المحرر موضوع: من وحي كتاب  (زيارة 38165 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
« رد #20 في: 2014-10-30, 07:15:10 »
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب

هذه المرة أبدأ بفضل الله تعالى وعونه مع كتاب "هذا الدين" للشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى وأسكنه فردوسه الأعلى... وكعادة كتابات هذا الشامخ السنيّ، يشعر القارئ له أنه يريد أن يضع كلماته كاملة، لا كلماته هو عن كلماته...!

الإسلام، وميزته وخصيصته التي يغفل عنها الناس، حتى يقعوا في خلط وتلبيس كبيرَيْن، حتى يطلق المشككون سهامهم المسمومة من كناناتهم الحاقدة، وينفخوا أوداج الغضب على من يسمونهم دعاة الرجعية، بأنّ هذا الدين الذي يريدون إعلاءه وإمضاء أمره في الناس لم يحقق لأصحابه شيئا ...!!

لم يحقق لهم ما حققه الغرب من نهضة علمية، وعمران، وغزو لفضاءات خارج حدود الأرض....!! ومن تكنولوجيا تتحرك في الأرض وتنطق  ....!!

وحتى من بني الإسلام، المتجلببين بجلباب الغرب، المتمسحين بمسوحه، المتطفلين على مائدته، الراضين بالفُتات منها على أنّ عرق المتقدمين الناهضين هو العرق النابض والعرق النقيّ، والعرق الأعلى، وأنهم وما داموا من سلالة العرب، ومن سلالة المسلمين، فإنما يكفيهم الفُتات، بل ويشرّفهم أن يقتاتوا من فُتاتِهم ...!!!

كثير من بني الإسلام، لم يعرفوا سرّ الداء، وسرّ الانحطاط، لم يعرفوا أن الداء في المسلمين لا في الإسلام... أن العلة في نفوس المسلمين لا في الإسلام ....

هذه هي النقطة الغامضة، والحلقة المفقودة.... إنهم يرقبون المشهد، ويريدون أن يروا خوارق، ومعجزات، ما دام هذا المنهج الذي يتنادى به المتنادون من عند الله، وما داموا يقولون أنه من خالق البشر، فأين الخوارق؟ وأين تحقق النصر لأصحابه، وحصول التمكين لهم في الأرض، فما دام من عند الله، ما باله وهو من عند الله لا يحقق هذا ؟ وكأنه العصا السحرية، والفاعل الخارق الذي لا يتك أصحابه هملا ؟!!!

هكذا يحسبون الإسلام.... هكذا يظنون فعله في أصحابه، ويغفلون أنما حركته وفعله متأثران بالطاقة البشرية وبالبيئة المادية التي يحياها الناس، هكذا ٍأراد الله لهذا الدين، هذه خصيصته، أن يطبقه ويفعّله البشر، بطاقاتهم البشرية، متأثرا بالفطرة وبالبيئة، فإن فقهه أصحابه، وسعوا له وبه سعيهم، وجاهدوا لإعلائه، مكنهم الله، وأجرى الخير على أيديهم، ونصرهم، وأيدهم ....

وهذا مصداق قوله تعالى : "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)"-العنكبوت- ، وهذا مصداق قوله تعالى : "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " -الرعد-، وهذا مصداق قوله تعالى : "ولينصرنّ الله من ينصره"

هو الله سبحانه، شاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد والرغبة في الهدى، وشاء أن تعمل فطرة الإنسان دائما، وألا تعطّل، "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)" ....

وإن سؤال أحد من خلق الله "لماذا لا يحقق الدين لأهله ما يريدون؟ ولماذا تكون نتائجه بجهد بشري؟"، إنما هو سؤال لا يسأله مؤمن، عارف بعظمة الله تعالى، وبحكمته، وبإرادته، ولا يسأله ملحد، لأنه أولا وأصلا لا يؤمن بوجود إله، فإن هو سأل عن سر مشيئة الله في هذا، فقد اعترف بالله، وإن هو اعترف به لم يبق له أن يشك في قدرته وحكمته، ولكن يسأله هازل مائع، ومن ثم لا يجوز الاحتفال بسؤاله، أو قد يسأله جاهل بحقيقة الألوهية وخصائصها، والسبيل إلى جواب مثله ليس الجواب على سؤاله بل أولا بتعريفه بخصائص الألوهية، وبعدها فإما ينقلب مؤمنا أو ينقلب ملحدا منكرا لله وخصائصه...

وعلى هذا فليس لأحد أن يسأل الله عن إرادته وحكمته من خلق الإنسان بفطرة تتفاعل مع هذا المنهج، ولا يطبق إلا وفقها، ومع الجهد البشري ....فهو سبحانه يَسأل ولا يُسأل عما يفعل...

فكيف يتحقق هذا المنهج بالجهد البشري ؟
إنما يتحقق إذا حملته جماعة، واجتهدت في تطبيقه فيها، وف ينفوس الآخرين، وجاهدت لأجله الصادّين، وفي هذا تفصيل جميل لاحقا بإذن الله أضع عنه
« آخر تحرير: 2014-10-30, 07:18:55 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
« رد #21 في: 2014-10-31, 11:36:18 »
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب


لا يتحقق الإيمان بهذا المنهج إلا عندما يجاهد الإنسان من أجله الجاهلية الت تحيط به...

منهج متفرّد


قد يسأل سائل وهو يعرف هذه الخصيصة ف يالإسلام، وف يمنهج الله تعالى الذي يتحقق بالمجهود البشري وتاؤما مع الفطرة الإنسانية، ما الفرق بينه إذن وبين باقي المناهج البشرية التي تتحقق بالمجهود البشري؟ وما ميزته عليها ؟

أولا: ملزمون بتحقيق معنى "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، والتي من أهم معانيها أن نقر أنه لا منهج للناس ولحياة الناس إلا منهج خالقهم، ولا حاكمية عليهم، إلا لله تعالى، وأن من يحيد عن ذلك ويقبل بتطبيق منهج البشر على البشر بدل منهج خالقهم، فإنه لم يحقق معنى لا إله إلا الله...فلا منهج يليق للبشر وينفعهم غير منهجه، ولا حكم لغيره...

ثانيا: هو المنهج الوحيد الذي يحقق فعلا كرامة الإنسان، ويمنح الحرية، ويطلق الإنسان من العبودية إلا لله تعالى، فلا سلطة لبشر على بشر، وإنما السلطة لأمر الله ولمنهج الله ...وقد أشار الله تعالى لذلك في قوله :"اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31)" ، ولما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسمل أنهم لم يعبدوهم، أجابهم أنهم كانوا يحلون لهم الحرام، ويحرمون عليهم الحلال، وتلك عبادتهم لهم....وهذه خاصية لله تعالى وحده ....

ثالثا: هو المنهج الوحيد المبرأ من الهوى، والضعف، والنقص، والمحاباة... هو منهج جاء لخير كل البشر، لخير طائفة دون أخرى، ولا لإعلاء طائفة دون أخرى ....فالتشريع البشري الذي يضعه أحدهم يستحيل أن يتجرد من الهوى والميول، منهج الله يحقق العدل الشامل الكامل .

والضمانات التي تحقق بها الجماعة المسلمة العدل بمنهج الله تعالى هي الضمير المسلم، والإيمان بالمنهج، وأن النصر والتمكين والإعلاء يكون للمسلمين على قدر وفائهم لهذا المنهج وسعيهم لتطبيقه وإمضائه في الحياة الدنيا ...."...وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)"-الحج-


رابعا: هو المنهج المبرأ من الجهل، والنقص، فهو المنهج الذي يحيط بكل حيثيات البشر، ولا يترك شاردة ولا واردة من أمور حياة الإنسان، وتفاعلاته، وحالاته إلا راعاها في هذا المنهج، وراعى الفطرة، وراعى ضعف الإنسان، وهو الذي فيه المعرفة الإلهية الكاملة بضعف النفس ومداخلها ومخارجها ...وما من أحد من البشر مهما كانت عبقريته يعلم علم الله المطلق، ويحيط بما يحيط به الله تعالى .

خامسا: هو المنهج الذي يفسر أشمل وأكمل تفسير غاية وجود الإنسان.

سادسا: هو المنهج الذي يتناسق مع نظام الكون، ولا يترك الإنسان في صراع معه، والإنسان حين يخرج بنظام حياته عن ناموس الكون، لا يتصادم مع الكون فحسب، بل مع فطرتهفيشقى ويتمزق، ويحتار ويقلق...
"ولقد أحرزت انتصارات باهرة في كشوف الفضاء، والأقمار الصناعية، ومحطات الهواء. ومراكب الفضاء... وما تزال في الطريق...
ولكن ما أثر هذا كله في حياتها؟ ما أثره في حياتها النفسية! هل وجدت السعادة؟ هل وجدت الطمأنينة؟ هل وجدت السلام؟ كلا! لقد وجدت الشقاء والقلق والخوف... إنها لم تتقدم كذلك في تصور أهداف الحياة الإنسانية، وغاية الوجود الإنساني. وحين يقاس تصور الرجل "المتحضر" لغاية وجوده الإنساني، إلى التصور الإسلامي لهذه الغاية، تبدو الحضارة الراهنة لعنة تنحط بالشعور الإنساني إلى الحضيض، وتصغر من اهتماماته وأشواقه وإنسانيته كلها!.
"


منهج ميسّر


قد يقول قائل، أن هذا المنهج مثالية لا تُستطاع، ولا تطيقها البشرية طويلا، وأكبر دليل على ذلك، انفلاتها منه سريعا، ومن هؤلاء الماكرون الحاقدون الذين يجدون في الفتنة وبداياتها بقتل عثمان رضي الله عنه مادة خصبة لإذكاء نار شبهاتهم ....ويذكر سيد قطب رحمه الله، في معرض هذا انسياق بعض المخلصين الحزانى على ذهاب عزّ الإسلام وراء مثل هذه الدعاوى....

ويفنّد هذه الدعوة، بأن هذا المنهج أولا لا يكلف النفس البشرية جهدا فوق ما تطيق، بل لقد وضع وفق طاقة البشر، ووفق الفطرة التي فطر الإنسان عليها، وأنه يعرف طريقه إلى رضيد الفطرة المذخور، هو نظام يعرف كل مداخل النفس، ويعرف حدود طاقتها فلا يتجاوزها البتة....وأنه إذا ما استقامت النفس مع فطرتها، وحين تطلق طاقاتها للعمل، تجري مع الحياة ف يسر وهي تجد الاستواح والطمأنينة والأمان ....

أما عن الذين يستثقلون "أخلاقية" هذا المنهج، ويرونها حملا، وقيدا، وكبحا، فإنما هذه القيود التي يرونها، هي في أصلها قوة بناءة، لأن الإنسان في أصله خير، وغير ذلك الخير فيه، من رذيلة وصفة شائنة إنما هي الطارئة على فطرته السليمة التي أصلها خير "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(6)"-التين-

وحتى ما يبدو كوابح وقيودا، إنما هي في حقيقتها، تحرير، وإطلاق من الإسار، من إسار عبودية النفس، والهوى إلى السيطرة على الشهوات، والأهواء، والتحكم بالنفس ...فإطلاق عنان الشهوة الجنسية مثلا بلا قيد، حيوانية تضع الإنسان في أسر حيوانيته، بينما ضبطها هو التحرر والانطلاق من قيود الهوى ....والإسلام يعتبر الذنوب والآثام أغلالا تهبط بالنفس إلى الدركات وتخلطها بالوحل...

ويتيسر الأمر على المسلم حينما يعيش في وسط يطبق الإسلام، ويدين بالطاعة والتسليم لمنهج الله تعالى، فتعود الرذيلة شاذة منبوذة، وتصبح الفضيلة والرفعة والسمو الأخلاقي عادة وطبعا وبديهة

أما المناهج البشرية التي سمتها الضعف، والهوى، والجهل، والنقص، فهي التي شقيت بها البشرية، وهي التي حتى إن أعطت حلولا، أعطتها جزئية، لا شمولية، فتعالج لتكون داء جديدا، ثم تبحث للداء الجديد عن علاج جديد، يصنع هو الآخر داء جديدا.... وهكذا هي هذه الدائرة المغلقة الت يصنعها البشر للبشر ....

أما أهم ما أشار إليه سيد قطب، في هذا المضمار، فهو أن هذا المنهج لا يعتسف الطريق، ولا يتسرع، ولا يلغي المسافات، ولا يلغي الخطوات...

"أما المنهج الإسلامي فيسير هيناً ليناً - مع الفطرة - يوجهها من هنا، ويذودها من هناك، ويقومها حين تميل. ولكنه لا يكسرها ولا يحطمها ولا يجهدها كذلك. إنه يصبر عليها صبر العارف البصير، الواثق من الغاية البعيدة المدى، الأكيدة التحقيق... والذي لا يتم في الجولة الأولى يتم في الجولة الثانية، والذي لا يتم في الجولة الثانية يتم في الجولة الثالثة... أو العاشرة... أو المئة... أو الألف! كل ما هو مطلوب هو بذل الجهد والمضي في الطريق!.
وكما تنبت الشجرة الباسقة، وتضرب بجذورها في أعماق التربة، وتتطاول فروعها وتتشابك... كذلك ينبت هذا المنهج في النفس والحياة. ويمتد في بطء، وعلى هينة... وفي ثقة وطمأنينة... ثم يكون ما يريد الله أن يكون..
إن الإسلام يلقى بذوره، ويقوم على حراستها؛ ويدعها حينئذ تنمو نموها الطبيعي الهادئ وهو واثق من الغاية البعيدة.. ومهما يحدث من البطء أحياناً، ومن التراجع أحياناً، فان هذا شأن الفطرة.. والزارعة قد تسفى عليها الرمال… وقد يأكل بعضها الدود.. وقد يحرقها الظمأ. وقد يغرقها الري. وقد تصاب بشتى الآفات … ولكن الزارع البصير يعلم أنها زرعة للبقاء والنماء، وأنها ستغالب الآفات كلها على المدى الطويل. فلا يعتسف، ولا يقلق. ولا يحاول أن ينضجها بغير وسائل الفطرة الهادئة اليسيرة... ومن ثم يصاحبها اليسر، وتسهل تكاليفها على النفوس..
"

ثم يؤكد مكر وخبث القول بأن البناء الذي أقامه هذا المنهج في الأرض لم يدم طويلا، بل إنه قد قام في غضون أقل من قرن، وثبت لقرون طويلة بعده ....رغم كل ما تهدده من كيد الكائدين وغيظ المغتاظين، ومكر الماكرين.....

نعم إنه كانت هناك فترة فارعة في تاريخ هذا المنهج - وفي تاريخ البشرية كله - ظلت تتراءى في التاريخ البشري كله، كالقمة السامقة، تتطاول إليها الأعناق، وتتطلع إليها الأنظار؛ وهي في مكانها السامي هناك!.
.... وهي فترة قصيرة فعلاً ....
ولكن هذه الفترة ليست هي كل العهد الإسلامي... إنما هي منارة أقامها الله، لتظل البشرية تتطلع إليها، وتحاول ان تبلغها كذلك؛ وتتجدد آمالها في بلوغ القمة السامقة، وهي تدرج إليها في المرتقى الصاعد. ويقسم الله لها ما يقسم من المدارج في هذا المرتقى. وهي تتطلع دائماً إلى المنارة الهادية!.
حقيقة ان هذه الفترة لم تكن وليدة معجزة لا تتكرر، وأنها كانت ثمرة الجهد البشري الذي بذلته الجماعة المسلمة الأولى، وأنها ممكنة التحقيق حين يبذل مثل ذلك الجهد مرة أخرى...
ولكن هذا الجهد الذي بذلته طائفة مختارة من البشر، قد يكون مرصوداً لكثير من الأجيال البشرية القادمة - لا لجيل واحد - وقد يكون تحقيق تلك القمة الفريدة في ذلك الجيل الواحد، قدراً من أقدار الله، لكي يقوم هذا النموذج في صورة واقعية تمكن محاولتها ، وتمكن معرفة خصائصها ... ثم يترك للبشرية بعد ذلك في أجيالها المتتابعة، ان تحاول بلوغها من جديد.
وقد ظل المنهج يؤدي دوره، فيما بعد هذه الفترة، في مساحات واسعة من الحياة البشرية، وظل يفعل في تصورات البشرية وتاريخها وواقعها أجيالاً طويلة؛ وترك من ورائه آثاراً وتيارات في حياة البشرية كلها، لعلها هي التي تجعلنا نأمل اليوم، في إمكان البشرية ان تتطلع إلى المحاولة من جديد.




« آخر تحرير: 2014-11-02, 10:21:30 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
« رد #22 في: 2014-10-31, 12:02:00 »
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب.

منهج مؤثر


جيل من الرجال العظماء الذين أقاموا هذا المنهج في الأرض، جيل يخيل للذي يقرأ عنه، أنه الوهم والخيال، لولا أنه الحقيقة والمثال، وعلى قدر ما كان ذلك الجيل جيلا سامقا، ارتفع به المنهج كما ارتفع هو به، بقدر ما فيه من أمل وحافز ودافع لكل الأجيال لأن تعمل على العودة لتلك القمة من جديد، لأنه كان جيلا من البشر الذين عاشوا حياة البشر، وأصابوا وأخطؤوا، وارتفعوا، وزلوا....

