من وحي كتاب "
الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب
نعرض للاضطراب والتخبط الذي عرفته البشرية في العناصر الثلاثة آنفة الذكر :
1-الإنسان وفطرته واستعداداتهكم أجحف الإنسان في حق نفسه، وهو يظن أنه يحسن صنعا ! لكم أجحف وهو يترك لأمثال داروين أن يقرروا أصله ! ومنهج الله الذي نزل على كل رسله لم يأتِ يوما بما أتى به هذا الرجل !
لقد كان للفصام النكد الذي عرفناه بتفصيل في كتاب سيد قطب "هذا المستقبل لهذا الدين"
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=6306.msg111608#msg111608كان لهذا الفصام بين الإنسان والدين، بين حياته والدين، بين العقل والدين، عظيم الدور في أن يأت كل متفلسف بما يهوى، ويقرّ كل واحد ما يريد أن يقرّر، هذا الفصام النكد الذي انبتّت على إثره كل صلة بين الإنسان والدين بكليته، أي دين، فلم يعد يرى في الأديان مرجعا، ولا في مناهجها سبيلا للمعرفة والنور...
ولكنّ الفطرة الإنسانية تأبى إلا أن تصرخ في يوم من الأيام العسِرة التي تجتمع عليها فيها صنوف الهموم والآلام والأسقام، فيشهد شاهد من أهلها، وعلى ألسنتهم تأتي الحقائق...!!
فالداروينيون ذواتُهم، أصبحوا يقرّون العدول عن الكثير الذي جاءت به النظريات الداروينية، ف يأصل الإنسان، مضطرين أمام الصدامات بالواقع، وبالحياة وهي تصرخ أنها من الله لا من نفسها....
فيقول عالم دارويني مثل جوليان هيكسلي أن الإنسان "حيوان خاص" !!
ثم يتأرجح الإنسان في عجلة الاضطراب البشري بالإنسان، واللهو بإنسانيته وفطرته، والعبث بخصائصه النفيسة، فيردّه مرة أخرى للحيوانية الخالصة! ويكفينا في ذلك أن نقرأ هذا :
وبظهور نظرية " داروين " بدأ الخطّار (البندول) يتأرجح عكسياً، واعتبر الإنسان حيواناً مرة أخرى.. ووصل الخطار شيئاً فشيئاً إلى أقصى مدى تأرجحه، وظهر ما بدا أنه النتائج المنطقية لفروض " داروين ". فالإنسان " حيوان " كغيره من الحيوانات. ولذلك فإن آراءه في معنى الحياة الإنسانية، والمثل العليا، لا تستحق تقديراً أكثر من آراء الدودة الشرطية أو بكتريا الباشلس! والبقاء هو المقياس الوحيد للنجاح التطوري. ولذلك فكل الكائنات الحية متساوية القيمة. وليست فكرة التقدم إلا فكرة إنسانية. ومن المسلم به أن الإنسان في الوقت الحاضر سيد المخلوقات ولكن قد تحل محله القطة أو الفأر!
!!!!!!!!!!!!!
ويبقى الرجل في تأرجحخ بين ضغط الحقائق ومقتضيات الإلحاد، فتارة يقر شيئا، وأخرى يقر عكسه، فيعود ويقول مرة أخرى وهو مضطرب، مشوّش يشي اضطرابه بضعفه وضعف أمثاله أمام الحقيقة وقوة الله تعالى في كونه :
وإن العدد والتقاليد لهي الخواص التي هيأت للإنسان مركز السيادة بين سائر الكائنات الحية.. وهذه السيادة " البيولوجية " - في الوقت الحاضر - خاصية أخرى من خواص الإنسان الفذة.
.. وهكذا يضع علم الحياة " الإنسان " في مركز مماثل لما أنعم به عليه كسيد المخلوقات.. كما تقول الأديان إنهم يتأرجحون، وهم يرون ما يميّز الإنسان عن الحيوان رأي العين، كلامه، خاصية التخيّل عنده، التفكير، التفرّد، وأجهزة الكبت والقمع عند الإنسان والتي لا توجد عند الحيوان، التوحيد النسبي لعملياته العقلية بخلاف الحيوان الذي يجزئها، وجوده في وحدات اجتماعية مثل القبيلة والحزب، والأمة ... وغيرها من خصائصه التي يتفرد بها عن كل الكائنات....
ثم م يعترفون علميا أن الإنسان بما فيه جهاز، ولكن لا يجدون جوابا على "من يدير هذا الجهاز؟" من يعلم كل خلية فيه دورها، ومسؤوليتها، وتدخّلها في حين يُحتاج تدخّلها !!
-----------------------
هذه الحقائق الأساسية الثلاثة: حقيقة أن الإنسان كائن فذ في هذا الكون. وحقيقة أن الإنسان كائن معقد شديد التعقيد. وحقيقة أن الإنسان يشتمل على عوالم متفردة عددها عدد أفراده. هذه الحقائق تقتضي منهجاً للحياة الإنسانية يرعى تلك الاعتبارات كلها. ويرعى تفرد " الإنسان " في طبيعته وتركيبه. وتفرده في وظيفته وغاية وجوده، وتفرده في مآله ومصيره. كما يرعى تعقده الشديد وتنوع أوجه نشاطه وتعقد الارتباطات بينها. ثم يرعى " فرديته " هذه مع حياته " الجماعية ". وبعد هذا كله يضمن له أن يزاول وجوه نشاطه كلها، وفق طاقاته كلها. بحيث لا يسحق ولا يكبت، كما لا يسرف ولا يفرط. وبحيث لا يدع طاقة تطغى على طاقة، ولا وظيفة تطغى على وظيفة.. ثم - في النهاية - يسمح لكل فرد بمزاولة فرديته الأصلية مع كونه عضواً في جماعة..
ولكن - نظراً لجهالتنا بالإنسان - فإن مناهج الحياة التي اتخذها البشر لأنفسهم لم تستطع - وهذا طبيعي - مراعاة هذه الاعتبارات المتشعبة المتشابكة المتفاوتة المتناسقة..
والمنهج الوحيد الذي راعى هذه الاعتبارات كلها كان هو المنهج الذي وضعه للإنسان خالقه، العليم بتكوينه وفطرته، الخبير بطاقاته ووظائفه، القادر على أن يضع له المنهج الذي يحقق غاية وجوده ويحقق التوازن في أوجه نشاطه، ويحقق فرديته وجماعيته كذلك..