذلك  emo (30):

يصعب عليّ تزامنا مع استرسالي في القراءة أن أضع تلخيصا للكتاب، ولذلك سأحاول وضع تعليقاتي أو اقتباساتي لفقرات مهمة بإذن الله .

والله المستعان . وأسأل الله أن يعمنا ما ينفعنا وينفعنا بما يعلمنا .

مؤيد للفكرة جدا، ومعجب بها..
وبإذن الله أتابع الموضوع وأشارككم مثل ذلك..
"وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل
لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ
سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل"
الشنفرى

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من وحي كتاب
« رد #17 في: 2014-10-26, 07:03:03 »
أهلا وسهلا ومرحبا بك يا فارس الشرق. emo (30): لكم يسعدني أخي أن تضع أيضا مما تقرأ، لنستفيد جميعا بإذن الله . وفقنا الله وإياكم لما يرضيه عنا .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

ما أكثر ما تراودنا أنفسنا !! وما أسهل ما تتلبس بنا أهواؤها ...ولولا رحمة الله بنا وفضله علينا لما استكثرت التهامنا قطعة قطعة، عافانا الله وأدام علينا ستره ....

كلما شكرنا أحدهم .... كلما مدحنا أحدهم، كلما نجحنا في عمل، كلما خالطنا الناس مخالطة الأحاديث والدنيا، إذا ما تولى أحدنا مسؤولية، أي مسؤولية كانت، بل أبسط مسؤولية، كلما اشتهر أحدهم بين الناس،
في كل هذه الحالات يشير الكتاب إشارات قوية إلى ضرورة التنبّه للنفس، وإلى ضرورة البحث عن العلاج اللازم لها لتخبو جذوة التضخم فيها، ليحطّم صنمها، ولا يُعبد من دون الله تعالى -عافانا الله-، فالعُجب باب من أبواب الشرك كما أسلفنا، وقد وصفه من وصفه بأن الرياء إشراك الناس، والعُجب إشراك النفس ولا حول ولا قوة إلا بالله .....

فلنتعلم أن نطلب من الحمادين الشاكرين أن يحمدوا الله تعالى، لأنه سبحانه صاحب الفضل والنعماء ولولا فضله ما وسع أحدنا أن ينجح في شيء، أي شيء كان ....

ولنتعلم أن نتواضع، بل إن الكاتب يدعو إلى تكلّف التواضع، حتى تتذكر النفس مكانتها الحقيقية، وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون، فلنجالس البسطاء، ولنخالطهم، ولنجالس الفقراء...

ولنذهب عن أنفسنا خواطر الإعجاب، ولندعث الهل تعالى أن يعيننا على تزكيتها، ولنستغث به تعالى، ولنبرأ من حولنا وقوتنا، ولنلجأ إلى حوله وقوته سبحانه .....

وكم يحضرني إبراهيم عليه السلام وهو يقول : "لئن لم يهدِني ربي لأكونن من القوم الضالين"
لم يعوّل على نفسه، بل لقد رأى القوة كل القوة من ربه سبحانه، والخير كل الخير منه، وأن الضلال من نفسه، فلم يركن إليها ......


فهؤلاء الصحابة وهم كالجبال الشماء الراسخة، لا يتركون حبل النفس على الغارب، بل يروضونها، ويلجمونها كلما استدعى الأمر ذلك ....

عمر بن الخطاب رضي الله عنه-وهو من هو- يخطب في الناس مرة، فيذكر لهم أنه كان يرعى الغنم لخالات له كنّ يدفعن له بقبضات التمر، ولما نزل من المنبر، قال له عبد الرحمن بن عوف: والله ما زدت على أن قمئت نفسك، فرد عليه : ويحك يا ابن عوف، إنى خلوت فحدثتني نفسي فقالت: أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك؟! فأردت أن أعرفها نفسها....!!!

وهذا حذيفة لما فرغ من صلاته بقوم قال: لتلتمسن إمامًا غيري أو لتصلن وحدانًا، فإنى رأيت في نفسي أنه ليس في القوم أفضل مني.
وهذا أبو عبيدة بن الجراح يؤم يومًا، فلما انصرف قال: مازال الشيطان بى آنفًا حتى رأيت أن لي فضلًا على من خلفي، لا أؤم أبدًا .