"ولقد انبثق ذلك الجيل الفارع العظيم، من قلب الصحراء، الفقيرة الموارد، المحدودة المقدرات الطبيعية والاقتصادية والعلمية... وعلى كل ما كان في هذه البيئة من الموافقات المكونة لهذا الانبثاق الهائل العجيب، فان البشرية - اليوم وغداً- ليست عاجزة بفطرتها، ولا عاجزة بمقدراتها، أن تنجح مرة أخرى في المحاولة، إذا هي اتخذت ذلك المنهج قاعدة لحياتها.
ولقد ظل هذا المنهج - على كل ما ألم به على مدى الزمن من انحرافات ومن خصومات ومن هجمات - يبعث بنماذج من الرجال، فيها من ذلك الجيل الأول الفارع مشابه، وفيها منه آثاراً وانطباعات... وظلت هذه النماذج تؤثر في الحياة البشرية تأثيرات قوية، وتؤثر في خط سير التاريخ البشري، وتترك من حولها ومن ورائها تيارات ودوامات هائلة تطبع وجه الحياة، وتلون سماتها.
وما يزال هذا المنهج قادراً في كل حين، على ان يبعث بهذه النماذج، كلما بذلت محاولة جدية في تطبيقه وتحكيمه في الحياة. على الرغم من جميع المؤثرات المضادة، وعلى الرغم من جميع المعوقات من حوله وفي طريقه.
والسر الكامن فيه هو تعامله المباشر مع الفطرة؛ واستمداده المباشر من رصيدها المكنون. وهو رصيد هائل، ورصيد دائم. وحيثما التقى مع هذا المنهج تفجرت ينابيعه الثرة، وفاض فيضه المكنون!.
"

والإسلام لا يغفل المؤثرات المحيطة التي تعمل على قهقرة المبادئ والقيم والموازين التي حددها المنهج الإلهي، ولكنه لا يجعلها الواقع الذي لا يُقاوَم، وإنما يعمل على استنهاض مكنونات الفطرة، وإطلاق قدراتها، وإخراجها من تحت الركام الذي ينحطّ عليها ...إنه يعمل على استثارة رصيد الفطرة...

بل إن الفطرة البشرية هي الواقع الذي لا يستقيم مع الواقع الظاهري الذي يقول الكثيرون بالاستسلام له، على خلاف المنهج الرباني الذي ليس فيه ما يدعو للاستسلام له، بل فيه دوما من المقومات والمكونات ما يجعله أقوى منه، لأنه هو الحقيقة، وما عداه الطارئ، الدخيل ....

"وقد حدث هذا مرة يوم واجه ذلك المنهج الإلهي "واقع" الجزيرة العربية، وواقع الأرض كلها. فانتصر على هذا الواقع انتصاراً رائعاً، وبدل قوائمه التصورية والعملية، وأقامه على أسس جديدة.
وهذا الذي حدث لم يتم بمعجزة خارقة لا تتكرر. ولكنه تحقق - وفق سنة الله الدائمة- بجهد بشري، وفي حدود الطاقة البشرية... فدلت هذه السابقة على إمكان تكرار هذه الظاهرة.
فما بال إذا كانت التيارات التي أطلقتها تلك الفترة، والرواسب التي خلفتها، في حياة البشرية، وفي الواقع التاريخي، كلها عوامل مساعدة في المحاولة الجديدة؟
"


ويشير إلى أنه قد استقر في تاريخ البشرية قيم وموازين ومبادئ، البشرية اليوم تنكر أصلها الذي هو هذا المنهج الرباني الأصيل، وقد تكون جاهلة بأصلها، بينما تجدها اليوم تقرّها من بعد ما رفضتها أول قيامها ....وبالتالي فهي اليوم مهيأة أكثر من قبل لتحمّل هذا المنهج، ولتقبله، لأن لديها منه رصيدا واقعيا لم تستطع فكاكا من الاعتراف بسلامته وبأنه كان الأجدى لها والأنفع.....

رصيد الفطرة


كيف استطاع رجل واحد. محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم… أن يقف وحده في وجه الدنيا كلها، أو على الأقل في وجه الجزيرة العربية كلها في أول الأمر ؟ أو على الأقل في وجه قريش سادة العرب كلهم في منشأ الدعوة؟ وأمام تلك العقائد والتصورات، والقيم والموازين والأنظمة والأوضاع، والمصالح والعصبيات، ثم ينتصر على هذا كله، ويبدل هذا كله؛ ويقيم النظام الجديد، على أساس المنهج الجديد، والتصور الجديد؟
انه لم يتملق عقائدهم وتصوراتهم، ولم يداهن مشاعرهم وعواطفهم، ولم يهادن آلهتهم وقيادتهم.. لم يتمسكن حتى يتمكن... انه أمر ان يقول لهم منذ الأيام الأولى، وهو في مكة، تتألب عليه جميع القوى: " قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد، لكم دينكم ولي دين "..
فلم يكتف بان يعلن لهم افتراق دينه عن دينهم، وعبادته عن عبادتهم، ومفاصلتهم في هذا مفاصلة كاملة لا لقاء فيها. بل أمر كذلك ان ييئسهم من إمكان هذا اللقاء في المستقبل. فكرر عليهم: " ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد "... وباطراد المفاصلة في هذا الأمر، الذي لا التقاء فيه! " لكم دينكم ولي دين ".
وهو كذلك لم يبهرهم بادعاء ان له سلطاناً سرياً، ولا مزايا غير بشرية ولا موارد سرية. بل أمر ان يقول لهم: " قل: لا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول لكم إني ملك. ان اتبع إلا ما يوحى إلي "... (الأنعام: 50)
ولم يوزع الوعود بالمناصب والمغانم لم يتبعونه، حين ينتصر على مخالفيه: قال ابن إسحاق: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على القبائل في الموسم - موسم الحج- يقول: "يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وان تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي، وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به".


لم يكن نجاحه صلى الله عليه وسلم عائدا للخوارق، بل لأن هذا المنهج الذي نزل عليه من عند الله تعالى تعامل مع رصيد الفطرة، رصيد ضخم هائل، لا يغلبه الواقع الظاهري مهما بدا قويا، وصعبا، وذلك حين يستنقذ رصيد الفطرة ويجمّعه ويوجّهه لطريق مرسوم .

"واستمعت الفطرة الى الصوت القديم،الذي يخاطبها من وراء ركام الواقع الثقيل،في التيه العريض.وثابت الى الهها الواحد.وانتصرت الدعوة الجديدة على الواقع الثقيل!
وعندما ثاب الناس الى إله واحد.امتنع ان يعبد الناس الناس ووقف الجميع رافعي الرؤوس امام بعضهم البعض.يوم انحنت كل الرؤوس للإله الواحد القاهر فوق عباده. وانتهت اسطورة الدماء المتفاضلة، والأجناس المتفاضلة، ووراثة الشرف والحكم والسلطان... ولكن كيف وقع هذا ؟
"

استمعت الفطرة الى الله - سبحانه- يقول للناس جميعاً. " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر هو أنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. ان اكرمكم عند الله أتقاكم "... [الحجرات:13]
واستمعت اليه -سبحانه- يقول لقريش خاصة: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "... [البقرة:199]
واستمعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول للناس جميعاً: " يا أيها الناس. ان ربكم واحد، وان اباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. ان اكرمكم عند الله اتقاكم. وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على ابيض ولا لأبيض على احمر فضل الا بالتقوى ". واستمعت إليه يقول لقريش خاصة:
" يا معشر قريش.. اشتروا أنفسكم، لا أغنى عنكم من الله شيئاً، ويا بني عبد مناف لا اغنى عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب، ما اغنى عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي ، لا اغنى عنك من الله شيئاً ". [متفق عليه]
استمعت الفطرة الى النداء المستجاب، وأزاحت عنها ركام "الواقع" وانطلقت مع المنهج الإلهي.. ووقع ما وقع وفق سنة الله المطردة، القابلة للوقوع في كل حين.

« آخر تحرير: 2014-11-02, 10:21:48 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
« رد #23 في: 2014-11-01, 10:09:26 »
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب

عرفنا من الكتاب رصيد الفطرة، ومعناه، وهو ذلك الرصيد المذخور فيها، الذي يفهمه منهج الله تعالى، فيستنقذه من ركام الجاهليات، ويوجهه، ويرسم له الطريق، رصيد الفطرة الذي غلب به رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدايات الدعوة كل التيارات المعادية على وجه الأرض، فلم تكن الجزيرة العربية وحدها تستغرب هذا المنهج وترفضه، بل كل الأرض كانت ترفضه، لأنها كانت ترسف في أغلال الظلم والفحشاء والرذيلة، وانتكست فطرتها....

هذا ما اعتمد عليه هذا المنهج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مبلّغه في عمله في النفوس، وفي الأرض، وفي تصدّيه لكل المترصدين للدعوة...

أما اليوم، فالبشرية أقدر ما تكون على تحمّل المنهج، وتفهّمه وتطبيقه، وقبوله، أقدر منها يوم جاءها أول مرة، لأنها اليوم تستند إلى عاملَيْن بدل عامل واحد، تستند إلى رصيد الفطرة وإلى رصيد التجربة سواء ....

رصيد التجربة

لم يعد الإسلام بتعاليمه، وقيمه وموازينه غريبا على البشرية، بل لقد عرفته، نعم لم يعتلِ المسلمون قمة سامقة في البشرية كالتي اعتلاها رجال الإسلام الأوائل، عندما تهيّأت على الأرض جماعة صدقت الله تعالى، فصدقها الله، جماعة تهيأت بضميرها المستيقظ الذي كان على أعلى درجات الوفاء لمنهج الله تعالى، حكّمه في حياته حق التحكيم، في كل صغيرة وكبيرة، فقوي به، واعتز به، وجاهد به ولأجله، وفتح الأمصار والبلاد للإسلام ....ودخل الناس في دين الله أفواجا ....

نعم لم تُبلغ القمة السامقة إلا في عهد أولئك الأوائل العظماء، ولكن أيضا لم تذهب ريح الإسلام، بل لقد اعتلى قمما أدنى منها بأشكال متفاوتة عبر العصور الموالية لعصر الصحابة والتابعين، ولم ينطفئ نور الإسلام، وقيّض الله له في كل مرحلة من مراحل البشرية رجالا كانوا على شاكلة الأوائل، عملوا للدين، وربوا جماعات فاعلة....

ترك الإسلام أثره في الأمم والشعوب المختلفة، مرت البشرية بتجربته، وتأثرت بنوره، وقد كتب الغربيون أنفسهم شهادات تبين تأثير الإسلام حتى في معتقداتهم، فيورد سيد قطب رحمه الله شيئا من شهادة أحد كتاب الغرب عن قسيسين مسيحيّين كانوا يرفضون الصور، والتمثيل، ويرون فيها وثنية، كما أنّ منهم من فسر التثليث على نحو يقارب التوحيد، وكل ذلك تأثرا بالحضارة الإسلامية، لأن أولئك اختلطوا بالمسلمين في الأندلس ....

من أوجه التأثيرات التي خلّفت معاني وقيم جديدة على أوروبا، أنكرتها ابتداء، ثم قبلتها، وتبنّتها، وادّعت أنها صانعتها، ما سمته "حقوق الإنسان"، بينما كانت غارقة في التفريق، والطبقيّة، واعتبار جنس أحسن من جنس، والسيد هو السيد وهو الإنسان، وغيره عبد لا حقوق له ولا قيمة، عرفت كرامة الإنسان من نداءت القرآن :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)"-الحجرات-

« آخر تحرير: 2014-11-02, 10:22:19 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
« رد #24 في: 2014-11-02, 11:14:30 »
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب

عرفت البشرية كرامة الإنسان والمساواة، و"حقوق الإنسان" من الإسلام، وتركها فيها أثرا، وهي التي رفضته أول ما جاء، ورفضت قيمه وموازينه، عادت وقبلتها، بل وتبنّتها ونسبتها لها ....

"وحادثة ابن القبطي الذي سابق ابن عمرو بن العاص، فاتح مصر وواليها فسبقه فضربه ابن عمرو، فشكا أبوه الى عمر بن الخطاب - رضى الله عنه- فأقصه منه في موسم الحج وعلى ملأ من الناس... حادثة معروفة.
وقد اعتاد الكتاب ان يقفوا فيها عند عدل عمر.. ولكن الحادثة اوسع دلالة على ذلك التيار التحرري الذي أطلقه الإسلام في ضمائر الناس وفي حياتهم. فمصر اذا ذاك بلد مفتوح، حديث عهد بالفتح وبالاسلام. وهذا القبطي لم يزل على دينه، فرداً من جماهير البلد المفتوح. وعمرو بن العاص هو فاتح هذا الإقليم، وأول أمير من قِبل الإسلام... وحكام هذا الاقليم قبل الفتح الإسلامي هم الرومان: أصحاب السياط التي تجلد ظهور شعوب المستعمرات! ولعل ذلك القبطي كان ما يزال ظهره يحمل آثار سياط الرومان!.
ولكن المد التحرري الذي أطلقه الإسلام في أنحاء الأرض، أنسى ذلك القبطي سياط الرومان وذلها، وأطلقه إنساناً حراً كريماً؛ يغضب لأن يضرب ابن الأمير ابنه، بعد اشتراكهما في سباق، وهذه أخرى، ثم تحمله هذه الغضبة لكرامة ابنه الجريحة على ان يركب من مصر الى المدينة، لا طيارة ولا سيارة ولا باخرة ولا قطاراً، ولكن جملاً ، يخب به ويضع الأشهر الطوال، كل ذلك ليشكو إلى الخليفة... الخليفة الذي حرره يوم فتح بلده تحت راية الإسلام! والذي علمه الكرامة بعد ان نسيها تحت وقع سياط الرومان!.
وهكذا ينبغي أن نفهم، وأن ندرك عمق المد الإسلامي التحرري فليست المسألة فقط أن عمر عادل؛ وأن عدله لا تتطاول إليه الأعناق في جميع الأزمان ولكن المسألة بعد ذلك أن عدل عمر - المستمد من الإسلام ومنهجه ونظامه- قد انطق في الأرض تياراً جارفاً محرراً مكرماً للإنسان... بصفته "الإنسان"...
"

هذا كله من رصيد التجربة. لقد استوى المجتمع الإسلامي ألف عام على قمم مختلفة، ليست هي قمته السامقة الأولى، ولكنها كانت أرقى وأعلى مما كانت عليه كل مجتمعات البشرية من حوله، وكانت تلك المجتمعات كلها تستمدّ من ذلك المجتمع الرفيع، الراقي ...

"إن حركة الإصلاح الديني، التي قام بها مارتن لوثر وكالفن في أوربا. وحركة الإحياء التي تقتات منها أوربا حتى اليوم- وحركة تحطيم النظام الاقطاعي في أوربا، والانطلاق من حكم الأشراف. وحركة المساواة واعلان حقوق الانسان التي تجلت في الماجنا كارتا في انجلترا والثورة الفرنسية في فرنسا. وحركة المذهب التجريبي التي قام عليها مجد أوربا العلمي، وانبعثت منها الفتوحات العلمية الهائلة في العصر الحديث... وأمثالها من الحركات الكبرى، التي يحسبها الناس أصولاً في التطور التاريخي... كلها قد استمدت من ذلك المد الاسلامي الكبير، وتأثرت به تأثراً أساسياً عميقاً..."

كما أن الحركة العلمية التجريبية الأوروبية التي أحدثت انقلابا عظيما في أوروبا استُمدّت من علماء المسلمين، والغرب أنفسهم يشهدون بذلك، ويوعزون العلم التجريبي للمسلمين، بل يدينون لهم بوجود العلمه ذاته، فاليونان قديما وضعوا نظريات، وعمموا، ولكن المسلمين هم الذين ابتكروا أساليب البحث في دأب وأناة، وقاموا بجمع المعلومات الإيجابية وتركيزها، والملاحظة الدقيقة، والبحث التجريبي.

وهذا كله رصيد تجربة تركته هذه الظاهرة العظيمة الفريدة في الكون ... "الإسلام" ...
وعلى هذا فإن للبشرية اليوم رصيدَيْن بدل واحد، رصيد الفطرة، ورصيد التجربة، مما يؤهلها أكثر من أي وقت مضى للعودة لتلك القمة السامقة التي يضعها فيها المنهج الإلهي الذي يلائم الفطرة، ويستحثها لتنهض وتؤدي ما عليها ....

والإسلام قد ترك خطوطا مستقرة، من أهمها أيضا النظام الذي حدّد به أن البلاد التي تطبق الإسلام دار إسلام، وغيرها دار الحرب، دون اعتساف ولا اعتداء ولا طغيان، بل بأنظمة محددة، بمعاهدات، وموادعات، وشروط وقوانين تراعي السلام قبل الحرب، وحتى الحرب في الإسلام لها قوانينها وشرائعها، وضوابطها، حرب لا تهتك الأستار، وليس هدفها الدمار، بل هدفها الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، ومداواة الأرض بدين الله، وهي حرب لا تخلط حابلا بنابل، بل حرب على من يحمل السلاح في وجه المسلمين ولا تخلط في ذلك امرأة أوطفلا أوعجوزا، ولا حتى عابدا في صومعته، ولا شجرا .... حرب راقية، نظيفة، حرب على الطغيان وعلى الطاغوت، وعلى مسالك الشيطان، وليست حربا على الإنسانية ....
على عكس ما عليه حال الأمم اليوم، تلك الأمم التي تعلمت من الإسلام كيف تقنّن لإبعاد شريعة الغاب بالقوانين الدولية الوضعيّة، ولكنها شردت، وضلت، وأصبح لحروبها غايات استلائية، وحيوانية، وهمجية ....ومصالح الدول الكبرى هي التي تراعى وحدها، وما عداها يُسام الدمار والهلاك ...

--------------

ثم أحب أن أشير إلى كلمة الشهيد سيد قطب رحمه الله في بحثه المهم هذا، كلمته الأخيرة التي ضمنها إشارات بالغة الأهمية والدقة، حيث نبّه إلى أنه رغم ما أسلف من قدرة البشرية اليوم أكثر من أي وقت مضى لاحتضان منهج الإسلام اعتمادا عى رصيد الفطرة، ورصيد التجربة، إلا أن الموضوعية والحكمة تقتضي الاعتراف بأن جاهلية هذا العصر أشد وطءا من الجاهلية الأولى، ذلك أن الجاهلية الأولى كانت سِمتها السذاجة والفتوّة، أما جاهلية اليوم، فهي جاهلية علم، وتعقيد واستهتار، بمعنى أنها جاهلية جعلت من العلم إلها معبودا، ومن الدين عدوا للعلم، فسارت في طريق العلم، لا تلوي على الروح وعلى غذاء الروح، لا توازن بين غذاء العقل، وغذاء الروح، بل تشبع العقل وحده، وتُظمِئ الروح لغذائها الأصيل ....فالجاهلية القديمة بفتوّتها رغم ما تثيره من متاعب للعودة بها إلى الحق، إلا أن المعركة معها كانت مكشوفة، كانت الفطرة قريبة تلبي وتجيب، من وراء الكبرياء والعناد، وهذا كله خير من جاهلية الميوعة والاستهتار، واللامبالاة بكل عقيدة، جاهلية النفاق، والكيد والاحتيال.

ثم قد أعجبتني جدا جدا تلك الموازنة التي عَرَض إليها رحمه الله، في ملاحظة دقيقة وضعها، في الحقيقة أذهبت عني شخصيا رأيا كنت أراه في كتابات الشهيد، وعرفت منها تحديدا، كيف أنه لا يلغي دور المسلمين في العلم، ولا تلجئه قفزات الغرب العملاقة فيه، إلى القول بأن دور المسلمين بذلك سيقصر على علاج البشرية من أدوائها الروحية، لا غير، دون تطرقها للدور العلمي ....
من هذه الملاحظة الدقيقة، عرفت الموازنة التي في فكر الشهيد رحمه الله، والتي تبرئه من اتهامات كثيرة يلقي بها الذين لا يحسنون قراءة كلامه، ويجعلون منه داعيا فقط لدور للمسلم دون دور، وهنا أورد كلماته تحديدا :

"والحياة الدنيا قد اتسعت رقعتها في حس الناس وواقعهم! اتسعت رقعتها بما استحدثته الحضارة من وسائل الحياة والمتاع والاستقرار في الأرض، وأحس الناس بضخامة هذه الحياة في واقعهم وفي مشاعرهم سواء. وأضافت العلوم والثقافات والفنون والهوايات مساحات ضخمة الى رقعة الحياة في واقع الناس وفي مشاعرهم سواء!.
ولو قام هذا كله على أساس من المعرفة بالله، وبخصائص الألوهية وخصائص العبودية، وعلى أساس من الحقيقة العميقة: حقيقة أن الله هو الذي استخلف الانسان في الأرض، وسخر له ما فيها، وزوده بالمواهب والاستعدادات التي تعينه على الخلافة، وتيسر له طيبات الحياة كلها... وانه مبتلى في هذا كله ليحاسب في الآخرة على ما قدم في حياته الدنيا.
لو قام هذا كله على هذا الأساس الصحيح، لكانت هذه المساحات الجديدة التي أضافها العلم وأضافتها الحضارة، لرقعة الحياة في واقع الناس ومشاعرهم... مساحات تضاف إلى رقعة الإيمان، وتزيد الناس قرباً من الله ومنهجه القويم الممثل في الإسلام.
ولكن هذا كله انما قام على أساس الهروب من الكنيسة الطاغية ومن الهها الذي تستطيل به على الناس! فكانت هذه الاضافة الى رقعة الحياة مبعدة عن الله، وعقبة في الطريق اليه، ينبغي أن يحسب حسابها الدعاة!.
"
« آخر تحرير: 2014-11-02, 11:34:01 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب.

وهكذا، لا يُشبع من كنوز الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى، من "هذا الدين" الذي أجلى فيه الكاتب خصيصة الإسلام، وخيصة المنهج الرباني الحكيم، متمثلة في إرادة الله تعالى تحقيق منهجه عن طريق البشر، وبالجهد البشري، متوافقا مع الفطرة، مستنقذا إياها من ركام الواقع المحيط بها، راسما لها طريقها، دافعها إلى العمل .

انتقلت منه إلى كتاب آخر له عنوانه "المستقبل لهذا الدين"، لما رأيت من علاقة بين العنوانَيْن، فبعد أن يتعرف القارئ على خصيصة المنهج الإسلامي، يحدو به الفضول إلى معرفة مقوّماته التي تجعل المستقبل له ....

الإسلام منهج حياة

هو منهج شمولي، متكامل، يشمل التصور الاعتقادي الذي يفسر طبيعة الوجود، ومركز الإنسان فيه، والغاية من وجوده، ويشمل النُظم التي تنبثق كلها من ذلك التصور، من نظام سياسي واجتماعي وأخلاقي واقتصادي.... كله ينبع من التصور الاعتقادي الذي يوفّره الإسلام، والذي يجب أن يفهمه معتنقهعلى هذا النحو، فلا يصوّره مجالا لأداء العبادات والشعائر الروحية، ويُبعده كل البعد عن باقي مناحي الحياة ...!  وهذا تصور خاطئ كل الخطأ، قاصر كل القصور، خبيث كل الخبث، وليس أبدا معنى الدين الذي هو جملة السلوك البشري، والتفاعل البشري الذي يشمل الجسد والروح سواء، والذي يهتم بالوجدان، وبباقي مناحي الحياة سواء، لا فصل بين هذه وتلك ....

وكما يقول الشهيد، إن هذا المنهج لا يعدّ الناس لفردوس الآخرة، بينما يعدّهم لفردوس الأرض منهج غيره ...!! بل هو المنهج الذي يعدّ المؤمنين به والناس لفردوس الأرض، ويأخذ بهم لفردوس الآخرة

ولا يغفل أحد كمّ الجهود المبذولة لإبعاد هذا الدين عن واقع حياة الناس، ولعزله عنها، وترسيخ مفهوم أنه للشعائر وللوجدان، بعيدا عن أمور الحياة الأخرى ...أو حصره فيما سمي ب"الأحوال الشخصية"

والناس.. إما أن يعيشوا بمنهج الله هذا بكليته فهم مسلمون، وإما أن يعيشوا بأي منهج آخر من وضع البشر، فهم في جاهلية لا يعرفها هذا الدين.. ذات الجاهلية التي جاء هذا الدين ليحطمها، وليغيرها من الأساس. ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله..

« آخر تحرير: 2014-11-05, 11:37:01 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب.

كل دين منهج حياة


النظام الاجتماعي ليس مرتبطا وحسب بالتصور الاعتقادي، بل ينبثق منه انبثاقا حيويا، إذ أن غاية أي نظام اجتماعي ينبغي أن تكون هي تحقيق غاية الوجود الإنساني، ويكون منه تحديد العلاقات التي تربط بين الإنسان وبين خالقه، وبينه وبين بني جنسه، وبينه وبين الكون، وبهذا فإن كل دين، هو منهج حياة، مادام الانظام الاجتماعي ينبثق حيويا من التصور الاعتقادي الذي يشمله، وأيضا كل منهج للحياة هو دين ...والجماعة التي تعيش في حياتها بمنهج الله هي في دين الله، والتي تعيش حياتها بمنهج غيره، هي في دين غير دين الله تعالى، فإما دين الملك، أو دين القبيلة، أو دين الشعب أو دين القومية ....

فواضعو المناهج البشرية، لم يعودوا يتحرجون من التصريح بأن مناهجهم عقيدة، تقوم على تصور لحياة الإنسان، ترسمها مخططاتهم، وآراؤهم، وأهواؤهم ومصالحهم، تماما كالشيوعة التي تستند إلى أن تاريخ البشرية حركته الأوضاع الاقتصادية...

فأما حين تحكم ضمير الإنسان ووجدانه شريعة، ثم تحكم واقعه ونشاطه شريعة.. وكل من هذه
وتلك ينبثق من تصور مختلف .. هذه من تصور البشر، وتلك من وحي الله.. فان شخصيته تصاب بما
يشبه داء الفصام (شيزوفرنيا)! ويقع فريسة لهذا التمزق بين واقعه الشعوري الوجداني، وواقعه
الحركي العملي، ويصيبه القلق والحيرة.. كما نشاهد اليوم في أرقى البلاد الأوروبية والامريكية، ثمرة
للصراع بين بقايا الوجدان الديني الذابلة وواقع الحياة العملية، القائم على تصورات وقيم لا علاقة لها
بالوجدان الديني..


وهكذا فقد جاء كل دين، ليحدث الرابطة بين ضمير الناس، وحياتهم، بين وجدانهم وحركتهم في هذه الحياة، جاء ليكون منهج حياة كاملة، وفق تصور اعتقادي يرد الأمر كله لله، ويربط الإنسان به، ويحدد غاية وجوده، والمعنى من الوجود أصلا ..."وماأرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله"..

جاءت التوارة لتحدد منهج الحياة لبني إسرائيل، وجاء الإنجيل منهجا مخففا لبني إسرائيل، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن لا ليلغي، ولكن ليهيمن، وهو الرسالة الكاملة الخاتمة.

الفِصام النَّكِــــــد


هذا الفِصام الذي حدث بين الدين والعلم، بين الدين والعقل، نتيجة الصراع المرير الذي حصل بين الكنيسة ورجال العلم، والمجتمع الأوروبي ككل، وقد مرّ بمراحل، إذ أنّ سيدنا عيسى عليه السلام، من بعد ثورة طائفة من بني إسرائيل، ضده وضد ما جاء به، كانوا محرضين على قتله، إلا أن الله تعالى توفاه ورفعه إليه، ومنها انقسم بنو إسرائيل إلى يهود ونصارى، فأما الحواريون، وتلاميذ المسيح عليه السلام، فهاموا على وجوههم من أثر المطاردة والتصدي، فكان لاختبائاتهم، وتستّرهم وتحولهم من مكان إلى مكان الأثر الكبير على نصوص الإنجيل التي تم تناقلها مفرّقة غير متفق على تماثلها، كان ذلك ف يظروف خاطفة لم تسمح بالتوات والنقل الصحيح .

ثم كان لبولس الذي لم يعاصر المسيح أصلا الحظ الوافر في تغيير رسالة المسيح عليه السلام، إذ كان له الدور الكبير في نشر النصرانية في أوروبا على نحو من الخلط بين تعاليم المسيح عليه السلام والوثنية الرومانية، وكتب رسائله متأثرا بالفلسفة الإغريقية الوثنية .

ثم جاء دور قسطنطين الذي اشتهر بفجوره وعبادته للدنيا، والذي اعتلى عرش الإمبراطورية، محاولا التوفيق بين الحزب الوثني والحزب النصراني، على أن تنتصر النصرانية لتعاليمها، فحدث الخلط الأكبر بين الاثنين، وكان ف يمصر مثلا الملكانيون(حزب الملك)، والمنوفسيون، وهما طائفتان كل منهما تعطي للمسيح طبيعة غير الأخرى...

ثم جاء دور التجمعات الدولية للمسيحين، وهناك كانت تخرج التجمعات بتوصيات تفسّر طبيعة المسيح، وكل تجمّع كان يعطيه طبيعة غير الت ييعطيها التجمّع الآخر، وكلها تحريف وخروج عن السليم والصحيح، إذ أعطوا للمسيح صفة الناسوتية واللاهوتية، وجعلوه الواحد المتضمن للأقانيم الثلاة الأب والابن والروح القدس ....ووقعت بينهم الاختلافات الكبيرة .

ثم جاء دور الرهبانية لتكتمل صورة الفصام النّكد، الرهبانية التي جاء رجال الكنيسة ليحاربوا بها الترف والفاحشة والرذيلة التي انتشرت عند الرومان، رهبانية مغرقة، تفسر الخلاص والفضيلة بالحرمان التام من أبسط ملذات الحياة، مما أحدث صراعا مريرا بين التيارين الجامحَيْن، تيار الترف والبذخ والفساد وتيار الرهبانية . مما خلّف في نفوس الناس جفوة للدين .مع اكتشاف الناس للخداع الذي انتهجه رجال الكنيسة، وقد ألفَوْهم أصحاب كذب وفاحشة وفساد، وإفساد لأموال الشعب، وفرض لإتاوات باهضة متجلببين في كل ذلك بجلباب الرهبنة...

وصكوك الغفران التي كانوا يوزعونها على الناس، ليضمنوا لهم الجنة، والتي كانوا يبيعونها للناس...

ثم استمر الفصام النّكد، يسفر عن فصوله، فجاء فصل صراع الكنيسة والبابوات ضد الأباطرة، حتى أصبح للبابوات نفوذ وسلطان عليهم، كان الإمبراطور يمثل بين يدي البابا خاشعا، خانعا، خائفا يترقب رضاه عنه.

ثم كانت القاصمة في فصول الفصام النكد، بإدخال رجال الكنيسة على التعاليم المسيحية مَعميات، وخرافات، تمنع معها الكلّ من محاولة فهم الكتاب المقدس، إلا مما يوصلون هم للناس منه، فكانت خرافاتهم، بل وتمادوا، وزجوا بأنوفهم، وبأنف الكنيبسة في العلوم الكونية، وجعلوا من كلام على العواهِن عن الكون، عن الجغرافيا والطبيعة، جعلوها حقائق، جاء العلم ليبين فسادها وتهافتها ....

وهنا بدأ الصراع المرير القوي الشديد بين رجال الكنيسة المتعالِمين، الذين أصبحوا يفرضون أكاذيبهم على الناس، وبين أهل العلم، ورجال العلم، فأقامت الكنيسة محاكم التفتيش التي ترصّدت لأنفاس الناس، وجعلت تنقّب عن كل من يؤمن بأقوال العلم والعلماء، حتى أجهزت على ما زيد عن ثلاث مئة ألف، وأحرقت برونو الذي قال بدوران الأرض حول الشمس، وكذلك جاليليو الذي قال بكروية الأرض....

ومن هذا وغيره كثير، ضجّ الناس بالكنيسة، وأعلنوا الحرب عليها وعلى رجالها، وعلى الدين بصفة عامة، فحص الفصام النّكد واكتملت صورته، وأصبحت أوروبا منذ ذلك الحين، مرتعا لرفض الدين، ولإعلاء كلمة العلم، وإعلانها عداوة صريحة بين الدين والعلم . وكان "المتنوّرون" إذا ذكروا الدين ذكروا تلك الدماء الزكية التي أريقت في سبيل العلم والتحقيق، وتلك النفوس البريئة التي ذهبت ضحية لقسوة القساوسة ووساوسهم، وتمثل لأعينهم وجوه كالحة عابسة وجباه مقطبة.

وهذا هو (الدين) الذي ثارت عليه أوروبا.. ثم تابعها في الثورة الببغاوات والقرود في الأرض
كلها، دون تفرقة بين دين ودين!
وهذا هو(الدين) الذي ثارت عليه أوروبا.. الدين الذي شوهت معالمه منذ أول خطوة. ثم زيفت
خصائصه الربانية، وتصوراته السماوية، وقيمه وأسسه.. ذلك التزييف الشنيع!
هؤلاء هم (رجال الدين) الذين قدموا هذه الجناية على أنفسهم وعلى الدين، وعلى البشرية
المنكودة، بقيادة الغرب الموتور من الدين المزيف، ومن رجال الدين المزيفين!

وهي كلها-ولله الحمد- ملابسات (أوروبية) بحتة، وليست إنسانية عالمية-ومتعلقة بنوع معين
من (الدين) لا بحقيقة الدين. وخاصة بحقبة من التاريخ خاصة، تملك البشرية أن تتخلص من آثارها
التعيسة، حين تفتح أعينها على الحقيقة من وراء دخان المعركة التاريخية!







« آخر تحرير: 2014-11-05, 12:59:33 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب

انتهى دور الرجل الأبيض

هنا تطرّق الكاتب لنوع آخر من أنواع الجاهلية، وهي جاهلية الرجل الأبيض، إذ يساوي في ذلك الأوروبي، والروسي، والآسيوي... ويراهم جميعا يقفون موقفا واحدا، وقد أسفرت كل جهودهم عن اختلاق مناهج منبتّة عن الله تعالى، مناهج من صنع أفكارهم وأهوائهم، تصادمت مع الفطرة، وصارعتها، ولم تأتؤ للإنسانية بشيء، إلا بالأنظمة البوليسية، والقهرية، والاضطهادية،

ومن ثم اخذ (الإنسان) يشقى شقاء مريراً بالحضارة، التي قامت أصلاً-او المفروض أنها قامت
أصلاً- لخدمته وترقيته وإسعاده.. وحين تتناقض(الحضارة) مع (الإنسان) فالنتيجة الحتمية بعد فترة-
تطول او تقصر- من صراع الإنسان مع الحضارة، ومن الآلام والتضحيات، والخسائر والمرارات، ان
ينتصر الإنسان، لأنه هو الأصل. ولأن فطرته اعمق وأبقى من أنماط الحضارة الطارئة عليها..
وعندما يكون هذا هو مقياس البقاء، فإن الروسي يقف مع الإنجليزي والأمريكي والفرنسي
والسويسري والسويدي.. وسائر البيض.. على قدم سواء


يعرض في هذا الفصل للماركسية، إذ هي قد قامت على جهالة عميقة بالنفس، وبمقوماتها، وحصرت كل انشغالها وكل حاجتها في جوعة المعدة، فلم تفرّق بين الإنسان وبين البهيمة.

