الآن الكاتب يتحدث عن الجنة، ودخول آدم إليها، وخروجه منهافاول ما يبدأ يقول أنّه يريد سبر غور المستوى الفكري للإنسان العاقل في أولى مراحله على الأرض، وهذا مع سيدنا آدم عليه السلام.
طيب ماذا يفعل، يأتي بقصتي كل من الغراب والهدهد، ليقول أن قصة الغراب وقصة الهدهد إنما هما مرآتان عاكستان لميتوى الوعي الفكري للإنسان العاقل على الأرض بين مرحلتين بعيدتين كل منهما عن الأخرى، فمستوى الغراب هو مستوى فكر الإنسان العاقل في عهد آدم عليه السلام، ومستوى الهدهد هو مستوى الإنسان العاقل بعد مرور حقبة طويلة من الزمن مما يدلل على تطور فكر الإنسان، فعهد آدم الذي يصوره الغراب عهد كان الإنسان فيه يفهم بالحركة والإماءة،والمشاهدة بينما عهد سليمان عليه السلام عهد تطور فيه الإنسان فأصبحت له فلسفة في الحياة والسياسة والحكم ....!!
عهد آدم الذي لم يعرف فيه قابيل كيف يواري سوءة أخيه حتى نزل الغراب وعلمه، وهذا مما يوحي كبيرَ إيحاء كيف أن الكاتب يتجرأ على نبي من أنبياء الله تعالى وهو آدم عليه السلام، الذي كرّمه الله تعالى بأن أسجد له ملائكته، ثم علمه الأسماء كلها، فكان له مخزون معرفي أودعه الله في عقله ما يوحي أنه ذو عقل وحكمة ومعرفة عظيمة، والأكبر من كل هذا أنه عليه السلام جعله الله تعالى نبيا داعيا إلى الله وإلى توحيده ....فهل عدم معرفة قابيل القاتل المجرم لكيفية مواراة جثمان أخيه هو الدليل على فكر إنسان ذلك الزمان؟!
ثم لا يفوتني أن أشير إلى أنه يصف قصتي الغراب والهدهد بأنهما ضرب من ضورب الإبداع الفني القرآني، ثم يؤكد أن الهدهد لم يكن يتحدث ساعة فهم سليمان عليه السلام منطقه بتلك الكلمات التي وردت في القرآن، بمعنى أن الله تعالى هو الذي نقل كلام الهدهد بالفصحى ...!! هنا أتساءل من أين للكاتب الجزم بهذا؟؟ وما يدرينا أن الهدهد تكلم بما تكلم حرفيا كما ورد في القرآن الكريم؟ وهل هذا بعيد؟!
ثم يردف الكاتب بعنوان جديد "شجرة الخلد"ونحن نعلم أن هذا الوصف هو وصف الشيطان للشجرة، ولا يليق أن نصفها نحن المؤمنين بوصفه عليه لعنة الله، وإنما نصفها بما وصفها به الله عز وجل .
وهنا يتعرض الكاتب لخلط وخبط كبيرَين، مازلت مصرة على العيش معهما، وكلما قرأت ازداد عجبي واستغرابي من شباب جامعيين نسمع أنهم قد انبهروا بالكتاب واتخذوه اعتقادا جديدا !!
يقول أنّ الشيطان قد دلاهما على الشجرة، ويلوي أعناق الآيات مرة أخرى، فيعرض قوله سبحانه:
يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ(27)-الأعراف-
فيؤكد أن هذه الآية لقارئها المتدبر المسلم توحي له ب"العملية الجنسية" -على حد تعبيره-، وأتساءل من أين جاء بهذا التأكيد الجديد ؟!
ثم يقول أنّ آدم وحواء أصلا لم يكونا يلبسان شيئا قبل ورق الجنة لتظهر لهما سوءاتهما، بل كانا عاريَيْن بائنَي السوأة لغيرهما (بفعل نظريته أن معهما غيرهما!!!)فأتساءل من أين جاء بهذا الجزم أيضا ؟! والله سبحانه وتعالى يقول :
وَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20)-الأعراف-
وفعل "ووري" ليس أدلّ منه على أن الله تعالى كان قد ورّى أي ستر سوءاتهما حتى كان كشفهما بفعل أكلهما من تلكما الشجرة.
ثم وتحت عنوان "خلق الأنثى"يبدأ الكاتب بنظرية جديدة من نظرياته الكثيرة المتعددة المخالفة للعقل وللمنطق وللحق، وهو يقول أن القرآن لم يتحدث لا من قريب ولا من بعيد عن خلق الأنثى التي ظهرت فجأة من فهمنا للآيات التي تتحدث عن دخول آدم وزوجه الجنة، ويفسر الزوج هنا بأن اسم "آدم" إنما عنى به الله اسم جنس ليس معينا ذكرا أو أنثى، وإنما قد يكون الذكر، كما قد يكون الأنثى، وإن "أنت وزوجك" قد عُني بها جمع من الذكران ومن الإناث !!
ثم ينقد فهم المسلمين لخلق حواء من ضلع آدم عليه السلام، بل ويتعدى ليصف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الوارد في كل من صحيح البخاري ومسلم أنه حديث مجازي ! وكأن كل علماء اللغة القدامى والمحدثين منهم لم يستطيعوا التمييز بين المجازي والحقيقي حتى جاء هذا الرجل الذي ليس له في علم اللغة من ناقة ولا جمل ليعلمهم أنه حديث مجازي، والذي على أساسه فهموا أن خلق حواء كان من ضلع من آدم عليه السلام !! واسترسلوا ينقلون بعد ذلك عن الإسرائيليات
قال صلى الله عليه وسلم : "
استوصُوا بالنساءِ ، فإنَّ المرأةَ خُلقتْ من ضِلعٍ ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلعِ أعلاه ، فإن ذهبتَ تقيمُه كسرتَه ، وإن تركتَه لم يزلْ أعوجَ ، فاستوصُوا بالنِّساءِ"-صحيح البخاري-
يقول رب العزة جل في علاه :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(1) -النساء-
ثم أين نذهب بكل تلك الخطابات القرآنية الموجهة لكل من آدم وحواء زوجه، بصيغة المثنى؟!! كيف يقتنع الشباب الجامعي الذي درس اللغة إن لم يدرس القرآن ، بهذا الهراء الذي لا أصل له في علم ؟!
ولتقرؤوا من هنا شيئا مما قال في خلق حواء، وفي أن جمعا من الذكران والإناث هم الذين كانوا في الجنة: