افترقنا علي امل لقائنا مرة أخرى الساعة التاسعة صباحاً في اليوم التالي .. و قد كنت اعد الدقائق و اللحظات تأهبا و حماساً , لم اضع اي احتمالات في رأسي .. فقط قلت سأتركهن يدهشنني بمعرفتهن ..
الساعة الثالثة و النصف فجراً , اجد هاتفي يزأر و يصرخ و يهتز .. ما مشكلته؟ أن هناك من يتصل , و ارى الاسم الذي لم اكن اتوقعه إلا بعد خمس ساعات علي الاقل , و هو Om Hamada
و قبل أن ارد كانت قد داهمت الزر الاحمر , ففهمت بعد تفكير مطول انها توقظني للفجر , و كانت هذه لفتة جيدة في الواقع , كانت اول مرة لي في حياتي بصراحة ..
و نهضت و ضحكتي من هذه الجهة إلي هذه الجهة , سأجد الورود و البلابل و الارانب و البط الذهبي اخيراً , الجنة الارضية و الصحبة الصالحة - التي وجدتها فيما بعد جداً - و كل شيء , كل شيء .. يا الله ! , هل أنا غالية عليك إلى هذا الحد ؟ الحمد لله ! ..
في الواقع عرفت انني غالية علي الله إلى حد غير هذا في اتجاه آخر , وعرفت انني غالية عليه فقط عندما زرعني في هذا الابتلاء , ونحسب طبعا !
الساعة التاسعة , حماس يمزقني .. و محاولة لضبط الهيئة و السير ..كل شيء تمام؟ .. قالت أنها ستوافيني الساعة التاسعة إلا ربع و قد تأخرت ..انا لا احب هذا الـ .. و صراخ و عويل الهاتف نبهني ان اكف عن التذمر و ان انزل حالاً , نزلت قفزاً علي السلالم لأجدها امام البيت ..
سرنا بسرعة و استقللنا وسيلة مواصلات لن اذكرها لانه من لم يعش بمصر فمن الغالب جداً ألّا يعرفها , و في الطريق .. حدثتني عن ابنها " حمادة " الذي الحقته مدرسه تجريبيه و انه يدرس الساينس و الماث و انها تعاني منه و من رفقته السوء !
قلت : اوكّي يا طانط , هذه ليس مشكلة وليست متعلقة بنظام المدرسة اصلاَ
آلمني جزء ما من ذراعي إثر - فلنقل - خبطة او قرصة لا اذكر !
فسألتها ما المشكلة , قالت في حزم : إسمها حاضر يا خالتو ..ايه اوكي و طانط دي؟
ضحكت أن نعم ..
و نزلنا عند اول الشارع !
و دخلنا شارعاً به نوع من انواع المزالج او الزحاليق !! , يقود إلي اسفل .. و دخلنا المسجد ..
و اري انه زاوية اكثر منه مسجد , و ان كانت لفظة زاوية تزعج حبايبنا .. لكنه لازال زاوية !
____
بالضبط , ربع مساحة الغرفة التي تجلس فيها .. ربعها و انا اعنيها .. جميل جميل , أنا احب الاماكن الصغيرة.. لست متأكده بالضبط , لكنني لابد و انني احبها بشكل ما !
هذه أم عبد الله و هذه ام فلان و تلك ام علّان , و التي هناك تكون أم شيء , و تلك أم شيء آخر .. وهكذا إلي الابد ..
و من بين الاحجام و الاصوات , و في الركن الهاديء الصغير و جلسة القرفصاء الخجلة .. تنبهت لأمر واحد صغير مرعب ..
" أنني أصغر عباد الله هنا .. سنا و حجما, و التي تكبرني فوراً بيني وبينها ما يقارب العشر سنوات - قبل ان اقابل "دينا "..كل من هنا - كما تلفظت بها مرة دون قصد - " أُمّات " "
و لاول مرة في قصتنا , أشعر بانقباض .. الحجاب الحاجز يطالب بشيء ما , و هذا الشيء مُلّح للغاية .. ربما القلق , ربما النفور الحسّي ..ربما و ربما .. لكن هناك حقيقة واحدة شعرت بها و تلك الافواه التي لا اعرفها تقبّل وجهي ترجيبا و حبورا و تبلله و انا امسح وجهي في استماته .. أنني .. أنني اريد الذهاب للبيت !