فإذا رأينا (الإنسان) ينحدر في صفاته (الإنسانية) وفي تصوره للقيم الإنسانية..
إذا رأيناه وقوداً للآلة، او عبداً لها، او تابعاً ذليلاً من توابعها..
إذا رأيناه- تبعاً لهذا- ينحط في تصوره وذكائه وأخلاقه..
إذا رأيناه يهبط في علاقاته الجنسية إلى أدنأ من درك البهيمة..
إذا رأينا وظائفه الأساسية تعطل وتذوي وتتراجع.
إذا رأيناه يشقى ويقلق ويتحير، ويعاني من القلق والحيرة ما لم يعانيه قط في تاريخه من الشقاء
والتعاسة والأمراض العصبية والنفسية والشذوذ والعته والجنون والجريمة..
إذا رأيناه هارباً من نفسه ومن المخاوف والقلاقل التي تلفه بها الحضارة المادية ، والأنظمة
الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والفكرية.
إذا رأيناه هائما على وجهه يقتل سآمته وملله ، بما يقتل به روحه وجسمه وأعصابه، من
المكيفات والخمور، او ما يشبه المكيفات والخمور من الأفكار السود، ومذاهب اليأس الكابي والقنوط
الملبس والضياع الأليم.. كما في (الوجودية) وغيرها من مذاهب الفكر التعيسة..
إذا رأيناه يئد نسله، او يبيع اولاده، ليشتري بهم ثلاجات وغسالات كهربائية-كما جاءتنا الأنباء
عن أوروبا الضائعة..
إذا رأيناه في مثل هذه الحال النكدة.. فان جميع ما يصل إليه (العلم) في معزل عن (روح
الإنسان) من تيسيرات للحياة المادية، ومن رفاهيات حضارية.. لا يغير شيئاً من حقيقة الانحدار الذي
تهوي إليه البشرية؛ ومن حقيقة الشقاء الذي تعانيه؛ ومن حقيقة التعاسة التي تزاولها.. ثم.. من حقيقة
فشل هذه الحضارة وقرب نهايتها.. ومن ثم حقيقة الحاجة الماسة إلي نظام آخر أصيل، بريء-في
أساسه- من العيوب الأساسية التي أفسدت حياة البشر؛ وضيعت عليهم ثمار العلم والمعرفة والتقدم
الحضاري.. نظام يسمح للإنسانية بان تحقق غاية وجودها الإنساني-كما أرادها خالقها العظيم- وان
تستخدم (العقل) و(العلم) و(التجربة) استخداماً آخر، يتناسق مع احتياجاتها الحقيقية؛ ومع مقتضيات
فطرتها الأصيلة.


وقال أيضا:

ولقد يشغل الإنسان بعض الوقت بجوعة الجسد، وما يتعلق بها من الإنتاج بشتى وسائله
وصنوفه، ومن المتاع الحسي بشتى ألوانه ومذاقاته.. ولكن هذه الجوعة وكل ما يتعلق بها لا تستغرق
الكينونة الإنسانية. وإشباعها لا يسد سائر الجوعات (الإنسانية). وما أن تهدأ هذه الجوعة حتى تتحرك
في الكائن الإنساني جوعة أخرى. جوعة لا يسدها الطعام، ولا يرويها الشراب، ولا يكفيها الكساء، ولا
تسكنها كل ضروب المتاع.. إنها جوعة من نوع آخر. جوعة إلى الإيمان بقوة اكبر من البشر؛ وعالم
اكبر من المحسوس؛ ومجال اكبر من الحياة الدنيا.. وجوعة إلى الوئام بين ضمير الإنسان وواقعه، بين
الشريعة التي تحكم ضميره والشريعة التي تحكم حياته. بين منهج حركته الذاتية ومنهج الحركة الكونية
من حوله. جوعة إلى (إله) واحد؛ يتلقى منه شريعة قلبه وشريعة مجتمعه على السواء..
وكل نظام للحياة لا يحقق السعادة للكائن البشري إلا إذا تضمن كفاية هذه الجوعات المتعددة في
كينونته الواحدة.. وهذه السمة هي التي خلت منها حضارة الرجل الأبيض!
ولهذا السبب-من وراء كل سبب- انتهى دور الرجل الأبيض..
« آخر تحرير: 2014-11-05, 13:42:45 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب

صيحات خطر

تعالت صيحات الخطر، في أوروبا المنكودة، في أوروبا مرتع الفصل بين الدين والعلم، بل بين الدين والحياة، في أوروبا مسرح نبذ الأديان بعد الصراع المرير الذي خاضته الكنيسة ضدّ أهل العلم....

تعالت صيحات الخطر، من بعد الهروب غير الراشد، الذي خلط بين الدين وبين من يدّعونه ويحكمون باسمه، ويفسدون باسمه، ويطغون باسمه ....

كتب كبار الكتاب والمحللين والسياسيين عندهم، يصرخون صرخات تهزّ الدنيا، بخطورة ما آل إلهي حال المنكودين، من بعد ذلك الفصام النّكد، حال المصابين بداء الهروب من الدين إلى ما يهوي بهم في قرار سحيق ....!! وإن بعض المقتطفات التي عرضها سيد قطب رحمه الله، لجديرة بالذكر هنا، لتأمّلها، وتأمل مدى تفطن أصحابها لهول الحال، وللكارثة المحدقة بالبشرية، وبضرورة البحث عن مخلّص لهذه الأرض مما ينتظرها ....فسأضع بعضها تباعا لتأملها :
----------------------------
دكتور ألكسيس كاريل في كتابه "الإنسان ذلك المجهول"

"إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنها لا تلائمنا، فقد أنشئت دون أية
معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم،
ونظرياتهم ورغباتهم . وعلى الرغم من انها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا
 وشكلنا..."
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

"يجب أن يكون الإنسان مقياساً لكل شيء. ولكن الواقع هو عكس ذلك. فهو غريب في العالم
الذي ابتدعه! انه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه، لأنه لا يملك معرفة عملية بطبيعته... ومن ثم فان
التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها
الإنسانية... فالبيئة التي ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة لا بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا ...
إننا قوم تعساء، ننحط أخلاقياً وعقلياً... إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية اعظم
نمو وتقدم هي على وجه الدقة، الجماعات والأمم الآخذة في الضعف؛ والتي ستكون عودتها إلى
البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها. ولكنها لا تدرك ذلك، إذ ليس هناك ما يحميها من
الظروف العدائية التي شيدها العلم حولها… وحقيقة الأمر أن مدنيتنا مثل المدنيات التي سبقتها، أوجدت
أحوالاً معينة للحياة من شأنها ان تجعل الحياة نفسها مستحيلة.وذلك لأسباب لا تزال غامضة… إن القلق
والهموم التي يعاني منها سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية…"
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

"إننا لن نصيب أية فائدة من زيادة عدد الاختراعات الميكانيكية. وقد يكون من الأجدى أن لا
نضفي مثل هذا القدر الكبير من الأهمية على اكتشافات الطبيعة والفلك والكيمياء. فحقيقة الأمر أن العلم
الخالص لا يجلب لنا مطلقاً ضرراً مباشراً. ولكن حينما يسيطر جماله الطاغي على عقولنا، ويستعبد
أفكارنا في مملكة الجماد، فانه يصبح خطراً. ومن ثم يجب أن يحول الإنسان اهتمامه إلى نفسه والى
السبب في عجزه الخلقي والعقلي. إذ ما جدوى زيادة الراحة والفخامة والجمال والمنظر وأسباب تعقيد
حضارتنا إذا كان ضعفنا يمنعنا من الاستعانة بها فيما يعود علينا بالنفع؟ حقاً انه لمما لا يستحق أي عناء أن نمضي في تجميل طريق حياة تعود علينا بالانحطاط الخلقي، وتؤدي إلى اختفاء أنبل عناصر
 الأجناس الطيبة"
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"الإنسان نتيجة الوراثة والبيئة، وعادات الحياة والتفكير التي يفرضها عليه المجتمع العصري..
ولقد وصفنا كيف تؤثر هذه العادات في حسه وشعوره... وعرفنا انه لا يستطيع تكييف نفسه بالنسبة
للبيئة التي خلقتها (التكنولوجيا) وأن مثل هذه البيئة تؤدي إلى انحلاله؛ وان العلم والميكانيكا ليسا
مسؤولين عن حالته الراهنة، وإنما نحن المسؤولون لأننا لم نستطع التمييز بين الممنوع والمشروع…
لقد نقضنا قوانين الطبيعة، فارتكبنا بذلك الخطيئة العظمى. الخطيئة التي يعاقب مرتكبها دائماً.. إن
مبادئ (الدين العلمي) و(الآداب الصناعية) قد سقطت تحت وطأة غزو الحقيقة(البيولوجية). فالحياة لا
تعطي إلا إجابة واحدة حينما تستأذن في السماح بارتياد (الأرض المحرمة).. إنها تضعف السائل!
ولهذا فان الحضارة آخذة في الانهيار، لأن علوم الجماد قادتنا إلى بلاد ليست لنا. فقبلنا هداياها جميعا
بلا تمييز ولا تبصر! ولقد اصبح الفرد ضيقاً، متخصصاً، فاجراً، غبياً، غير قادر على التحكم في نفسه
.ومؤسساته"
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"ولسوف يدرك الاقتصاديون أن (بني الإنسان) يفكرون ويشعرون ويتألمون. ومن ثم يجب أن
تقدم لهم أشياء أخرى غير العمل والطعام، والفراغ! وان لهم احتياجات روحية مثل الاحتياجات
الفسيولوجية. كما سيدركون أيضاً أن أسباب الأزمات الاقتصادية والمالية، قد تكون أسباباً أدبية
وعقلية..
وسوف لا نضطر إلى قبول أحوال البربرية في المدن الكبرى وطغيان المصنع والمكتب،
وتضحية الكبرياء الأدبية في سبيل المصلحة الاقتصادية، او تضحية العقل للمال.. ويجب أيضاً أن ننبذ
الاختراعات الميكانيكية التي تعرقل النمو البشري. وسوف لا يبدو الاقتصاديون، وكأنهم المرجع النهائي لكل شيء."

----------

يعلق سيد قطب رحمه الله، على إدراك الكاتب العميق لخطورة ما هم فيه، بأن تقدم علوم الجماد على علوم الحياة، لم يكن ظاهرة تلقائية، وإنما كان نتيجة حتمية للتصور الزائف لمعنى الوجود، ولغاية وجود الإنسان فيه، ولمركزه فيه ...ذلك التصوّر المنبتّ كليا عن الله تعالى، وعن إرشاد الله لخلقه كيف يحيَوْن على الأرض...وكيف يحدث التوازن بين حاجاتهم الجسدية وحاجاتهم الروحية....

كما أن كل ما ذكره من امتهان لقيمة الإنسان مقابل إعلاء قيمة الآلة والمصنع، إنما هي أيضا نتائج حتمية للتصورات الزائفة القائمة على آراء البشر والمصالح المختلفة في الأرض.

ثم يعرض صيحة أخرى لسياسي أمريكي مبرز، يبدو فيها إدراكه بخطورة ما هُم عليه، ولكنه يدعو -ضمن حلوله المقترحة- الكنيسة للعب دورها في إعادة الروح الدينية للناس، وهنا يبين سيد قطب رحمه الله خطأ تعويله على ما لم يعد سندا للتعويل عليه، فالكنيسة لم يبقَ لها دور تؤديه، من بعد ما جرب عليها الناس الطغيان والكذب والخديعة، والخواء، كما يُجلّي غايات هذا السياسي السياسية، والتي يدعو فيها إلى أن يكون الدين سلاحا ضد الشيوعية ....فيقول سيد قطب في معرض ذلك كلاما رائعا، أضعه كما جاء منه :

إن (دين الله) لا يصلح خادماً يلبس منطقة الخدم، ويقف بحضرة (أسياده)، ويوجهونه حيث
يريدون! يطردونه من حضرتهم فينصرف، وهو يقبل الأرض بين أيديهم.. ثم يقف وراء الباب-في
شارة الخدم- رهن الإشارة!.. ويستدعونه للخدمة، فيقبل الأرض بين أيديهم، وينحني قائلاً: لبيك يا
مولاي! كما يفعل من يسمونهم (رجال الدين)!
كلا! إن (دين الله) لا يرضى إلا أن يكون سيداً مهيمناً. قوياً متصرفاً. عزيزاً كريماً. حاكماً لا
محكوماً. قائداً لا مقوداً .. وهو لا يحمي الناس من الشيوعية ولا من غير الشيوعية إلا أن تكون
حياتهم كلها رهن إشارته. يصرفها بجملتها، وينظمها من أطرافها، وينسقها وفق شريعته .. حين
يتحاكم إليه الناس في أمورهم كلها: صغيرها وكبيرها. ثم يرتضون حكمه في ثقة وفي استسلام:
" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما
قضيت ويسلموا تسليماً .. " ويومئذ فقط يؤدي دوره كاملاً .. دور السيد المدبر .. لا دور الخادم الملبي..
ويومئذ فقط ينتهي ذلك الفصام النكد. الذي أنشأ كل هذا الشقاء المرير. وكل هذا الخطر
الخطير..
ويومئذ فقط يجئ المخلص، الذي تتعالى الصيحات بصفاته وسماته! هذا المخلص المرتقب
للناس أجمعين .. هو هذا الدين .. 


« آخر تحرير: 2014-11-05, 13:46:14 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب


مما سبق يبدو واضحا مسيس الحاجة البشرية لمنقذ من نوع خاص جدا ، لـ"مخلّص" ...

المخلــّـــــــــــــص


هذا المخلّص الذي جاءت صرخة الصارخين بسِماته، والنموذجان السابقان مثالان عليهم، مخلّص يتجسّد في منهج جديد، يجعل الإنسان مقياسا لكل شيء، فلا يعتسف فطرته، ولا يخرج عن نطاق حاجاته، ولا يجعل الآلة أكرم منه، ولا يجعل المادة سيدة عليه، ولا يقوم على الحد الأقصى من الإنتاج بأقل التكاليف الممكنة لتحصيل الربح المادي الأكبر، منهج لا ينحطّ بالإنسان خلقيا وعقليا، منهج لا يلغي شخصية الفرد، كما لا يلغي دور الجماعة في حياة الفرد، منهج لا يخلط بين ذكر وأنثى، ويترك للأنثى شخصيتها، ويترك للذكر شخصيته، منهج لا يطلق العنان لأخيلة المتفلسفين ليصرّفوا أمور البشر وفق أمزجتهم...

منهج لا يترك لعلم الإنسان أن يحدّد طريق الإنسان في هذه الحياة، إذ أن علم الإنسان قاصر كل القصور عن إدراك ماهية الإنسان، وماهيّة نفسه...

إن الإسلام وحده هو الذي يستطيع أن يلبّي كل هذه الحاجات، وهو منهج رباني، من الله تعالى مباشرة لمن خلق، منهج لحياتهم بكل مناحيها، وبكل دقائقها، منهج يستطيع أن يوفّق بين الروح والعقل، وأن يحدث التوازن اللازم بينهما في حياة الإنسان، فلا تطغى المادة على الروح، ولا تلغي الروح المادة ودورها .... منهج للتصور الاعتقادي وللحياة العملية سواء...

إنه لم يعد يُجدي البشر ذلك الترقيع الجزئي بعلوم الجماد، ولم يعد يُجدي الهروب الكلي من منهج الله تعالى، ومن دينه إلى العلم البحت المجرّد عن الإطار الذي يرقبه، لم يعد يجديه ذلك الهروب الكلي لأوروبا منذ الفصام النكد من دين الله، وانفصالها عن الله ....

وكما يعبّر عنه الشهيد قطب رحمه الله، إن هذه النظريات وهذه الصرخات الصادرة من علماء الغرب، لم تمكّنهم -رغم إدراكهم لحجم الكارثة المطبقة على صدر البشرية- من طرح الحلّ خارج إطار هذه الحضارة التي نمت في ظلّ الهروب الكلي والانفاصل التام عن الله وعن مقرّرات الله، ومنهج الله، إنهم إذ يطرحون حلولهم، وهم لا يستطيعون الخروج من قفصهم "العلمي"، بل يثبون وثبتهم هذه داخل قفصهم ذاك، فلا يرون الحل إلا في إطاره، بينما يجب أن تكون تلك الوثبة كاملة، جديدة تعيد الإنسان إلى فطرته، وإلى ما يلائم فطرته، وتعيد علاقته بخالقه .

