المحرر موضوع: أباطيل وأضاليل وشبهات حول حجية السنة  (زيارة 29681 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
بسم الله الرحمن الرحيم .وصل اللهم وسلم على المبعوث رحمة للعالمين صلاة تبتدئ ولا تنتهي.

قد ابتلينا في هذا الزمان بأقوام يخرجون علينا مُشهرين أسلحة ماضية في وجه الدين وهم من أبناء الأمة، والويل والثبور لمن يتجرأ فينعتهم بالمارقين أو الفاسقين أو المتجرئين على الدين.إنما ناعتوهم هم أصحاب التضييق والتشديد والحظر على الآراء وكبت الحريات.
ابتلينا بهم في عصرٍ الفتن فيه كقطع الليل المظلم حتى لَيصبح المرء مؤمنا ويمسي كافرا كما تنبأ بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.

ومن أهم الصيحات والتضليلات  التي انطلت أراجيفها ولوثاتها للأسف الشديد على الكثيرين من أبناء الأمة وقد أصبحنا قيد مناهج تقدم كل شيء إلا الدين وعلومه، فتغربنا عن ديننا تغرب الغنم عن مرعاها والذئب حاميها.

فشب شباب يعرفون من العلوم المختلفة وينهلون منها، فأما دينهم فعنوان لا ينبي عن خبر.

من أهم هذه الأباطيل وأخطرها وقعا في نفوس أغرار بعيدين صيحة عدم حجية السنة وأن القرآن كاف وأن الله ما فرط في الكتاب من شيء فما الحاجة للسنة !!

أنا لن أدعي علما، ولكنني هنا أولا سأضع ما أقع عليه من دحض لكل شبهة حول حجية السنة. وثانيا أدعو هادية لتدلي بدلوها .
فبيان هذا الأمر أراه قد غدا بالغ الأهمية، والحاجة إليه قد بلغت منتهاها في ظل ما صرنا نواجَه به ليس من عامة عاديين لا علم لهم بل ممن نحسبهم  لا يغرر بهم، ولا تُكبِدهم الغوائل.

وقد شاء الله تعالى فناقشت يوم أمس أحدهم في هذا الموضوع ووجدت أدرانا من تهافتات عدنان إبراهيم قد علقت بعقله فراح يشهرها سلاحا ضد نفسه قبل غيره وقد غدا حيرانا يتأول أضاليله عن كُره كمَنْ حامت الشكوك حول حمى عقله فهو يبحث لها عن مبدد ولا يقوى، فبدا كزرع أعجب الزَرّاع ولكنه ما أخرج شطأ ولا استغلظ ولا استوى على سوق.

أسأل الله سبحانه أن يوفقنا وينير بصائرنا.
« آخر تحرير: 2014-04-29, 09:44:18 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
شكرا على دعوتك يا اسماء
وجزاك الله خيرا فالموضوع مهم جدا

وسأغترف من دلوي بعض آيات الذكر الحكيم، التي لو تأملها اي عاقل او منصف، لتبددت كل هذه الأضاليل من عقله على الفور.

قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (الأنعام: 38)
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ } (الحشر:7)
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:44)
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
جزاك الله خيرا يا أسماء على هذا الموضوع الهام والضروري وجزاك خيرا يا هادية على ما دلوت به وما سيأتي لاحقا

أتابع معكم كتلميذة صغيرة تتعلم
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
هادية جزاك الله خيرا وأترقب متابعتك لما سأضع، وإفادتنا بما عندك بإذن الله emo (30):  وإن تلك الآية العظيمة لا يجب أن تغادر المؤمن وهو يعرض لمثل هذه التشكيكات والتشويهات.
سيفتاب سعيدة برؤية اسمك emo (30): مرحبا بك أختاه، وكلنا هنا نتعلم .

سأبدأ أيضا بحديث يحضرني في هذا المقام بقوة، حديث صحيح رواه مسلم رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه. حديث تعجبني تفاصيله، ويأخذ منه المتأمل دروسا مجتمعة .وقد تناولناه منذ مدة ليست ببعيدة بالجمعية، وتناولنا تفاصيله، ووقفنا على دروسه.
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو الصحابي الجليل الغني عن التعريف، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والموت يقاربه : "إني لا أدري ما قُدِّرَ بقائي فيكم فاقْتدوا باللذينَ من بعدي وأشار إلى أبي بكرٍ وعمرَ واهتدوا بهَدْيِ عمارٍ وما حدَّثكمُ ابنُ مسعودٍ فصدِّقُوهُ" -رواه الترمذي وهو حسن- 

الحديث هو التالي :
لعن اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ ، والنامصاتِ والمتنمصاتِ ، والمتفلجاتِ للحسنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ . قال فبلغ ذلك امرأةً من بني أسدٍ . يقال لها : أم يعقوبَ . وكانت تقرأُ القرآنَ . فأتتْه فقالت : ما حديثٌ بلغني عنك ؛ أنك لعنتَ الواشماتِ والمستوشماتِ والمتنمصاتِ والمتفلجاتِ للحُسْنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ . فقال عبدُاللهِ : وما لي لا ألعنُ من لعن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ وهو في كتابِ اللهِ . فقالت المرأةُ : لقد قرأتُ ما بين لوحي المصحفِ فما وجدتُه فقال : لئن كنتِ قرأتيهِ لقد وجدتيهِ . قال اللهُ عزَّ وجلَّ : وَمَا أَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوْا [ 59 / الحشر / 7 ] . فقالت المرأةُ : فإني أرى شيئًا من هذا على امرأتكَ الآن . قال : اذهبي فانظري . قال فدخلت على امرأةِ عبدِاللهِ فلم ترَ شيئًا . فجاءت إليه فقالت : ما رأيتُ شيئًا . فقال : أما لو كان ذلك ، لم نُجامعها . وفي روايةٍ : الواشماتِ والمستوشماتِ . وفي روايةٍ : الواشماتِ والموشوماتِ . -صحيح مسلم-

فلنتأمل إخوتي ... فلنتأمل كيف أجابها رضي الله عنه بهذا الجواب... أنّ ذلك موجود في القرآن بثقة كبيرة، وبيقين كبير بخلاف ما ظنّت وهي القارئة للقرآن العارفة بما فيه، وبما ليس فيه، هي قد عنت اللفظ، أما هو فقد عنى أمرا رأسيا، وِفْقَه يُقدَّر أنّ الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه المؤمن غير مرتاب ولا هياب، إن هو إلا وحي يوحى، وليس شرطا وقيدا أن نجد كل شيء في القرآن، وإنما السنة مفصّلة، مبيّنة ...

وتلكم الآية في كتاب الله تعالى كافية شافية، ولكأني بها نزلت من أجل هذا الذي نرى اليوم من طعن وتشكيك...
وقد وجدت كثيرين يحتجون بقول الله تعالى "مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ"-الأنعام 38-  حتى يتخذوا السنة ظهريا، بينما يقول بعض المفسرين أن الكتاب المعني هو اللوح المحفوظ لا القرآن،  وربما لو تأملنا إخوتي وتدبّرنا لصح أن يكون "الكتاب" هو القرآن بتذكرنا لهذه الآية العظيمة "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" فما فرط القرآن في شيء، وهو يحيلنا بهذه الآية إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله،إلى سنته العظيمة وهي وحي يوحى، وما نُطْقه عن الهوى...
سبحان الله لكأني بهذه الآية العظيمة وحدها كفيلة بأن تبين لنا أنّ السنة مصدر للتشريع وأنّ لها حجتها، فنأتمر بما فيها من أمر وننتهي عما فيها من نهي .وفي كتاب الله تعالى غيرها من الآيات سنأتي على ذكرها لاحقا بإذن الله .


« آخر تحرير: 2014-04-29, 13:17:06 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
تمام  ::ok::
بارك الله بك
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل أحمد عبد ربه

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 791
  • الجنس: ذكر


جزاك الله خيرا أستاذة أسماء ونفع بك ..

صدق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :


" يُوشِكُ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ عَنِّي ، فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " .

متابع لأتعلم ..
أحمق .. من ترك يقين ما في نفسه ، لظن ما عند الناس !

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
(أهلا وسهلا بك يا أحمد وبارك الله فيك وجزاك خيرا على هذا الحديث، وهو في صميم موضوعنا.
سبحان الله وهم كذلك حقا يفعلون جلوس على أرائكهم ينكرون السنة ويتجرؤون عليها، وهم قريب من التنادي بأن الإيمان هو الإيمان بالله وحده مجردا عن الإيمان برسله.
"متكئين على أرائكهم"كناية عن استسهالهم ذلك. ونحن نرى من يستسهل الخوض في السنة والتشكيك في حجيتها، فلا يرى بعد ذلك غضاضة في طعنه بالصحاح بل وبالصحابة وبعدالتهم، وعدهم كأنفسهم، فيقولون هم رجال ونحن رجال !
نسوا بل تناسوا، وغفلوا بل تغافلوا عن أمر المولى عز وجل بطاعة الرسول...
ففيم هي طاعته؟ أفيما كان من القرآن وحده وما عداه لا طاعة له فيه؟! وقد عرفناه صلى الله عليه وسلم يأمر في كثير مما لم يجئ به القرآن.

 قل أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(54)-النور-
لي بإذن الله عودة لمزيد تفاصيل .

« آخر تحرير: 2014-05-01, 19:52:42 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
في هذه المداخلة سأضع واحدة من الشبهات التي يحسبون أنهم بها سيقطعون بأمرهم في عدم حجيّة السنة . وهي الاستناد لقوله تعالى : "ما فرطنا في الكتاب من شيء"

ما باللون الأخضر مقتبس من مقال مهم أخذته من موقع مميز جدا به شروح الأحاديث،وأمور كثيرة متعلقة بالسنة، وما بالأسود لي
-------
الشبهة الأولى: قولهم بأن القرآن قد حوى كل شيء من أمور الدين بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر مثل السنة

قالوا: إن الله تعالى يقول: ما فرطنا في الكتاب من شيء ويقول: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء

وذلك يدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين، وكل حكم من أحكامه، وأنه قد بينه بيانا تاما، وفصله تفصيلا واضحا: بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر مثل السنة ينص على حكم من أحكام الدين أو يبينه ويفصله، وإلا: لكان الكتاب مفرطا فيه، ولما كان تبيانا لكل شيء، فيلزم الخلف في خبره تعالى. وهو محال.

الجواب

أنه ليس المراد من الكتاب –في الآية الأولى-: القرآن، بل المراد به: اللوح المحفوظ، فإنه الذي حوى كل شيء، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، على التفصيل التام، كما قال صلى الله عليه وسلم: " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة "

وهذا هو المناسب لذكر هذه الجملة عقب قوله:  "وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38)"-الأنعام-
 فإن أظهر الأقوال – في معنى المِثْلية هنا: أن أحوال الدواب من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاء، موجودة في الكتاب المحفوظ مثل أحوال البشر في ذلك كله.


