جزاكما الله خيرا على التفاعل المثمر بإذن الله
بالنسبة للحسبة قد قصرت الحديث أولا على العبادات تناسبا مع ما ذكره الأستاذ مجاهد لأنه ذكر قصتين عنها. والتي في أمرها اختلافات، ولكن بخصوص أمور الحياة طبعا يجب أن يكون أمر بمعروف ونهي عن منكر، وفي الحقيقة أظن أن الوزن الأثقل فيها يكون لأمور الحياة التي لا تنفصل البتة بأي شكل من الأشكال عن الدين، لأن الدين هو منهج هذه الحياة ...
دخل رجل مرة مكتبتي، ومعه ابنته، وابنته هذه صغيرة جميلة مؤدبة، كل ملامحها تدل على البراءة والوداعة والرقة، جعلت تسألني عن حاجيات تريدها من المكتبة، وجعلت أجيبها وكأنما أسلوبها الرقيق يجتث من أعماقك أسلوبا رقيقا مماثلا يرد عليها بما تستحق، وإذا والدها وهو عند رأسها، أي أن رأسها تحت يده مباشرة، تبدو عليه ملامح الغلظة والقسوة، كانت كلما طلبت شيئا، ثم تراجعت عنه لأنها لا تريد هذا بل تريد الآخر بخطأ طفولي طبيعي جدا، ضربها بقبضة يده من رؤوس مفاصل أنامله المطبقة،وحتى تتبين لكم المنطقة الضاربة أتيتكم بصورة تبينها
:
وهي مناطق موجعة جدا جدا عند الضرب، ضربها على رأسها مباشرة بقبضة يده تلك ... والطفلة تحت يده تتوجع من ضربته أيما توجّع، ولكن ملامحها توحي بإلفِها ذلك منه، ولكن ورغم الإلف هي تتجرّع ألما لا تستطيع الصراخ منه، إذ تبين جليا أن حتى الصراخ من الألم قد حرّم عليها!! وأنها طفلة خاضعة لإرهاب أبوي مقيت مقيت، فهي تبتلع ذلك الألم، ولكن دموع عينها تفضحها، وبداخلها خوف أن تغلبها الدمعات فتنساح على الخد فيراها ذلك الأب !!! نعم فهمت ذلك وعيناها مغرورقتان وهي تجاهد حتى لا تنساح الدمعات منهما بابتسامة قاتلة والله، وربّ دمعة أخف هي من ابتسامة حزينة، أو ابتسامة متجرّع الألم مخفيه عن العيون ....!!
أعرضت عندها عن كل شيء، عن كل شيء، ووجمت وتسمرت ووقفت ... ولم أستجب بعدها لطلب أي من الزبائن الواقفين معها ومع أبيها ينتظرون دورهم... ولم أملك الصمت أبدا أبدا، ونسيت كل الآخرين، وانتبهت فقط فقط لتلك الصغيرة، ولتلك اليد الجاهزة فوق رأسها تعمل عمل الإرهاب، يد أب ؟!!!
ورغم علمي أنه أبوها إلا أنني نطقت، أنطقني الإرهاب.... ألقيت كل الذي بيدي، والتفت إليه قائلة: أتعلم أن تلك الضربة على رأسها، وكأنها جاءت على رأسي أنا،لماذا تضربها بهذا الشكل؟ ماذا جنت؟ ماذا فعلت؟! ولو لم يكن رجلا أمامي لأطلقت العنان لعيني دامعة أنا الأخرى من فرط وجع تلك الضربة الذي أحسسته بقلبي، وقد أوجعني حتى إخفاء دمعي!
نعم يا إخوتي، ليست الحسبة على أمر العبادة وحسب، بل على كل أمور حياتنا وما أكثرها ...