ولنتأمّل هذه الكلمات الرائعة لسيد قطب رحمه الله :

لقد أدركنا الغرور، ونحن نرى العقل البشري يبدع في عالم المادة، ويأتي بما يشبه الخوارق!
فوهمنا أن العقل الذي يبدع الطائرة والصاروخ؛ ويحطم الذرة وينشئ القنبلة الأيدروجينية؛ ويعرف القوانين الطبيعية ويستخدمها في هذا الإبداع .. وهمنا أن هذا العقل جدير بأن نكل إليه كذلك وضع (نظام) الحياة البشرية .. وقواعد التصور والاعتقاد، وأسس الأخلاق والسلوك .. ناسين أنه حين يعمل في (عالم المادة) فإنه يعمل في عالم يمكن أن يعرفه، لأنه مجهز بإدراك قوانينه .. أما ح ن يعمل في (عالم الإنسان) فهو يعمل في متاهة واسعة بالقياس إليه! هو غير مجهز ابتداء بإدراك حقيقتها الهائلة الغامضة .


« آخر تحرير: 2014-11-06, 10:59:58 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب

يضع الشهيد سيد قطب في كتابه هذا، كلمات دقيقة تبيّن موقف الإسلام من العلم، ومن منتوجات العقل، والبحث، والتقدم العلمي، يضع بما يزيدني معرفة ببراءته من دعوى اقتصار المسلم على الجانب الروحي والتربوي والنفسي للبشرية، وأنه مسؤول فقط عن هذا مع التقدم العلمي الهائل الذي حققه الغرب.... بل إننا لنرى ضرورة معرفة البشرية بالعلاقة بين العلم والدين، وبضرورة أن يحسن أبناء الإسلام تبرئة الدين من تهمة العداوة للعلم ....ولهذا أضع مقتطفات رائعة للكاتب جزاه الله خيرا :

---------------------------------

إن الإسلام يكل رسم (التصميم) الأساسي للحياة البشرية، إلى العلم الكامل الشامل، المبرأ من
الجهل والقصور والهوى كذلك يكله إلى علم الله - سبحانه - بما أن الله هو الذي أبدع الكون وما فيه؛
وأبدع قوانينه وطاقاته؛ وأبدع الإنسان وزوده باستعداداته للعمل في مادة هذا الكون العريض .. وهو
الذي يعلم - وحده - كل حقائق الكينونة البشرية وكل حقائق الطبيعة الكونية .. فهو- وحده - القادر
على أن يصنع للإنسان نظام حياة؛ شاملاً لحياته الفردية والجماعية؛ ولحياته في الكون المحيط به ..
عن (علم مطلق) يقابل (جهلنا المطبق) .. وفي الوقت ذاته لا يلغي العقل البشري - كما أرادت الكنيسة ذات يوم- هذه الأداة العظيمة، التي وهبها الله للإنسان ليعمل بها ويبدع؛ لا ليغلها أو يلغيها! وفقط يحوطها بالسياج الواقي من الهوى، ومن التهور، ومن الخبط في التيه، ومن النكسة والانحدار. ويضع لها المنهج الذي يقومها منها فلا تميل؛ ويهديها فلا تضل؛ ويكفل لها حريتها واستقامتها على السواء.
وبهذا يظل (الإنسان) هو سيد (المادة) بضمانة من المنهج الذي أبدعه له مبدع الإنسان والمادة.
وبالتصور الذي يشعره بكرامته على الله؛ كما يشعره بعبوديته لله. وفي الوقت ذاته يشعره بأنه
مستخلف في هذا الملك العريض ..


******************

إن هذه الحضارة الصناعية التي تحيط بالبشرية اليوم، تحطم أهم ما في كيان (الإنسان)
وتحارب أرفع مقوماته الإنسانية، وفي الوقت الذي تقدم له تلك التسهيلات الرائعة - وإن كانت هذه
التسهيلات قد تكون مؤذية لكيانه المادي ذاته -
والإسلام - بطبيعة تصوره لحقيقة الكون ودور الإنسان فيه، وبطبيعة منهجه الواقعي التجريبي- لن يعمد إلى المصانع فيحطمها! ولن يعمد إلى تلك التيسيرات التي تقدمها الصناعة للحياة البشرية فيلغيها!
ولكن الإسلام سيعمد - ابتداء - إلى تغيير النظرة إلى هذه الحضاريات وقيمتها .. سيمنحها
قيمتها الحقيقية بلا مبالغة وبلا بخس كذلك! بحيث يصبح الروح الإنساني المؤمن هو المسيطر عليها.
لا أن تكون هي المسيطرة عليه، وعلى تصوراته ومشاعره وأوضاعه وأنظمته ..

إن الإسلام سيقر في خلد الإنسان قيمته العلوية ومقوماته الكريمة .. سيستنقذ الروح الإنساني
من المهانة التي فرضها عليه (دارون) و (كارل ماركس) وأشباههم! وعندئذ سيشعر أنه هو السيد،
الذي ينبغي أن يسيطر على الآلة، وعلى الإبداع المادي، والحضارة ..

وحين يصبح الروح الإنساني المؤمن هو المسيطر، فيومئذ سيصبح متمتعاً بحريته - في إطار
عقيدته - قادراً على الاختيار .. فالاختيار هو العنصر الهام الذي يفتقده الروح الإنساني الآن. وهو
مجبر مقهور ذليل للآلة؛ وللتصورات المنبثقة من دورتها الآلية!
والقدرة على الاختيار ستتيح للروح الإنساني المؤمن، أن يستبعد العناصر الضارة في هذه
الحضاريات، وينمي العناصر الصالحة، المتفقة مع الحاجات الحقيقية للكينونة الإنسانية. كما أن سيطرة
الروح الإنساني المؤمن ستتيح له التحرر من الأوضاع المنافية لكرامته، ومن طرائق الإنتاج وأنظمه
العمل التي تهدر فيها مقومات الإنسان الكريمة ، فليست طرائق الإنتاج وأنظمة العمل شرائع مقدسة!
إنما هي مجرد وسائل استغلالية لتنمية مقادير الإنتاج المادي، على حساب المقومات الإنسانية! فإذا
تقرر أن (الإنسان) أكرم وأغلى من (الأشياء) تغيرت طرائق الإنتاج وأنظمة العمل بحيث توائم بين
وفرة الإنتاج ومقومات الإنسان الكريمة ..
وفي حالة نشأة تصورات وقيم جديدة، منبثقة من المنهج الإسلامي للحياة .. وما يتبع هذه النشأة
من سيطرة الروح الإنساني المؤمن على الحضارة الصناعية وأدواتها وطرائقها، مع القدرة على
الاختيار التي هي وليدة تلك السيطرة .. في هذه الحالة فقط يصبح المزيد من (علوم الإنسان) ذا قيمة
حقيقية في إطار التصميم الكلي.


**********************

ومن حسن الحظ أن الفطرة الإنسانية ذاتها- كما أبدعها الله- متناسقة مع فطرة الكون. وأن
فطرة الكون، كفطرة الإنسان، تحتوي على عناصر الحركة والإبداع والنمو والترقي .. ومن ثم ستجد
الفطرة أن الكثير من هذه الحضاريات يلبي ويتمشى مع حاجاتها الحقيقية المترقية .. ولن تصطدم إلا
بما هو ضار بكينونة الإنسان ذاته. وهذا ما يجب أن يطرد وينفى .. وهذا ما يكفله منهج الله للحياة..
هذا الدين .. المخلِّص الذي يطلبه الغرب ولكنه يأباه !!!

وحين يتقرر أن الإسلام هو - وحده - القادر على إنقاذ البشرية مما يحدق بها من أخطار
ماحقة، تدلف إليها مقودة بسلاسل الحضارة المادية البراقة. وهو - وحده - القادر على منحها المنهج
الملائم لفطرتها ولاحتياجاتها الحقيقية. وهو - وحده - الذي ينسق بين خطاها في الإبداع المادي
وخطاها في الاستشراف الروحي. وهو - وحده - الذي يملك أن يقيم لها نظاماً واقعياً للحياة يتم فيه
هذا التناسق الذي لم تعرفه البشرية قط إلا في النظام الإسلامي - وحده - على مدى التاريخ ..
حين يتقرر هذا كله تتضح معه شناعة الجريمة التي يرتكبها - في حق البشرية كلها - أولئك
الذين يوجهون الضربات الوحشية لطلائع البعث الإسلامي في كل مكان .


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "لماذا أعدموني" سيد قطب

وبفضل من الله تعالى ومنّة، مازلت أسبر غور هذا الرجل العظيم، الذي أقول فيه "عظيم" ولا أبالي بمن قال أنها مبالغة، أو أنها ذبح، فالرجل قد مات، رحمه الله، وأسكنه الفردوس الأعلى من جناته، "سيد قطب"، ذلك القطب حقا .....

قرأت له من يومَين "لماذا أعدموني"....

عنوان غريب ... وهو يكتبه ، ويخطه حيا يُرزق، يتوقع إعدامه في كل لحظة، يعرف أن ما يقوم به مدعاة لإعدامه من الظلمة المترصدين لأجيال البعث الإسلامي في كل مكان، الخائفين من سلطان الله تعالى في الأرض، الذين لا يألون جهدا في محاربة الإسلام وأهله القائمين على خدمته وبثّ نوره في آفاق الأرض ....

يذكر في كتابه بعض تفاصيل بداية عمله مع جماعة الإخوان، من قبل انضمامه، ومن بعده، لقد كان منظّرا لفكر الجماعة، وربما كان من الجماعة ذاتها معارضون لفكره، ولطريقته في توجيه حركتها، يذكر بعض ما كان معه في فترات اعتقاله المتوالية، وما فعله وهو في غيابات السجون، وعلاقاته بالإخوان المسجونين، وعلاقاته بهم من بعد خروجه، يتحدث عن زيارات كثيرة لعدد كبير من أعضاء حركة الإخوان من بلدان إسلامية مختلفة، حتى لتراه قطبا يرتاده الإخوان من كل مكان، يريدون التعلّم منه، والسماع من خبرته، ومشاورته، وسؤاله التوجيه ....

أهمّ ما شدّ انتباهي في الكتاب فكر سيد قطب في العملية التنظيرية والتوجيهية التي اعتمدها مع الإخوان، والتي كانت تخالف فكر عدد منهم، وهو يقول ويعيد، ويكرر أنه لا يؤمن بفرض النظام الإسلامي في الدول الإسلامية عن طريق الانقلاب، وإنما يؤمن بضرورة التكوين العقدي للمجتمع المسلم من جديد، تماما كما كان نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من حوله ساعة ابتدئ بالوحي....
تكونت عقيدة المسلمين، وترسخت، وقويت لثلاثة عشر عاما كاملة، ثم تكونت الدولة الإسلامية من بعد ذلك.....

يرى ضرورة التكوين العقدي التربوي، على مدى طويل، وبعمل مركز، لا تُعتسف فيه الخطوات، ولا يُبحث فيه على الحكم والمجتمع خواء من عقيدته، ومن معرفته بربه، وبدينه، وتربيته مهلهلة لا هي شرقية ولا هي غربية....يرى أن المجتمع الإسلامي قد باتت تغشاه غمامة جاهلية أبعدته عن دينه، وتركت الفضاء للانحلال الخُلقي والتفسخ، والفساد والإباحية، في ظل عمل مركز ممنهج للصهيونية العالمية وللقوى المعادية للإسلام والتي تعمل جاهدة لإذهاب روحه والإبقاء عليه شعائر تعبدية حركية لا تُسمن ولا تغني الأمة من جوع....تستخدم في ذلك أيادي خارجية وأيادي داخلية تخدم أغراضها وغاياتها.

يركز الشهيد على ضرورة العمل بالتربية، ثم التبية ثم التربية، بل ويوجه الإخوان إلى الابتعاد عن الصراعات السياسية قدر المستطاع، والتي من شأنها أن تكون سببا في تردّي دورها، وتأخره والمجتمع أشد ما يكون حاجة لها، ولعطاءاتها التربوية والدعويّة، ولكنّه في الوقت ذاته، يذكر ما لحق بالإخوان من اعتداءات وظلم، وافتعال للجرائم النكراء لتُلبَس للإخوان، سواء من النظام القائم أو من الأحزاب الشيوعية التي تسعى جاهدة لنشر الفكر الشيوعي بغطاء الاشتراكية، وتعمل على تشويه سمعة الإخوان بتلبيسها جرائم مختلفة، يفصّل عن حادث المنشيّة المفتعل والذي راح ضحيته عدد من الإخوان في السجون بقتل عمدي من رصاص مسدس واحد من قّيمي السجن، وما لحق بأسر الإخوان من تشريد وتيتيم، وتثكيل، ويجعل هذا سببا مباشرا لتفكيرهم جديا في أن تكون لهم قوة مدرّبة لا تبتدئ بالعدوان، ولكنها تردّ إذا ما استطال النظام واعتدى على الحركة وأصحابها من مثل حادث "المنشيّة"  ، يؤكد أن التفكير بالعمل المسلّح لم يكن قائما كليا، إلا أن ما يلحق بالإخوان يستدعي الاحتراس والاستعداد بتدريب وتسليح يكون أداة ردّ لعدوان يقوم، لا أداة هجوم وبدء بالعدوان .....

وينوّه المقدّم للكتاب بأن الجزء الأهم منه، والذي فيه تفاصيل من الشهيد حول عمليات التعذيب التي طالته والتي تفنّن فيها رجال النظام معه، إذ لم يتركوا نوعا من أنواع التعذيب إلا ونفذوه فيه... ينوّه المقدّم أن هذا الجزء الأهم قد فُصل من الكتاب، ولم يُعثر عليه، حتى لا يكون وثيقة تاريخية باقية تبيّن همجية عدوّه وظلمه الصارخ....

عجبت لأمر هذا الرجل العظيم رحمه الله تعالى، وهو يكتب في ظل أمراض تنهش جسمه الضعيف، وفي ظل مسؤولية عظيمة يتولاها وهو في السجن، وهو خارج السجن، وفي ظل التعذيب، كل ذلك فضل من الله تعالى آتاه عبده الذي أخلص لوجهه، وعشق الإسلام حتى النخاع....

كتب "في ظلال القرآن" وهو في زنزانة السجن، كتب "أفراح الروح" وهو فيها .....!!

لله درّه .... وهؤلاء هم الذين أعطوا للإسلام ...أما نحن فنسأل الله الرحمة والمغفرة على ضعفنا وتقاعسنا، وذنوبنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ...
« آخر تحرير: 2014-11-08, 10:14:34 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

مازلت أراوح مكاني، فلا أغادر الكاتب نفسه، الشهيد سيد قطب رحمه الله، وأجزل له الثواب .

هذه المرة مع كتابه "الإسلام ومشكلات الحضارة"، كتاب قيّم يعرض فيه صاحبه قضية أزمة الحضارة المعاصرة، وما تلحقه بالإنسان من دمار وخسار، فيما يبدو نماء وعمارا، إنها حضارة تعنى بالأشياء، وبالمادة، ولا تُعنى بالإنسان، بل إنها تعمل على الحطّ من قيمته، ولا تجعله هو مقياس كل شيء، بل تجعل الأشياء مقياسا له، وتقدّمها عليه، حضارة تعمل على تدمير خصائص الإنسان ككائن متفرّد في تكوينه، وفي طبيعته، وفي كينونته، وفي مركزه ودوره في الأرض...الأمر الذي يجعل قيام مجتمع إسلامي ضرورة ملحّة لشفاء الأرض من أسقامها، ولإنقاذ الإنسانية والبشرية من الهاوية التي هي بطريقها إليها حاثة الخطى، مغذية السير !!

يحاول الكاتب في عَرَض كتابه هذا أن يجيب على سؤال:
كيف تكون الحياة الإنسانية مهددة بالدمار عن طريق تدمير خصائص الإنسان في ظل هذه الحضارة القائمة ؟


السبب الرئيس في حدوث هذا الدمار المحدق بالبشرية، هو جهل الإنسان المطبق بحقيقة الإنسان، رغم العلم النسبي بالمادة والذي تحقق به التقدم العلمي المادي المُعاش.

أولا :الإنسان ذلك المجهول


وهو أصلا عنوان كتاب لواحد من أشهر علماء وكتّاب أوروبا "ألكسيس كاريل"، يقتطف سيد قطب من كتابه هذا شهادات دقيقة وصادقة عن إدراكه لمدى جهل الإنسان المطبق بالإنسان، يقرّر ألكسيس السبق الهائل لعلوم الجماد على علوم الحياة، حتى أنه يصف من يدرسون الحياة بمن ضلّ في غاب متشابك الأشجار، لأنهم يعجزون عن وصف الحياة، والتعبير عنها جبريا وهندسيا،

إننا لا
نفهم الإنسان ككل.. إننا نعرفه على أنه مكون من أجزاء مختلفة. وحتى هذه الأجزاء
ابتدعتها وسائلنا. فكل واحد منا مكون من موكب من الأشباح تسير في وسطها حقيقة
مجهولة!!
وواقع الأمر أن جهلنا مطبق. فأغلب الأسئلة التي يلقيها على أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بلا جواب. لأن هناك مناطق غير محدودة في دنيانا الباطنية. ما زالت غير معروفة. فنحن لا نعرف حتى الآن، الإجابة عن أسئلة كثيرة مثل:
كيف تتحد جزئيات المواد الكيماوية لكي تكون المركب والأعضاء المؤقتة للخلية؟
كيف تقرر " الجينس " (ناقلات الوراثة) في نواة البويضة الملقحة، صفات الفرد المشتقة من هذه البويضة؟ كيف تنتظم الخلايا في جماعات من تلقاء نفسها، مثل الأنسجة والأعضاء؟ فهي كالنمل والنحل تعرف مقدماً الدور الذي قدر لها أن تلعبه في حياة المجموع، وتساعد العمليات الميكانيكية الخفية على بناء جسم بسيط ومعقد في الوقت ذاته.


ثم يقرّ إقرارا خطيرا، وهو أن هناك أسبابا ثابتة في طبيعة الحقيقة الإنسانية من جهة، وفي طبيعة تفكيرنا وعقولنا من جهة أخرى، فالأمر معقد من جهة، وطبيعة تركيب عقولنا قاصرة عن الخوض فيه، لذلك لم يفلح الإنسان في معرفة حقيقة نفسه، ومعرفة حقيقة احتياجاته، وطرق تلبيتها بحيث لا يلغي الروح فيه ....

والإسلام بالمقابل، يدرك طبيعة العقل البشري وأنه ركّب ليخوض في علوم الأرض، وفي علوم الكون ولتسخيره من حوله، ولكن علوم الحياة وعلوم الإنسان قد تُركت للخالق جلّ وعلا يرسمها للإنسان بالطريقة التي تتسق اتساقا تاما وتركيبه، وتراعي كل الجوانب المعقّدة في الموضوع .ولم تترك للإنسان الذي يعرف الله تعالى فيه ضعفا وهوى، ونزوات لا يستطيع بها أن يرسم لنفسه منهاج حياة .

ثم يعرض الكاتب في منهجية إلى ثلاثة عناصر أساسية يذكر عن كل منها نماذج من التخبط الذي عاشته البشرية والأرض وهي منبتّة الصلة عن خالقها، تختلق هي الأوضاع، وتضع النظريات لترسم للإنسان طرق حياته على هذه الأرض والعناصر التي يتطرق مع كل واحدة منها لأمثلة ونماذج التخبط عبر العصور هي :

1) مسألة النظرة إلى الإنسان وحقيقة فطرته واستعداداته.
2) مسألة النظرة إلى المرأة وعلاقات الجنسين.
3) مسألة النظم الاقتصادية والاجتماعية.


لي بإذن الله عودة .....



« آخر تحرير: 2014-11-10, 12:12:39 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

نعرض للاضطراب والتخبط الذي عرفته البشرية في العناصر الثلاثة آنفة الذكر :

1-الإنسان وفطرته واستعداداته

كم أجحف الإنسان في حق نفسه، وهو يظن أنه يحسن صنعا ! لكم أجحف وهو يترك لأمثال داروين أن يقرروا أصله ! ومنهج الله الذي نزل على كل رسله لم يأتِ يوما بما أتى به هذا الرجل !

لقد كان للفصام النكد الذي عرفناه بتفصيل في كتاب سيد قطب "هذا المستقبل لهذا الدين"
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=6306.msg111608#msg111608

كان لهذا الفصام بين الإنسان والدين، بين حياته والدين، بين العقل والدين، عظيم الدور في أن يأت كل متفلسف بما يهوى، ويقرّ كل واحد ما يريد أن يقرّر، هذا الفصام النكد الذي انبتّت على إثره كل صلة بين الإنسان والدين بكليته، أي دين، فلم يعد يرى في الأديان مرجعا، ولا في مناهجها سبيلا للمعرفة والنور...

ولكنّ الفطرة الإنسانية تأبى إلا أن تصرخ في يوم من الأيام العسِرة التي تجتمع عليها فيها صنوف الهموم والآلام والأسقام، فيشهد شاهد من أهلها، وعلى ألسنتهم تأتي الحقائق...!!

فالداروينيون ذواتُهم، أصبحوا يقرّون العدول عن الكثير الذي جاءت به النظريات الداروينية، ف يأصل الإنسان، مضطرين أمام الصدامات بالواقع، وبالحياة وهي تصرخ أنها من الله لا من نفسها....

فيقول عالم دارويني مثل جوليان هيكسلي أن الإنسان "حيوان خاص" !!

ثم يتأرجح الإنسان في عجلة الاضطراب البشري بالإنسان، واللهو بإنسانيته وفطرته، والعبث بخصائصه النفيسة، فيردّه مرة أخرى للحيوانية الخالصة! ويكفينا في ذلك أن نقرأ هذا :

وبظهور نظرية " داروين " بدأ الخطّار (البندول) يتأرجح عكسياً، واعتبر الإنسان حيواناً مرة أخرى.. ووصل الخطار شيئاً فشيئاً إلى أقصى مدى تأرجحه، وظهر ما بدا أنه النتائج المنطقية لفروض " داروين ". فالإنسان " حيوان " كغيره من الحيوانات. ولذلك فإن آراءه في معنى الحياة الإنسانية، والمثل العليا، لا تستحق تقديراً أكثر من آراء الدودة الشرطية أو بكتريا الباشلس! والبقاء هو المقياس الوحيد للنجاح التطوري. ولذلك فكل الكائنات الحية متساوية القيمة. وليست فكرة التقدم إلا فكرة إنسانية. ومن المسلم به أن الإنسان في الوقت الحاضر سيد المخلوقات ولكن قد تحل محله القطة أو الفأر!
!!!!!!!!!!!!!

ويبقى الرجل في تأرجحخ بين ضغط الحقائق ومقتضيات الإلحاد، فتارة يقر شيئا، وأخرى يقر عكسه، فيعود ويقول مرة أخرى وهو مضطرب، مشوّش يشي اضطرابه بضعفه وضعف أمثاله أمام الحقيقة وقوة الله تعالى في كونه :

وإن العدد والتقاليد لهي الخواص التي هيأت للإنسان مركز السيادة بين سائر الكائنات الحية.. وهذه السيادة " البيولوجية " - في الوقت الحاضر - خاصية أخرى من خواص الإنسان الفذة.
.. وهكذا يضع علم الحياة " الإنسان " في مركز مماثل لما أنعم به عليه كسيد المخلوقات.. كما تقول الأديان


إنهم يتأرجحون، وهم يرون ما يميّز الإنسان عن الحيوان رأي العين، كلامه، خاصية التخيّل عنده، التفكير، التفرّد، وأجهزة الكبت والقمع عند الإنسان والتي لا توجد عند الحيوان، التوحيد النسبي لعملياته العقلية بخلاف الحيوان الذي يجزئها، وجوده في وحدات اجتماعية مثل القبيلة والحزب، والأمة ... وغيرها من خصائصه التي يتفرد بها عن كل الكائنات....
ثم م يعترفون علميا أن الإنسان بما فيه جهاز، ولكن لا يجدون جوابا على "من يدير هذا الجهاز؟" من يعلم كل خلية فيه دورها، ومسؤوليتها، وتدخّلها في حين يُحتاج تدخّلها !!

-----------------------

هذه الحقائق الأساسية الثلاثة: حقيقة أن الإنسان كائن فذ في هذا الكون. وحقيقة أن الإنسان كائن معقد شديد التعقيد. وحقيقة أن الإنسان يشتمل على عوالم متفردة عددها عدد أفراده. هذه الحقائق تقتضي منهجاً للحياة الإنسانية يرعى تلك الاعتبارات كلها. ويرعى تفرد " الإنسان " في طبيعته وتركيبه. وتفرده في وظيفته وغاية وجوده، وتفرده في مآله ومصيره. كما يرعى تعقده الشديد وتنوع أوجه نشاطه وتعقد الارتباطات بينها. ثم يرعى " فرديته " هذه مع حياته " الجماعية ". وبعد هذا كله يضمن له أن يزاول وجوه نشاطه كلها، وفق طاقاته كلها. بحيث لا يسحق ولا يكبت، كما لا يسرف ولا يفرط. وبحيث لا يدع طاقة تطغى على طاقة، ولا وظيفة تطغى على وظيفة.. ثم - في النهاية - يسمح لكل فرد بمزاولة فرديته الأصلية مع كونه عضواً في جماعة..
ولكن - نظراً لجهالتنا بالإنسان - فإن مناهج الحياة التي اتخذها البشر لأنفسهم لم تستطع - وهذا طبيعي - مراعاة هذه الاعتبارات المتشعبة المتشابكة المتفاوتة المتناسقة..
والمنهج الوحيد الذي راعى هذه الاعتبارات كلها كان هو المنهج الذي وضعه للإنسان خالقه، العليم بتكوينه وفطرته، الخبير بطاقاته ووظائفه، القادر على أن يضع له المنهج الذي يحقق غاية وجوده ويحقق التوازن في أوجه نشاطه، ويحقق فرديته وجماعيته كذلك..
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

ودائما مع التخبط في تصور حقيقة الإنسان على مدى العصور :

في الأساطير الرومانية، كان الإنسان ندا للآلهة.

ثم مع مجيئ المسيحية أصبح رمزا للخطيئة، وعليه أن يعيش يكفّر عن خطاياه بالذل والهوان، واعتبرت ميوله الفطرية رجسا ودنسا.

ثم لما ثارت أوروبا على الكنيسة، جعل الناس من العقل إله معبودا ورفضوا أدنى تدخل للدين في حياتهم.

ثم تأتي الضربة القاصمة بالنظريات الوضعية وأشدها وطء التي قالت أن المادة هي الإله ! "لا إله والحياة مادة"، وأصبح الإنسان من مخاليق الطبيعة !!

ثم يأتي "داروين" ليُفقد الإنسان كل ما كان الدين قد أسبغ عليه من الكرامة، والاصطفاء، والخيريّة، وينزل به أحط الدركات، فيصيّره حيوانا !

ثم يتمّ فرويد الصورة الحالكة، بأن أرجع كل سلوك الإنسان للغريزة الجنسية، ولها وحدها !

لقد ظلت أوروبا تتراوح بين الإفراط والتفريط. بين الكبت والتهور. بين سحق
الميول الفطرية والطاقات الطبيعية في الإنسان أو إطلاقها بغير عنان.. ولم تلتزم جادة الاعتدال أبدًا في تاريخها الطويل. ولم يقع التوازن في تصوراتها ولا في حياتها تبعاً لذلك في وقت من الأوقات..




ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

ننتقل إلى العنصر الثاني لمتابعة مدى شطط أوروبا، والعالم من بعدها على خطاها يتتبعها ويقتفي آثارها النكدة، شططها في معرفة تصور حقيقة الإنسان، ونأتي على نماذج في موضوع المرأة والعلاقة بين الجنسين.

2-المرأة وعلاقات الجنسين :


وقد قلت من وحي ما قرأت في هذا العنصر :

لم يوجد على الأرض كلها عبر كل حقب التاريخ منهج نجح في تحقيق الوسطية التي تتلاءم والفطرة الإنسانية...وحده المنهج الإسلامي حقق ذلك...
أوروبا كانت تتأرجح في كل مناحي حياتها بين أقصى اليمين وأقصى اليسار لا تعرف لمواءمة الفطرة سبيلا... كانت بين الإباحية المفرطة أو الرهبانية المفرطة، حتى لم تعرف للإنسان قيمة حقيقية، ولا وزنا...
هي التي كانت ترى المرأة في طور من أطوارها -فترة الإمبراطورية الرومانية قبل المسيحية-سيدة على الرجل حاكما كان أو محكوما، حتى كانت الواحدة منهن تتزوج بالرجل تلو الرجل لا تعرف لذلك حدا، وكذلك كان الرجل يفعل، وفي طور آخر من أطوار أوروبا التائهة-مرحلة الرهبنة الكنسية- أصبحت ترى المرأة شيطانا لا يدفع إلا للخطيئة، حتى أصدرت الكنيسة قراراتها الصارمة تحض على ابتعاد الزوج عن زوجه وعدم اختلاء أحدهما بالآخر !! ولم تعد ترى الفضيلة إلا في العزوبة والبعد عن مخالطة النساء... وانفصمت عرى الأسرة لأن أبناء الزوجين بنظر الكنيسة المترهبة نتاج دنس ورجس..!!
لم تعرف أوروبا سبيلا للوسطية ولمعرفة الطريق التي تحقق التوازن النفسي فلا تجنح بالإنسان نحو الفاحشة والإباحية، ولا تجنح به نحو الرهبنة وتخاريفها !! لم تعرف أوروبا تحقيق ذلك في تاريخها الممتد كله...
فهي بين أقصى يمين وأقصى يسار..! واليوم هي في الناحية القصوى من اليسار...
يااااه ما أبعدك عن الحضارة يا أوروبا ! ما أبعدك عن الحضارة والرقي أيتها الأرض... وما أنت إلا كالببغاء تنقلين صورة أوروبا التائهة في كل مكان منك، ومنهج الله فيك !
منهج الرقي والمواءمة للفطرة... منهج لا يشتط فيلهو بالفطرة وبالنفس بإفراط أو تفريط... منهج يقدر الإنسان، ويعرف مسارب نفسه، ويعرف احتياجاتها، ولا يرى السلامة في الكبت، بل يلبيها بضبط وبرسم للحدود، ويعرف نزواتها وأهواءها فيلجمها، منهج صممه البارئ وفق طبيعة الإنسان وتركيبه وتعقيده، لا يعرف غيره حقيقة الإنسان، ولا يحدد غيره الغاية من وجوده. وكيف لا وقد أسجد سبحانه لعبده ملائكته تكريما... ! عفوا لست بمستطيلة عليك أيتها الأرض العابدة الطائعة! بل أواجه إنسان اليوم عليك !

------

وحده الإسلام قد عُني أيما عناية بموضوع الإنسان، وموضوع المرأة كإنسان وكامرأة تختلف عن الرجل، لها خصائصها ولها دورها، ولها شخصيتها، وهو يساوي بينها وبين الرجل في الحقوق، وفي العلاقة بالخالق سبحانه، والجزاء منه والثواب، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ..." من 195 من آل عمران

كما عني بنوع الصلة بين النفسين، بين الرجل والمرأة، وضبط حدودا مرسومة لهذه العلاقة، "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يتَفَكَّرُونَ(21)"-الروم-   "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُن..."  من 187 -البقرة-  وغيرها من الآيات

كما أعطى للمرأة كل حقوقها، فلم يحرمها إرثا، ولا أن تملك، وبين نظام قيام الأسرة، في آيات مختلفة من كتابه العزيز سبحانه، بدقة متناهية، تعطي لكل ذي حق حقه، وتبين تكريم الإسلام للمرأة كما لم يكرّمها أحد أو منهج....!

وأورد هنا شهادات لسيد قطب رحمه الله أثناء تواجده بأمريكا، وملاحظاته الثاقبة حول طريقة حياة المجتمع الأمريكي، والتي عني بها عناية الدارس المقارِن، فيقول :

---------------------
قالت لي إحدى الفتيات الأمريكيات في معهد المعلمين (جريلي كولورادو) في أثناء مناقشة عن الحياة الاجتماعية في أمريكا: إن مسألة العلاقات الجنسية مسألة بيولوجية بحتة، وأنتم - الشرقيون - تعقّدون هذه المسألة البسيطة بإدخال العنصر الأخلاقي فيها. فالحصان والفرس، والثور والبقرة، والكبش والنعجة، والديك والفرخة.. لا يفكر أحد منها في حكاية الأخلاق هذه، وهو يزاول الاتصال الجنسي. ولذلك تمضي حياتها سهلة بسيطة مريحة!!!
وكانت إحدى المدرسات في المعهد المركزي لتعليم اللغة الإنجليزية للغرباء بمعهد ويلسون للمعلمين بواشنطون، تلقي على مجموعة من طلية أمريكا اللاتينية - الذين يعدون في هذا المركز لتلقي الدراسة باللغة الإنجليزية - درساً في تقاليد المجتمع الأمريكي. وفي نهاية الدرس سألت طالباً من جواتيمالا عن ملاحظاته عن المجتمع الأمريكي.. فقال لها: لقد لاحظت أن فتيات صغيرات في سن الرابعة عشرة وفتياناً صغاراً في سن الخامسة عشرة يزاولون علاقات جنسية كاملة... وهذا وقت مبكر جداً لمزاولة هذه العلاقات.. وكان ردها في حماسة: "إن حياتنا على الأرض جد قصيرة. وليس هناك وقت نضيعه أكثر من الرابعة عشرة"

!!!!!!!!!!!!!!!!

ثم يبين سيد قطب حقائق الكنائس التي ليس لها أدنى دور ديني في ترسيخ الأخلاق، وتنمية الروح الإيماني بين أفراد المجتمعات الغربية، ويبين انخداع الكثيرين برؤية العدد الكبير للكنائس منتشرة في الغرب، وهي قد غدت أماكن لا تختلف عن نوادي اللهو والسكر والرقص، بل تقيم كل هذا برعاية "الأب" !!!!!  فيقول عنها من شهاداته :
------------------
إن الكنيسة - بعد أن ذاقت مرارة الإهمال، ووحشة البعد عن الحياة الاجتماعية، بعد شرود الناس منها منذ عصر النهضة، وخاصة منذ عصر التنوير، ثم عصر الفلسفة الوضعية المادية - قد عادت تلهث وراء المجتمع، وتتعلق بأهداب الناس. لا لتقود المجتمع ولا لتنقل الناس إلى الدين. ولكن لتجري وراء المجتمع، ولتتملق شهوات الناس!
عادت لتقيم في الكنائس - بعد القداس - حفلات مختلطة للجنسين يشرب فيها النبيذ، وتدور حلقات الرقص، وتعرض فيها ألعاب التسلية، ويتخاصر فيها الفتيان والفتيات المخمورين، ويلتذون نشوة المخاصرة والعناق حتى الفجر.. كل أولئك لاجتذاب الشبان والشواب إلى الكنيسة! لقد جربت الكنيسة حين وقفت - بالباطل - في وجه ميول الناس الفطرية، كيف خرجوا عليها وداسوها وأهملوها. فعادت الآن تتجنب أن تقف - بالحق - في وجه شهواتهم ونزواتهم، فيدوسوا عليها ويهملوها! لقد عادت أوروبا إلى حياة الرومان القديمة التي تسمح للآلهة والأرباب أن تنطق بالرجز على ألسنة الكهان، وأن تكون مواسمها مواسم بهجة ولذة ومتاع. وذلك دون أن يسمحوا لها بالتدخل في شئون حياتهم أو توجيهها وجهة تنافي اللذة والمتاع.
« آخر تحرير: 2014-11-10, 14:58:55 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

ونواصل مع الكتاب، ودائما في إطار ما يعرضه من تخبط واضطراب عرفتهما البشرية ببعدها عن منهج الله تعالى، وكما عرفنا ذلك ف يمجالَيْ "الإنسان واستعداداته الفطرية" و "المرأة والاختلاط بين الجنسين"، ننتقل إلى عنصر "النظم الاقتصادية والاجتماعية"

إن هذا التخبط والخلط الذي عاشته الأرض ف يظل الأنظمة الوضعية، لمن دواعي صراخ الفطرة واستغاثتها بمنهجها الذي من أجله خلقت، ومن أجلها أنزله الخالق عزّ وجلّ ...

3-النظم الاقتصادية والاجتماعية


إن الإنسان العنيد الذي اعتدّ بعقله، وبأدواته العلمية، يظنّ أنه سيبلغ الجبال طولا، أو أنه سيخرق الأرض، لَيَقف عاجزا-وإن أنكر عجزه وخبأه- أمام الواقع والحقائق التي يصطدم بها في حياته، فهذا المنهج الإلهي الذي إن اعترف بوجود وبدور له، فهو سيُقصره على شعائر تعبدية، ولن يسمح له بالتدخل في مناحي حياته كلها، بينما تجيبه الحياة بعكس ما يريد، وتبيّن له الحقائق أن هذا المنهج منهج لكل الحياة، لكل دقائقها، لعقله، ولفكره، ولروحه، ولعلاقاته بخالقه وبالكائنات وبالكون من حوله، وباقتصاده، وبعمله وبكل تفاصيل حياته ....

ولتقلّب البشرية بين القوانين الوضعية التي ابتدعها البشر للبشر في مجال الاقتصاد والعمل، سنأخذ أمثلة عن كل قانون ساد الأرض، وظُنّ أنه الدواء والعلاج !

فأوروبا قد عرفت "الإقطاع"، وهو في حقيقته تملّك السيد الشريف للعامل الوضيع كما يملك آلة أو محراثا أو حيوانا، ليس له حق في حركة أو تبديل، أو حياة، إلا بما يشتهي سيده، فهو ملك له كما أن الأرض ملك له، إن انتقل السيد إلى أرض أخرى انتقل الفلاح معه إليها، وكل ارباح الشريف يصنعها كدّ الفلاح الوضيع، هذا النظام الجائر الذي خضع فيه الإنسان لشريعة إنسان مثله ...

ولما انساحت جموع الصليبيين في أرض الإسلام عرفوا ما اتّسم به النظام الإسلامي من مساواة بين الناس، ومن حقوق للأُجَراء، ومن مراعاة لكدح الكادحين، وأن الشريعة التي تحكم السيد والمسود واحدة، وهي شريعة الله تعالى، وأن الحكم عندهم يتولاه قضاة لطالما عُرفوا بالوقوف مع الحق، ومع أهل الحق حتى في وجوه الأمراء والسلاطين ...عرفوا للناس حرية فيما يفعلون، فإن شاؤوا عملوا بالزراعة، وإن شاؤوا بدّلوا فعلموا بالتجارة أو بالحرف، لا يحجر مشيئتهم وحريتهم أحد، ولا يملك اختيارَهم أحد ...

وكردّ فعل لتأثير هذه المشاهدات والمعايشات للمجتمع الإسلامي، وضجّ الأوروبيين بالجور والظلم والاضطهاد الذي قام عليه نظام الإقطاع قام النظام الرأسمالي، كرد فعل على اضطهاد الفرديّة والحرية الشخصية للناس، وليته كان الدواء ! إن كان إلا الداء يداوَى به الداء !

وأطلقت حرية الفرد إلى أقصى الحدود، بل بلا حد أصلا، وضمن هذه الحريات المكذوبة المشطوطة الحرية من كل قيد أخلاقي، والإباحية المطلقة فيما يحب الفرد ويهوى من صنوف الفساد والفاحشة...واعتبار جميع القواعد الأخلاقية هراء لا دخل لها في حياة الفرد وما يريد قضاءه من أوطار، ثم يصبّ النظام الجديد وبالَهُ على البشرية، فيصبح الناس عبيدا لأصحاب رؤوس الأموال و المؤسسات البنكية والصيارف الذين يستحوذون على كدح العمال وحتى على أموال أصحاب المصانع الذين يصنّفون الأغنياء... وقد صنع هذا النظام لنفسه أدواته التي نصّبته على رؤوس الناس من  صحافة ومنظّرين وكتّاب، وأساتذة جامعات،  سحروا أبصار الناس وغشوا بالنظريات بصائرهم. واعتمد الربا أساسا له، واستغلّ أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة لربح سريع وكبير ومضمون شهوات الناس وغرائزهم، ففتحوا لهم كل مهيجات الغريزة الجنسية، وتحللوا من كل خلق أو قيمة، وعدّ ذلك كله ضرورة لتلبية نداءات الغريزة وإرضاء لشهوات الفرد، واستمتاعا بملاذ الحياة ...فكانت السنما، وكان المسرح، وكانت الإباحية في كل شكل ولون ...

ثم جاء رد فعل للجموح الشارد في الحرية الفردية التي أقامتها الرأسمالية، متمثلا في أنظمة أقامتها جماعات، فكان من أهمها الاشتراكية، فكان تمليك الموارد العامة لفئة من الشعب قاعدة الماركسية ...

هذا المذهب الذي وضعه ماركس، ووضع معه الاقتصاد إله يحكم الناس، وقال أن تفسير التاريخ لا يكون إلا من الوجهة الاقتصادية، وأن آلات الإنتاج والإنتاج هو الذي تحكم عبر العصور في العلاقات الاجتماعية، ووفق تغيرها تتغير هذه العلاقات، ومن منطلق تغيرها تقوم الثورات لتغير هذه العلاقات، ولم يكن فيه اعتراف بالله، بل جعلت جوعة البطن هي الحاكم الأساسي في حياة الإنسان، وجاءت الشيوعية أو الاشتراكية الماركسية لتلغي الفردية، وفي هذا جموح جاء يحارب جموحا، وأصبحت الدولة هي المالك للموارد كوكيل عن الشعب، وتجسّدت بهذا رأسمالية الدولة في هذا النظام، وساد الظلم وسادت الأنظمة البوليسية التي أقامتها الدولة ضدّ كل من لا يعترف بالنظام الماركسي، ويحاول الخروج عن نطاقه . ولم يكن نظام ماركس يعرتف بوجود الله ولا بشرائعه ومناهجه.

وأثبتت الحقائق، وصرخات الفطرة قصور الماركسية وشططها كما كان من الرأسمالية، وهكذا تخبط الإنسان بين حد أقصى وحد أقصى غيره، بين داء وداء، وهو يرى نفسه واضع الدواء، بينما الدواء بين يديه، ولكنه شرد عنه، شردت عنه الأرض لما شردت عنه أوروبا، وهي تحاكيها في كل تهوراتها، شرد عنه المسلمون والمنهج بين أيديهم، لما رأوا أوروبا شاردة من الكنيسة، ومن كل دين...!!

وأضع لهذا مقطعا للكاتب، يستحق التأمل :
------------------
ونحن الذين عصمنا الله من أن نكل إلى العلم الإنساني - أو بتعبير العلماء إلى الجهل الإنساني! - مهمة وضع المناهج الأساسية للحياة الإنسانية، بل أمدنا بقواعد المنهج المنير، القائم على العلم المطلق بفطرة الإنسان واستعداداته وطاقاته وحاجاته الحقيقية.
نحن - وهذا فضل الله علينا - جديرون أن ننظر إلى المسألة نظرة أخرى. وأن نأخذ الأمور بالرفق والهدوء. والنظر " العلمي " الصحيح، الذي يتقصى كل جوانب المسألة، ولا ينهش منها شة ويجري شارداً من الكنيسة، وإله الكنيسة، ودين الكنيسة، وتصورات الكنيسة!
وعندئذ ندرك مظاهر التخبط والتأرجح، والأسباب الحقيقية الكامنة وراءها.
وتكون لنا نظرتنا المستقلة، ونظرياتنا المستقلة، ومناهجنا المستقلة القائمة على دراستنا المستقلة، المستمدة من منهج الله وهداه.. ومن ثم نرى أن هناك اختلافاً جذرياً أصيلاً بين منهجنا، وكل المناهج السائدة، وبين مذهبنا وكل المذاهب المعروفة، وبين طبيعة نظرتنا لواقع الحياة البشرية وللتاريخ البشري وكل النظرات القائمة، وبين تفسيرنا للحياة والتاريخ وكل تفسير آخر. وبين كل عنوان اتخذته الأنظمة الاجتماعية البشرية وعنوان نظامنا "الإسلامي".
« آخر تحرير: 2014-11-11, 09:38:48 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"الإسلام ومشكلات الحضارة" -سيد قطب-

حضارة لا تلائم الإنسان

إن هذه الحضارة نشأت في جو الشرود النكد عن الكنيسة، وعن الدين إجمالا، لم تراعِ وهي تتقدم بالمادة وتنوع ابتكار الأشياء أن يظل الإنسان سيد هذه الأرض، وأن تنمّى خصائصه الجنسية والفردية، وأن تؤكّد شخصيته كجنس وكفرد. وهذا التكريم لم يُعطِه للإنسان إلا الدين، بينما هي حضارة شاردة عنه، ولهذا هي لم تُبنَ على أساساته .

ولهذا فإن هذه الحضارة لم تلائم الإنسان، بل هي تسحقه فيما ترفع المادة، تسحق خصائصه، وكينونته، وطبيعته، وتظطهد فطرته . وفي اقتباس شيء من كلام العالم الغربي "ألكسيس كالير" كفاية إذ هي شهادة شاهد من أهلها :

إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنا لا تلائمنا. لقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم، ونظرياتهم ورغباتهم. وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا، إلا أنها غير .( صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا...".

------------------------
وهؤلاء النظريون يبنون حضارات، بالرغم من أنها رسمت لتحقيق خير الإنسان، إلا أنها تلائم فقط صورة غير كاملة أو مهولة للإنسان. إن نظم الحكومات التي أنشأها أصحاب المذاهب في عقولهم عديمة القيمة.. فمبادئ الثورة الفرنسية وخيالات ماركس ولينين، تنطبق فقط على الرجال الجامدين (غير الأحياء أو المتحركين). فيجب أن نفهم بوضوح أن قوانين العلاقات البشرية ما زالت غير معروفة. فإن علوم الاجتماع .( والاقتصاديات علوم تخمينية افتراضية)
-----------------------
إننا قوم تعساء. لأننا ننحط أخلاقياً وعقلياً.. إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نمو وتقدم، هي على وجه الدقة الجماعات والأمم الآخذة في الضعف، والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها. ولكنها لا تدرك ذلك. إذ ليس هناك ما يحميها من الظروف العدائية التي شيدها العلم حولها. وحقيقة الأمر أن مدنيتنا مثل المدنيات - التي سبقتها - أوجدت أحوالاً معينة للحياة. من شأنها أن تجعل الحياة نفسها مستحيلة وذلك لأسباب لا تزال غامضة

-------------------
وإنني لا أستطيع منع نفسي من اقتباس مقتطفات هذا الرجل، وذلك لمدى إدراكه العميق بالكارثة المحيطة بالبشرية من صنع الإنسان نفسه، فتأملوا معي هذه الفقرة الدقيقة، ولننظر ما نجنيه نحن المسلمين على أنفسنا، ونحن نفعل ما يتبرّم منه العقلاء بينهم !!! ولا حول ولا قوة إلا بالله

"لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبداله تدريب الأسرة بالمدرسة استبدالاً تاماً. ولهذا تترك الأمهات أطفالهن لدور الحضانة، حتى يستطعن الانصراف إلى أعمالهن، أو مطامعهن الاجتماعية، أو مباذلهن، أو هوايتهن الأدبية أو الفنية، أو للعب البريدج، أو ارتياد دور السينما... وهكذا يضيعن أوقاتهن في الكسل. إنهن مسئولات عن اختفاء وحدة الأسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار، فيتعلم منهم أموراً كثيرة..
إن الكلاب الصغيرة التي تنشأ مع أخرى من نفس عمرها في حظيرة واحدة، لا تنمو نمواً مكتملاً كالكلاب الحرة التي تستطيع أن تمضي في إثر والديها. والحال كذلك بالنسبة للأطفال الذي يعيشون وسط جمهرة من الأطفال الآخرين وأولئك الذين يعيشون بصحبة راشدين أذكياء. لأن الطفل يشكل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبقاً للقوالب الموجودة في محيطه. إذ أنه لا يتعلم إلا قليلاً من الأطفال الذين في مثل سنه. وحينما يكون مجرد وحدة في المدرسة، فإنه يظل غير مكتمل. ولكي يبلغ الفرد قوته الكاملة، فإنه يحتاج إلى  عزلة نسبية، واهتمام جماعة اجتماعية محددة تتكون من الأسرة
"

« آخر تحرير: 2014-11-12, 06:57:40 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"الإسلام ومشكلات الحضارة" -سيد قطب-

عقوبــــة الفطرة

لم يكن بدّ وقد جنى الإنسان على نفسه باتخاذه للحياة مناهج من صنعه، أن تنتقم الفطرة، وتعاقبه، فإن لها أسسا لا تنهار وإن طُمِست. هذه الأسس التي يأتي عليها يوم من الأيام فتتقوى لا بصنع المعجزات، بل بالانتقام، والعقوبة، تنتقم من الإنسان الذي هي فيه، ليؤدي ضريبة مخالفة ندائها العميق، يؤديها من نفسه وأعصابه وعافيته وبدنه، وطمأنينته، لقد ظهرت آثار التحلل من الدين في الانحلال الأخلاقي المزري، وفي الإباحية المطلقة، وفي فساد العقول بأشربة الفساد وأدخنة الفساد، وفي انقلاب الإنسان أضلّ من الحيوان وهو يلهث فقط خلف شهواته ونزواته، ويجني على نفسه، ويقضي عليها باسم التحرّر من كل قيد ....

واشتدّ سُعار المادة في الإنسان، وتسلط الغني على الفقير، وأكل القوي الضعيف، وذهبت خصائص المرأة، وامتهنت نفسها باسم الحرية، وذهبت خصائص الرجل، وقوّضت بُنى الأسر، وفكّت عُرى الروابط بالفساد والخلط والخبط، وكثرت الحروب واشتعلت نيرانها في كل مكان، وراحت ضحية المادة والدكتاتورية، ونزعة التألّه ملايين الضحايا، ولا يهدأ أوار الأزمات الاقتصادية، وضغط على الأعصاب، وعلى الأبدان، وعلى العقول.... فيخرّ الألوف بين قتيل الأزمات، ومجنون،...
"وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(211)"-البقرة-

يورد سيد قطب تحت هذا العنوان شهادات تمثل فئات مختلفة، للعالم الغربي المدرك لحجم الكارثة، لكاتب مسلم عارف بأمراض الأرض لغياب منهج الله عنها، ولطبيبة .نورد منها على التوالي شيئا :

"يبدو أن الحضارة العصرية عاجزة عن إنجاب قوم موهوبين من ناحية الخيال والذكاء والشجاعة. ففي كل بلد يوجد تناقص في المستوى العقلي والأدبي لأولئك المسئولين عن الشئون العامة"

"ليس العقل قوياً كالجسم. ومن العجيب أن الأمراض العقلية أكثر عدداً من جميع الأمراض الأخرى مجتمعة. ولهذا فإن مستشفيات المجاذيب تعج بنزلائها ، وتعجز عن استقبال جميع الذين يجب حجزهم.. ويقول س. م. بيرس: " إن شخصاً من كل 22 شخصاً من سكان نيويورك يجب إدخاله أحد مستشفيات الأمراض العقلية بين آن وآخر ".. وفي الولايات المتحدة تبدي المستشفيات عنايتها لعدد من ضعاف العقول يعادل أكثر من ثمانية أمثال المصدورين.. ففي كل عام يدخل مصطلحات الأمراض العقلية، وما يماثلها من المؤسسات، حوالي ستة وثمانين ألف حالة جديدة. فإذا استمر عدد المجانين في السير على هذا المعدل، فإن حوالي مليون من الأطفال والشبان الذين يذهبون الآن إلى المدارس والكليات
سوف يدخلون إلى المصحات عاجلاً أو آجلاً!
" ففي عام 1932 كان عدد المجانين المودعين بالمستشفيات الحكومية 340 000 مجنون، كما كان عدد ضعاف العقول والمصروعين المحجوزين في المصحات الخاصة 81580 وكان عدد مطلقي السراح بشرط كلمة الشرف من ضعاف العقول 10930 ، ولا تشمل هذه الإحصاءات الحالات العقلية التي تعالج في المستشفيات الخاصة. وعلاوة على المجانين يوجد في البلاد كلها 500000 شخص ضعاف العقول. ولقد كشف الفحص الذي تولته اللجنة الوطنية للصحة العقلية بعناية، عن أن 400000 طفل على الأقل على مستوى منخفض من الذكاء، إلى درجة أنهم لا يستطيعون الاستمرار في المدارس العامة والإفادة مما يتلقون من علم.. وحقيقة الأمر أن عدد الأفراد الذين انحطوا عقليا أكثر من ذلك بكثير.
ويقدر أن عدة مئات من الآلاف لم تشملهم الإحصاءات الرسمية، مصابون باضطرابات نفسية . وتدل هذه الأرقام على مدى استعداد شعور الرجل المتحضر للعطب، وكيف أن مشكلة الصحة العقلية تعتبر من أهم المشاكل التي يواجهها المجتمع العصري. فإن أمراض العقل خطر داهم: إنها أكثر خطورة من السل والسرطان وأمراض القلب والكلى. بل والتيفوس والطاعون والكوليرا. فيجب أن يحسب للأمراض العقلية حسابها لا لأنها تزيد عدد  المجرمين فحسب، بل لأنها ستضعف حتماً التفوق الذي تتمتع به الأجناس البيضاء  حالياً.. على أنه يجب أن يكون مفهوماً أنه لا يوجد ضعاف عقول ومجانين بين المجرمين بالكثرة التي يوجدون بها بين أفراد الشعب! صحيح أن عدداً كبيراً ممن يعانون من النقائص
العقلية موجود في السجون. بيد أنه يجب ألا يغيب عن بالنا أن أكثر المجانين واسعي الثقافة،ما زالوا مطلقي السراح."
-العالم ألكسيس كاريل-
--------------

"وأكبر الظن أن هذا التجدد في الإقبال على اللذة، قد تعاون أكثر مما نظن مع هجوم داروين على المعتقدات الدينية. وحين اكتشف الشبان والفتيات - وقد أكسبهم المال جرأة - أن الدين يشهر بملاذهم التمسوا في العلم ألف سبب وسبب للتشهير بالدين. وأدى التزمت في حجب الحياة الجنسية والزهد فيها إلى رد فعل في الأدب وعلم النفس صور الجنس مرادفاً للحياة. وقد كان علماء اللاهوت قديماً يتجادلون في مسألة لمس يد الفتاة أيكون ذنباً؟ أما الآن فلنا أن ندهش ونقول: أليس من الإجرام أن نرى تلك اليد ولا نقبلها؟ لقد فقد الناس الإيمان وأخذوا يتوجهون نحو الفرار من الحذر القديم إلى التجربة الطائشة" -ول ديورنت-

--------------------

"ولكن النظام الرأسمالي لم يوزع الثروة بين الناس بما يكفل للجميع وسائل الحصول على تلك المتع واللذات، وأدوات الزينة والزخرفة التي أدخلها في لوازم الحياة. بل هو لم يهيئ للعامة من وسائل المعاش ما يسدون به عوزهم بسهولة من حاجات الحياة الحقيقية - وهي السكنى والطعام واللباس - في تلك المدن التي قد زج بهم إليها..
" كان من نتائج ذلك كله أن أصبحت المرأة كَلا على زوجها، وأصبح الولد عبئاً على أبيه، وتعذر على كل فرد أن يقيم أود نفسه، فضلاً عن أن يعول غيره من المتعلقين به. وقضت الأحوال الاقتصادية أن يكون كل واحد من أفراد المجتمع عاملاً مكتسباً. فاضطرت جميع طبقات النساء - من الأبكار والأيامى والثيبات - أن يخرجن من بيوتهن لكسب الرزق رويداً.
" ولما كثر بذلك اختلاط الصنفين، واحتكاك الذكور والإناث، وأخذت تظهر عواقبه الطبيعية في المجتمع، تقدم هذا التصور للحرية الشخصية، وهذه الفلسفة الجديدة للأخلاق، فهدأ من قلق الآباء والبنات، والإخوة والأخوات، والبعولة والزوجات، وجعلا نفوسهم المضطربة تطمئن إلى أن الذي هو واقع أمام أعينهم، لا بأس به، فلا يوجسوا منه وليس فساداً خلقياً، (Emancipation) خيفة، إذ هو ليس هبوطاً وتردياً، بل هو نهضة وارتقاء  بل هو عين اللذة والمتعة التي يجب أن يقتنيها المرء في حياته، وأن هذه الهاوية التي يدفع بهم إليها الرأسمالي، ليست هاوية النار، بل هي جنة تجري من تحتها الأنهار
" -أبو الأعلى المودودي-

---------------
"إن أول ما قد جر على الفرنسيين تمكن الشهوات منهم، اضمحلال قواهم الجسدية، وتدرجها إلى الضعف يوماً فيوماً. فإن الهياج الدائم قد أوهن أعصابهم، وتعبد الشهوات يكاد يأتي على قوة صبرهم وجلدهم، وطغيان الأمراض السرية قد أجحف بصحتهم. فمن أوائل القرن العشرين لا يزال حكام الجيش الفرنسي يخفضون من مستوى القوة والصحة البدنية المطلوب في المتطوعة للجند الفرنسي، على فترة كل بضع سنين، لأن عدد الشبان الوافين بالمستوى السابق من القوة والصحة لا يزال يقل ويندر في الأمة على مسير الأيام. وهذا مقياس أمين يدلنا - كدلالة مقياس الحرارة في الصحة والتدقيق - على .( كيفية اضمحلال القوى الجسدية في الأمة الفرنسية " -أبو الأعلى المودودي-

----------------

ثم يواصل سيد قطب إيراد هذه الشهادات، وهي كثيرة، وقد نقلت شيئا يسيرا منها أعلاه، وهي شهادات على انتقام الفطرة ومعاقبتها للإنسان ...


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" -سيد قطب-

وفي فصل أخير عنوانه "كيف الخلاص"  يبين سيد قطب رحمه اللهن أن كل هذا البيان لعدم ملاءمة هذه الحضارة للإنسان، لا يعني بشكل من الأشكال أن الإسلام سيحكم بالقضاء عليها، وبتدميرها وإلغائها، فهذا شطط لا يكون من الإسلام، إذ إنها جزء من نتاج العقل الإنساني، والإسلام كان أول منهج على الأرض دعا لسبر أغوار الكون، والمسلمون هم الذين نقلوا لأوروبا مبادئ العلم التجريبي، ومنهم اقتبسوها، وعرفوا الفرق بينه وبين النظريات في تراث اليونانيين ...

أما طريق الخلاص، فقبل أن يورده، فهو يعرض لما قاله واحد كألكسيس كاريل الذي بدا عميق الإدراك بحجم الكارثة إلا أنه لا يخرج من قفص وضعته به تربية من صنع حضارة منبتّة عن منهج الله تعالى،وهو قفص العلم، إذ يرى أن الخلاص في العلم، وسيد قطب هنا لا يعارضه كليا، بل إنه يبين أن العلم جزء من كلّ تحتاجه الأرض، وهذا الكل هو ذلك الإطار الذي تدور فيه كل أوجه نشاط البشرية وهو منهج الله تعالى، الذي يكون الإطار والمتحكّم في كل نظم الحياة.

فما الذي يرى سيد قطب أن منهجنا يرفضه من هذه الحضارة ؟

-----------

إنه سيرفض المذهب المادي " الوضعي أو الحسي " الذي يجعل المادة هي الوجود - ولا شيء غير المادة - وقد تحطمت هذه النظرية " علميا " أو تكاد والحمد لله. والذي يجعل " الإنسان " تابعاً للمادة يتلقى منها فقط، ويتكون من انطباعاتها - وحدها - عقله وتفكيره وتصوراته، مكا يتكون جسمه سواء، مع اعبتاره سلبياً تجاه المادة سلبية مطلقة (كومت وزملاؤه).. والذي يجعل تطورات التاريخ في معزل عن إيجابية الإنسان، ويردها فقط إلى أدوات الإنتاج (كارل ماركس وزملاؤه).كما سيرفض كذلك النظرة الحيوانية للإنسان التي أطلقها " داروين " والنظرة القذرة إلى دوافع الإنسان، وحصرها في وحل الجنس كما يزعم " فرويد " وهو يدرس " الشواذ " ويجعلهم هم " الإنسان "...
كذلك سيرفض منهجنا ما ترتب على هذه النظرات كلها من إقامة الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإقامة نظام العمل وطرائق أساس إهدار آدمية الإنسان، وخصائصه الإنسانية العامة أولاً، وخصائصه الذاتية الفردية ثانيا، وخصائص جنسيه المتميزين ثالثاً، واعتباره ترساً في الآلة، أو بهيمة في القطيع. والاهتمام فقط بمضاعفة الإنتاج، وبتوفير وسائل إشباع الضرورات الجسدية - فحسب - مع إهدار أشواق الإنسان وحاجاته الأخرى في نظام الحضارة (كما يقرر الدكتور كاريل) من حبه للجمال والفن ونشاطه الأدبي والديني.. (غير أن تصور منهجنا للنشاط الديني لن يكون في تلك الحدود الضيقة التي لا يعرف الدكتور كاريل سواها. بل سيكون معناه - كما قلنا - أن يكون الدين هو منهج
الحياة الكلي، الذي تتحرك فيه إطاره، وتنمو بكل أنواع النشاط الإنساني. ومنه العمل والإنتاج والسياسة والاقتصاد، والخلق والسلوك. والصلاة والدعاء، والاتصال بالملأ الأعلى والاتصال بالآلة والإنتاج سواء). 
وسيستدعي هذا تعديلاً في طرق الإنتاج الفنية بحيث توائم بين الرغبة في مضاعفة الإنتاج والإبقاء على خصائص " الإنسان " العامة، وخصائص الفرد الذاتية. وتعديل أوضاع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث توائم كذلك بين استقرار الحياة وتوازنها، والإبقاء على الخصائص " الإنسانية " و " الفردية " مع الإبقاء - كذلك - على خصائص " الجنسين " من ذكر وأنثى.
ومنهجنا لن يجد نفسه في مشكلة أمام الاستمتاع بالتيسيرات الحضارية التي تتيحها الحضارة المادية وفنونها المتجددة للإنسان، ولا أمام الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا، وكنوز الأرض ونتاجها مما تتيجه الحضارة المادية، ولن يحدث نكسة إلى رهبانية روحانية كالتي ابتدعتها الكنيسة في أوروبا، لمقاومة سيل المتاع على الطريقة الرومانية، أو - بتعبير أصح -الهرب من مواجهة الحياة الدنيا.
فمنهجنا لا ينكر الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا، ولا يجمد الإبداع المادي في الأرض، ومن ثم لا يجمد وسائل المتاع بهذا الإبداع.. بل أكثر من هذا، هو يعد ذلك جزءًا من وظيفة الإنسان في هذه الأرض. فالخلافة معناها القيام على شئون هذه الأرض، واستثمار خيرا منها، واكتشاف كنوزها، والاستمتاع بطيباتها، في حدود منهج الله، مع التوجه لله بالعبادة والشكر والاعتراف على ما سخره للإنسان من طاقات في نفسه ومن مدخرات في هذه الأرض. وكثيراً ما من الله على عباده بما أنعم عليهم من الموارد والتيسيرات التي كانت متاحة لهم حينذاك، وبشرهم بغيرها مما سيأتي. كما عقب على ذكر نعمة الأنعام، وما تيسره للإنسان من متاع وراحة ومنفعة وجمال، فقال بعد ذلك كله " ويخلق ما لا تعلمون " فما من شيء طيب تنتجه الحضارة المادية، إلا ومنهجنا يعتبر حقاً للإنسان أن يستمتع به في
حلال..
ولكن هذا المنهج يرفض أن يستمتع الإنسان بخيرات الأرض ونتاج الحضارة كما يستمتع الحيوان. يرفض أن يكون الإنسان عبداً للذائذه، مقهوراً عليها قهراً لا يملك معه إرادته، ولا يملك أن يقف عند الحد الذي يؤمن معه المتاع، فلا يؤدي الإفراط إلى الانحلال والدمار.. والبوار.. يرفض أن يكون المتاع في ذاته غاية غايات الإنسان. فالإنسان أكرم من هذا وأرفع، وغاية وجوده الإنساني أكبر من هذا وأضخم. وهو لا يكون " إنساناً " إلا بأن يدرك غاية وجوده، وأن يسيطر على شهواته ولذائذه وأن يقف عند الحد المأمون منها.. بإرادته..
إن المحافظة على " إنسانية الإنسان " هدف أساسي في هذا المنهج. فهو لا يملك أن يؤدي وظيفته الفذة في الأرض، إلا بتكوينه هذا الفذ. فأي عامل مرفوض من المنهج الإسلامي.


طريق الخلاص


أما طريق الخلاص كما يراه الكاتب، فلن يكون في نظريات، وكتابات، ودعوات، بل سيكون بشكل فاعل ومؤثر في قيام مجتمع إسلامي، والأرض تستصرخ قيام هذا المجتمع، وهو قائم قائم إن لم يكن اليوم فغدا، وطريق قيامه لن تكون أبدا سهلة، ولا قصيرة، بل يحتاج لآماد، ولصبر ولجهود، وإن أمريكا والصهيونية لترضى أن يُتحدث عن الإسلام قليلا، أو تعرض عنه أفلام، أو أو ولكنها لن تقبل أبدا ولن ترضى بقيام رقعة في أقصى أقاصي الأرض مهما كانت صغيرة تطبق الإسلاتم وتعيش به منهجا !!!

وألف كتاب عن الإسلام. وألف خطبة في مسجد أو قاعة أو ميدان. وألف فيلم في الدعاية للإسلام. وألف بعثة من الأزهر أو غير الأزهر في كل مكان.. كل أولئك لا يغني غناء مجتمع صغير يقوم في ركن من أركان الأرض، يعيش بمنهج الإسلام، ويعيش لمنهج الإسلام، وتتمثل فيه خصائص هذا المنهج، وتتمثل فيه صورة الحياة في الإسلام!!

كما يبين أن المشكلة ليست في تطوير فقه يحل مشكلات المجتمع حيال هذه الحصارة، بل المشكلة في تكوّن مجتمع إسلامي ابتداء، مجتمع يجعل من شريعة الله تعالى هي منهجه، ويحكّمه، مهما كان صغيرا، فإن الفقه لن يجد منبتا صالحا إلا في هذه الأرض، وما عداها من دعاوى تطوير فقه للمجتمعات إنما هو بذر في الهواء ....

"ذلك أن المجتمع الوليد سيتجه حينئذ مباشرة إلى شريعة الله الأصيلة. لا إلى آراء الرجال في الفقه. لأنه لن يجد في آراء الرجال - وهي مفصلة لعصور خاصة ولظروف خاصة - ما يساوي قده، إلا بعمليات ترقيع وتعديل.. وعندئذ يعمل إلى القماش الأصلي الطويل العريض.. (الشريعة).. ليفصل منه ثوباً جديداً كاملاً، بدلاً من الترقيع والتعديل! إن هذه ليست دعوة لإهمال الفقه الإسلامي، وإهدار الجهود الضخمة العظيمة التي بذلها الأئمة الكبار. والتي تحوي من أصول الصناعة التشريعية، ومن نتاج الأحكام الأصيلة، ما يفوق - في نواح كثيرة - كل ما أنتجه المشرعون في أنحاء العالم.
ولكنها فقط بيان للمنهج الذي قد يأخذ به المجتمع الإسلامي الذي ينشأ - عندما ينشأ - وبيان لطبيعة المنهج الإسلامي في إنشاء الأحكام الفقهية. إنشائها في مواجهة الواقع الفعلي للمجتمع الذي يعترف ابتداء بحاكمية الإسلام.
"

كما حدد شرطين للمشرعين والفقهاء
1- أن يعيشوا في مجتمع يرتضي الشريعة الإسلامية منهجا.
2- أن يطبقوا الشريعة في حياتهم الخاصة.
ضاربا مثلا بأبي بكر وعمر والفقهاء من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم .

"وهذا هو الأمر في اختصار وإجمال..
توجد نقطة البدء. نقطة استقرار هذه الحقيقة في قلب.. في عدة قلوب.. في قلوب العصبة المؤمنة.. ثم تمضى القافلة في الطريق.. في الطريق الطويل.. الشائك.. الغريب اليوم على البشرية غربته يوم جاءها الهدى أول مرة - فيما عدا بعض الاستثناءات - ثم تصل القافلة في نهاية الطريق الطويل الشائك.. كما وصلت القافلة الأولى..
لست أعزم أنها مسألة هينة. ولا أنها معركة قصيرة.. ولكنها مضمونة النتيجة.. كل شيء يؤديها.. كل شيء حقيقي، وفطري، في طبيعة الكون، وفي طبيعة الإنسان.. ويعارضها ركام كثير. ويقف في طريقها واقع بشري ضخم. ولكنه غثاء! ضخم نعم.. ولكنه غثاء!
"
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب