كل ما ورد من سوء معاملة و اهانات هنا قصّة حقيقية لفتاة مصرية .." بتصرّف أدبي "
جلست تنظر إلينا , و نحن ننظر إليها ننتظرها أن تفصح ..
و حين بدأت الكلام قالت :
لا ادري ..أنا لا احبها ! ..او ربما هي لا تحبني ..
تنحنح الجميع فيما يبدو أنه سؤال عن السبب , فاردفت و قد اخفت وجهها في الارض لئلا ننظرها ..
- أشعر أنها ابداً لا تريد الخير لي , دائماً ما تدعو عليّ .. و تفرط في الدعاء .. و اقسم انني اكون غير مذنبة , انها تقتنص الاخطاء لي اقتناصاُ و أنا التي أحمل عنها بعض همّ مسئولية البيت من تنظيف و غسل و غيره ..يكفي أن تخرج لتعود تجد البيت لا غبار هنا او هناك ... طعامٌ جاهز و ملابس في الخزانة .. و كل شيء عطرٌ منمق ..ثم أنها تأتيني و قد اكفهرّ وجهها تخبرني أنني نسيت ملأ الزجاجة تلك و لم أٌحسن سِواء الطعام بإمتياز ..في الحين ذاته , تأتي علي أختي الصغرى- تصغرني بعامين- فتدللها دلالاً عظيماً .. إنها لا ترفع عليها صوتها أبداً .. إنها تضمها و تقبلها و تقول إنها هي الابنة التي انتظرتها طويلاً .. وطويلاً هذا كان مدة السنتين التي فرقت بيني و بينها !!
كل يوم تصرخ في وجهي .. تسبّني .. تنعتني بأوصافٍ يؤلمني مجرد تذكرها , تخبرني أنه ما من أحد سينظر لوجهي و يخطبني لأنني بشعة و غير مليحة كأختي التي يتراود الخطاب علي بابها في الشهر ألف مرة ..
ثم أنها تعايرني بمرضي ! ..و من كان السبب فيه سواها ؟ إ
قبل أن أُخطب .. كانت كلما رأتني نعتتني بالبوار و أنني لا قيمة لي في " سوق العرايس " , و عندما زدّت في الوزن .. كانت تناديني - لا تنعتني - بالعِجلة علي الدوام ! .. او بقرة .. إذا كانت راضية !
- فزاد الجمعُ في تأثرهم و اقترب مَن حولها يربّتون علي كتفها ..و هي تخفي دموعاً حارقة ..ثم اشتعل عود الثقاب بعد طول حكّ ..
- إنها تدعو عليّ طوال الوقت , قدّري أن امكِ التي من شأنها ان تكون أول من يدعو لكِ بالخير , أو تلك الحضن الواسع الذي تهربين إليه من مشاق الدنيا و قسوة البشر .. هي التي تقسو عليكِ ! ..
تسمعينها تحرّك لسانها تدعو عليكِ أن تراكِ أشلاء لا يقدرون علي جمعك .. أو عندما تهمين بالخروج بدلا من ان تدعو لك بالسلامة ترفع صوتها جهوراً " تخرجي ما ترجعي يا رب " او "إلهي تخرجي علي رجليكي , ترجعي شايلينك " أو " يارب تشيلك (عربيّة ) مايعرفوا لك ملامح بعدها " !!!
و اقسم أن هذا لا دافع له , لا ذنب ارتكبه لكل هذا ! , و لنفرض أنني أنا صاحبة السوء في العالم كله .. هل
يصبح ذلك من حقها ؟ .. حتي الأبالسة تحتاج إلى الحنان !
والآن و أنا اجهّز نفسي لأجل الزواج - ( تمسح دموعها بمنديل أعطي إليها ) - يعطيها أبي - الذي لم اعد اراه - مبلغاً مثلا عدة آلاف لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة .. لاشتري شيئا معيناً مثلاً .. اهمّ بان اشتري ما اتمني , و هي ارخص البضائع بالمناسبة ..و اطالبها بالمال , فاكتشف انها قد اخذت منها جزءاً ضخماً لنفسها ! .. و لم تُبق لي سوى مئات الجنيهات .. فتذهب بذاتها إلى أي محلٍ عشوائي لتشتري لي - بذوقها الكريه جداً - ابشع البضائع بثمن زهيد جداً لا يكاد يتعدى ثمن حذاء رياضة ..و هكذا طول الوقت !
ثم تقذف بها في وجهي " إن كان عاجبك ! "
اذكر أنني تحصّلت مرة و اشتريت مفرشاً جميلاً جداً , كنت به في قمة سعادتي .. مع بضع قطع ملابس في غاية الاناقة و الجمال لجهازي.. كل من رآها أثنى عليها , حتى إذا جئت عليها .. باغتتني بطلب الفاتورة .. و بصقت فيما اشتريت , و اكفهرّت و زمجرت و دعت : إلهى ما تتهني بيهم ابداً و لا تشوفي فرحة ف حياتك !
-ساد المكان صمتٌ مهيب .. لا عزاء لهذه الفتاة ! .. نطقت إحداهن علي إستحياء و بصوت خفيض : لم كل هذا؟
- ضحكت هي في سخرية مريرة جداً ..و قالت :
لم تقل لي , لكنها اخبرتني أكثر من مرة انها لم تكن تريد ان تنجبني .. و انني اذكّرها بأبي و حماتها ..وانني كنت فاتحة سوءٍ عليها , و انني لم أكن مثلما تمنيَت هي في الجمال ..
- خرجت واحدة بسؤال لم يكن ذا داعِ , غير أن كلهن كنّ يردن سؤاله : هل تضربك ؟
- و أيّ ضرب! .. بإمكاني أن اريكنّ علامات اللسع و " الفلكة " علي ساقي فهي كفيلة بشرح كل شيء ..
كانت تقصّ لي شعري حين كنت صغيرة كمثل الاولاد .. كان طويلا رائعاً ثقيلاً , قصّته لي ما يعادل الخمس مرات ..حتى صار كما ترون ما هو عليه الآن ! لا علاج يفلح معه ..
كانت إذا غضبت لأي سببٍ لا علاقة لي به .. تناديني , فتلومني علي أي خطأ ارتكبته مذ كان عمري عامين , فتصفعني و تلطمني لطماً مبرّحاً , و تجرّني كما البهيمة !
- اوقفتها إحداهن : هل تقولين أنكِ ابداً ما اخطأتي او ارتكبتِ جرماً يبرر أي شيء من هذا؟
- قالت في تمرّر : و هل - لو ارتكبت واحداً - سيصير من حقها حينها أن تعنفني او تقومي بحرقي و شتمي .. أن تخبرني في وجهي أنها تكرهني ؟ .. أن تقول لأختي أنها هي ابنتها الوحيدة .. و تترك من تصغرني تتمرد و تتنمر عليّ ؟..إنها لم تقدّر أي نجاحٍ لي ابداً.. لا في مدرسة و لا في جامعة .. حينما اصبت في حادث - بعد ان دعت عليّ - ظللت في سريري اسبوعين يغمرني الجبير ..في اول يوم في الاسبوع الثالث , دخلت عليّ تصرخ أنني يجب أن اكف عن " الدلع" و اقوم بعمل البيت ..و انني قد صرت بخير !
- زاد وجهها احمراراً و زادت كثافة الدموع في عينيها و قالت :
و الآن .. ستتركني أذهب إلى بيت زوجي , إلى بيت العائلة .. و أنا ذليلة العين كسيرتها ..ملابس مهلهلة , اواني بشعة , ادوات لا قيمة لها .. ثم أنها ترفض حتى أن تعطيني المال الذي يعطيها إياه أبي لأجلي .. و اذا اعطانيه من ورائها , فتشت و تشاجرت و صرخت و كسرت .. ثم اخذته !
آآآه يا ربي ..كم ذا تمنيت أن اشتري - لمرة واحدة - ما اتمني بذوقي الخاص .. ان اعيش مرة واحدة شيء كما احب ان اعيشه ..لا كما تفرضه عليّ هي .. ان اكون العروس الجميل التي احسن اهلها إليها و لم يبخلوا عنها ..أن تكون ..أن تكون لي أم غير هذه!
ثم توقفت عن الكلام إذ اختنق الصوت .. و جفّت الكلمات .. و انطفأ عود الثقاب بعد الحك ثم الاشتعال ..
رفعت وجهها إلينا .. فاخفينا نحن وجوهنا في الارض لئلا تنظرنا !