المحرر موضوع: العقيدة الإسلامية  (زيارة 21393 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
العقيدة الإسلامية
« في: 2014-06-09, 19:30:49 »
بسم الله الرحمن الرحيم

المحاضرة الاولى

العقيدة وطرق اكتسابها

 
معنى العقيدة

إننا نعتقد بوجود أشياء كثيرة من ذوات وصفات، أو بتعبير آخر من جواهر وأعراض، ونجد قلوبنا مطمئنة بما نعتقد به، ليس فيها أدنى شك، كاعتقادنا بوجود ذواتنا وصفاتنا، وكاعتقادنا بوجود الشمس والقمر والغيوم والحيوان والنبات، وأشياء كثيرة من حولنا في الأرض والسماء، ولو جاءنا كل الناس يحاولون تشكيكنا فيما نعتقد لم يؤثروا بنا أي أثر.
 فما تعريف العقيدة؟

تعريف العقيدة:

العقيدة لغة: هي من العقد والتوثيق والإحكام والربط بقوة.  وتقول العرب: اعتقد الشيء: صلب واشتد.
العقيدة عرفاً: هي الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده، أو هي الأفكار التي يؤمن بها الإنسان إيماناً يقينياً لا يمازجه ريب أو ظن، والتي تحل في قلبه وضميره، فتحرك عواطفه، وتنعكس على تصرفاته وسلوكه، وتتمكن في نفسه بحيث يتعذر نزعها منه بسهولة، وقد تكون صحيحة صالحة، أو فاسدة خاطئة.
العقيدة شرعاً:   هي الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده، والإيمان هنا هو الإيمان بالله تعالى، وما يجب له من التوحيد والتنزيه والطاعة، وبملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وسائر ما ثبت من أمور الغيب والأخبار والقطعيات، علمية كانت أو عملية.

ويتضح من تعريف العقيدة لغة وشرعاً أنها تدور حول الشيء الصلب والشديد، الذي لا ليونة فيه ولا ميوعة، بل هو شيء ثابت راسخ رسوخ الجبال، قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا}    لأن عقيدتهم جازمة لا ريب فيها.

فالعقائد هي الأمور التي تصدق بها النفوس وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقيناً عند أصحابها، لا يخالطها شك، ولا يهزها ريب، ولا يثنيها حدث، ولا تذهبها الأعاصير، فهي متمكنة من القلوب وراسخة فيها، تتزلزل الجبال وهي ثابتة راسخة، تقتلع الأوتاد من جذورها، وتأبى العقائد إلا أن تثبت.

ولكن!!.. هناك كثير مما يعتقده الناس قد يبلغ في نفوسهم هذا المبلغ الأسمى من تحريك العواطف وتوجيه السلوك دون أن يدخل إلى أعماق الأنفس من طريق سليمة واضحة، أو منهج علمي صحيح.

فعلينا إذاً في المسلك العلمي السليم أن نبحث في سلامة الطريق التي توصل إلى أعماق نفوسنا أية عقيدة من العقائد.                                            .
فالمعتقدات تسلك لنفوس الناس عدة طرق، منها ما هو سليم منطقي، ومنها ما هو مقبول مع تطرق الاحتمال إليه، ومنها ما هو مزيف مرفوض.                                       

وقبل أن نبحث في هذه الطرق، دعونا نبحث في قوى الإنسان الإدراكية أولاً، والتي سيستخدمها الإنسان في التعرف على العقيدة واكتسابها وتبنيها.


قوى الإنسان الإدراكية

1- الحواس وحدودها:

في داخل الإنسان قوة إدراكية كبيرة ولكن مدركاتها لا تنبع من داخلها، وإنما تأتيها من العالم الخارجي عنها عبر منافذ خاصة هي الحواس. فبمقدار ما تنقل هذه الحواس من حقائق للقوة الإدراكية تستطيع أن تتخيل وتدرك، وتحلل وتركب، وتستنتج القواعد العامة، وتقيس الأشباه والنظائر بعضها على بعض، ولا تستطيع شيئاً غير ذلك، فالعميان الذين يولدون وهم فاقدو الإبصار مثلاً، مهما أوتوا من الذكاء، لا يستطيعون أن يتصوروا في مخيلتهم شيئا عن الألوان، مهما حاولنا أن نقرب لهم ذلك بالتشبيه والتمثيل، حيث لم يسبق لهم أن اتصلوا بإدراك حقيقة أي لون من الألوان عن طريق البصر.
  ولعلنا لو مُنحنا بعض حواس أخرى –غير الداخلة في تركيبنا- لكنا اكتشفنا من حولنا أشياء كثيرة هي مغيبة الآن عنا لأننا لا نحس بها، إذ لا توجد لدينا الحاسة الخاصة التي نتمكن بواسطتها أن نكتشفها وندركها؟                                     
أليس في هذه الأجهزة التي تدل على درجات الحرارة، وعلى درجات الضغوط الجوية، وعلى مقادير الكثافة -إلى غير ذلك من أجهزة مختلفة- ما يشير إلى نقص كبير في حواسنا؟ وقد كان من الممكن عقلاً أن نؤتى الحواس التي ندرك بها ما تتحسسه هذه الأجهزة وتدل عليه          .
   حواسنا التي هي منافذنا للعالم الخارجي، قصيرة المدى، ومحدودة كماً وكيفاً. فالفضاء مملوء بالصور التي لا نستطيع أن نلتقطها بأبصارنا في حين تلتقطها الصحون اللاقطة مثلاً، ومملوء بالأصوات التي لا نسمعها، لأن الانسجام والتوافق بين وضع هذه الأصوات والصور ووضع أسماعنا وأبصارنا غير متوفر.                                                        .
أجسام أصغر من أن تُرى أو أبعد من أن تُشاهد، وأصوات أخفت من أن تُسمع أو أبعد من أن يلتقطها سمعنا.                                               
والادعاء أن هذه الأشياء غير موجودة لأننا لم نحس بها أمر ترفضه العقول رفضاً باتاً، لأننا نعلم من ألوف التجارب اليومية أن حواسنا محدودة كماً وكيفاً.

2- الخيال وحدوده:

قوة الخيال قوة عجيبة منحها الخالق –جل وعلا- للإنسان، ومع ذلك فهي مقيدة أيضا بقيود الحواس، فمهما حاولنا أن نتخيل صورة ما من الصور، ومهما سبحنا فيها مع الأوهام الخرافية، فإننا لا نستطيع أن نفعل أكثر من أن نضم أجزاء موجودة فعلا في الكون بعضها إلى بعض، وهذه الأجزاء قد أدركناها فعلا عن طريق حواسنا، ولكننا بهذا التخيل ضممنا هذه الأجزاء الموجودة بشكل متباعد، فتخيلناها على شكل وحدة متماسكة في صورة.
فالذين يتخيلون مثلاً المخلوقات الفضائية برأس وعين واحدة وعدد كبير من الأطراف، وقوى هائلة، لم يفعلوا أكثر من تركيب ما عرفوه بحواسهم من أجزاء في صورة كلية جديدة، فالعين معروفة، وكذلك الرأس، وقوة الريح وسرعة البرق واختراق الرصاص ... إلخ.. التي نتخيلهم عليها كلها أمور عرفناها بحواسنا، ولكننا غيرنا بخيالنا الأوضاع والهيئات التي عرفناها عليها فأضفنا هذا إلى ذاك وكونّا الصورة الجديدة. لكن خيالنا لا يمكن له على الإطلاق أن يأتي بشيء لم يسبق له أن رأى أو أحس بمثيل له في حياته من خلال حواسه.

3- العقل وحدوده

والعقل مقيد بعالم الحس، لا عمل له في الحكم على عالم الغيب (الميتافيزيك)، ذلك لأن القوة العاقلة فينا التي تجمع بين المصورة والذاكرة والمخيلة والذكاء، تقوم بعملها الجبار في التحليل والتركيب، والجمع والتفريق، واستنتاج القواعد العامة والكليات، وقياس الأشباه والنظائر بعضها على بعض، بعد أن تنقل الحواس المختلفة إلى المصورة أشرطة مشاهداتها في الكون: شريط المرئيات وشريط المسموعات وشريط المذوقات .... إلخ، وشريط الوجدانيات الداخلة في الإنسان، ثم تكون أحكامها مقيدة بحدود هذه الأشياء التي جاءتها عن طريق الحس.
وهذه القوة العاقلة فينا لا تستطيع أبداً أن تصدر أحكامها على مغيبات لم يعرض أمامها شريط مسجل عنها، وقد يختلف عالم الغيب عن عالم الحس كل الاختلاف، فلا يمكن الحكم عليهما بالتشابه.
والقاعدة الثابتة عند العلماء أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فعالم الغيب لا تستطيع عقولنا أن تحكم على شيء فيه بإثبات أو نفي استقلالاً ذاتياً، إلا أن يأتيها خبر يشهد العقل بإمكان وجوده وبصدق ناقله، عند ذلك يسلم بمضمونه تسليماً تاماً دون مناقشة أو اعتراض.

وحيث إن عالم الحس فينا محدود، فالعقل فينا أيضا محدود من وجهين:

الوجه الأول:  محدود بين شيئين هما الزمان والمكان، لذلك يسأل العقل دائماً: متى؟ وأين؟
ذلك أن جميع الأشياء التي اتصل بها حِسُّنا لا بد أن توجد في مكان، وأن يجري عليها زمان، ولا يستطيع العقل أن يتصور أو يتخيل موجودات لا أمكنة لها، أو أشياء لا يجري عليها زمان، علماً بأن من الأصول المقررة عند جميع العقلاء الواعين المنصفين أن ذات الله تعالى لا يجري عليها زمان، وليست بحاجة إلى مكان، لأن الله هو خالق الزمان والمكان.
الوجه الثاني:  محدود حينما يعلن عجزه عن التسليم بواحد من احتمالين في الكون لا ثالث لهما، فمثلاً يتساءل كل إنسان عاقل بينه وبين نفسه:  هل هذا الكون متناهٍ أو غير متناهٍ؟ فإذا قال لنفسه الكون متناهٍ، قال له وهمه:  وماذا بعد النهاية؟ وإذا قال لنفسه الكون لا نهاية له، قال في نفسه: كيف يكون شيء لا نهاية له؟  ثم هو مضطر -عقلاً-  أن يتردد بين هذين الاحتمالين، ولا ثالث لهما، وهو لا يسلم بواحد منهما، وما ذلك إلا لأن العقل محدود. 
فإذا كان العقل عاجزاً عن فهم أشياء في الكون من حوله، وعن الإحاطة بصورتها الحقيقية، فكيف يستطيع أن يحكم على صفات الله عز وجل أو غيرها من أمور الغيب؟... إنما حده في ذلك الوقوف عند حدود الخبر الصادق.
{والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذّكر إلا أولو الألباب}
وبالرغم من أن العقل هو الطريق محل الثقة الأول في اكتساب العلوم، وبالتالي في بحث العقيدة، إلا أنه قد يتوصل بأدلة قاطعة إلى ما لا يستطيع هو أن يتصوره، وحينها يكون الإنسان العاقل بين أمرين: إما أن ينكر ما وصل له بالأدلة القاطعة، وإما أن يقبلها مع الإقرار بعجزه عن تصور كيفيتها أو ماهيتها، وأولو الألباب لا يحملهم الاستكبار والعناد على إنكار ما توصلوا له بالأدلة القاطعة، بل يقرون بقصورهم ومحدودية قواهم العقلية والإدراكية، ويسلمون بما أثبته العقل وإن عجزوا عن تصوره.
ولكن كيف يحكم العقل على الأمور، وهل تختلف الأحكام العقلية المجردة عن الأحكام العادية؟ وهل الأمور العقائدية تخرج عن نطاق العقل لكونها من الغيب الذي لا يستطيع العقل فهمه وسبر أغواره؟ أم أن للعقل في الحكم عليها دوراً؟ وما هو هذا الدور؟ وما حدوده؟

« آخر تحرير: 2014-06-09, 19:33:54 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #1 في: 2014-06-09, 19:31:45 »
هذا الموضوع أنشره بنا على طلب زينب الباحثة
وآمل ان تجدوه نافعا
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #2 في: 2014-06-13, 22:46:10 »
بارك الله فيك يا تيتة وجزاكِ خير الجزاء  ::roses2:: ::roses2::
متابعة بشوق كبير :)

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #3 في: 2014-06-15, 09:19:33 »
الدرس الثاني
[/b]

الأحكام العقلية والأحكام العادية




الأحكام العقلية: 

يهمنا في هذا الجزء من البحث أن نميز بين نوعين من الأحكام العقلية: المستحيل عقلاً، والمستحيل عادة.

إن كل ما يتصوره الفكر لا يخلو أن يكون واحداً من الأقسام الثلاثة التالية:

القسم الأول- جائز الوجود أو ممكن الوجود عقلا:

وهو ما يقبل العقل إمكان وجوده وعدمه، ولو في حالة من الحالات التي يتصورها الذهن وضمن شروط معينة، وطبق أنظمة خاصة. وهو أمرٌ وجوده أو عدمه ليس واجباً في العقل ولا مستحيلا.ً

أمثلة:
•   وجودنا نحن البشر على الأرض... كان من الممكن ألا نكون موجودين، أو نكون موجودين على غير هذه الصورة التي نحن عليها وبغير هذه القدرات التي خلقنا بها.
•   النار محرقة، إلا أنه كان من الممكن ألا تكون محرقة بل مضيئة فقط، أو تكون محرقة غير مضيئة لو خلقت بخواص أخرى.
•   انقلاب الجماد إلى حيوان أو الحيوان إلى جماد أمر ممكن عقلا، لكننا بحسب العادة المستمرة لا نشاهد جمادات تنقلب إلى حيوانات، فحكمنا بالاستحالة على ذلك بحكم العادة لا بحكم العقل.

القسم الثاني- مستحيل الوجود عقلاً :

وهو ما يوجب العقل عدمه، ولا يجيز إمكان وجوده في أية حالة من الحالات التي يتصورها الذهن، مهما تسامح في تخيل الشروط المناسبة لقبول وجوده معها، لأنه مناقض للبديهيات العقلية.

أمثلة:
•   الشيء الواحد من جهة واحدة وفي مكان وزمان محددين وبصفة معينة، يستحيل أن يكون موجوداً ومعدوماً معاً، مهما حاولنا أن نتوسع ونتسامح في تصوراتنا، أما إذا انفكت الجهة أو اختلف الزمان، فإنه لا استحالة، وذلك لعدم افتراض جمع المتناقضين معا.
•   الجزء من الشيء الواحد يستحيل عقلاً أن يكون أكبر من كل ذلك الشيء.


من المستحيلات العقلية:

أ‌- يستحيل عقلاً اجتماع النقيضين في شيء واحد وزمان واحد، فلا يمكن أن تكون عين شخص ما نفسها مبصرة وعمياء في نفس الوقت، أو يكون أصماً وسميعاً في نفس الآن لنفس الأصوات.
ب‌- ترجيح أحد المتساويين تساوياً تاماً على الآخر من غير مرجح مستحيل عقلاً، فلا يمكن لكفتي ميزان في كل منهما نفس الثقل، أن ترجح إحداهما وتطيش الأخرى دون أي سبب أو مبرر.
ج‌- توقف وجود الشيء على وجوده نفسه، أو توقف انعدام الشيء على انعدامه نفسه أمر مستحيل عقلاً، كأن يقال أن السموات والأرض خلقت نفسها بنفسها، أو أن صنفاً من الحيوانات المنقرضة أعدم وجود نفسه بنفسه.. إلخ..

القسم الثالث- واجب الوجود عقلاً:

وهو ما يوجب العقل وجوده، ولا يجيز إمكان انعدامه في أي حالة من الحالات التي يتصورها الذهن، مهما تسامح في تخيل الشروط المناسبة لقبول عدمه معها.

وينحصر واجب الوجود عقلاً في الخالق جل وعلا وفي صفاته العلية.
فالعقل لا يجيز بحال أن يكون العدم هو الأصل في الوجود، إذ يستحيل عقلاً أن يتحول العدم بنفسه إلى وجود دون موجد.


الأحكام العادية:

الأحكام العادية هي التي تنتج عن مراقبتنا للواقع وما نراه فيه من قوانين وسنن.

1- الممكن عادة: هو كل أمر يصح أن يوجد أو ألا يوجد بحسب مجرى العادات لأننا نشاهد وجوده مرة وعدمه مرة، كنزول المطر وهبوب الرياح، وقدوم المسافر وموت أي إنسان فجأة أو إصابته بمرض.

2- الواجب في العادة: هو ضد المستحيل في العادة، وهو كل موجود لم نلاحظ في العادة تخلف آثاره، ويشمل هذا سنن الله في الكون، والقوانين التي أودعها في الطبيعة والخلق، كآثار قانون الجاذبية، ونظام خروج النبات من الأرض، وطفو بعض الأجسام على الماء، إلى غير ذلك من أنظمة لم نشاهد تخلفها، وهي موضوع دراسة العلماء التجريبيين الذين يسعون لاكتشافها ومن ثم استخدامها. 
وهذا الواجب عادة هو من الأمور الممكنة عقلاً وليس الواجبة عقلاً ، فحُكمنا أن النار يجب أن تحرق هو حكم بموجب العادة، أما عقلاً فكان من الممكن أن تكون النار مضيئة وغير حارقة، فإحراق النار ممكن عقلاً واجب عادة.

3- المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً): هو حصول أمر خارق لقانون من قوانين الكون، فأن يدخل شخص النار ولا يحترق، أو يضرب البحر بعصاه فينفلق، هذه أمور مستحيلة عادة لأنها خارقة للقوانين الني أودعها الله تعالى في هذا الكون وألفها الإنسان، وهذا المستحيل عادة، الخارق لقوانين الطبيعة، هو ما يتحقق على يد الأنبياء بهيئة المعجزة، لأنه ممكن عقلاً، فكان من الممكن أن يكون للإنسان قوى خارقة تمكنه من الطيران أو الانتقال السريع بين الكواكب، أو تكون الشمس مطفأة والقمر مضيئاً، والأشعة السينية مرئية، والنار غير محرقة، والماء أشد كثافة من الحديد.... إلخ...


تطبيقات:

فلنحاول كتطبيق على ما سبق أن نصنف الأمثلة التالية ضمن أقسام الأحكام العقلية أو العادية:

•   اجتياز الإنسان أقطار السموات والأرض بطرفة عين 
•   إطفاء النار بالبنزين 
•   أن تكون عين الدجال العمياء مبصرة 
•   رفع جبل كبير وتثبيته في الجو بين السماء والأرض 
•   إحياء الميت نفسه 
•   إصابة الماشي على الرصيف بحادث مرور 
•   أن يتوقف نمو الحيوان على تغذيته وتتوقف تغذيته على أوامره العصبية، وتتوقف أوامره العصبية على إرادته، وتتوقف إرادته على نموه ليعقل ويصدر عقله الأوامر. 
•   تبخر الماء إذا تعرض للحرارة.



*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #4 في: 2014-06-16, 12:06:03 »
 good::)(
•   اجتياز الإنسان أقطار السموات والأرض بطرفة عين
المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً)
•   إطفاء النار بالبنزين
المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً)
•   أن تكون عين الدجال العمياء مبصرة
مستحيل
•   رفع جبل كبير وتثبيته في الجو بين السماء والأرض
المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً)
•   إحياء الميت نفسه
المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً)
•   إصابة الماشي على الرصيف بحادث مرور
الممكن عادة
•   أن يتوقف نمو الحيوان على تغذيته وتتوقف تغذيته على أوامره العصبية، وتتوقف أوامره العصبية على إرادته، وتتوقف إرادته على نموه ليعقل ويصدر عقله الأوامر.
I didnt understand this one
•   تبخر الماء إذا تعرض للحرارة.
الممكن عادة

sorry no arabic keyboard (i am outside) :blush::

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #5 في: 2014-06-17, 09:39:12 »
good::)(
•   اجتياز الإنسان أقطار السموات والأرض بطرفة عين
المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً)
•   إطفاء النار بالبنزين
المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً)
•   أن تكون عين الدجال العمياء مبصرة
مستحيل
•   رفع جبل كبير وتثبيته في الجو بين السماء والأرض
المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً)
•   إحياء الميت نفسه
المستحيل عادة (لكن ممكن عقلاً)
بل هو مستحيل عقلا.. لأن توقف وجود الشيء على وجوده نفسه مستحيل عقلا

•   إصابة الماشي على الرصيف بحادث مرور
الممكن عادة
•   أن يتوقف نمو الحيوان على تغذيته وتتوقف تغذيته على أوامره العصبية، وتتوقف أوامره العصبية على إرادته، وتتوقف إرادته على نموه ليعقل ويصدر عقله الأوامر.
I didnt understand this one
هو مستحيل عقلا.. لأن توقف وجود الشيء على وجوده نفسه مستحيل عقلا... وهذا كمثال إحياء الميت نفسه ، ولكن بسلسلة أطول... فتأمليها

•   تبخر الماء إذا تعرض للحرارة.
الممكن عادة

sorry no arabic keyboard (i am outside) :blush::

انظري التصويب داخل الاقتباس
وشكرا لك لحلك التدريب
  emo (30):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #6 في: 2014-06-17, 09:56:16 »

الدرس الثالث
طرق إثبات العقيدة في نفوس الناس



قلنا  أن المعتقدات تسلك لنفوس الناس عدة طرق، منها ما هو سليم منطقي، ومنها ما هو مقبول مع تطرق الاحتمال إليه، ومنها ما هو مزيف مرفوض. فلنتعرف إلى هذه الطرق لنميز بينها:

1- الطريق المنطقي السليم

أ‌-  مسلك الإدراك الحسي – فالعلم اليقيني- فالإدراك الراسخ

تنقل حواسنا صور الأشياء إلى ساحة الإدراك منا، ويتكرر ذلك عدة مرات، مع يقيننا بسلامة حواسنا، وقد يضاف إلى ذلك شهادة توافق الناس في الإحساس نفسه، فينتقل الإحساس إلى خزائن العلم، ثم يتغلغل في نفوسنا حتى يصبح قادراً على أن يحرك عواطفنا ويوجه سلوكنا، وعندها يكون عقيدة راسخة.
مثال ذلك: اعتقادنا بوجود الأرض من تحتنا، والسماء من فوقنا، وأن النار محرقة، والشمس مضيئة والعسل حلو المذاق والفل عطر الرائحة.

ب‌-  مسلك الاستنتاج العقلي- فالعلم اليقيني- فالإدراك الراسخ

أفكار كثيرة تعامل داخل عقولنا بالتحليل والتركيب والاستنتاج، ثم تتبلور هذه النتائج بصورة علم جديد، فإذا تكررت شواهده وبراهينه صار عقيدة راسخة في نفوسنا، ومثال ذلك كثير من علومنا ومعارفنا التي نعتقد بها اعتقاداً جازماً، وهي من العلوم التي توصلنا إليها عن طريق الاستنتاج بمسلك منطقي رياضي، كاستنتاجنا مثلاً أن الألف أكثر من المائة، وأن الكل أكبر من الجزء، وأن حاصل ضرب 25 في 25 هو 625 .. وهذا يفيدنا العلم اليقيني قطعاً فالاعتقاد الراسخ.
كذلك كثير مما نستنتجه في حياتنا الدائمة من خلال بعض الظواهر التي نحس بها، كعلمنا بأن طارقاً ما يطرق الباب علينا حينما نسمع قرعاً على الباب، وأن شخصاً ما قد قذف الحجر الذي رأيناه يندفع أمامنا في الفضاء، وأن شخصاً ما عبث بأوراقنا لو رأيناها مبعثرة... وهكذا.


ج‌-  مسلك الخبر الصادق- فالعلم اليقيني- فالإدراك الراسخ

قد يقوم برهان العقل على أن مُخبراً ما -فرداً كان أو جماعة- صادق قطعاً فيما يخبر به من أمور وصل إليها حسه، فيمر خبره على مراكز الإدراك للتأكد من صورة الخبر وفهم المراد منه، ثم ينتقل مباشرة فيكون علماً يقينياً، ثم يتحول إلى مراكز الاعتقادات فيكون عقيدة راسخة.
فكلنا نعلم علماً يقينيا ً-مثلاً-  بوجود بلاد اسمها الصين، دون أن نرى جميعاً هذه البلاد ودون أن نستطيع بطريق العقل استنتاج وجودها، وإنما وصلت لنا الأخبار المتواترة بوجودها. وكذلك نعلم علما يقينياً بقيام الحرب العالمية الأولى، ونحن لم نحضرها ولم نشهد وقائعها، ولو جاءنا رجل وقال لم تقع حرب عالمية أولى، وليس في الدنيا بلاد اسمها الصين، لكذبناه فوراً، لأن خبره باعتباره آحاداً لا يقوى في عقولنا على تضعيف الأخبار المتواترة.
ومن هنا نرى أن الأخبار المتواترة تفيدنا العلم اليقيني بداهة، لأنه مستقر في نفوسنا أنه لا يمكن عقلاً أن تتفق على الكذب هذه الكثرة الكاثرة من المخبرين الذين اختلفت أحوالهم وتباينت أغراضهم، وهم في حالة لا يجمعهم معها على الكذب جامع.
فنحن نجد أنفسنا مضطرين عقلاً أن نقبل خبرهم، ونعتقد به حقيقة واقعة غير قابلة للشك، وإلا حُرمنا أكثر العلوم والمعارف، وحُرمنا إدراك أي حقيقة من حقائق التاريخ.
كذلك لو أخبرنا بالخبر فرد نعرف بصورة قطعية صدقه وأمانته وتحريه للدقة والصحة فيما يخبر به، فإن خبره يتخذ في نفوسنا موقع العلم اليقيني أيضاً .



ملاحظة مهمة: يشترط في الخبر أن يكون عن أمور محسوسة... اما إن كان عن قضية عقلية،  كالنظريات الرياضية مثلا، أو وجود الله، أو وحدانيته، فهذه تتطلب قناعة عقلية، ولا تؤثر فيها قلة المخبرين أو كثرتهم.
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #7 في: 2014-06-18, 22:55:16 »
متابعة :)

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #8 في: 2014-06-20, 18:26:55 »

تتمة الدرس الثالث
طرق إثبات العقيدة في نفوس الناس



2-  الطريق المقبول الذي يتطرق إليه احتمال البطلان

هنالك مسالك مشابهة للمسالك الثلاثة الأولى، لكنها دونها في المرتبة، فلا تنال درجة القطعية التي تنالها مسالك اليقين، ولكن الفكر يرتضيها ويقبلها باعتبار أن الظن يرجح كونها حقاً وموافقة للواقع، فقد لا يبلغ إدراكي الحسي مبلغ التحقق لنقص بعد الشروط، كأن أرى شيئاً غير واضح 100% لبعده أو لصغره أو لعدم وجود إضاءة كافية، لكن يغلب على ظني أني رأيته وعرفت صفاته.
أو لا يبلغ الاستنتاج العقلي مبلغ اليقين، كالنظريات والفرضيات العلمية التي تحتاج لبراهين وتجارب كثيرة لإثباتها، لكن يغلب على الظن صحتها لشواهد عديدة.
أو لا يبلغ الخبر مبلغ التواتر، لكن يبلغه شخص أو اثنان معروفان بالصدق، فيغلب على الظن أن خبرهما صدق كذلك.
فهذه هي مسالك الظنون الغالبة، فهي لا تفيد اليقين، ولا تصلح لأن تتحول لعقائد جازمة غير قابلة للتعديل أو للنسخ، بل يجري الاعتقاد بها والعمل بموجبها حتى يأتي ما يعدلها أو يزيلها، أو يثبتها.

3- الطريق المزيف المرفوض:
 
وهو ما يسلك مسلك الشكوك والأوهام والتقاليد العمياء، وكذلك الاعتماد على الرؤى والإلهام والكشف، وسائر ما لا يصح الاحتجاج به وإن أفاد يقيناً لصاحبه.




*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #9 في: 2014-06-20, 18:37:34 »

الدرس الرابع
طريقة الإسلام في إثبات العقيدة في نفوس الناس

تمـهــــيد


يسلك الإسلام مسالك اليقين في إثبات العقيدة في نفوس الناس،  فقد دعا القرآن الناس لسلوك مسلك الإدراك الحسي ثم الاستنتاج العقلي في التوصل لوجود خالق لهذا الكون، فبالإدراك الحسي نتأمل مخلوقات الله ونتعرف إلى بديع صنعها ودقة نظامها، ثم بالتفكر في عجائب هذا الخلق، نستنتج عقلاً استحالة أن يكون بلا خالق عظيم عليم قدير مدبر حكيم لطيف خبير.

قال تعالى: 
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}

وقال عز وجل:                                       
{أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُون}       

ونهى عن سلوك مسالك الشكوك والأوهام، وذم الذين يعطلون عقولهم وحواسهم، قال تعالى:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} 
وقال سبحانه:                                                                                             
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ }   

     والمسلكان الأول والثاني يصلان بالإنسان لمعرفة الله تعالى واتصافه بصفات الكمال والجمال، لكن لا يمكن أن يصلا به لمعرفة أي شيء آخر عن عالم الغيب المحجوب عنا، للأسباب التي ذكرناها في حدود العقل والحواس والمخيلة لدى الإنسان. كما لا يمكن له أن يصل بهما إلى معرفة تفاصيل الشريعة والعبادات التي تصلح أن يتقرب بها إلى ربه عز وجل، وليس له من سبيل لذلك إلا مسلك الخبر الصادق، الذي يأتيه من رسول مصطفى من الله عز وجل ومؤيد بالمعجزة، واصطفاء هذا الرسول ودلائل نبوته من الأمور التي تدرك بالعقل أيضاً من خلال المسلكين الأول والثاني، فبالإدراك الحسي لمعجزات هذا النبي وأخلاقه وصفاته، مع الاستنتاج العقلي أن هذا لا يكون لبشر عادي بل لبشر مؤيد بالوحي ومكلف بالرسالة ومصطفى من الله عز وجل، يستيقن الإنسان أن ما يخبر به هذا النبي عن ربه وعن أمور الغيب، وعن تكاليف العبادة والشريعة، أمور واجبة الاتباع والتصديق، فيبقى عليه أن يتحقق من أن ما بلغه عن هذا النبي قد وصل إليه بطرق صحيحة سليمة لا تزييف فيها ولا وهم ولا شك، وهذا من مسالك الخبر الصادق أيضاً والذي سنشرحه فيما بعد إن شاء الله.   

فكيف يصل الإنسان بالمسلكين الأول والثاني -أي بالإدراك الحسي ثم الاستنتاج العقلي- إلى العلم اليقيني بوجود الله ووحدانيته واتصافه بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص؟

الأدلة على وجود الله عز وجل

يقول الشيخ ابن عثيمين في كتابه (شرح أصول الإيمان): "قد دل على وجوده تعالى" الفطرة، والعقل، والشرع، والحس. "

1- دلالة الفطرة:

كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه."
فأول شعور يشرق في أعماق الإنسان إذا تأمل في نفسه وفي الكون من حوله، شعوره بوجود قوة كبرى مهيمنة على الكون، تمنحه التدبير والتنظيم، وتتصرف فيه بالحياة والموت والبناء والفناء والتغير والتطور والحركة والسكون وجميع أنواع التغيرات الحكيمة التي تجري فيه.  إن الإنسان ليشعر بهذه الحقيقة ويؤمن بها إيماناً عميقاً سواء استطاع أن يقيم الدليل البرهاني على صدق هذا الشعور أو لم يستطع.
وإن كثيراً من علومنا ومعارفنا ليس لها دليل في أنفسنا غير شعورنا الفطري الوجداني بها، ومهما تقدمت العلوم والمكتشفات فإنها لا تزيدنا عنها شيئا غير ما توصلنا إليه بفطرتنا. فمن أمثلة ذلك انسياق الطفل بفطرته الأولى إلى ارتضاع ثدي أمه دون أن يتعلم ذلك من معلم، ودون أن يدرك ضرورته بالنسبة له بدليل عقلي أو حسي، وشعور الأم بعاطفة الأمومة، سواء علمت أن السر في ذلك هو حفظ الطفل بالرعاية والتربية حتى يكبر ويقتدر أو لم تعلم، واندفاعنا للأكل عندما نشعر بالجوع، سواء علمنا أنه وسيلة لحفظ الحياة أو لم نعلم، وشعورنا بسائر العواطف والوجدانيات من حب وكره وغضب وحزن وسرور، فهي بالنسبة لنا حق لا مرية فيه، مع أننا لا نستطيع أن نقيم البرهان المادي على وجودها فينا.
ومن هذه  الإحساسات الفطرية الصادقة فينا إحساس الإنسان بوجود الخالق وتلهفه دوماً لمعونته، وهو شعور فطري يشارك فيه الطفل الصغير والرجل الكبير، والإنسان البدائي والمتحضر، والعالم والجاهل، والباحث والفيلسوف، والعبقري والفنان.
{فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}
 
    إنها فطرة لا تنطمس إلا في نفس من غلبته شهواته وغرائزه النفسية العاتية المستكبرة، أو شوشته الشبهات والشكوك المادية، فعند ذلك تدعو الضرورة لإقامة الأدلة النظرية والبراهين العقلية لإزالة هذه السحب المظلمة السوداء التي غشيت مرآة الفطرة.

2-   دلالة الشرع على وجود الله تعالى:

فعندما نجد كتاباً كالقرآن الكريم، ونتفكر في ما جاء به من أحكام متضمنة لمصالح الخلق، في شمول وتوازن يجمع بين المثالية والواقعية،  يدلنا ذلك على أنه من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وعندما نتأمل ما جاء به من الأخبار الغيبية التي شهد الواقع بصدقها، والأخبار العلمية والكونية التي أثبتت الكشوف العلمية الحديثة صحتها، دلنا ذلك على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به، عليم بما خلق وبث في هذا الكون من عجائب وغرائب وقوانين وسنن.

3-   أدلة الحس على وجود الله تعالى:

وذلك من وجهين:

أحدهما: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، قال الله تعالى:{ونوحًا إذ نادى من قبل فاستجبنا له} .  وقال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} . وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "إن أعرابيًا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا. فرفع يديه ودعا، فثار السحاب أمثال الجبال، فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته.
وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله ، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا. فرفع يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا). فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت."


وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشرائط الإجابة.

الوجه الثاني: أن آيات الأنبياء التي تسمى (المعجزات) ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم، وهو الله تعالى، لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله ونصرًا لهم.

مثال ذلك:آية موسى صلى الله عليه وسلم حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فانفلق اثنتا عشر طريقًا يابسًا، والماء بينهما كالجبال، قال تعالى: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} .
ومثال ثان: آية عيسى صلى الله عليه وسلم حيث كان يحيي الموتى، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال الله تعالى عنه: {وأحيي الموتى بإذن الله} . وقال {وإذ تخرج الموتى بإذني}
ومثال ثالث: لمحمد صلى الله عليه وسلم حين طلبت منه قريش آية، فأشار إلى القمر فانفلق فرقتين فرآه الناس، وفي ذلك يقول الله تعالى عنه {اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} .

فهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله، ونصرًا لهم، تدل من شاهدها دلالة قطعية على وجوده تعالى.



*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #10 في: 2014-06-20, 18:39:32 »
في المحاضرة المقبلة إن شاء الله نتحدث عن أدلة العقل، لأنها تحتاج إلى تركيز أشد

هل هناك سؤال حتى الآن؟
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #11 في: 2014-06-23, 13:16:04 »
لي عودة لاستكمال القراءة

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #12 في: 2014-06-24, 15:41:34 »
لي عودة لاستكمال القراءة

بانتظارك إذن
بما انك المتابعة الوحيدة للموضوع


 ::)smile:
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #13 في: 2014-06-26, 03:12:28 »
جزاك الله خيرا. أحاول المتابعة بإذن الله emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #14 في: 2014-06-28, 19:00:17 »
تم :)

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #15 في: 2014-06-29, 00:13:52 »


الدرس الخامس
4-   أدلة العقل:


أ‌-   بطلان الدور:

معنى الدور الباطل أن يتوقف الشيء في وجوده المطلق، أو تكييف معين له، على شيء آخر. إلا أن هذا الشيء متوقف في ذلك الوجود أو التكييف وفي نفس الوقت على ذلك الشيء الأول. فمن المحال إذن أن يوجد أو يتكيف هذا الشيء أو ذاك. ولا يمكن أن تجد عاقلاً يقول: بل إنهما تعاونا فأوجد كل منهما الآخر. 
مثال ذلك أن يقال لك إن قبولك في وظيفة ما يتطلب حصولك على سنتين من الخبرة، وحصولك على سنوات الخبرة لا يكون إلا بقبولك في هذه الوظيفة ذاتها، فكيف يتحقق هذا؟ إنه يتحول لشيء مستحيل، ومن البدهي أنك لن تستطيع أن تحقق لنفسك أي الغرضين ما دام الأمر كذلك، حتى يأتي مؤثر خارجي يفك طوق هذا الدور. وهذا هو الدور المستحيل عقلاً، وهذا كمن يقول إن البيضة من الدجاجة والدجاجة من البيضة، فيبقى السؤال قائماً من منهما كان الأسبق والسبب في وجود الآخر.
وهذا هو شأن من يزعمون أن الكون وجد من العدم بمحض الصدفة، لأن ترجمة كلامهم أن الكون أوجد نفسه بنفسه، أي أن وجود الكون متوقف على أن يكون موجوداً مسبقاً!!

إن من يقول بهذا يناقض أبسط بديهيات العقل، ألا وهي بطلان الدور .  وما دامت عقولنا أقرت أن الكون لا يمكن أن يوجد نفسه بنفسه، فلا بد لها إذن أن تعترف بأن موجداً أوجده هو خالقه سبحانه وتعالى.


ب‌-   دليل الإلزام العقلي بين الوجود والعدم:

وسنعرض هذا البرهان بشكل متدرج وبسيط، فنقول متسائلين:
الوجود والعدم نقيضان، لا يمكن اجتماعهما في شيء واحد في نفس الوقت، كما لا يمكن انتفاؤهما معاً، فالشيء إما أن يكون موجوداً في وقت ومكان ما، أو يكون معدوماً، ولا حالة ثالثة بينهما.
فأيهما هو الأصل؟ هل الوجود الذي يقابله العدم العام هو الأصل؟ أو العدم العام هو الأصل؟

من المستحيل عقلاً أن يتحول العدم بنفسه إلى الوجود (كما أسلفنا أعلاه)، أو أن يوجد العدم أي شيء، وقد نبهنا القرآن الكريم لهذا الدليل العقلي من خلال قوله تعالى: { أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}   فلو كان العدم هو الأصل لما وجد شيء من هذه الموجودات التي لا حصر لها، ولذلك علينا أن نقر بأن الوجود هو الأصل.
ثم نقول أن ما كان هو الأصل بين شيئين متناقضين    فلا يحتاج وجوده إلى تعليل أو تفسير، لأنه متى احتاج وجوده إلى تعليل لم يكن أصلاً .
- ثم نتساءل: هل يمكن أن يكون لهذا الأصل بداية؟
والجواب: أن ما كان وجوده هو الأصل لا يصح عقلاً أن يكون لوجوده بداية، لأن ما كان لوجوده بداية فلا بد أن يحتاج إلى سبب أوجده، وما كان كذلك لا يكون هو الأصل.
- كذلك فإن ما كان وجوده هو الأصل لا يلحقه العدم، لأن العدم يلحق ما كان أصلاً معدوماً، ثم أُوجِد بسبب من الأسباب، فعندما يزول سبب وجوده وإمداده يعود لحاله الأصلي وهو العدم، فما كان وجوده أصلياً لا يلحقه عدم.
- ثم ننظر للموجودات من حولنا، فنرى أنها معرضة للتحول والتغير، والزيادة والنقص، والبناء والفناء، وحيث إن قوانينها تفرض احتياجها إلى الأسباب والمؤثرات، لزم عقلاً ألا يكون الأصل فيها هو الوجود، وإنما يجب عقلاً أن يكون الأصل فيها هو العدم، ووجب عقلاً أن يكون لها سبب مؤثر نقلها من العدم إلى الوجود في مرحلة وجودها الأول، ولا يزال يؤثر باستمرار في جميع صور تغيراتها المتقنة الحكيمة، فلا بد إذن من وجود موجود عظيم، وجوده هو الأصل في الكائنات، وعدمه مستحيل، لذلك فهو واجب الوجود عقلاً.

وقد عرض القرآن الكريم إلى حقيقة أن الأصل فينا العدم، وأننا لم نكن ثم كنا، في قوله تعالى:
{هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلنه سميعاً بصيراً} 

وبهذه الطريقة من الاستدلال يسقط نهائياً تساؤل المتسائلين: كيف وُجِد الله سبحانه؟ لأنه تساؤل لا يعتمد على منطق وعقل، ذلك أن مثل هذا التساؤل إنما يرِد في موجود تثبت قوانينه وصفاته أن الأصل فيه العدم، فهو يحتاج إلى موجد حتى يوجده ويبدعه من العدم.
أما الموجود الذي يجب عقلاً أن يكون الأصل فيه الوجود، ولا يجوز عليه العدم، فلا يمكن أن يتعرض وجوده إلى مثل هذا التساؤل بحال من الأحوال، وإيراد تساؤل من هذا النوع يتنافى مع الحقيقة العلمية الثابتة وهي أن الأصل فيه هو الوجود.


ج‌-     بطلان الرجحان بدون مرجح، أو: دليل الإمكان في الكون:

ومعنى الرجحان بدون مرجح، أن يكون الشيء جارياً على نسق معين، ثم يتغير عن نسقه ويتحول عنه بدون وجود أي مغير أو محول إطلاقاً، فهذا من الأمور الواضحة البطلان، وجميع العقلاء يعلمون أن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه، إلا إذا تعرض لسبب مؤثر فرض عليه التحول إلى وضع جديد.
وهذا الكون الذي نراه في جملته، إنما هو من نوع الممكن، أي أن العقل لا يرى أي محال يترتب على فرض انعدامه، ويرى أنه من الممكن أن توجد أسباب تعدمه من أصله، فوجود الكون بحد ذاته ليس ضرورياً أو واجباً، وكل ما كان هذا شأنه فلا بد له من مؤثر خارجي يرجح فيه أحد جانبي الإمكان ويبعد الجانب الآخر عنه.
وهذا يعني أنه لا بد لهذا الكون الذي كان في أصله قابلاً لكل من الوجود أو العدم على حد سواء، من قوة خارجة عنه مؤثرة فيه، خصصته لجانب الوجود، وتلك القوة هي قوة الله عز وجل.
فإن قلت: إنني أفرض أنه وجد بذاته دون أي قوة مؤثرة فيه من الخارج، استلزم فرضك هذا القول برجحان الشيء بدون مرجح له، وهو باطل كما علمت، فبطلت الفرضية التي استلزمتها أيضاً.

إنك لو ذهبت تزعم بأنك قد أمسكت الميزان من منتصفه، وتركت الكفتين فيه بوزن واحد دون وجود أي ثقل إضافي في إحداهما، وبينما الكفتان متساويتان، إذا واحدة منهما ترجح والأخرى تطيش دون أي مؤثر خارجي، تركت الناس كلهم يشفقون على عقلك. فكيف لو زعمت بأنك قد وضعت في إحدى الكفتين ثقلاً، وبينما أنت تمسك الميزان من حلقه، والكفة الثقيلة راجحة، إذا بها فجأة تطيش رغم ثقلها، وتهبط الخفيفة رغم خفتها؟؟!!
إن القول بأن العدم المطلق المستمر، تحول فجأة إلى وجود يتفاعل ويتوالد دون أي مسبب خارجي لهذا التحول، ليس بأقل غرابة واستحالة من دعوى صاحب الميزان.

وهذا الكلام كما ينطبق على الكون كله، ينطبق على كل جزئية من جزئياته، فما المانع عقلاً من أن يكون الليل والنهار سرمدين؟ أو يكون الإنسان على غير هذا الوضع القويم، أو أكبر أو أصغر مما هو عليه جسداً وهامة؟ وما المانع من أن تعقل الحيوانات أو تنطق الطيور؟ وما المانع عقلاً من أن تكون الأرض أدنى إلى الشمس والقمر من الوضع الذي هي عليه؟ .... إلخ

قد يقول قائل إن الحكمة تقتضي أن تكون هذه الأشياء كما هي عليه الآن، وإلا اختل النظام وفسدت النتائج المرجوة من هذا الكون، فنقول: الحكمة صفة الحكيم وهو الله تعالى.

ونقول: حيث إن كل شيء في هذا الكون يحتمل أن يكون على واحد من أوضاع كثيرة غير الوضع الذي هو عليه، فإن عقولنا لا بد أن تحكم بداهة بأن ما كان كذلك فلا بد له من مخصص قد خصصه باحتمال موافق للحكمة والإبداع والإتقان، من جملة احتمالات كثيرة، ولولا وجود المخصص للزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر من غير مرجح، وهذا أمر مستحيل عقلاً.
وحيث ثبت لدينا احتياج هذه الممكنات إلى المخصص الحكيم، فإن عقولنا تحكم بشكل قاطع بأن هذا المخصص يجب ألا يكون في ذاته أو صفاته محلاً لأي احتمال من الاحتمالات الممكنة التي تتعرض لها هذه الأشياء الكونية في نظر العقل، وإنما يجب ان يكون على وضع ثابت واجب عقلاً. وهذا الموجود الواجب الثابت في ذاته وصفاته، والذي يوجب العقل أن يسند إليه تخصيص هذه الممكنات في واحد من احتمالاتها الكثيرة هو الله سبحانه وتعالى.

وقد أشار القرآن الكريم إلى دليل الإمكان في عدة آيات منها:

{ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً، ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً}

{ قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة، من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة، من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون}

{ ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد}

{قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين}
 



د-  بطلان التسلسل، أو: دليل التغير والسببية:

ومعنى التسلسل فرض أن المخلوقات كلها متوالدة عن بعضها بلا بداية، بحيث يكون كل واحد منها معلولاً لما قبله وعلة لما بعده، دون أن تنبع هذه السلسلة أخيراً من علة واجبة الوجود هي التي تضفي التأثير المتوالد على سائر تلك الحلقات.

فهذا الفرض باطل، يحكم العقل باستحالته بالضرورة، فإن سلسلة المخلوقات مهما طال عمرها الماضي، فإن استمرار طولها لا يخرجها على كل حال عن كونها ممكنة، والممكنات لا بد لرجحان أحد طرفي الإمكان فيها من مرجح. فهذه السلسلة الطويلة التي تقول إنها ماضية في غور سحيق لا بداية له، مكونة من حلقات كل منها لم يكن يوجد لولا أن الحلقة السابقة عليها أعطتها الحياة والوجود، فحلقات السلسلة كلها لا تأثير ذاتي في واحدة منها مهما طالت، وأي عاقل لا يستطيع أن يزعم أن وجود العالم كله ليس قائماً إلا على سلسلة متوالدة من غيرها دون أن يكون قبلها مؤثر ذاتي خارج عن حقيقتها واجب الوجود، ونقول في هذا ما يقوله العلامة الجليل مصطفى صبري في كتابه (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين):
" إذا قلت للملحد ما هي علة وجود هذا الموجود الذي يحتاج إلى علة موجدة؟ فأجاب بأنها وجود موجود آخر يتقدمه، ثم قلت له وما علة ذلك الموجود المتقدم، فأجاب بأنها موجود ثالث أقدم في الوجود، ومثل الثاني في الحاجة إلى العلة الموجدة، ولم يقطع سلسلة الجواب على هذا المنوال مهما أطلت وتوغلت في السؤال، فاعلم أن هذا الخصم يخدعك ويغالطك"
ومثال ذلك ما لو تساءلنا عن السر في سقوط الأجسام إلى الأرض، فقيل إن هذا بسبب الجاذبية الأرضية، فتساءلنا وما سبب هذه الجاذبية الأرضية؟ فقيل لنا أنه بسبب دوران الأرض حول نفسها، فنتساءل وما سر دوران الأرض حول نفسها؟.... إلخ.. وكلما اكتشفنا سبباً دفعنا الفضول الفطري وحب المعرفة لاكتشاف السبب الذي أثر فيه وأوجده، ولا تقبل عقولنا التسليم والاستسلام لفكرة أن كل شيء متولد عن شيء قبله إلى ما لا نهاية، وتظل تبحث في اندفاع فطري عن هذه النهاية التي هي سبب الأسباب وموجدها.

إننا نعيش في عالم من المتغيرات، نرى ذلك في تعاقب الليل والنهار، والحر والبرد، والموت والحياة، والحياة نفسها أكبر ظاهرة من التحول عجيبة، يولد سرها مع الأحياء كميناً مجهولاً فيها، ثم يموت سرها مع الأحياء إذا ماتت.
ونحن نعلم أن كل تغير يحدث في أي جزء من أجزاء الكون لا بد له من سبب أثر فيه تأثيراً يكفي لأن يحوله ويغيره من وضع إلى وضع آخر.
إن انتقال قطعة من الصخر من مكان إلى آخر لا يقبل عاقل من العقلاء أنه يحدث بنفسه من غير سبب يؤثر في ذلك الانتقال، تطبيقاً لمبدأ السببية البدهي في عقولنا، فما بالنا بالتغيرات الجوهرية في التركيب والتحليل، وتحول التراب إلى أغذية، والأغذية إلى أجسام حية متحركة دبت فيها الحياة، فأصبح منها المدرك العاقل ذو القوة الفائقة، التي يستطيع أن يفعل بها الأعاجيب، ومنها البهائم العجماء المنساقة وراء غرائزها، ومنها... ومنها...

إن من المسلم به أن كل هذه التغيرات الكونية لا بد لها قطعاً من سبب حقيقي،  كامل القدرة صدرت عنه هذه القوى الكونية الكبرى، وتمت بخلقه هذه التغيرات الكونية الهائلة، وكامل الحياة أيضاً، دبت عنه صورة الحياة في الأجساد الحية، وكامل العلم، صدرت عنه العقول القابلة للعلم والمعرفة، وكامل الحكمة، صدر عنه كل أمر متقن محكم، إلى غير ذلك من صفات الكمال، ولا يمكن أن يكون هذا القادر الحي الحكيم العليم إلا منزهاً عن التغير والتحول والضعف، فلا بد أن يكون ثابتاً كامل الصفات، واجب الوجود في ذاته وصفاته، وهو الله سبحانه وتعالى.

وقد عبر القرآن الكريم عن دليل السببية بلفظ (الخلق) لأن السببية متى انتهت إلى العليم الحكيم المريد المختار القادر على كل شيء كانت خلقاً، ويسقط عندئذ مفهوم السبب. قال تعالى:

{ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} 

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ *  يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ* وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي  عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}



ملخص ما سبق من أدلة:

تبين لنا أن القول بحدوث العالم طفرة بدون أي علة تؤثر فيه باطل، لأنه يستلزم فرضية بدهية البطلان وهي: الرجحان بدون مرجح.
وتبين أن القول بكونه قديماً باطل لأنه يستلزم تسلسل الممكنات إلى ما لا نهاية، والتسلسل باطل بالبداهة أيضاً.
وتبين أن القول بكون العالم علة نفسه والمؤثر في إيجاده، أي أوجد نفسه بنفسه، يستلزم القول بالدور، وهو أيضاً من الأمور الباطلة بالضرورة.

فما الذي بقي؟ بقي أن العالم لا بد له من موجد مستقل عنه أوجده، وهذا الموجد لا يحتاج بدوره إلى موجد له، وهو ما نسميه بالذات الواجبة الوجود، وهو الله سبحانه وتعالى.

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #16 في: 2014-07-02, 01:02:21 »
باركَ الله فيكِ

متابعة :)

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #17 في: 2014-07-02, 17:38:18 »

الدرس السادس
هـ- دليل الإتقان في الكون:


إن عقولنا متى لاحظت مركباً على وجه الإتقان والحكمة، فإنها لاشك تفرض بداهة أن متقِناً ما، حياً عالماً قادراً مريداً حكيماً، قد أتقن ترتيبها، كما أنها ترفض رفضاً قطعياً أن يكون ترتيبها قد جاء على طريقة المصادفة لأن صورة الإتقان على سبيل المصادفة في المركبات ذات الأعداد الكبيرة من المستحيلات في مألوف العقلاء، كما أنها من المستحيلات أيضاً في نظر الحُسّاب الرياضيين، فقانون الاحتمالات يقول: [إن حظ المصادفة، من الاعتبار، يزداد وينقص، بنسبة معكوسة مع عدد الإمكانيات المتزاحمة]. فكلما قل عدد الأشياء المتزاحمة، ازداد حظ المصادفة من النجاح، وكلما كثر عددها قل حظ المصادفة، فإن كان التزاحم بين شيئين اثنين متكافئين، يكون حظ المصادفة بنسبة 1/2، وإذا كان التزاحم بين عشرة يكون حظ المصادفة بنسبة 1/10 وهكذا، وكلما ازداد تعقيد المسألة أصبحت فكرة المصادفة في حكم العدم بل المستحيل.
إن إتقان الصنعة في هذا العالم الزاخر بالمتقنات، دليل واضح على الصانع المتقن الحكيم العليم، يشهده من الناس الجاهل و العالم، الغبي والعاقل، الصغير والكبير، ويحكم به بداهة بأن الله حق، وهو على كل شيء قدير، وليس فوق حكم البداهة حكم لعاقل.

وإليكم بعض الأقوال لعلماء الطبيعة والفلاسفة التي تبين وصولهم لوجود الله تعالى ووحدانيته وحكمته وعلمه وتدبيره من خلال التفكر في جمال صنعته وخلقه وإتقانه:

جاء في كتاب "الله يتجلى في عصر العلم"   ثلاثون مقالاً لثلاثين من كبار العلماء الأمريكيين في الاختصاصات العلمية المختلفة من علوم الكون السائدة في العصر الحديث. وقد أثبت هؤلاء العلماء في مقالاتهم هذه وجود الله جل وعلا عن طريق ما وعوه من الأدلة الكثيرة، المنبثة في مجالات اختصاصاتهم العلمية، كما يجد القارئ في الكتاب الرد الكافي على مروجي الإلحاد، الذين يزعمون أن العلوم تبعد عن الإيمان بالله، وأن العلماء الكونيين ملحدون. وسنقتبس بعض المقولات لهؤلاء العلماء:

* جاء في المقالة الأولى ما كتبه فرانك ألن عالم الطبيعة البيولوجية تحت عنوان: "نشأة العالم، هل هو مصادفة أو قصد؟":
"إذا سلمنا بأن هذا الكون موجود، فكيف نفسر وجوده ونشأته؟
هناك احتمالات أربعة للإجابة على هذا السؤال:
1-   فإما أن يكون هذا الكون مجرد وهم وخيال، وهذا ما يتعارض مع ما سلمنا به من أنه موجود.
2-   وإما أن يكون هذا الكون قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم، وهذا مرفوض بداهة.
3-   وإما أن يكون هذا الكون أزلي الوجود ليس لنشأته بداية –وهذا الاحتمال يساوي ما يقوله المؤمنون بالله بالنسبة لأولية الخلق- لكن قوانين الكون تدل على أن أصله وأساسه مرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة، فهو إذن حدث من الأحداث، ولا يمكن إحالة وجود هذا الحدث المنظم البديع على المصادفة عقلاً، ولذلك فهذا الاحتمال باطل أيضاً.
4-   وإما أن يكون لهذا الكون خالق أزلي أبدعه، وهو الاحتمال الذي تقبله العقول دون اعتراض، وليس يرد على إثبات هذا الاحتمال ما يبطله عقلاً فوجب الاعتماد عليه."

* وحاء في المقالة الثالثة من الكتاب تحت عنوان: "درس من شجرة الورد" كتبها "ماريت ستانلي كونجدن" عالم طبيعي وفيلسوف، عضو الجمعية الأمريكية الطبيعية:
" إن جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه، ويدل على قدرته وعظمته. وعندما نقوم -نحن العلماء- بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها، حتى باستخدام الطريقة الاستدلالية، فإننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته.  ذلك هو الله الذي لا نستطيع أن نصل إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها، ولكننا نرى آياته في أنفسنا، وفي كل ذرة من ذرات هذا الوجود، وليست العلوم إلا دراسة خلق الله وآثار قدرته."

* وجاء في المقالة الرابعة تحت عنوان "النتيجة الحتمية" كتبها "جون كليفلاند كوثران" من علماء الكيمياء والرياضيات، رئيس قسم العلوم الطبيعية بجامعة دولث، بدأ مقالته بكلمة "لورد كليفن" وهو من علماء الطبيعة البارزين في العالم:
"إذا فكرت تفكيراً عميقاً، فإن العلوم سوف تضطرك إلى الاعتقاد بوجود الله"، ثم شرع في مقالته، وهي تتلخص بما يلي:
1-   تنقسم العوالم إلى ثلاثة أقسام: العالم المادي والعالم الفكري والعالم الروحي.
2-   إن التطورا ت الهامة التي تمت في جميع العلوم الطبيعية خلال السنين المائة الأخيرة -بما في ذلك الكيمياء- قد حدثت بسبب استخدام الطريقة العلمية في دراسة المادة والطاقة. وعند استخدام هذه الطريقة تبذل كل الجهود للتخلص من كل احتمال من الاحتمالات الممكنة؛ والتي قد تجعل النتيجة التي نصل إليها راجعة إلى محض المصادفة.
3-   أسهب في الأمثلة العلمية عن طريق الكيمياء التي تثبت أن سلوك أي جزء من أجزاء المادة -مهما صغر- لا يمكن أن يكون سلوكاً عشوائياً ناجماً عن المصادفة؛ بل كل شيء يسير وفق قانون يهيمن على سلوكه.
4-   ثم قال: " فهل يتصور عاقل أو يفكر أو يعتقد أن المادة المجردة من العقل أو الحكمة قد أوجدت نفسها بنفسها بمحض المصادفة؟! أو أنها هي التي أوجدت هذا النظام وتلك القوانين ثم فرضتها على نفسها؟! لا شك أن الجواب سوف يكون سلبياًَ!!
 وتدلنا الكيمياء على أن بعض المواد في سبيلها للزوال أو الفناء، لكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة، والآخر بسرعة ضئيلة، وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية، ومعنى ذلك أنها أيضاً ليست أزليةً، إذ أن لها بداية.   
وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة ولا تدريجية، بل وجدت بصورة فجائية.
وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه المواد، وعلى ذلك فإن هذا العالم المادي لا بد أن يكون مخلوقاً، وهو منذ أن خلق يخضع لقوانين وسنن كونية محددة، ليس لعنصر المصادفة بينها مكان.
فإذا كان هذا العالم المادي عاجزاً عن أن يخلق نفسه، أو يحدد القوانين التي يخضع لها، فلا بد أن يكون الخلق قد تم بقدرة موجود غير مادي، متصف بالعلم والحكمة."

* [ ويقول الفيلسوف الألماني إدوارد هارنمان: "إن الرأي الذي مقتضاه عدم وجود القصد في الكون عند الدارونيين لا يقوم عليه دليل، وهو من الأوهام التي لا أساس لها من العلم."
ثم يقول: "إن اختلال نسبة واحدة من نسب هذا النظام في أي ناحية من نواحي هذا الكون المحكم ليجعل العالم مضحكاً بعد أن كان نظاماً مدهشاً، ولأصبح مختلاً تتعذر فيه الحياة بعد أن كان صالحاً لها.
فمثلاً لو أن عدد الصبغيات (الكرموزومات) زاد أو نقص، لانقلب الإنسان حيواناً، والحيوان إنساناً، فتلد المرأة كلباً، ويلد الكلب طيراً، وينتج الطير سلحفاة، إلى آخر ما هنالك من خبط واضطراب.
ولو أن نسبة الهيدروجين والأوكسجين اختلفت في الماء لما كان صالحاً للشرب، ولقتل الناس العطش، ولو اختلفت قوة التجاذب بين الأرض والقمر، لاختلف المد والجزر، وغمرت البحار اليابسة، وقضت على الحياة.
ولو كان الهواء أقل ارتفاعاً مما هو عليه، فإن بعض الشهب التي تحترق بالملايين كل يوم في الهواء الخارجي كانت تضرب في جميع أجزاء الكرة الأرضية، وكان في إمكانها أن تشعل كل شيء قابل للاحتراق. ولو كانت الإلكترونات ملتصقة بالبروتونات داخل الذرة، والذرات ملتصق بعضها ببعض حيث تنعدم الفراغات، لكانت الكرة الأرضية بحجم البيضة، فأين يمكن أن يكون الإنسان وغيره؟ وهكذا يتسلسل الخطأ إلى غير نهاية، ويتعدد الفساد في صور لا تنسجم مع الحياة، ولكن إتقان أمر هذا الوجود كان بعيداً -كما نرى- عن خلق المصادفة، وخطأ الاحتمال."
وهذا هو الفرق بين تقدير العزيز العليم، وخطأ المصادفة الجسيم كما أشارت إليه الآية الكريمة: {صنع الله الذي أتقن كل شيء}
 
* إن من دقة النظام وإحكام الناموس أن الهواء مؤلف من الأوكسجين بنسبة 21% ، ومن النتروجين  بنسبة 78%  ومن بعض العناصر الأخرى. والأوكسجين عنصر طيار سريع الإفلات فمن شأنه أن يفلت أو تمتصه الأرض، فلماذا لم يفلت كله كما أفلت من كواكب أخرى، ولماذا لم تمتصه الأرض كله، وكيف اتفق أن بقي منه في الهواء 21% لا أكثر ولا أقل، وهي النسبة اللازمة لكل حي، فلو زادت لاحترقت زروعنا وغاباتنا عند أقل شرارة في الجو، ولو نقصت لاختنقنا، فهل كان تحديد هذه النسبة أثراً من آثار المصادفة؟ ثم ما الذي حفظ هذه النسبة؟
ومن حكمة الخلق أن النبات قد جُعِل مفتقراً في حياته وتكوين ثماره إلى الكربون، وأنه لا يستطيع تناوله من الطبيعة إلا من طريق ثاني أوكسيد الكربون، الذي نلفظه نحن البشر ومعنا الحيوان، فيأخذه النبات ويستخدمه في عملية التمثيل الضوئي السحرية، ليصنع غذاءه، ويطرح الأوكسجين كمخلفات لهذه العملية الكيميائية.. وبهذا يقوم النبات بدوره في تنقية الجو وتوفير الأوكسجين اللازم للحياة، وحفظ نسبته في الهواء].
فأي إحكام في الصنعة ربط أجزاء الكون المترامية الأطراف بعضها ببعض بهذا النظام المحكم الدقيق؟!
تبارك الخلاق العظيم.


ومن خلال ما يعرضه العلماء العالميون، كل في مجال اختصاصه العلمي، نستخلص الأسس التالية:

1-   الكون منظم بأبدع نظام وأدقه، وهو موافق في نظامه للحكمة بأرقى ما يمكن أن تكون، سواء في قوانينه العامة أو في شذوذاته.
2-   لا يمكن أن يقبل العقل إحالة هذا النظام البديع على المصادفة، فوجب أن يكون منظماً بإرادة منظم ذي قوة لا نهاية لها، وحكمة لا يوجد أحكم منها، وعلم واسع محيط، وشامل دقيق.
3-   إن العلوم الإنسانية تؤيد أن لهذا الكون بداية، وأنه قد بدأ بشكل مفاجئ؛ وكل ما له بداية فلا بد أن يكون له مبدئ خالق، لأنه لا يمكن أن يخلق نفسه بنفسه.
فسبحان الخالق الذي جعل كل شيء في الكون يشير إلى وجوده وكمال صفاته.

 وقد جاء التنبيه على هذا الدليل في آيات عديدة من الذكر الحكيم:
قال تعالى:
{وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجا ً* وَأَنزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَباًّ وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً *}
{قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ * كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَباًّ * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقاًّ * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَباًّ * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَباًّ * مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ *}

 

خاتمة الفصل:

لقد بث الخالق جل جلاله دلائل وجوده في كل شيء في الكون، فكلما تأمل العقلاء في هذا الكون الكبير المتدفق حكمة وإبداعاً، تجدد لهم في كل تأمل جديد برهان جديد يشير إلى الخالق العظيم.

فالساذج من الناس ينكشف له من الدلائل على وجود الخالق، والبراهين على وحدانيته وعظمته، دلائل تتناسب مع مستوى تفكيره وثقافته.
والفيلسوف الباحث: تضطره الحقيقة بعد البحث والتأمل، أن يعلن وجود الخالق المبدع، بمستوى من الأدلة أكثر عمقاً، وأدق فلسفة وغوصاً إلى أعماق أسرار الأشياء.
والعالم التجريبي ينكشف له في كل تجربة دليل جديد على ارتباط المادة بسبب أولي فعال عليم مريد قادر، وهو الخالق سبحانه وتعالى.
والفطري بفطرته الصافية ووجدانه السليم يتحسس ببساطة لا تعقيد فيها، فيشعر بأن لهذا الكون خالقاً كبيراً فيؤمن به.

فسبحان الخالق العظيم الذي جعل كل شيء في الكون يشير إلى وجوده وكمال صفاته.



*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #18 في: 2014-07-17, 18:09:23 »
اعذريني أستاذتي سأعود للقراءة إن شاء الله

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: العقيدة الإسلامية
« رد #19 في: 2014-08-05, 21:00:49 »
تمت القراءة بارك الله فيكيا أستاذة  ::roses2::