وكان عمر بن عبد العزيز إذا خطب على المنبر فخاف على نفسه العُجب، قطع خطبته، وإذا كتب كتابًا أعجب به مزقه، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي.


وقال بعضهم: إذا كنت تتحدث فأعجبك الحديث فاصمت، وإذا كنت صامتًا فأعجبك صمتك فتحدث

وهكذا صاروا عظماء.... هكذا عرفت العظمة عندهم معناها، وعرفت الدنيا معنى العظمة الحقيقية، عظمة القوة بالحق، لا عظمة القوة المجردة عن الحق، عظمة ترسّخ للعبودية لله تعالى ....
عظمة رأسها، وعمادها أن العبودية الخالصة لله تعالى، وأن الذل بين يديه رأس الأمر كله، ورسولنا صلى الله علهي وسلم لم يختر ملكا ولا جاها، بل اختار أن يكون النبي العبد صلوات ربي وسلامه عليه .

ولولا التربية الربانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا التربية المحمدية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان لقوي كعمر رضي الله عنه، ترجف الرجال من حضرته، وترتعد الفرائص من صوته، أن يعرف الحق في العبودية والتذلل، وأن يرجع نفسه لأصلها وهو يحكي للناس من على المنبر وهو أميرهم أنه كان يتقاضى تمرات على رعيه للغنم ..... ولما كان مثله يدخل القدس فاتحا مرقع الثياب، يتأبط نعله من المخاضة التي يغوص فيها بأقدامه، يسوق دابته التي يركبها غلامه .....!!

رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ... وصلى الله وسلم على سيدنا محمد معلم الأرض التواضع والعبودية لله ....



« آخر تحرير: 2014-10-30, 06:40:00 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"


وبفضل الله تعالى ومنّه أنهيت قراءة "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

وليست العبرة، بالقراءة، وإنهاء القراءة، ليست العبرة أبدا بكثرة الكتب، وبكثرة قراءتها، وإنما العبرة بالاعتبار، وبالتربية، وبالاتعاظ فعلا لا قولا، العبرة بأن نرى أنفسنا ونحن نقرأ لا نعود من الكتب بخفّي حُنين، وإنما نعود منها بثمار نجتنيها لحياتنا، لأفعالنا، لسلوكنا، خاصة مع أمثلة هذا الكتاب القيّم الذي يكسر "طابوه" ثقيلا، ولا يُعرض لمضوعه إلى قليلا.... يكسر حاجزا نضعه دوما بيننا وبين حقيقة أنفسنا، وبين حقيقة تفاعلاتها، وانفعالاتها، وأفعالها .....ونسوّغ لها، ونجد لها الأعذار، ونتحجج بكيت وكيْت والحقيقة تكو إرادة سطوة منها وإرادة تميّز وظهور، وانتشاء وزهوّ بفعل تأتيه، أو نجاح تحققه ..!!

كتاب يكسر فيه صاحبه أصناما حقيقية في نفوسنا، أصنام ما أبغضها إلى القلب، حينما نعلم أنها فعلا تتلبس بنا، ونحن في غفلة من أمرنا .... باسم كل شيء، باسم أي شيء، مدخل من مداخل الشيطان الرجيم اللعين، ومسرة من مسراته، والنفس تسطو على صاحبها حتى باسم الدعوة، وباسم العمل للإسلام...!!

فقد تحدّث الداعيةَ نفسُه بضخامتها وبتميزها وهو ينجح في استدرار دمع الناس، وفي تغيير حال من أحوال أحدهم، وكيف لا ؟! ولسنا بأكرم من عمر رضي الله عنه، ولا من حذيفة بن اليمان ولا من عبد الرحمن بن عوف، ولا من عمر بن عبد العزيز، ولا من ابن تيمية، ولا من الماوردي، وهم يعترفون بفعل أنفسهم في أنفسهم، ويَصْدقون مع أنفسهم، ويتفطنون للداء فيتصدون له بالدواء، بالتواضع، وبإعادة النفس لأصلها، وبتذكيرها بضعفها حتى لا تتمادى ...!!

وهذا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه وقد تفاخرت قريش عنده يومًا، قال: لكنني خلقت من نطفة قذرة، ثم جيفة منتنة، ثم آتي الميزان، فإن ثقل فأنا كريم، وإن خف فأنا لئيم.
وعندما سئل عمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بطينًا، ملوثًا في الخطايا، أتمنى على الله الأماني .


لسنا والله بأكرم منهم لندّعي أن هذا الداء بعيد عنا، داء العُجب المقيت شفانا الله منه وإياكم وعافانا من تداعياته ...

أجل يجب أن نعيش هذا العمر الذي نعيشه ونحن نسعى لتحطيم أصنامنا، أصنام أنفسنا التي تتضخم وتتضخم حتى تعود كالحجارة الصماء بعضها فوق بعض تبنى ونحن نعبدها، ونستزيد كبرها، ونحن نظن أننا نحسن صنعا ....!!!

الأمر صعب فينا، وصعب علينا إذا صدقنا مع أنفسنا، ولكن بالاستعانة بالله تعالى يمدّنا الله تعالى بفضله، وعلى قدر الاستعداد يكون الإمداد بإذن الله ....

ما أكثر ما تحدثُنا هذه اللئيمة التي ما أكرمها إلا منهج الله تعالى الذي أنزله دواء لها وترياقا، أنزله ليعرفها قدر الله وعظمته وجلاله، ونعمه وفضله واستحالة استغنائها عنه سبحانه وعن مدده، وليعرفها بالمقابل ضعفها ولؤمها، وقلة خيرها ....

يعرض الدكتور مجدي في أواخر الكتاب للتداوي من داء العُجب بالقرآن، في فصل يبين فيه ضرورة معرفة كيفية قراءة القرآن الكريم، قراءة تجعلنا نتشرب أوامره، ونواهيه، وتوجيهاته، وتربيته حق التشرب، لا قراءة حرفية تعنى بالألفاظ ولا تخترقها إلى المعاني التي تعمل في النفوس بالتغيير، يعرض لقصورنا في تعاملنا مع القرآن... وفي تربية أبنائنا على حروفه لا على معانيه وتغيّر سلوكنا به في الحياة ....

ثم يأتي إلى فصل بالغ الأهمية أذهب عني بعض الملاحظات التي ظننتها ستدوم لولا أني وقعت عليه أخيرا، وهي إزالة بعض الشبهات، وبعض الالتباسات والخلط الذي يجب أن يزال ليفهم الأمر على النحو الصحيح، ولا يفهم مجردا عن زوايا أخرى، ذلك بأن الدعوة للاعتراف بالعجب في النفس، والسعي لعلاجه، واستمداد عون الله تعالى لذلك، لا يجب أن يخلط مع الثقة بالنفس، فمعالجة العجب ليست إذهابا للثقة بالنفس، بل يجب أن تكون هذه الثقة ثقة بما يتفضل الله تعالى به على عبده من عطايا كالذكاء أو القوة، أو العلم، أو الجمال أو غيره، ثقة بأن الله تعالى هو الذي أمد العبد بها، وأنها لا تملك فعلا من ذاتها وإنما هي تعمل بمدد الله تعالى في كل حين، فلا يقولنّ أحدنا أنا أحسن من يقدم الدروس، أو أنا أكثر من يعرف مواطن التأثير في النفوس لذا سأضطلع بأمرهم...! أو أن تقول إحداهنّ ليس في المدينة من يحسن الطهي مثلي، أو أو أو .... بل أن يعزو العبد كل ذلك فيه وهو يعرفه فيه إلى فضل الله تعالى، وأن يدرك أنه لا طاقة ولا قوة له بتفعيله من ذاته لولا تفضل الله عليه في كل حين، بأن يفعّل فيه تلك الميزة أو المَلَكة ....فقد نظن أننا قادرون على فعل ما تعونا فعله، فنفاجأ بأنفسنا وهي تعجز....

كما يؤكد أن معالجة العُجب لا تنحى بالإنسان إلى ترك العمل لله، وللدين، بل عليه أن يداوم على العمل مع الناس، وعلى العمل مع نفسه، بتربية مستمرة لا تنقطع، وبتنبّه دائم لمداخل النفس وثغراتها يرمّها، ويلئم صدعها كلما أرادت هواها ونشوتها ....

نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعا على جهاد أنفسنا، وأن يثبتنا على الحق، وأن يميتنا على الإسلام وألا يجعل مصيبتنا في ديننا... إنه ولي ذلك والقادر عليه .
« آخر تحرير: 2014-10-30, 06:40:15 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب