الفصل الخامس: أخطاؤنا مع القرآن
1- الجفاء عن القرآن:
2- التوجه الدائم نحو الكتب قبل القرآن
3- الإسراع في حفظ ألفاظه دون العمل بها
4- البث المستمر للقرىن دون الاستماع والإنصات إليه
5- الإسراع في قراءته دون تدبر
6- التعمق في إقامة حروفه، وإهمال العمل به
7- تلحين القرآن-----------------
1- الجفاء عن القرآن:
ويشمل ذلك البعد عنه، وعدم المداومة على قراءته، ومرور الأوقات دون الالتفات إليه، كما يشمل عدم تدبره، لأن المقصود من قراءته هو فهم المقصود من آياته، ليحدث من وراء ذلك كمال الاتباع. قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراًّ وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}. ومعنى يتلو: يتبع.
فمن الضروري المداومة اليومية على قراءة القرآن، وتخصيص (وِرد) يكون بمثابة جرعة ثابتة يومية. جاء في الحديث الصحيح: "من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل". وهذا يدل على ضرورة المداومة. وفي الحديث الصحيح:" اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".
والهدف من الاستمرار في قراءة القرآن تحقق التقوى: { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}
وإن هجر القرآن يعرض صاحبه لعقوبة الله عز وجل، لما فيه من دليل على عدم الاهتمام والتوقير للقرآن، ويورث قسوة القلب، ويزول بسببه أثر القرآن على المسلم، ويؤدي ذلك إلى نسيان معاني القرآن، إضافة إلى ما فيه من حرمان من الثواب والأجر، ومن البركة والخير، والخسران يوم القيامة.
وقد كانت سير الصحابة والتابعين والأئمة المهديين في هذه الأمة، تطبيقا عمليا لهذه المداومة والإقبال على كتاب الله.
يقول المؤلف: "إذا تأملنا واقعنا مع القرآن، وبيوتنا مع القرآن، وليلنا مع القرآن، فسنوقن أننا قد تجافينا عنه، فمن النادر أن تجد من بيننا من يحافظ على وِرْده، ولو حافظ عليه فبدون تدبر". 2- التوجه الدائم نحو الكتب قبل القرآن
يقول المؤلف: "من أشد الممارسات الخاطئة التي وقعنا فيها، وتلبسنا بها، واستدعت مزيدا من الحرمان من روح القرآن وأثره: التوجه الدائم نحو الكتب في تحصيل المعرفة، وترك القرآن، وعدم البدء به."
فالقرآن هو رسالة الله لنا، وهو المنبع الصافي الزلال للعلم والإيمان، فيه كل ما يحتاجه الفرد من العلم النافع اللازم لنجاحه في اختبار العبودية. {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}
وعندما نتحدث عن القرآن، فالسنة تلحق به بالتبعية، فهي مبينة للكتاب، وشارحة له، ومفسرة لمبهمه، ومفصلة لمقاصده، ومتممة لأحكامه. يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: "السنة والكتاب توأمان لا ينفكان، ولا يتم التشريع إلا بهما جميعا"
يقول المؤلف: "وكلما تعودنا البحث في الكتب لطلب العلم والمعرفة، ازداد تقليلنا لشأن القرآن وقيمته العلمية والإيمانية دون أن نشعر. فالترتيب الطبيعي أن تتجه العقول والقلوب نحو القرآن العظيم بتلقائية عند البحث عن موضوع ما، فإن لم نجد بحثنا في السنة، ثم ننتقل إلى الكتب الأخرى إذا أردنا معرفة بعض المعاني الغامضة او الملتبسة علينا."
ويحذر الكاتب من ان تعاقب الأجيال على هذا التعامل الخاطئ مع القرآن، جعلهم يؤولون كل حديث عن فضل تعلم القرآن وتعليمه، على أنه لحفظ حروفه وتجويدها وتلقينها، وتوهموا أن القرآن بهذا الشكل سيعطيهم سعة في الرزق وبركة في العمر أو صلاحا للأولاد، حتى يأتي على الناس زمان: القرآن في واد، وهم في واد آخر.
وينبه الكاتب على مسألة مهمة فيقول: " ما نقصده من التوجه للقرآن أولا عند إرادة البحث في موضوع ما: إنما نقصد به المعاني الهادية فقط، وأما ما يخص الأحكام الشرعية فلا ينبغي لنا أن نقفز مباشرة إلى آيات القرآن لنستنبطها، فهذا لا يجوز، وليس من اختصاصنا، بل من اختصاص الفقهاء، فعلينا أن نرجع لكتبهم"
إن انكباب المسلمين على الكتب المختلفة، قبل التوجه للقرآن تدبرا وفهما وتطبيقا، أدى إلى تشتتهم، وقسوة قلوبهم، واختلافهم، وترسخ قيم خاطئة فيهم، فيصبح ميزانهم معرف الحق بالرجال، لأنهم اهتموا بأقوال الرجال أكثر من اهتمامهم بقول الحق جل وعلا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، ويفتح القول، ويخزن العمل، ويقرأ القوم بالمثناة، ليس فيهم أحد ينكرها. قيل: وما المثناة؟ قال: ما استُكتب سوى كتاب الله عز وجل".
ويؤكد المؤلف ان الاهتمام بكتب السنة والسيرة والفقه وفقه الواقع ومخططات الاعداء، كلها كتب مهمة، وهو لا يدعو إلى تركها، ولكنه يقول: "الخطأ يكمن في الانبهار والانغماس في هذه الكتب، وهجر الانتفاع بالقرآن، ويكفي في بيان خطورة ذلك رصد شعورك وأنت متجه إلى قراءتها، ومقارنته بشعورك وانت متجه للقرآن. ولو كان الانكباب والاهتمام والانبهار بالقرآن هو الاساس، والقراءة في الكتب الاخرى على سبيل الاستئناس، فلا بأس من ذلك."
عندما سمع الناس بالمدائن ان سلمان رضي الله عنه بالمسجد أتوه، فجعلوا يثوبون إليه، حتى اجتمع نحو ألف، فقام فجعل يقول: اجلسوا اجلسوا، فلما جلسوا، فتح سورة يوسف يقرؤها، فجعلوا يتصدعون ويذهبون، حتى بقي في نحو من مائة. فغضب وقال: الزخرف من القول أردتم؟ قرأت عليكم كتاب الله فذهبتم؟
يقول محمد إقبال في مقطوعة شعرية: "إنك أيها المسلم لا تزال أسيرا للمتزعمين للدين، والمحتكرين للعلم، ما لم تستمد حياتك من حكمة القرآن رأسا. إن الكتاب الذي هو مصدر حياتك، ومنبع قوتك، لا اتصال لك به إلا إذا حضرتك الوفاة، فيُقرأ عليك سورة (يس) لتموت بسهولة. فواعجبا! قد أصبح الكتاب الذي أنزل ليمنحك الحياة والقوة، يتلى الآن لتموت براحة وسهولة." 3- الإسراع في حفظ ألفاظه دون العمل بها
رسخ في أذهان المسلمين ضرورة حفظ القرآن بعضه او كله، وأن مجرد حفظ حروف القرآن ترفع صاحبها في الدنيا والآخره، وتجعله من أهل القرآن، ورفيقا للسفرة الكرام البررة، وغير ذلك مما ورد في أحاديث فضل القراء، فأدى ذلك إلى حرص كثير من المسلمين على حفظه شكلا، لا موضوعا، وإن فاتهم ذلك، تجدهم شديدي الحرص على إلحاق أولادهم بحلقات تحفيظ القرآن، ويرون هذه أفضل وسيلة لتربية أولادهم.
وليست المشكلة في حفظ ألفاظ القرآن، ولكن في الاكتفاء بهذا، وظن أن هذا الحفظ هو المطلوب شرعا، وهو الذي يؤهل صاحبه ليكون من أهل القرآن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قرضت وفّت، فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك، الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به".
لماذا أنزل الله القرآن؟
أنزل الله تعالى القرآن لإقامة الحجة على الناس، وهدايتهم إلى صراط الله المستقيم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وشفاء قلوبهم من أمراض الشبهات والشهوات. وهذا المعنى يستدعي دوام الاتصال بالقرآن لتحصيل الهداية والشفاء والعلم والإيمان، سواء القراءة في المصحف، او عن ظهر قلب. فالمقصد هو تحصيل الفوائد المرجوة من القرآن.
تحرير مفهوم "حملة القرآن"
إن حمل سورة ما يعني: حفظ حروفها، وفهم معانيها، والعمل بما تدل عليه، والتخلق بها. أما حمل الألفاظ فحسب، فيدخل صاحبه في دائرة الذين يقولون ولا يعملون، ويُخشى ان ينطبق عليه قول الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ}
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أكثر منافقي أمتي قراؤها" لأنهم حملوا السور لفظاً، ولم يحملوها معنى. وتطبيقا.
والجمع الحقيقي للقرآن يشمل اللفظ والمعنى، والإيمان بالذي تحمله الآيات، والعمل بها، والتخلق بها. وهذا معنى قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "من جمع القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه، غير أنه لا يوحى إليه".
ويفسر المقصودَ كلامُ الدكتور فريد الأنصاري: "إن الذي لا يكابد منزلة الإخلاص، ولا يجاهد نفسه على حصنها المنيع، ولا يتخلق بمقام توحيد الله في كل شيء، رغبا ورهبا، لا يمكن ان يعتبر حافظا لسورة الإخلاص. والذي لا يذوق طعم الأمان عند الدخول في حمى المعوذتين، لا يكون قد اكتسب سورتي الفلق والناس، والذي لا تلتهب مواجده بأشواق التهجد، لا يكون من أهل سورة المزمل، والذي لا تحترق نفسه بجمر الدعوة والنذارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس من المتحققين بسورة المدثر."
وفي ضوء هذا، نفسر التهديدات التي وردت لمن ينسى القرآن الكريم، او ينسى آياته، على أنها نسيان العمل بها، وترك التحقق بها. "أما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه، والقيام بمقتضاه، فليس داخلاً في هذا الوعيد الخاص". ونفسر كل ما جاء من أحاديث في فضل الحفظ: أنه التقيد بالعمل بالآيات، والتحقق بها، ويدل على ذلك الحديث التالي: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة، وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران، كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف، تُحاجَّان عن صاحبهما".
وفي ضوء هذا ايضا، تفسر الأحاديث التي تقدم للإمامة والرئاسة أكثر القوم جمعا للقرآن.
وهذا ما نراه بملاحظة سيرة الصحابة الكرام، حيث لم يكونوا حريصين على الإسراع في حفظ ألفاظ القرآن، بل كانوا يبقون مدة في حفظ السورة، وكان الحفاظ بينهم قليلين، وكانوا ينهون من بعدهم عن الإسراع في الحفظ، وكانوا ينزعجون من جمع القرآن في سن صغيرة.
يقول عبد الله بن عمر: "كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها، ورزقوا العمل بالقرآن. وإن آخر هذه الأمة يخفف عليهم القرآن، منهم الصبي والأعمى، ولا يرزقون العمل به."
وقد كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعضُ عماله في العراق، يخبرونه أن رجالا قد جمعوا كتاب الله تعالى، فكتب لهم عمر: أن افرض لهم في الديوان. فكثر من يطلب القرآن، فكتُب إليه من قابل: أنه قد جمع القرآن سبعمائة رجل، فقال عمر: إني لأخشى أن يسرعوا في القرآن قبل ان يتفقهوا في الدين؛ فكتب ألا يعطيهم شيئاً."
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، وتُتخذ سنة مبتدعة، يجري عليها الناس، فإذا غُير منها شيء قيل: قد غُيرت السنة. قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا كثر قراؤكم، وقل فقهاؤكم، وكثر أمراؤكم، وقل أمناؤكم، والتُمست الدنيا بعمل الآخرة، وتُفقه لغير الدين."
وقال الحسن: "نزل القرآن ليُعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملا. "
ويقول ابن مسعود لرجل: "إنك في زمان قليل قراؤه، كثير فقهاؤه، تُحفظ فيه حدود القرآن، وتُضيع فيه حروفه، قليل من يسأل، كثير من يعطي، يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون فيه الخطبة، يبدون فيه أعمالهم قبل أهوائهم. وسيأتي على الناس زمان، كثير قراؤه، قليل فقهاؤه، تُحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون فيه الصلاة، ويبدون أهواءهم قبل أعمالهم."
أطفالنا وحفظ القرآن:
يسعى كثير من الآباء إلى الإسراع في تحفيظ أولادهم القرآن في الصغر، ليكون كالنقش على الحجر، فيحفظونهم الألفاظ دون المعاني والأحكام، فهل هذا التعامل يليق بجلال القرآن، وهل سيغير من أخلاق الأولاد كما يظن الآباء؟
إن استغلال سهولة الحفظ لدى الأولاد ينبغي ان توجه لفقه القرآن وحفظ معانيه وأهدافه ومراميه، وإن حفظ جزء (عمّ) لفظا ومعنى وتطبيقا، أفضل للطفل وتربيته وأخلاقه، من حفظ القرآن كله لفظا فحسب، والذي قد يورثه عجبا او غرورا، او زهدا في كتاب الله، ومللا منه. ولنكن في هذا متبعين لهدي الصحابة، فقد كانوا أعرف الناس بالحق.
وبعض الناس يرى ضرورة الاشتغال بحفظ الحروف، محافظة على التواتر، وخشية ان يضيع القرآن.
والجواب: لقد نزل القرآن ليكون سبباً لهدايتنا وشفائنا وتغيرنا، وأخبرنا سبحانه أنه قد تولى وتكفل بحفظه حتى لا يُحرًف: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وطلب منا ان ننشغل بتدبره والعمل به: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} ولم يعاتبنا على تقصيرنا في الحفظ، ولكن عاتبنا على عدم تدبره: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
وليس المقصود من هذا: الاستهانة بحفظ القرآن، ولكن المقصود ربط الحفظ بالمعنى والعمل، وتقديم الكيف على الكم، والمقصد على الوسيلة.
إنها ليست دعوة لترك الحفظ، فلا بد ان يكون في جوف المؤمن شيء من القرآن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" . ولكنها دعوة لترك الإسراع في الحفظ، وترك تقديم حفظ الألفاظ على العلم والعمل والتخلق بها. 4- البث المستمر للقرآن دون الاستماع والإنصات إليه
كثرة بث آيات القرآن من الإذاعات والفضائيات ساهمت في تخفيف القرآن في قلوبنا، ونزع مهابته من صدورنا، فهذا الكتاب المعجز المقدس، ينبغي ان تمتلئ القلوب من مهابته وإجلاله وتقديره، وينبغي كذلك الاستعداد الجيد والتهيئة العظيمة لقراءته أو سماعه، ولكن هذه الإذاعات جعلت الشخص يسمع القرآن في أي وقت وأي مكان، وأي زمان، شاء أم أبى، وبتكرار إذاعته حدث إلف لنغمته، والإنسان إذا ألف شيئا، حال هذا الإلف بينه وبين الانتفاع به، وصرفه عن التفكر فيه، واكتشاف ما فيه من كنوز.
يقول سيد قطب: "لقد حاول أعداء هذا الدين دائما أن يصرفوا الناس نهائيا عن هذا القرآن. فلما عجزوا، حولوه إلى ترانيم يترنم بها القراء، ويطرب لها المستمعون، وحولوه إلى تمائم وتعاويذ يضعها الناس في جيوبهم وفي صدورهم وتحت وسائدهم، فظن المسلمون بذلك أنهم أدوا حق هذا القرآن."
لقد بلغ الأمر بنا أن أصبحت إذاعة العدو الصهيوني تبث القرآن، لشدة اطمئنانهم إلى عدم انتفاعنا به. وأصبح المسلمون يتركون المحطة الإذاعية التي تبث القرآن تعمل في المنزل أو السيارة أو أماكن العمل، دون الاستماع إليها، بل تترك لتخاطب الجدران، بحجة طرد الشياطين واستجلاب البركة. ألا إن بركة القرآن تكمن في روحه وأنواره، وقدرته على التغيير والهداية والشفاء بإذن الله.
يقول عبد الكريم الخطيب: "الذي يقرأ القرآن أو يستمع إليه في غير تدبر وتذكر ليس بقارئ للقرآن وإن قرأ، وليس بمستمع للقرآن وإن سمع، لأنه ليس من الذين وصفهم الله تعالى بقوله: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}
ويقول كذلك: "ألا فليعلم أولئك الذين يفتحون المذياع على تلاوة القرآن، ثم يدعون صوت المقرئ يملأ جنبات البيت، وهم يحسبون أنهم بهذا قد ملأوا البيت من نفحات آيات الله، ونشروا على أنفسهم وعلى أهليهم الخير والبركة منها، دون أن يجلسوا هم وأهلوهم مجلس القرآن، ودون أن يحسنوا الاستماع إلى آيات الله، وتدبرها، والوقوف عند كل زاجرة وواعظة منها، ألا فليعلموا أنهم بخسوا القرآن حقه، وظلموا أنفسهم وأهليهم بما فاتهم من حظ عظيم كان دانيا منهم، ولو عرفوا للقرآن الكريم قدره، لما اتخذوه بخورا يطلقونه من المذياع."
.5- الإسراع في قراءته دون تدبر
إن القرآن قول ثقيل، ينبغي أن يُقرأ ببطء وتَرَسُّل وتمهل؛ حتى تُفهم وتتدبر معانيه: { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً}
قال ابن مسعود رضي الله عنه عن القرآن: "لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذّوه هذَّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هَمُّ أحدكم آخر السورة."
ويستنكر المؤلف ان يقرأ القرآن في وسائل المواصلات، او الاسواق او المصانع او غرف الانتظار، وسط اللغط واللغو، لأنه وإن كان متعبدا بتلاوته، الا ان الهدف الحقيق من تلاوته هو تدبر آياته، وتحقق أوامره، وفي قراءته في هذه المواطن استخفاف به.
ويستشهد بقول الإمام القرطبي: " ومن تعظيم القرآن ألا يُقرأ في الأسواق ولا في مواطن اللغط واللغو ومجمع السفهاء. ألا ترى أن الله تعالى ذكر عباد الرحمن وأثنى عليهم بأنهم { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} هذا المرور نفسه، فكيف إذا مروا بالقرآن الكريم تلاوة بين ظهراني أهل اللغو ومجمع السفهاء.!"
ويرى المؤلف أن أخطر موسم لامتهان القرآن هو شهر رمضان بكل اسف، حيث يتسابق الناس في إنهاء أكبر عدد ممكن من ختمات القرآن، فيقرؤونه بأقصى سرعة، دون تفكر فيما يقرؤون، حتى إنك اذا سألت أحدهم بعد فراغه من التلاوة عن موضوع الآيات التي تلاها، حار في الجواب، واندهش للسؤال.
وأكثر الممارسات خزيا هي ما يحدث من قراءته في سرادقات العزاء، وافتتاح الحفلات والمناسبات، وكأنه مقطوعة موسيقية، أو فقرة لازمة من فقرات الحفل المتعددة6- التعمق في إقامة حروفه، وإهمال العمل به
أصبح هم المتعلمين هو الاجتهاد في إقامة حروف القرآن، كما يريد لهم معلموهم، فيكرر أحدهم الكلمة مرات ومرات ليتقن مخارج الحروف وصفاتها، دون أدنى تفكير في معنى ما يقول.
وأصبح أمل الحصول على إجازة قراءة من القراءات، حلما يراود كثيرين،
ثم تطور الامر فأصبح بعض المعلمين يأخذ مبالغ مالية كبيرة مقابل منح الإجازة.
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا، فعن سهل بن سعد الساعدي، قال: بينما نحن نقترئ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأخيار، وفيكم الأحمر والأسود، اقرءوه، قبل أن يأتي أقوام، يقيمون حروفه كما يقام السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه." يقول الإمام الغزالي: " من ضيع عمره في تصحيح مخارج الحروف في القرآن، واقتصر عليه، فهو مغرور، إذ المقصود من الحروف: المعاني، وإنما الحروف ظروف وأدوات."7- تلحين القرآن
أمرنا الله تعالى بترتيل القرآن والتغني به، فقال: {ورتل القرآن ترتيلا} وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".
يقول المؤلف: "ترتيل القرآن، وتحسين الصوت به، له وظيفة عظيمة، في استثارة المشاعر مع المعاني التي يحصلها العقل بالتدبر، فينشأ تبعا لذلك الإيمان بإذن الله."
ولكن علينا ألا ننشغل بالنغم واللحن عن حقيقة التفكر والتدبر والخشوع.
يقول ابن كثير: "المطلوب شرعا إنما هو التحسين الباعث على تدبر القرآن وفهمه، والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة. فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان الملهية، والقانون الموسيقاني، فالقرآن ينزه عن هذا، ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك."
وقد تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من ست خصال، منها: "نشواً يتخذون القرآن مزامير، يقدمون أحدهم، ليس بأفضلهم في الدين، ولكن يقدمونه ليغنيهم به غناء".
ومن الاخطاء أيضا:
- استخدام آيات القرآن في الزينة والديكور.
- تزيين المصاحف.
- تصغير المصاحف
وغير ذلك من تصرفات، تهون من شأن تناولنا للقرآن، وتعرضنا لعقوبة الله عز وجل، وتحرمنا من روح القرآن.