(سبحان الله، النظر في السياق مهم جدا جدا، فمجيئ ذلك عقب "ما من دابة في الأرض...." لعله كبير علاقة بأن يُراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ الذي قدّر كل دقيقة وكل جليلة)

ولو سلمنا أن المراد به القرآن – كما هو في الآية الثانية: فلا يمكن حمل الآيتين على ظاهرهما: من العموم، وأن القرآن اشتمل على بيان وتفصيل كل شيء، وكل حكم، سواء أكان ذلك من أمور الدين أم من أمور الدنيا، وأنه لم يفرط في شيء منها جميعها. وإلا للزم الخلف في خبره تعالى. كما هو ظاهر بالنسبة للأمور الدنيوية، وكما يعلم مما سبق في بيان أن القرآن يتعذر العمل به وحده بالنسبة للأحكام الدينية. فيجب العدول عن ظاهرهما، وتأويلهما.


وللعلماء في تأويلهما وجوه:

الوجه الأول: أن المراد: أنه لم يفرط في شيء من أمور الدين وأحكامه، وأنه بيّنها جميعها دون ما عداها، لأن المقصود من إنزال الكتاب: بيان الدين، ومعرفة الله، ومعرفة أحكام الله

إلا أن هذا البيان على نوعين:

بيان بطريق النص: وذلك مثل بيانه أصول الدين وعقائده، وبيانه وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، وحل البيع والنكاح، وحرمة الربا والفواحش، وحل أكل الطيبات وحرمة أكل الخبائث.وبيان بطريق الإحالة على دليل من الأدلة الأخرى التي اعتبرها الشارع في كتابة أدلة وحججا على خلقه: فكل حكم – مما بينته السنة أو الإجماع أو القياس أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة: فالقرآن مبين له. لأنه بين مدركه ووجهنا نحوه، وأرشدنا إليه، وأوجب علينا العمل به. ولولا إرشاده لهذا المدرك، وإيجابه العمل بمقتضاه: لما علمنا ذلك الحكم وعملنا به. فالقرآن إذن هو: أساس التشريع، وإليه ترجع جميع أحكام الشريعة الإسلامية بهذا المعنى.

قال الشافعي: " فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة، إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها. قال الله تبارك وتعالى: "الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(1)"-إبراهيم- وقال: "...وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44)"-النحل- وقال: "....وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(89)"-النحل- وقال: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(52)" -الشورى-


"والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشبعة الفروع، فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشبعة: أنها بيان لمن خوطب بها – ممن نزل القرآن بلسانه – متقاربة الاستواء عنده وإن كان بعضها أشد تأكيد بيان من بعض. ومختلفة عند من يجهل لسان العرب"

فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه مما تعبدهم به بما مضى في حكمه جل ثناؤه – من وجوه:

(فمنها): ما أبانه لخلقه نصا. مثل جمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص الزنا والخمر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فرض الوضوء، مع غير ذلك مما بين نصا

ومنها:  ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه، مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي أنزل من كتابه"


ومنها: ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس لله فيه نص حكم، وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى حكمه. فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل "

من قبل عن رسول الله تعالى فقد قبل عن الله، والعجب في غفلة من يغفل عن النصوص القوية الصريحة في القرآن الكريم في هذا، وأنّ ما يأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى وما ينهى عنه يُنتهى عنه.

ومنها: ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم. فإنه يقول تبارك وتعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ(31)"-محمد-  وقال: "وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ " وقال:"عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ"... إلى آخر ما قال.

ثم قال: "البيان الرابع: كل ما سن رسول الله مما ليس فيه كتاب. وفيما كتبنا في كتابنا هذا – من ذكر ما من الله به على العباد: من تعلم الكتاب والحكمة - دليل على أن الحكمة سنة رسول الله، مع ما ذكرنا مما افترض الله على خلقه من طاعة رسوله وبين من موضعه الذي وضعه الله به من دينه – الدليل على أن البيان في الفرائض المنصوصة في كتاب الله من أحد هذه الوجوه:

(منها): ما أتى الكتاب على غاية البيان فيه، فلم يحتج مع التنزيل فيه إلى غيره.

(ومنها): ما أتى على غاية البيان في فرضه وافترض طاعة رسوله. فبين رسول الله عن الله: كيف فرضه ؟ وعلى من فرضه ؟ ومتى يزول بعضه ويثبت ويجب ؟

(ومنها): ما بينه عن سنة نبيه بلا نص كتاب، وكل شيء منها بيان في كتاب الله، فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه: قبل عن رسول الله سننه بفرض الله طاعة رسوله على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه، ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبِل، لما افترض الله من طاعته. فيجمع القبول لما في كتاب الله ولسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن الله، وإن تفرقت فروع الأسباب التي قبل بها عنهما. كما أحل وحرم وفرض وحد بأسباب متفرقة. كما شاء جل ثناؤه لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون أ هـ

ومن هذا الكلام الأخير تعلم الجواب عما قاله الدكتور صدقي في مقاله: " لم كان بعض الدين قرآنا والبعض الآخر حديثا ؟ وما الحكمة في ذلك ؟

وقد حكي أن الشافعي (رحمه الله) كان جالسا في المسجد الحرام فقال: " لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه من كتاب الله تعالى " فقال رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور ؟ فقال: لا شيء عليه، فقال أين هذا في كتاب الله ؟ فقال: قال الله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه ثم ذكر إسنادا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " ثم ذكر إسنادا إلى عمر رضي الله عنه أنه قال: " للمحرم قتل الزنبور " فأجابه من كتاب الله مستنبطا بثلاث درجات، وقد حكي عن ابن مسعود في لعنة الواشمة والمستوشمة نحو ذلك مما تقدم ذكره.


الزنبور هو الدبّور . فلننظر لأهل العلم الذين نرى دقة فهمهم واستنباطهم فهو لمّا أيقن أن السنة مصدر للتشريع، أخذ منها هي لا من القرآن أن سنة الخلفاء الراشدين من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدر للأخذ!

وقد روي في حديث العسيف الزاني: "أن أباه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اقض بيننا بكتاب الله. فقال (عليه السلام): " لأقضين بينكما بكتاب الله". ثم قضى بالجلد والتغريب على العسيف، وبالرجم على المرأة إن اعترفت" قال الواحدي: "وليس للرجم والتغريب ذكر في نص الكتاب. وهذا يدل على أن كل ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو عين كتاب الله". أهـ.

والعسيف هو الأجير، وهذه قصة واردة في صحيح البخاري، قصة أجير عمل عند أحدهم، فزنى بامرأته، فاحتكم الخصمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألاه أن يحكم لهما بما في كتاب الله.
فأجابهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيفعل، أي أنه سيحكم بينهما بما في كتاب الله، وكتاب الله ليس فيه تغريب ولا رجم، وإنما قد عنى بما في كتاب الله إحالة الله تعالى المؤمنين لأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله، ووجوب اتباعه فيما يقضي ويفعل....

الوجه الثاني: أن الكتاب لم يفرط في شيء من أمور الدين على سبيل الإجمال؛ وبين جميع كليات الشريعة دون النص على جزئياتها وتفاصيلها. ومن المعلوم أن ذلك لا يكفي في استنباط المجتهد ما يقوم به العبادة، ويحرر المعاملة. فلابد له من الرجوع إلى ما يبين له المجمل ويفصله له، ويبين جزئيات هذه الكليات. وسيأتي عند الكلام على كون السنة مستقلة بالتشريع -بيان آراء العلماء في هذا الوجه.

قال أبو سليمان الخطابي -في معالم السنن- : "سمعت ابن الأعرابي يقول ونحن نسمع منه هذا الكتاب (يعني سنن أبي داود) فأشار إلى النسخة وهي بين يديه: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله ثم هذا الكتاب: لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة. وهذا كما قال شك فيه: لأن الله تعالى أنزل كتابه تبيانا لكل شيء، وقال: ما فرطنا في الكتاب من شيء فأخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانه الكتاب إلا أن البيان على ضربين: بيان جلي تناوله الذكر نصا، وبيان خفي اشتمل عليه معنى التلاوة ضمنا، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولا إلى النبي وهو معنى قوله سبحانه: لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان " أ. هـ

الوجه الثالث -وقد حكاه الألوسي عن بعضهم– : أن الأمور إما دينية أو دنيوية. والدنيوية لا اهتمام للشارع بها: إذ لم يبعث له. والدينية إما أصلي أو فرعية. والاهتمام بالفرعية دون الاهتمام بالأصلية: فإن المطلوب أولا بالذات من بعثة الأنبياء هو التوحيد وما أشبهه، بل المطلوب من خلق العباد هو معرفته تعالى، كما يشهد له قوله سبحانه: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون بناء على تفسير كثير " العبادة ": بالمعرفة. وقوله تعالى – في الحديث القدسي المشهور على الألسنة المصحح من طريق الصوفية: " كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف. فخلقت الخلق لأعرف " والقرآن العظيم: قد تكفل بالأمور الدينية الأصلية على أتم وجه. فليكن المراد من " كل شيء " ذلك



« آخر تحرير: 2014-05-04, 12:23:04 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
بارك الله فيك متابعة :)

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
أهلا بك يا زينب. أحاول المواصلة مع هذا الموضوع.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
هذه أيضا من الموقع نفسه الذي أتابع عليه، بتصرف بسيط مني للتلخيص.
---------------------

الشبهة الثانية: قولهم لو كانت السنة حجة لأمر النبي بكتابتها ولعمل الصحابة والتابعون على جمعها وتدوينها

قالوا: لو كانت السنة حجة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها ، ولعمل الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم من بعد على جمعها وتدوينها. فإن حجيتها تستدعي الاهتمام بها والعناية بحفظها والعمل على صيانتها حتى لا يعبث بها العابثون ولا يبدلها المبدلون – ولا ينساها الناسون ولا يخطئ فيها المقصرون. وحفْظها وصيانتها إنما يكون بالأمر بتحصيل سبيل القطع بثبوتها للمتأخرين. فإن ظني الثبوت لا يصح الاحتجاج به كما يدل عليه قوله تعالى: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" وقوله: "إن تتبعون إلا الظن" ولا يحصل القطع بثبوتها إلا بكتابتها وتدوينها كما هو الشأن في القرآن.
 
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على عدم الأمر بكتابتها بل تعدى ذلك إلى النهي عنها والأمر بمحو ما كتب منها. وكذلك فعل الصحابة والتابعون. ولم يقتصر الأمر منهم على ذلك بل امتنع بعضهم من التحديث بها،أو قلل منه ونهى الآخرين عن الإكثار منه. ولم يحصل تدوينها وكتابتها إلا بعد مضي مدة طويلة تكفي لأن يحصل فيها من الخطأ والنسيان والتلاعب والتبديل والتغيير ما يورث الشك في أي شيء منها وعدم القطع به ويجعلها جديرة بعدم الاعتماد عليها وأخذ حكم منها.

فهذا الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة والتابعين يدل على أن الشارع قد أراد عدم حصول سبيل القطع بثبوتها. وهذه الإرادة تدل على أنه لم يعتبرها وأراد أن لا تكون حجة.

وفيما يلي شيء من الأحاديث والآثاريدلّل على ما سبق قوله:

**روى مسلم عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تكتبوا عني. ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. وحدثوا عني ولا حرج. ومن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار "

**وروى أحمد عنه أنه قال: " كنا قعودا نكتب ما نسمع من النبي صلى الله عليه وسلم. فخرج علينا فقال: " ما هذا تكتبون " ؟ فقلنا: ما نسمع منك. فقال: " أكتاب مع كتاب الله ؟ أمحضوا كتاب الله وخلصوه ". قال فجمعنا ما كتبنا في صعيد واحد ثم أحرقناه بالنار. قلنا: أي رسول الله. أنتحدث عنك ؟ قال:" نعم تحدثوا عني ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". قال: فقلنا: يا رسول الله. أنتحدث عن بني إسرائيل ؟ قال: " نعم تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. فإنكم لا تحدثون عنهم بشيء إلا وقد كان فيهم أعجب منه "

**وروى أبو داود عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أنه قال: دخل زيد بن ثابت إلى معاوية رضي الله عنهما فسأله معاوية عن حديث فأخبره به . فأمر معاوية إنسانا يكتبه. فقال له زيد: إن رسول الله أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه. فمحاه.

** وروى ابن عبد البر عن قرظة بن كعب أنه قال: خرجنا نريد العراق فمشى معنا إلى صرار. فتوضأ فغسل اثنتين. ثم قال: " أتدرون لم مشيت معكم ؟ قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله مشيت معنا. فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشتغلوهم. جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. امضوا وأنا شريككم ". فلما قدم قرظة قالوا حدثنا. قال: نهانا عمر بن الخطاب. وذكره الذهبي مختصرا

**وروى الذهبي في التذكرة: أن أبا هريرة سئل: أكنت تحدث في زمان عمر هكذا ؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته.

**وروى شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاري، فقال: " قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "

**وروى البيهقي في المدخل، وابن عبد البر، عن عروة بن الزبير: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأشاروا عليه بأن يكتبها. فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله. وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا

وهناك عدد من الأحاديث، ومن الروايات التي تبين إعراض الصحابة عن الإكثار من كتابة الحديث، اقتصرت على هذه الأمثلة أعلاه. وسأضع الجواب على المدّعي بما وضع أعلاه على فترات بإذن الله تعالى

الجواب:

 قد اشتملت هذه الشبهة على عدة مسائل حاد فيها صاحبها عن سبيل الحق وتجنب طريق الصواب. فينبغي لنا أن نشرحها مسألة مسألة، ونبين ما في كل منها من خطأ وفساد رأي. حتى تنهار هذه الشبه من جميع نواحيها ويتضح لك بطلانها وتقتنع تمام الاقتناع بفسادها. فنقول:

إنما تحصل صيانة الحجة بعدالة حاملها

المعوّل عليه في المحافظة على ما هو حجة وصيانته من التبديل والخطأ هو أن يحمله الثقة العدل حتى يوصله لمن هو مثله في هذه الصفة. وهكذا. سواء أكان الحمل له على سبيل:
 1-الحفظ للفظه .
 أو2-الكتابة له. 
أو3-الفهم لمعناه فهما دقيقا مع التعبير عن ذلك المعنى بلفظ واضح الدلالة عليه بدون لبس ولا إبهام.

فأي نوع من هذه الأنواع الثلاثة يكفي في الصيانة ما دامت صفة العدالة متحققة. فإذا اجتمعت هذه الثلاثة مع العدالة كان ذلك الغاية والنهاية في المحافظة. وإذا اجتمعت وانتفت العدالة لم يجد اجتماعها نفعا ولم يغن فتيلا. ولم نأمن حينئذ من التبديل والعبث بالحجة.

ومن باب أولى ما إذا انفردت الكتابة عن الحفظ والفهم وعدالة الكاتب أو الحامل للمكتوب. فإنا لا نثق حينئذ بشيء من المكتوب.

ألا ترى أن اليهود والنصارى كانوا يكتبون التوراة والإنجيل ومع ذلك وقع التبديل والتغيير فيهما لمّا تجردوا من صفة العدالة حتى لا يمكننا أن نجزم ولا أن نظن بصحة شيء منهما. بل قد نجزم بمخالفة لأصلهما. قال الله تعالى: "فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ(79)"-البقرة-

الكتابة ليست من لوازم الحجية

 فإذا كان المهم في المحافظة على الحجة عدالة الحامل لها – على أي وجه كان حملها – تحققنا أن الكتابة ليست من لوازم الحجية وأن صيانة الحجة غير متوقفة عليها. وأنها ليست السبيل الوحيد لذلك. وهذا أمر واضح كل الوضوح ولكنا نزيده بيانا وتثبيتا بما سنذكره من الأدلة. فنقول:

أولا: إنا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل السفراء من الصحابة إلى القبائل المختلفة ليدعوا الناس إلى الإسلام ويعلموهم أحكامه ويقيموا بينهم شعائره. ولم يرسل مع كل سفير مكتوبا من القرآن يكفي لإقامة الحجة على جميع الأحكام التي يبلغها السفير للمرسل إليهم ويلزمهم بها . ولا يستطيع أحد أن يثبت أنه كان يكتب لكل سفير هذا القدر من القرآن. والغالب فيما كان يفعله صلى الله عليه وسلم هو أن يكتب للسفير كتابا يثبت به سفارته ويصحح به بعثته. وفي بعض الأحيان كان يكتب له كتابا مشتملا على بعض الأحكام من السنة وليس فيه نص قرآني أو فيه نص قرآني إلا أنه لا يكفي لإقامة الحجة على جميع الأحكام التي يراد تبليغها.

فيتبين لنا من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في عدالة السفير وحفظه لما حفظه من القرآن والسنة – اللذين لم يكتبهما – الكفاية في إقامة الحجة على المرسل إليهم وإلزامهم اتباعه.

ثانيا: إنا نعلم أن الصلاة – وهي القاعدة الثانية من قواعد الإسلام – لا يمكن للمجتهد أن يهتدي إلى كيفيتها من القرآن وحده. بل لا بد من بيان الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قد أمر بكتابة كيفيتها التي شرحها بفعله وقوله. ولو كانت الكتابة من لوازم الحجية لما جاز أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الخطير الذي لا يهتدي إليه المجتهدون من التابعين فمن بعدهم بمحض عقولهم أو باجتهادهم في القرآن – بدون أن يأمر بكتابته التي تقنعهم بالحجية كما هو الفرض

ثالثا: إنا قد بينا أن حجية السنة ضرورية دينية وزدنا على ذلك أن أقمنا عليها من الأدلة ما لا سبيل إلى إنكار دلالته أو الشك فيه. ومع ذلك لم يأمر صلى الله عليه وسلم أمرَ إيجاب بكتابة كل ما صدر منه. ولو كانت الحجية متوقفة على الكتابة لما جاز له صلى الله عليه وسلم أن يهمل الأمر بها وإيجابها على الصحابة.

ثم نقول: لو جاءت اليهود والنصارى لصاحب هذه الشبهة فقالوا له: إن القرآن ليس بحجة. فإنه لم ينزل من السماء مكتوبا، ولو كان حجة لاهتم الشارع بأمره وأنزله مكتوبا كما أنزل التوراة والإنجيل.

فماذا يكون جوابه وهو يذهب أن الكتابة من لوازم الحجية ؟
إن قال لهم: إن عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الخطأ والتبديل فيه تغني عن نزوله مكتوبا. قالوا له: إن موسى وعيسى عليهما السلام كانا معصومين أيضا مما ذكرت ومع ذلك اهتم الشارع بكتابيهما فأنزلهما مكتوبين وما ذلك إلا لأن العصمة وحدها لا تغني.

وقلنا له نحن معاشر المسلمين من قبلنا:

كما أغنت العصمة عن نزوله مكتوبا تغنينا عدالة الراوي عن كتابة ما هو حجة قرآنا أو سنة.
كل ما في الأمر أن العصمة تفيدنا اليقين والعدالة تفيدنا الظن. والشارع قد تعبدنا بالظن في الفروع ولم يكلفنا بتلمس سبيل اليقين في كل حكم من الأحكام لما في ذلك من الحرج والتعذر. لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .على أن النقلة والحاملين للحجة إذا بلغوا حد التواتر أفادنا نقلهم اليقين، كالعصمة وإن لم يكن على سبيل الكتابة.

وكثير من السنة قد نقل على هذا الوجه. وصاحب الشبهة يزعم: أنه لا شيء من السنة بحجة، وأن القرآن وحده هو الحجة.
إذن لا بد لصاحب الشبهة – إن كان مسلما – أن يعترف معنا أن الكتابة ليست شرطا في الحجية. وأن بلوغ الرواة حد التواتر أو عدالتهم وقوة حفظهم – وإن كانوا آحادا – قائم كل منهما مقام عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في صيانة ما هو حجة وثبوت حجيته. حتى يمكنه أن يرد على اليهود والنصارى ما أوردوه .

لنا تتمة بإذن الله تعالى
« آخر تحرير: 2014-05-15, 12:25:13 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
جميل
وأحب أن أضيف أن اليقين مطلوب في العقائد
فالآية التي تتحدث عن اتباع الظن وتذمه، انما تتحدث عن ذلك في العقائد
قال تعالى: {ن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً }
وقد وردت هذه الآية في موضعين.. وفي كليهما كان السياق يتحدث عن أمور الغيب والعقائد
قال تعالى في سورة يونس (35-36): {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَناًّ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }
وقال تعالى في سورة النجم (27- 28): {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ المَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنثَى * وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً }

وأما التشريعات والعبادات فيكفي فيها غلبة الظن، وهو ما نقص عن اليقين قليلا...
والظن يستعمل في العلوم بمعنى ما نقص عن اليقين، لكنه اقوى من الشك ... أي العلم به فوق 50%.. وغلبة الظن ما كانت اعلى من ذلك واقتربت من اليقين..
فكلمة الظن تشمل مساحة (51% حتى 99%) .. وتتفاوت بحسب قوة الدليل وضعفه... لكن كلها تسمى ظناً .. وواضح طبعا انها ليست سواء 
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
ممكن أن تشرحي أكثر كيف نبني العبادات والتشريعات على غلبة الظن؟

اقتباس
فكلمة الظن تشمل مساحة (51% حتى 99%) .. وتتفاوت بحسب قوة الدليل وضعفه... لكن كلها تسمى ظناً .. وواضح طبعا انها ليست سواء

كيف ليست كلها سواء

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
ليست سواء، لأن ما غلب على ظنك أنه أمر تشريعي بنسبة 90% أو 99%، ليس كالذي تظنينه بنسبة 52%

ونبني العبادات على غلبة الظن بمعنى مثلا بدء صيام رمضان؟ كيف نعينه؟ بشهادة شاهدين عدلين على رؤية هلال رمضان
هل يحصل لنا يقين بذلك؟
لا.. بل غلبة ظن أن شهادتهما صحيحة
ومع ذلك يلزمنا شرعا الصيام

توجهك في الصلاة نحو القبلة... هل تستطيعين ان تتأكدي 100% ان توجهك في بيتك نحو القبلة صحيح وعلى خط مستقيم من بيتك لمكة؟ ام هو بالتقريب؟ يعني غلبة الظن.. مع ان هذا من اركان الاسلام
كذلك طهارة ماء الوضوء... هل يمكن ان تتيقني 100% من طهارة الماء الذي تتوضأين به، والملابس التي تصلين بها؟ وهل يلزمك هذا اليقين؟ ام يكفي ان يغلب على ظنك ان الماء طاهر والملابس طاهرة دون ان نجري عملية تحقيق للوصول لليقين؟
وهكذا
هذه بعض الأمثلة لعلها تبين لك المقصود بأننا نتعبد الله بغلبة الظن
لكن العقائد لا تقبل الا اذا كانت يقينية
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
جزاك الله خيرا يا هادية على التوضيح.ولي مع تلك الشبهة تفصيلات مهمة باقية بإذن الله.
« آخر تحرير: 2014-05-18, 08:25:27 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
أتفهم هذه النقطة وبإن الكثير من الأشياء في حياتنا مبنية على غلبة الظن

لكن أين نضع الحد الفاصل؟ هل 51% كافية؟ أم أنها لا تعتبر كافية؟ أين هو الحد؟

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
أتفهم هذه النقطة وبإن الكثير من الأشياء في حياتنا مبنية على غلبة الظن

لكن أين نضع الحد الفاصل؟ هل 51% كافية؟ أم أنها لا تعتبر كافية؟ أين هو الحد؟


لا يوجد حد فاصل.. وإنما يوجد اجتهاد، يتلمس الدليل الأقوى للترجيح بين الأمرين اللذين يبدوان متساويين.. وكلما كانت قوة المرجح أكبر كانت نسبة الاطمئنان للاجتهاد أقوى
مثلا: حكم في مسألة لا يوجد فيها نص... فنقيسها على مسألة أخرى ورد فيها نص... بحسب قوة القياس، يكون الاطمئنان للحكم... وقوة القياس تأتي من أمرين: الأول: صحة تحديد العلة (تخريج المناط)، والثاني: تحقيق المناط .. فبحسب الاطمئنان الى صحة استنباط العلة، وبحسب الاطمئنان الى تحقق العلة في المسألة التي لم يرد فيها نص (تحقيق المناط) يكون الاطمئنان للحكم
مثلا: حكم تعاطي المخدرات
المخدرات لم يرد فيها حكم في الإسلام.. فقاسها العلماء على الخمور
ما علة تحريم الخمور؟
 الإسكار
هل هذه العلة متحققة في تعاطي المخدرات؟
نعم
إذن نقيس حكم المخدرات على حكم الخمور فنقول بتحريمها

طيب هل نحن متأكدون أن علة تحريم الخمر هي الإسكار؟
نعم
لماذا؟
لوجود نص ينص على هذه العلة.. وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ ، و كلُّ مسكرٍ حرامٌ"
فالعلة أكيدة
وتحققها في المخدرات أكيد
فالطمأنينة للحكم هنا تقرب من اليقين (إن لم تكن يقيناً)

لكن قد نجد حكماً في قضية أخرى ولا نتأكد من علية الحكم... مثلا:
من جامع زوجته في نهار رمضان وهو صائم متعمداً فعليه الكفارة الكبرى
طيب هل العلة هنا هي حرمة الشهر؟ ام حرمة الصيام؟ هل هي فعل الجماع تحديدا؟ أم أي مفطر؟
لا يوجد نص يحدد العلة..
وإنما جاء الحكم في الحديث التالي، والذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال:
" بينما نحن جُلوسٌ عِندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ جاءَه رجلٌ فقال : يا رسولَ اللهِ، هلَكتُ . قال : ما لَكَ . قال : وقَعتُ على امرأتي وأنا صائمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : هل تجِدُ رقبةً تُعتِقُها . قال : لا . قال : فهل تستطيعُ أن تصومَ شهرينِ متتابعينِ . قال : لا . فقال : فهل تجِدُ إطعامَ ستينَ مسكينًا . قال : لا . قال : فمكَث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم . فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيه تمرٌ، والعَرَقُ المِكتَلُ، قال : أين السائلُ . فقال : أنا . قال : خُذْ هذا فتصدَّقْ به . فقال الرجلُ : أعلى أفقرَ مني يا رسولَ اللهِ ؟ . فواللهِ ما بين لابَتَيها، يُريدُ الحَرَّتينِ، أهلُ بيتٍ أفقرُ من أهلِ بيتي . فضَحِك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بدَتْ أنيابُه ثم قال : أطعِمْه أهلَك." (رواه البخاري)

هنا اختلفت اجتهادات الفقهاء.. فالحنفية وجدوا ان الكفارة الكبرى هنا هي لانتهاك الصيام بالمفطر.. فأي انسان يفطر متعمدا في نهار رمضان بجماع او طعام أو أي مفطر آخر فعليه الكفارة الكبرى
ورأى الجمهور ان العلة هي الجماع في نهار رمضان تحديدا.. فأي افطار متعمد بمفطر آخر -وإن كان إثما- إلا أنه لا يستدعي الكفارة الكبرى

فالحكم هنا مظنون.. وكل عالم يحاول ان يرى الادلة ويحللها ويقلب وجوه الرأي والنظر فيها، ويجمع الحالات المشابهة والمماثلة، ليستطيع ان يتوصل الى الحكم.. فيكون الحكم هنا بغلبة الظن، ونسبة الطمأنينة له في نفس المجتهد عالية، لكن في نفوس أتباعه (نحن يعني) ليست عالية، لأنها معارضة بأقوال العلماء الاخرين ونظراتهم، ونحن لا نملك أدوات الاجتهاد مثلهم ليغلب على ظننا رأي دون آخر، لكن نملك الثقة بهؤلاء العلماء وعلمهم وتقواهم وبذلهم غاية الجهد في المسألة، فنقلد بعضهم دون بعض
وهكذا
------
بالنسبة لجوهر سؤالك وهو ما هي النسبة الكافية لقبول العمل..
فأقول لك أن النسبة الكافية هي بذل أقصى ما في وسعك من التحري (تذكري اننا نتحدث عن العبادات والتعاملات وليس عن العقائد والايمان)
ووسعك قد يختلف عن وسع طالب العلم، ووسع طالب العلم يختلف عن وسع العالم، والعالم يختلف عن العلامة وهكذا
والله تعالى طلب منا الاجتهاد والتحري وبذل اقصى الجهد.. فإن كان هذا هو وسعنا، يقبله الله منا، وان كان في وسعنا ما هو افضل ولم نبذله لا يقبل منا.. {لا يكلف الله نفسا الا وسعها}
فان كنت تريدين الصلاة ومعك بوصلة، فلا يقبل منك ان تجتهدي بالظن
وان لم تكن معك بوصل ولكنك تعرفين كيف تستنبطين وجود القبلة بالنظر للظلال او غيرها من الدلائل وجب عليك هذا،
وان لم يكن لديك كل هذه الامور وامكنك سؤال بعض الناس عن اتجاه القبلة، وجب عليك سؤالهم... وتقدمين سؤال المسلمين على غيرهم.. فان لم تجدي الا كافرا فتسألينه مثلا عن اتجاه الجنوب الشرقي لانه اتجاه القبلة في بلدك..
وان صليت بعد اجتهادك لجهة خطأ، فصلاتك مقبولة، لأن الهدف هو العبادة، والعبادة بذل الجهد في سبيل الله، وقد فعلتِ ما بوسعك.
فأيما وسيلة توفرت عندك للاجتهاد وجب عليك بذلها.
وان اردت مثلا ان تسألي عن معاملة مالية مشكلة هل هي حلال او حرام، وأمكنك الوصول للمفتي في بلدك لكنك سألت بدلا منه إمام المسجد، أو شخصا مجهولا على النت، أو طالبا في كلية الشريعة، فلا تبرأ ذمتك، ولو تيسر لك سؤال عالم تعلمين تقواه، وآخر تعلمين انه من علماء السلاطين، ففضلت الثاني لان فتواه على هواك، او لان الوصول للاول فيه بعض الصعوبة، لم تبرأ ذمتك
والعالم الذي يقول عن مسألة انه لا يدري بعد ان بذل كل وسعه في طلب الادلة عليها ولم يتبين له وجه الحق، أبرأ ذمته.. لكن ان يقعد عن طلب العلم وتلمس الدليل، او يصم اذنيه عن سماع الوقائع ويغلق عينيه عن رؤية الاحداث ثم يقول لك هذه فتنة واختلط فيها الحق بالباطل، هذا لم تبرأ ذمته
وهكذا
---------------------
أخشى ان نخرج بهذا عن سياق الموضوع.. فان كانت الصورة العامة اتضحت فلنكتف بهذا القدر.. وان كان ثمة اسئلة تفصيلية عن مسائل فرعية لا تتعلق بأصل الموضوع، فلننتح بها جانبا في موضوع آخر
 emo (30):
« آخر تحرير: 2014-05-22, 13:17:54 بواسطة تيته هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
جميل بارك الله فيك ونفع بك ::ok::

ماذا عن الظن في مسألة العقائد والإيمان؟ هل يمكنك التفصيل أكثر في هذه النقطة؟  :blush:: :blush::

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
جميل بارك الله فيك ونفع بك ::ok::

ماذا عن الظن في مسألة العقائد والإيمان؟ هل يمكنك التفصيل أكثر في هذه النقطة؟  :blush:: :blush::

يمكنني ان شاء الله
لكن في موضوع مستقل


 emo (7):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم