سبايدر مان .. بطل مصر القومي الذي اختفى ..
لا أحد يتحدث عن هذه الواقعة على الإطلاق .. ماتت واختفت من جميع وسائل الإعلام الإسلامية والعلمانية .. الخاصة والحكومية بعد بضع أسابيع من حدوثها .. ولهذا سبب نستطيع أن نستنتجه بعد أن نعيد حكايتها ونتذكرها سويا ..
الواقعة متعلقة بموضوع تسلق مبنى السفارة الصهيونية في القاهرة وإنزال العلم الإسرائيلي ..
الجميع تذكر الآن هذه الحادثة التي سقطت من الذاكرة وكادت أن تنسى تماما .. ولكن السؤال الآن .. لماذا حدثت ؟ ولماذا ظهرت مظاهرات شديدة مناهضة للكيان الصهيوني ثم تبخرت واختفت بعدها بل ونسيناها تماما .. أليس هذا شيء مريب ؟؟
لهذا السبب يجب أن نعيد فتح هذه القصة من جديد .. وننظر إليها بنظرة مختلفة ..
لماذا دعى البعض إلى تظاهرات ضد إسرائيل في اغسطس 2011 ؟ شخصيا لا اذكر السبب .. ولكنني قمت بالبحث وتذكرت الآن ووجدت أن السبب كان قتل إسرائيل لبعض الجنود المصريين على الحدود .. وهذا شيء عجيب فقد قتلت إسرائيل غيرهم في أكثر من مناسبة .. ومؤخرا دخلت اسرائيل بطائرة بدون طيار واخترقت كيلومترات عديدة داخل الحدود وقتلت بعض أهالي سيناء ولم يتحرك أحد ..
المهم .. هذه المظاهرات كالعادة كان الداعي إليها حركات "ثورية وشبابية" وعلى رأسهم كما تتوقعون حركة 6 إبريل .. ورفض الأخوان المسلمين المشاركة فيها رسميا .. واتهمتهم هذه الحركات بالتواطئ والتكاسل والتقاعس ومثل هذه التهم التي كانت معتادة في تلك الشهور .. وبدأت المظاهرات واستمرت حتى الليل .. ثم فجأة وجدنا خبر عن إنزال العلم الإسرائيلي من فوق المبنى (الذي يقدر ارتفاعه ب 19 دور حسبما أذكر) وحرقه على ايدي المتظاهرين .. ولأن الأمن كان يغلق مداخل المبنى بأكمله ولا يمكن لأحد الصعود من الداخل .. فهذا (البطل المغوار) الذي أنزل العلم اضطر أن يتسلق المبنى من الخارج ..
المهم احتفل المتظاهرين بهذا "النصر" وكانوا في قمة السعادة .. وكانت الإعلام يحتفي بهذا الحدث احتفاء كبيرا مما أسعد الشعب كله من ورائهم .. بل واسعد الشعوب العربية والإسلامية التي ظل ابنائها يبعثون برسائل شكر وتقدير وتعظيم للشعب المصري العظيم الذي قام بهذه الخطوة ..
لم يقف الامر عند ذلك .. بل قام محافظ الشرقية بتكريم (البطل ابن المحافظة) بمنحه فرصة عمل ووحدة سكنية وفى اتصال هاتفي حيا عزازي الشحات على جرأته وشجاعته ووطنيته ، وأوضح عزازى أن الشحات مثله مثل سليمان خاطر وأيمن حسن اللذين ثارا لكرامة مصر على الحدود في وجه جنود العدو، مؤكداً أن الشحات هو الذي اقتلع نجمة داوود من فوق سماء النيل وغرس مكانها علم مصر العزيز الشامخ. (تذكروا هذا الاسم وهذا التصرف جيدا فهذا المحافظ هو أحد قيادات جبهة الإنقاذ وأحد الشركاء الاساسين في الانقلاب لاحقا .. كما أنه ذكره سيأتي في العديد من الأحداث الأخرى)
ثم استمرت الفضائيات في الاحتفاء بالشاب في اليوم التالي والذي تمت تسميته سبايدر مان المصري .. وظل ينتقل من قناة لأخرى داخل مدينة الانتاج الاعلامي .. ولم تر مصر من قبل احتفاء بشخص واحد بهذه الحفاوة من قبل (ومما حكاه في هذه الحلقات الطويلة أنه اثناء تسلقه وجد أحد الضباط واقفا في أحد الشبابيك وعندما رآه الضابط في طريقه متسلقا للأعلى ابتسم له ولم يقل شيئا.. تذكروا هذه التفصيلة ايضا) .. وأصبح بين يوم وليلة حلم الشباب أن يقوموا بإنزال الأعلام الإسرائيلية من فوق هذا المبنى (وتأسست صفحات على الفيسبوك تمجيدا لاسمه وفعله .. منها على سبلي المثال صفحة "الطمي يا اسرائيل مصر فيها شباب بيطير" .. وبالفعل لم تتأخر الحركات "الثورية والشبابية" في تجديد الدعوة للتظاهر أمام السفارة الاسرائيلية من جديد .. لنفس السبب السابق ولسبب جديد هذه المرة هو أن السلطات المصرية قررت بناء جدار اسمنتي حول محيط مبنى السفارة .. ويا للعجب قامت بالفعل بإنجازه وإتمام بناءه في اقل من 48 ساعة بعد الحادثة .. مما استفز الشعب بطريقة كبيرة وخاصة مع الشحن الإعلامي الرهيب .. وشعر الشعب أن انتصاره الصغير الذي حققه بالأمس تبخر وطار بسبب قرار المجلس العسكري الأحمق .. ومن ثم كانت الاستجابة الشعبية لهذه المظاهرات الجديدة أكبر من سابقتها .. وكانت الدعوة تتضمن حمل المعاول والمطارق لهدم هذا الجدار يدويا .. شيء جميل جدا وأسعد الإسلاميين قبل غير الإسلاميين .. وعلى الرغم من ذلك لم يشارك الأخوان المسلمين وغيرهم في التظاهرة بشكل رسمي ..
وبالفعل بدأ الناس في التوافد على محيط مبنى السفارة الذي تضاعفت قوات التأمين حوله .. وبدأوا في هدم الجدار باليد وبالمطارق وبكل الأدوات .. وأحرزوا تقدما كبيرا مع زيادة أعداد المتظاهرين .. ولم يتعرض الأمن لهم .. ثم فجأة وعند غروب الشمس .. انسحبت قوات الأمن بأكملها من المكان تماما .. وصار الطريق مفروشا بالورود إلى السفارة .. ومن غير تسلق للجدران ..
السفارة كان قد تم إخلائها من العاملين في الايام السابقة .. والسفير عاد لاسرائيل .. ولم يتبق غير أفراد الامن الاسرائيليين (وهم مسلحون) .. والكل يعرف أنهم سيطلقون الرصاص مباشرة لو حدث اي اشتباك .. لذا تردد البعض ورفض البعض الآخر فكرة اقتحام السفارة من الاساس .. ولكن فجأة .. وكالعادة .. وجد المتظاهرين مجموعة تخرج إليهم من شرفة أحد الشقق المرفوع عليها العلم الاسرائيلي .. وتنزل العلم .. وتلقي بعشرات المستندات من الشرفة .. وتحدثت وسائل الإعلام كلها عن اقتحام السفارة وإلقاء المستندات السرية من الشرفة .. وفي غضون دقائق عاد الأمن ليشتبك مع المتظاهرين هذه المرة .. وكانت ليلة دامية من الليالي المعتادة أمثال محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو وغيرها .. واصيب أكثر من ألف ومات ثلاثة أشخاص على يد الشرطة .. وبدأ الإعلام يقوم بالبث المباشر المعتاد والمذيعين يعلقون أن هذه أحداث فوضى وأننا كنا متحضرين وسلميين فلماذا نستخدم العنف .. وفي نفس الوقت يتهم البعض المجلس العسكري بالخيانة وقتل الشعب ... إلخ
ثم في مفاجأة أخرى أكثر لطفا نستمع لخبر أن المسئولين في اسرائلي وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصيا يشكر السلطات المصرية على تعاونها ويشكر الرئيس الامريكي اوباما على تدخله لانقاذ أفراد طاقم أمن السفارة الاسرائيلية !!!!! تذكرنا فجأة الطاقم الذي لم نكن نعرف مصيره في ظل هذه الاحداث .. وعرفنا أنه في الطريق إلى مطار القاهرة الدولي !!! كيف خرج من المبنى ؟؟ اسرائيل شرحت ان فرقة من القوات الخاصة أخرجتهم من الشقة الموجودة بها السفارة والتي لم تكن هي الشقة التي تم اقتحامها وبعثرة الاوراق من داخلها !!! لم نفهم كيف حدث هذا ولكن كان الشعور العام هو الارتياح الشديد والسعادة أنهم سيخرجون خارج البلاد بلا رجعة .. أو على الأقل بلا رجعة قريبا .. والحزن الشديد على الاصابات والوفيات والاشتباكات ..
وفي وسط الأحداث حدثت اشتباكات أخرى بين الامن والمتظاهرين عند السفارة السعودية الموجودة بنفس الشارع والتي كانت مؤمنة ب 8 مدرعات وعشرات الافراد من الشرطة .. لماذا تحدث اشتباكات عند السفارة السعودية ؟!!!!! شيء آخر غير مفهوم .. ولم يقف الأمر عند ذلك .. بل تم اعتقال اكثر من 70 متظاهر وتمت احالتهم للمحاكمة .. ( لاحقا تم الحكم عليهم بالسجن سنة مع ايقاف التنفيذ ) ..
بعدها مباشرة بدأت الاتهامات المتبادلة المعتادة في تلك الاوقات والتعليقات والتصريحات .. الشباب : "الأخوان لم ينزلوا ولم يساندونا" .. الأخوان "الحركات الثورية لا تستطيع حماية مظاهراتها او تنظيمها ودائما يندس البلطجية بينهم" .. حزب الكنبة : " هتخربوا البلد !!" .. المجلس العسكري "رفع حالة التأهب" .. امريكا "نحن قلقون" .. اسرائيل "يجب المحافظة على العلاقات المصرية الاسرائيلية لأنها ضمانة للاستقرار في المنطقة .. واتفاقية السلام ستستمر" .. ايران "ندعم الشعب المصري في هبته ضد الصهاينة" .. البحرين "ندين الاعتداء على السفارة الاسرائيلية في مصر" ..
عموما ما هي إلا اسابيع قليلة حتى نسي الجميع قصة انزال العلم .. وقصة اقتحام الشقة الملحقة بالسفارة .. واشتباكات السفارة .. ومعتقلين السفارة .. ودخل الموضوع طي النسيان .. ولكن ماذا تحقق من هذه الأحداث كلها ؟؟ اول شيء مطالب من البعض باستقالة الحكومة (حكومة عصام شرف التي جاء رئيسها على أعناق المتظاهرين في التحرير بعدما اجبروا شفيق على الاستقالة) .. والإعلام تحدث عن أن الحكومة قدمت استقالتها بالفعل ورفضها المجلس العسكري .. واسرائيل بدأت تتحدث عن نيتها نقل السفارة إلى منطقة بعيدة عن المناطق السكنية واسهل في التأمين (أي ستأخذ مساحة أكبر ومبنى مستقل وسور وحراسة .. إلخ) .. والسفير استمر فترة أطول بدون عودة لمصر .. والغرب تم تسويق الامر له بأن ثورات الربيع العربي ستشجع على الارهاب وعلى مصالحهم في الشرق الاوسط .. والخليج كذلك اعطوه انطباعا أن هؤلاء المتظاهرين يسعون للاعتداء على سفارة اكبر دولة خليجية وهي السعودية .. والشعب المصري الغلبان قعد شوية فرحان وبيقول ضحكنا على اسرائيل وضربناها على قفاها وعندنا شباب بيطير وبيتسلق زي الرجل العنكبوت .. (والبعض - وأنا منهم - فسر انسحاب الامن في البداية انه تسهيل لعملية الاقتحام علشان يوري اسرائيل العين الحمرا !!!)
ولكن الآن بعد تكشف العديد من الحقائق .. يمكن بسهولة فهم انسحاب الامن انه تسهيل لاقتحام البلطجية لافتعال هذا المشهد ثم الانقضاض على المتظاهرين بعد ذلك .. ويمكن فهم الشحن الاعلامي للتمهيد لهذا المشهد .. ويمكن فهم الاصرار على انجاز الجدار في سرعة قياسية ثم تركه للمتظاهرين ليقوموا بتدميره .. بل ويمكن فهم لماذا قامت اسرائيل من البداية بقتل الجنود اصلا ..
روابط :
توثيق ويكيبديا الانجليزية للحدث (مهم قراءته ليعرف كيف يحاول الصهاينة السيطرة على ويكيبديا) :
http://en.wikipedia.org/wiki/2011_attack_on_the_Israeli_Embassy_in_Egyptفيديو :
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=jlaJuwWi0zcخبر من الجزيرة يوثق جانبا من الاحداث :
http://www.aljazeera.net/news/pages/509c9ec5-0374-4a5c-b76d-680fa68755d7احد الشهادات عن الاشتباكات وما حدث :
http://rowanelshimi.wordpress.com/2011/05/17/%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D9%87/