لكم أوغل علماء الحديث في الاحتياط في حالة الراوي...
فوضعوا له شروطا: الإسلام، والتكليف، والعدالة وهي التي تعني التقوى والمروءة فأما التقوى فبامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، بألا تُؤتى كبيرة ولا يُصر على صغيرة، وألا يبتدع، وأما المروءة فأبعد من قبول روايته مثلا من تبول في الطريق وإن كان مباحا، أو من كان مفرطا في المزاح الخارج عن حد الأدب...
واشترطوا الضبط بنوعيه الصدري والكتابي، فأما الصدري فأن يستحضر الراوي ما حفظه عن شيخه من يوم سمعه منه، مع قدرته على التحديث به متى شاء وأما الكتابي، فأن يحافظ على كتابه الذي كتب فيه الحديث من أي تبديل من يوم سمعه فكتبه، وألا يعيره إلا لمن يثق به ويبعد عنده أن يحدث به تغييرا
ومع كل هذه الشروط فقد ردوا رواية من كثر غلطه، وساء حفظه عن السابق، بل ردوا رواية من تساوى غلطه وصوابه واعتبروا حديثه منكرا، ولم يأخذوا إلا عن العدل الفطن اليقظ .
وكم من صاحب دين وورع ردت روايته...
وتأملوا قول مالك بن أنس : " لقد أدركنا في هذا المسجد سبعين ممن يقولون : قال فلان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن أحدهم لو اؤتمن على بيت مال لكان أمينا عليه، فما أخذت عنهم شيئا، ولم يكونوا من أهل هذا الشأن"
وكان ذلك لسوء طرأ على حفظهم مثلا، أو لغلط زائد.
بل لقد طعن علماء الحديث في رواية من يذهب إلى الحكام ويقبل عطاياهم !! ونحو ذلك مما راعوا فيه أن الدوافع النفسية قد تحمل صاحبها على الانحراف.
تلخيص لنقاط من كتاب " دفاع عن السنة" لمحمد أبو شهبة.
فليتأمل في هذا الحرص، وهذا الاحتياط وهذه الشروط بالغة الدقة، كل من يتجرأ ويصف علم الحديث بأنه الطريقة غير الموثوق فيها لقبول الحديث !! وليأتِنا وهو "الآحاد" -على رأيهم في رفض حديث الآحاد من الصحابة- !! ويريد أن يلزمنا بتقولاته، فليأتنا بما هو خير منه لنقبله، ونتبرأ من كل هذا العلم وأصحابه الأفذاذ
!!