خزائن بيت المال اليوم ملأى ، وقد دفع المسلمون الزكاة بعد حروب الردة التي استمرت عاما كاملا...كما بدأت تقدُم على المسلمين غنائم بلاد فارس التي ابتدر هو وأمر بالتوجه إليها والبدء بفتحها تصديقا منه بموعود حبيبه صلى الله عليه وسلم....
فأين هو من هذا ؟؟ وهو خليفة المسلمين ووليّ أمرهم، والآمر الناهي، الذي يسيّر الجيوش، ويأمر الأجناد....
إنه يحمل على ظهره أبرادا، ويقصد السوق...
يعترضه عمر رضي الله عنه فيسأله: إلى أين؟
فيرد عليه: إلى السوق.
فيقول: وما حاجتك بالسوق؟
يرد قائلا: ومن أين لي بقُوتي وقوت عيالي ؟!!
يقول عمر: اذهب إلى أبي عبيدة، وهو أمين بيت المال، فليفرض لك قوت عيالك... فيذهب إليه ويفرض له أبو عبيدة قوت عياله .......
هذا هو أمير المؤمنين أبو بكر الصديق ....
يخاطب عائشة ابنته رضي الله عنها، وهو على فراش الموت: أما إنّا منذ ولينا أمر المسلمين، لم نأكل لهم دينارا ولا درهما، ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيئ المسلمين قليل ولا كثير، إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير، وهذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وابرئي منهنّ...
ففعلت عائشة ذلك بعد وفاته رضي الله عنه وأرضاه، فلما قدم الرسول بها على عمر أجهش باكيا بكاء شديدا وهو يقول: رحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت من بعدك...رحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت من بعدك...رحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت من بعدك....
هذا هو أبو بكر العظيم الذي دفع يوما ما كل مالِه للإسلام، فلما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما تركت لأهلك؟ ، قال: تركت لهم الله ورسوله .......
رضي الله عنك وأرضاك يا من نزل فيك قرآن يتلى إلى يوم الدين : "وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى(17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى(19) إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى(20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى(21)"
ولسوف يرضى... ولسوف يرضى ...
تمعّر ممن أغضب صاحبه وحبيبه وجهه صلى الله عليه وسلم يوما فقال: هل أنتم تاركو لي صاحبي ؟!! هل أنتم تاركو لي صاحبي ؟؟