ونأتي الآن مع الطور الثالث، من الأطوار التي مر بها الإنسان، وهي عند كاتبنا تفسرها الآية الثالثة مما بين أيدينا أي الآية 9 من سورة السجدة
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ(9) -السجدة-
هذه الآية يراها الحاسمة، يراها المفسرة للحقلقة المفقودة التي لم يجدها داروين، فوجدها هو في كتاب الله عز وجل !!
يقول أن الإنسان انتقل في هذه المرحلة،بعد المرحلة الثانية التي أصبح فيها يتناسل جنسيا كصنف من أصناف الحيوانات، الآن سينتقل إلى مرحلة النفخ والتسوية، وطبعا كما أراد إعطاء معنى مغاير لكلمتي "نفخ" و"تسوية" حتى يتلاءم الحال مع فكرته، فنفخ الروح عنده، -ورغم أنه يعيد ويكرر أن الروح من أسرار الله تعالى- إلا أنه يقول أنه ليس نفخا لسر الحياة، بدليل أن مريم لها روح، وينفخ فيها جبريل الروح ! ويقول أن التسوية هي التسوية بين شيئين
فخلُص إلى أن النفخ هنا والتسوية هي الحلقة المفقودة التي انتقل بها الإنسان من مرحلة الحيوان إلى مرحلة الإنسان العاقل، ذلك أن الله غير من وظيفة أذنيه وعينيه، ليصبحا جهازي استقبال لما يحيط ولكن بعقل، فالتسوية كانت على مستوى المخ، ثم النفخ هي عملية التغيير الجذري على مستوى هاتين الحاستين لتصبحا لاقطين ليعقل الإنسان الذي سوّي مخّه ...
فهذه إذن مرحلة الإنسان العاقل...
لا والأجلب للضحك، هو تذكره لكلمة عامية يتسخدمها الناس في مصر خاصة وربما في السودان بلده أيضا هي كلمة "نافوخ"، فيقول أنه رغم اجتهاده الكبير في أن يصل لأصل لغوي لهذه الكلمة يربط النفخ بالمخ، إلا أنه لم يفلح !!
ولكنه لا يشك أن هناك علاقة بين "نافوخ" وعملية النفخ ...بمعنى أنه الجزء الذي نفخ فيه ........!!
أعود هنا للآية الكريمة عودا عقلانيا بحق، عودا منطقيا، عودا سليما من كل هذه التراهات ....
قوله سبحانه :
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ(8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ(9) -السجدة-
الآية 7 تصف بداية خلق الله تعالى للإنسان، بدأ خلقه من طين ....واضحة جدا .
الآية 8 تصف جعل الله تعالى لنسل هذا الإنسان من سلالة من ماء مهين، والنسل معناها الذرية، والسلالة لغة معناها الشيء الذي يُسلّ، فهي مسلولة من الإنسان، وهذه السلالة هي تلك النطفة التي ستنفصل عن الإنسان لتشكل ذريته، وتشكيلها طبعا من ماء مهين، ماء الرجل وماء المرأة، وهذه إرادة الله تعالى أن قدّر لهذا الإنسان كيف يكون نسله من أول الخلق، من لقاء سيدنا آدم وأمنا حواء، وليس كما يدعي هذا الكتاب من انتقال من مرحلة تناسل غير جنسي إلى تناسل جنسي ...
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(1) -النساء-
الآية 9 : في هذه الآية يصف عملية التسوية والنفخ التي تحدث للجنين، هذا الذي هو نسل ذلك الإنسان الذي بدأ خلقه من طين، هذا الذي هو من سلالة من ماء مهين، وعملية التسوية في الجنين معروفة جدا خاصة في عصرنا الحالي والمراحل التي يمر بها الجنين، والتي ذكرها القرآن أصلا، ونفاجأ ونحن نجد ابن كثير يصفها وكأنه في عصرنا اليوم، فيصف النطفة ثم العلقة بتعريف علمي، ويصف المضغة وشكلها كذلك، شيء حيّرني شخصيا، وهم من أصبحنا نجد الكثيرين اليوم من أبناء هذا العصر يصفونهم بقلة المعرفة وبالتحجر ويتنادون بضرورة عدم التعويل على تفاسيرهم.... بينما يتجلى لنا أن قلة المعرفة هي في أمثال هذا الذي يدعي ما ليس له، فهو بغير حجج علمية ولا براهين عقلية يصف مراحل التطور ...!!
وهنا لا يفوتني أن أضع كلاما لابن كثير يفسر به مراحل الجنين، وكأنه في عصرنا :
ثم خلقنا النطفة علقة " أي ثم صيرنا النطفة وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره وترائب المرأة وهي عظام صدري ما بين الترقوة إلى السرة فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة قال عكرمة وهي دم " فخلقنا العلقة مضغة" وهي قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط فخلقنا المضغة عظاما " يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين عظامها وعصبها وعروقها إذن فعملية النفخ والتسوية هذه والتي أعقبت الآية التي فيها الحديث عن التناسل، هي تعني النفخ في الجنين، لأن هذا التسلسل في هذه الآيات، يتخذه الكثير من المؤمنين بالتطور حجة يقولون أنها تبين تسلسل عمليات التطور وذلك لأن آية التسوية والنفخ جاءت بعد آية التناسل، بمعنى وجود خلق قبل النفخ في آدم عليه السلام .
وبالتالي فهذه الآية وكما يدل عليه تسلسلها ومجيئها بعد الآية 8، تعني النفخ والتسوية للجنين، ولا تعني النفخ في سيدنا آدم .وهنا يجب أن أذكر حديثا مهما جدا جدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث صحيح يفصل عملية النفخ هذه التي تتم للجنين:
روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله ابن مسعود قال: حدثنا رسو ل الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال:(إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما،ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح. ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد). رواه مسلم