ودائما ومع المرحلة الأولى من مراحل التدبر،ونحن نتدرج فيمن يؤخذ عنهم تفسير القرآن الكريم، وقد عرفنا أول الأمر ضرورة الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآن نعرِض لمن يؤخذ عنهم بعده.
--------------
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)" -التوبة-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خيرُ أُمَّتِي قَرْنِي ، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ ، ثمَّ الذين يَلُونَهُمْ - قال عِمْرانُ : فلَا أَدْرِي أذَكَرَ بعدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثلاثًا"-صحيح البخاري-
لا أجد أقوى من شهادة القرآن العظيم ومن بعده شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم حتى نعرف فضل هؤلاء الكرام المصطفين الذين اختارهم الله تعالى أصحابا لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعايشين للتنزيل نديّا ينزل عليهم من رب العزة، سببا بعد سبب، فكانوا يبيتون الليلة على خبر بين الأخبار، تشرق عليه شمس الغد وقد نزل فيه وفي صاحبه قول من الله تعالى يتلى إلى يوم القيامة...!!
أي شرف قد نالوه، وأية حُظوة، وأي خير عظيم !!
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه :
"أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة،أبرّها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا،قوم اختارهم الله لصحبة نبيّه وإقامة دينه،فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم"...
أبَعْد هذا كله مجال لأن ننكر ضرورة أخذ الدين عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد الأخذ عنه ؟
أبعد هذا لا تتبدّد غيوم الشك في أخذ تفسير القرآن الكريم عنهم فيما لا نجده في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وقد أعجبتني إجابة المجيب عن سؤال سُئِله : "هذه النصوص تدل على الفضل لا على العلم بالقرآن !"
فردّ قائلا : "إنّ العلم الحقّ بالقرآن هو رأس الفضائل ، فمن أدركه سبق سبْقا عظيما،ومن فاته سُبق سبقا بعيدا "...
ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه"مقدمة في أصول التفسير"، إلى ضرورة التدرج في أخذ تفسير القرآن الكريم، فبعد أن يذكر بحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاخر في علمه بالقرآن وعمله به، يذكر أصحابه الذين كانوا على أثر هداه، لا سيّما علماؤهم وكبراؤهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة...
فأما أعلم الأمة بالتفسير بعد هؤلاء العظماء فـ"ابن مسعود"، و"أبيّ بن كعب"، و"زيد بن ثابت" و"ابن عباس" رضي الله عنهم .
وأما مَن يلي كل هؤلاء في أخذ تفسير القرآن عنهم، -وكلهم ضمن تلكم الدائرة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرنه وبمن يلونهم ثم بمن يلونهم-، فهم أئمة التابعين ومن أبرزهم مجاهد بن جبر،وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس،و الحسن البصريّ، وعطاء بن أبي رباح،وأبو العالية، وسعيد بن المسيّب، وقتادة والضحاك بن مُزاحم وغيرهم .