المحرر موضوع: المنهج العلمي لأهل السنة في تحري الأخبار  (زيارة 115263 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
المنهج العلمي لأهل السنة في تمحيص الأخبار

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كثيرا ما يتعرض شبابنا المسلم للشبهات والطعن في الدين، تارة بالتشكيك في صحة القرآن الكريم وهل هو كلمة الله أم لا، وهل حرف أم لا؟ وتارة بالتشكيك في السنة النبوية وأحاديثها الصحيحة، على اعتبار ما انتشر من أحاديث ضعيفة وحسنة أوموضوعة، واختلاط ذلك كله في الكتب، وطورا بالطعن في الصحابة معتمدين بالدرجة الأولى على الفتن التي شاء الله تعالى بحكمته أن تقوم بينهم، ومرة بالطعن في بعض التشريعات الإسلامية والزعم بظلمها أو إجحافها أو عدم ملاءمتها للعصر الحالي......

ونظرا لقلة التعليم الشرعي الذي يتلقاه معظم الشباب، وعدم إلمامهم بعلوم الأصول، فإن هذه الشبهات تأخذ لديهم حيزا خطرا، إذ لا يستطيعون ردها، فهم لا يعرفون ما هو المنهج العلمي الذي اتبعه علماء المسلمين في تحقيق النصوص الشرعية... وهل كانوا يعتمدون العقل أم يكتفون بالنقل دون عقل؟
هل كانوا يقبلون أي نص ويبنون عليه أحكامهم، أم كان لديهم أسلوب في التمحيص؟ وما هو هذا الأسلوب وما مدى قيمته العلمية وما مصداقيته...

لقد جئنا بعد ما يزيد عن أربعة عشر قرنا من سطوع شمس الإسلام، ووجدنا نصوصا من قرآن وسنة، ولم يعلمنا أحد كيف وصلت إلينا، وما الجهود الجبارة والنفوس الأمينة والمهج التي بذلت، والدماء التي سفكت، والأرواح التي زهقت، لتصل لنا هذه النصوص سليمة غير محرفة، ويصلنا بالتالي دين الله، ورسالة السماء إلى الأرض، غير مبدلة ولا مغيرة...

ونتيجة لجهلنا بكل هذا... كثر من أبناء جلدتنا من ينبذ الدين جملة وتفصيلاً، ويتخذ من آراء فلان ومذهب علان ديناً وعقيدة له يعيش ويموت لأجلها...
فبئست الصفقة وبئست المبادلة..
أن ترتكس البشرية مجددا لعبادة العباد، وتدير ظهرها لعبادة رب العباد...

ومن نجا من هذه الهاوية، صار يوغل في الدين على حياء واستحياء، ينتقي ما يعجبه، وينبذ ما لا يعجبه، تأسيا بأبناء عمومته من بني إسرائيل الذين ذمهم الله تعالى بقوله:
{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيوة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون} (البقرة 85(

لهذا أحببت أن أبسط القول هنا في شرح المنهج العلمي الذي اتبعه علماء المسلمين في حفظ الدين... وتمحيص نصوصه والمحافظة عليها...
مبينة كذلك المنهج العقلي العلمي الذي يجب أن يتبعه كل ذي لب وبصيرة في تمييز الحق من الباطل واليقين من الظن.. ليعبد الله على بصيرة.... فالتقليد والظن لا يغنيان من الحق شيئا...


والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل..

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.




--------------------------------
روابط دروس الحديث.. ماما هادية
مقدمة
الدرس الأول:. مسلك الخبر الصادق

الدرس الثاني: .الخبر المتواتر

الدرس الثالث: .منزلة السنة من الدين وحجية السنة النبوية

الدرس الرابع: .عناية الصحابة بالأحاديث والسنن

الدرس الخامس:  .متى بدأ تدوين السنة

الدرس السادس: .ندوين الأخاديث تدوينا عاما

الدرس السابع:. الرحلة في طلب العلم

الدرس الثامن: .آحاديث الآحاد

الدرس التاسع:. أقسام أخبار الآحاد من حيث عدد الرواة

الدرس العاشر: .علوم الحديث

الدرس الحادي عشر: .عدالة الصحابة

الدرس الثاني عشر: .تصنيفات لخبر الآحاد

الدرس الثالث عشر: .الحديث الصحيح أو الصحيح بذاته

الدرس الرابع عشر: .بقية أقسام الحديث المقبول (حسن لذاته، صحيح لغيره، حسن لغيره)

الدرس الخامس عشر: .حديث الآحاد المردود

الدرس السادس عشر: .المردود بسبب سقط من الإسناد

تتمة الدرس السادس عشر: .أنواع الحديث المخالف للثقات

الدرس السابع عشر: .صحيح البخاري ومسلم

.مراجعة عامة

.خاتمة

-------------------------

دروس أحمد عبد ربه:

أولا-.كتابة الحديث

ثانيا- .الرحلة في طلب الحديث

-------------------------------

تطبيق: .طريقة مبسطة لتحقيق حديث ما والحكم عليه


« آخر تحرير: 2013-10-06, 12:56:17 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
هذه المقدمة كانت من موضوع قديم لي، تم نشره في أحد المنتديات، ردا على شبهات اثارها شخص زعم انه معتزلي، ودخل المنتدى يثير الشبهات حول الصحابة وحول تفسير القرآن وحول أشياء كثيرة من العقيدة

وما دعاني اليوم لنشره، رغبة الابنة الغالية زبادي في التعرف الى المنهج العلمي الذي تقبل بموجبه الاخبار او ترد، والذي يمكننا من التمييز بين الروايات التاريخية المتضاربة والمتناقضة والتعرف الى الصحيح منها، بمقياس العلم، لا الهوى

يفترض بعد هذه المقدمة (وفي الموضوع الأصلي) أن اتطرق الى طرق اكتساب العقيدة في الاسلام، وبعض المباحث العقائدية المهمة عن الغيب والوحي والرسالة...
ثم أنتقل بعد ذلك الى طرق تمحيص الاخبار التي تردنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتمييز الصحيح منها من الضعيف..
وحتى لا أطيل عليكم، فإنني سأتناول في هذا الموضوع الجانب الثاني فقط، وهو تمحيص الأخبار

ما هو المنهج العلمي الدقيق العظيم الذي ابتكره علماء المسلمين، واهدوه للبشرية جمعاء، في التحقيق والتدقيق، وتمحيص الاخبار؟
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
سبقتك يا زبادي  ::ok::

من الآن تأخير يا بنتي ؟ :emoti_144: استقيمي يا زبادي  ::what::
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل أم عبد الله

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 413
 :emoti_133:

بارك الله فيك يا أستاذة ولك

بانتظار التفصيل.....

غير متصل سلمى أمين

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2671
  • الجنس: أنثى
  • و مالنا ألّا نتوكل على الله، وقد هدانا سُبلَنا ..
أنا اجلس في الصف الأول بجوار أسماء , المقدمة شيّقة جدا .. و شعرت ببعض الحرج منها :)
أنا استمع جدا جدا جدا الآن ..

و قد قررت بناء علي كلامنا في الموضوع الاول هو أن ألتزم الصمت هذه الفترة - علي الاقل هذا العام - حتى ألِم بالامر من كل جوانبه فلا أضل و لا اُضَل ..

فبئست البيعة وبئست المبادلة لو أنني استندت علي كلام من الهوى ووجعلته مذهباً لي : )
أتعلمين ما هو الوطن يا صفيّة ؟

- الوطن هو ألّا يكون هذا كلَّه .. [/

غير متصل سلمى أمين

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2671
  • الجنس: أنثى
  • و مالنا ألّا نتوكل على الله، وقد هدانا سُبلَنا ..
سبقتك يا زبادي  ::ok::

من الآن تأخير يا بنتي ؟ :emoti_144: استقيمي يا زبادي  ::what::

أوووف .. أعتذر يا مُعلّمة :))
أتعلمين ما هو الوطن يا صفيّة ؟

- الوطن هو ألّا يكون هذا كلَّه .. [/

غير متصل أم عبد الله

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 413
أحلى شيء كلنا معلمات ومعلمين عليكِ يا زبادي  :emoti_282:
بنضطهدك عشان سنك  :emoti_26:

خلاص بقى خشي نامي يا زبادي  :emoti_144:

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
أحلى شيء كلنا معلمات ومعلمين عليكِ يا زبادي  :emoti_282:
بنضطهدك عشان سنك  :emoti_26:

خلاص بقى خشي نامي يا زبادي  :emoti_144:

لا تقلقي يا زبادي لست الوحيدة في الفصل.. أنا اتخذت مقعدا بجانبك ^_^


غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
هذه مصيبتنا نحن العرب   ::hit::

شاطرين بس نتزاحم ونتخاصم على الصف الاول
حتى لو نمنا فيه.. المهم : الصف الاول

 :emoti_6: :emoti_6:

انتباه انتِ وهي وهي

الدرس الثاني: بسم الله الرحمن الرحيم


يتبع
« آخر تحرير: 2013-04-20, 13:18:24 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
من مسالك تكون العقيدة، او اليقين، او العلم اليقيني في عقول الناس ونفوسهم، مسلك الخبر الصادق

مسلك الخبر الصادق:


إذا ثبت لنا –بأدلة قاطعة- أن شخصا ما هو رسول اختاره الله تعالى لتبليغ رسالته للناس، فإن صدق هذا الرسول فيما يخبر به عن ربه عز وجل من أحكام ومن أمور الغيب تثبت لدينا بصورة يقينية، إذ يستحيل عقلاً على الرب الحكيم العليم أن يختار لتبليغ رسالته إلا أصدق الصادقين، فخبر الرسول بالتالي يفيدنا العلم اليقيني قطعاً، لأن الرسول يخبر عن ربه بما يتلقاه منه عن طريق الوحي، ويتصل بالوحي بعالم الغيب، فكل ما يأتينا من هذا الطريق يقين لا شك فيه...

فعندما تثبت نبوة الرسول، يجب عندها عقلاً تصديقه في كل ما يخبر به من أحكام الشريعة ومن أمور الغيب، والاعتقاد به اعتقاداً جازماً باعتباره يفيد العلم اليقيني، سواء أخبر به في نص آية من كتاب الله، أو أخبر به بكلام من عنده، لا فرق في ذلك مطلقاً، لأن الله في كتابه شهد له بأنه لا ينطق عن الهوى.

وقد أحاط الله الرسل الذين يبلغون عن الله بوضع يجعل التسليم بنقولهم وأخبارهم قضية حتمية عند المنصفين من العقلاء، ذلك بما صانهم به من العصمة عن الكذب وسائر المعاصي، وبما أيدهم به من المعجزات الباهرات التي لا يأتي بمثلها إلا رسول مؤيد من عند الله، ومصدق من قبله بلسان حال المعجزات.

وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين عاصروه ما كانوا يفرقون قط في التسليم بما يبلغه الرسول إليهم من أحكام وغيوب بين آية قرآنية يرويها وبين حديث يقوله من عنده.

وأما بالنسبة إلينا، فحيث لم نسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة بل سمعنا ممن رووا عنه، والذين رووا عنه ليسوا بمعصومين، وجدنا أنفسنا بحاجة إلى أن نفرق بين ما نقل إلينا عن الرسول صلى الله عليه وسلم بطريق متواتر يفيد العلم اليقيني، وبين ما نقل إلينا بطريق الآحاد الذي لم يبلغ مبلغ التواتر، ولا يفيد العلم اليقيني.

وقبل ان نسترسل.. فلنفرق بين الخبر المنقول بالتواتر، والخبر المنقول بالآحاد، لنفهم هذه المصطلحات، وما يترتب عليها
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل سلمى أمين

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2671
  • الجنس: أنثى
  • و مالنا ألّا نتوكل على الله، وقد هدانا سُبلَنا ..
لن اناقش الآن , لأن أي مناقشة ستكون سفطسة مني لا قيمة لها , أنا سأسمع فقط ..
أكملِ :)
أتعلمين ما هو الوطن يا صفيّة ؟

- الوطن هو ألّا يكون هذا كلَّه .. [/

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
الخبر المتواتر:

تعريفه:
هو ما رواه جمع كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن جمع كثير مثله من أول السند إلى منتهاه، وكان مستندهم الحس.

وهذا النوع من الأخبار يحكم بصحتها للتواتر دون البحث في أحوال رواتها، لأنه يستحيل اتفاقهم مع كثرتهم وعدم إمكان تواطؤهم إلا على خبر صادق..

وجمهور العلماء على أن الرواة إذا بلغوا عشرة على الأقل في كل طبقة، صار الخبر متواترا...

فالتواتر يعني أن جمعا كثيرا من الناس (بعض العلماء قال أنه يفوق العشرة ، وبعضهم قال يفوق العشرين ، وبعضهم قال يفوق الأربعين، أي أن العدد الأدنى المطلوب لنقول إن الخبر منقول بالتواتر أن يكون قد نقله عشرة من الناس ) ويشترط في هؤلاء الناس أن يكونوا مختلفين، بحيث يستحيل عادة أن نتخيل أنهم من الممكن أن يتفقوا ويتواطؤوا ويكذبوا، لاختلاف أماكنهم أو انتماءاتهم أو أمزجتهم... إلخ...
فقد يتفق ثلاثون بل وحتى مائة شخص على كذبة ما،  ويروجونها بين الناس، فهل نقول إنها حقيقة لأنها نقلت بالتواتر عن جمع كثير من الناس؟
لا؛... لأننا نعرف أن هؤلاء مثلا من عائلة واحدة، أو عصبية عرقية أو حزبية أو طائفية معينة، وأنهم مجتمعون في مكان وزمان واحد، بحيث من الممكن أن يكونوا قد اتفقوا معاً على اختلاق هذه الكذبة..


فكلنا نعلم علماً يقينياً بوجود بلاد –مثلاً- اسمها الصين، دون أن نرى هذه البلاد ودون أن نستطيع بطريق العقل استنتاج وجودها، وإنما وصلت لنا الأخبار المتواترة بوجودها. وكذلك نعلم علما يقينياً بقيام الحرب العالمية الأولى، ونحن لم نحضرها ولم نشهد وقائعها.. ولو جاءنا رجل وقال لم تقع حرب عالمية أولى، وليس في الدنيا بلاد اسمها الصين، لكذبناه فوراً، لأن خبره باعتباره آحاداً لا يقوى في عقولنا على تضعيف الأخبار المتواترة.
ومن هنا نرى أن الأخبار المتواترة تفيدنا العلم اليقيني بداهة، لأنه مستقر في نفوسنا أنه لا يمكن عقلا أن تتفق على الكذب هذه الكثرة الكاثرة من المخبرين الذين اختلفت أحوالهم وتباينت أغراضهم، وهم في حالة لا يجمعهم معها على الكذب جامع.
فنحن نجد أنفسنا مضطرين عقلاً أن نقبل خبرهم، ونعتقد به حقيقة واقعة غير قابلة للشك، وإلا حُرمنا أكثر العلوم والمعارف، وحُرمنا إدراك أي حقيقة من حقائق التاريخ.


لنأتي للصحابة الآن:

أولا – عُرف عن الصحابة صدقهم وعدالتهم بحيث يستحيل عليهم الكذب..
ثانيا- كان الصحابة من أعمار مختلفة، وانتماءات قبلية مختلفة، وانساحوا منذ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في بلاد مختلفة لتعليم الناس، بل ووقع بينهم خلاف وحتى اقتتال بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما يتطابق رغم كل هذا كل ما نقلوه من نصوص القرآن بالحرف والكلمة دون أدنى اختلاف، فهنا يستحيل أن يقال إنهم اتفقوا على هذه النصوص وتواطؤوا عليها فيما بينهم، ولا يقول بذلك إلا مجنون أو مخبول.

نعود للتعريف ثانية لنلون ما تم تفسيره منه:
ما رواه جمع كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن جمع كثير مثله من أول السند إلى منتهاه، وكان مستندهم الحس

جمع عن جمع عن مثلهم:

ثم عن ذلك الجمع الكبير من الصحابة، نقله جمع كبير من التابعين، من مختلف الأمصار والبلدان، وتطابقت رواياتهم رغم اختلاف أماكنهم وأنسابهم وأعمارهم ومشاربهم، فيستحيل أن يكونوا متواطئين على الكذب أو التأليف، وعددهم أكبر من أن نبحث في حياة كل منهم أصلا، إذ لا حاجة لذلك ما دامت جميع رواياتهم متفقة ولم يشذ منها شيء..

ثم نقله عن هذا الجمع جمع آخر في الجيل التالي... وهكذا
 من أول السند: أي ما وصلنا مكتوبا في المصاحف أو الكتب ومحفوظا في صدور الحفاظ
 إلى منتهاه: وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للحديث، أو جبريل عن ربه عز وجل بالنسبة للقرآن

وكان مستندهم الحس: أي أن القضية التي يتناقلونها هي قضية حسية لا عقلية، لأن القضايا العقلية لا يفيدنا فيها كثرة الناقلين وتواتر الأخبار، بل موافقتها للبدائه العقلية، كقضية وجود الله تعالى ووحدانيته وأنه اكبر من مخلوقاته وأعلى وأقدر... أو ان الجزء أصغر من الكل.. وهكذا

وقد نقل إلينا القرآن الكريم بالتواتر... وهو متواتر لفظاً....
كذلك نقلت لنا أحاديث كثيرة بالتواتر...  
لكن الأحاديث النبوية منها المتواتر لفظاً، ومنها المتواتر معنىً.
فالمتواتر لفظاً هو الحديث الذي تواتر إلينا بالنص واللفظ نفسه، وهذه عددها قليل...
أمثلة:
- حديث (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). رواه نحو المائتين.
ـ وحديث المسح على الخفين. رواه سبعون.

والمتواتر معنى، هو أحاديث مختلفة الألفاظ، لكنها كلها تفيد نفس المعنى، ويدخل ضمن هذا التصنيف الأحاديث التي تصف أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم كأفعال الحج، وأفعال الصلاة، وغيرها....
ومن أمثلتها: أحاديث رفع اليدين في الدعاء. وقد روي عنه "صلى الله عليه وسلم" نحو مائة حديث فيها: رفع يديه في الدعاء، ولكنها في قضايا ومواضع مختلفة ، فكل موضع منها لم يتواتر ، ولكن القدر المشترك وهو: رفع اليدين في الدعاء قد تواتر باعتبار المجموع.

وهذا النوع من الأخبار يحكم بصحتها للتواتر دون البحث في أحوال رواتها، لأنه يستحيل اتفاقهم مع كثرتهم وعدم إمكان تواطئهم إلا على خبر صادق..

فكل ما جاء من هذا الطريق يفيد علم اليقين والعقيدة الراسخة لدى العقلاء، ولا ينكر ويجادل فيها إلا جاهل أو مخبول أو مكابر....
وعدد الأحاديث المتواترة ليس قليلاً، ولكنه بالمقارنة مع الأحاديث غير المتواترة والتي تسمى أحاديث الآحاد يبدو قليلا.ً

ولكن أكثر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم منقولة إلينا بطريق الآحاد ، فإن كانت صحيحة أفادتنا غلبة الظن في صدق نقلها، ومن ثم أفادتنا غلبة الظن في العلم بمضمونها القطعي، وقد نعتقد بمضمونها اعتقاداً دون مرتبة اعتقادنا بما جاءنا عن الرسول بالتواتر، ولكن علينا العمل بمضمونها، لأن الله تعالى تعبدنا بذلك، وتعلمنا هذا من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي كان يرسل آحاد الصحابة للقبائل والمدن والأمصار يعلمونهم شرائع دينهم وأحكام الحلال والحرام.

ولكن كيف نتأكد أن أحاديث الآحاد قد وصلت إلينا بطريق صحيح؟ وما هو الطريق الصحيح؟
وكيف صنف المسلمون الأخبار؟ وكيف صنفوا مراتب العمل بكل منها؟ وكيف ميزوا صحيحها من سقيمها؟ وما هي الجهود التي بذلت في سبيل ذلك؟ وهل اتخذوا لهذا منهجاً علمياً دقيقاً؟ أم كان عملهم جهوداً عشوائية؟ وهل اهتموا بالتحقق من صدق الناقلين للخبر فحسب، دون نظر إلى مضمون الخبر نفسه ومحاكمته محاكمة عقلانية واعية؟ أم أن العكس هو الصحيح؟

هذا ما سنجيب عليه بالتفصيل في المشاركات التالية بعون الله.



بانتظار أسئلتكم حول الدرس او اقراركم انه واضح ومتفق عليه
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
لن اناقش الآن , لأن أي مناقشة ستكون سفطسة مني لا قيمة لها , أنا سأسمع فقط ..
أكملِ :)

بالعكس يا زبادي
المناقشة دليل الاهتمام والفهم
المهم تكون الاسئلة مرتبطة بما تم شرحه، لا بما سيطرح لاحقا.. لتنظيم الموضوع
والاسئلة مهمة لأتأكد ان أسلوبي في الشرح واضح ومفهوم.. فقد تحتاج بعض العبارات لمزيد توضيح او امثلة
 فاسألي ولا يهمك
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
السلام عليكم
رائع
ما يعجبني في مواضيعك يا ماما هادية هي أنها في الصميم + أسلوبك سهل بسيط باركَ الله فيك ونفع بك

----

اقتباس
الناس (بعض العلماء قال أنه يفوق العشرة ، وبعضهم قال يفوق العشرين ، وبعضهم قال يفوق الأربعين، أي أن العدد الأدنى المطلوب لنقول إن الخبر منقول بالتواتر أن يكون قد نقله عشرة من الناس )

فهمت من هذه أن هناك اختلاف بين العلماء في تحديد العدد. هل هذا يعني أن بعض الأحاديث يعتبرها البعض متواترة والبعض الآخر لا يعتبرها كذلك؟ طيب حين نقرأ في الكتب أن هذا الحديث حديث آحاد (مثلا) كيف نعرف إلى أي رأي يستند هذا التصنيف؟

----

في قراءات القرآن يُشترط التواتر لتعتبر قراءة من قراءات القرآن أليس كذلك؟ وإن كانت أحادً فهي مردودة؟

----

هل تعرفين إن كان هناك كتاب أو ملف يجمع الأحاديث المتواترة؟

----

أعرف بأن العلماء مختلفون في موضوع أحاديث الآحاد ومتى يصح عدم الاستناد لها . . . لكن بعيدا عن تلك الاختلافات، بعض الناس -من العامة يعني- يشكك في بعض من أحاديث الآحاد إن جانبت المنطق أو ربما الهوى، ويقول لا يمكننا أن نتأكد 100% من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها.

ما حكم إنكار أحاديث الآحاد؟ هل الإيمان بها واجب؟ وكيف نرد على هؤلاء؟

غير متصل أم عبد الله

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 413
أتفق معك يا زينب, ما شاء الله.

وبانتظار الرد على أسئلتك .

جواد

  • زائر
متابع معكم بإذن الله،
جزاكم الله خيرا.


بس انا بقى قاعد لوحدي بعيد علشان الاختلاط :)

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
اقتباس
من أول السند: أي ما وصلنا مكتوبا في المصاحف أو الكتب ومحفوظا في صدور الحفاظ
 إلى منتهاه: وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للحديث، أو جبريل عن ربه عز وجل بالنسبة للقرآن

هذه النقطة لو سمحت يا هادية أريد عنها شرحا أوفى، أي ما معنى أن ما وصلنا في المصاحف يعتبر أول السند، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أو جبريل عن ربه عز وجل يعتبر منتهى السند، لماذا أرى العكس ؟

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
السلام عليكم

فهمت من هذه أن هناك اختلاف بين العلماء في تحديد العدد. هل هذا يعني أن بعض الأحاديث يعتبرها البعض متواترة والبعض الآخر لا يعتبرها كذلك؟ طيب حين نقرأ في الكتب أن هذا الحديث حديث آحاد (مثلا) كيف نعرف إلى أي رأي يستند هذا التصنيف؟

ج- نعم، بعض الأحاديث قد يسميها بعض العلماء متواترة وبعضهم آحاد... لكن القرآن الكريم متواتر قولا واحدا، لان نقلته تجاوزوا الأربعين بكثيرر
وما يذكر في الكتب أنه أحاديث آحاد فهو على الأغلب لم يصل رواته الى عشرة في اي طبقة

----

في قراءات القرآن يُشترط التواتر لتعتبر قراءة من قراءات القرآن أليس كذلك؟ وإن كانت أحادً فهي مردودة؟

ج- نعم.. القراءات المعتبرة في القرآن هي فقط المنقولة بالتواتر
وما دون ذلك يستفاد منه في التفسير أحيانا، وفي ترجيح بعض الاحكام المستنبطة من الآيات.. لكن لا يعتبر قطعي الدلالة مثل المتواتر


----

هل تعرفين إن كان هناك كتاب أو ملف يجمع الأحاديث المتواترة؟
ج- نعم هناك مؤلفات متخصصة جمعت الاحاديث المتواترة. منها:
"الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" للسيوطي .. وهو مرتب على الأبواب.. وله ملخص باسم "قطف الأزهار"
" نظم المتناثر من الحديث المتواتر" لمحمد بن جعفر الكتاني


----

أعرف بأن العلماء مختلفون في موضوع أحاديث الآحاد ومتى يصح عدم الاستناد لها . . . لكن بعيدا عن تلك الاختلافات، بعض الناس -من العامة يعني- يشكك في بعض من أحاديث الآحاد إن جانبت المنطق أو ربما الهوى، ويقول لا يمكننا أن نتأكد 100% من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها.

ما حكم إنكار أحاديث الآحاد؟ هل الإيمان بها واجب؟ وكيف نرد على هؤلاء؟

ج- سأؤجل الرد على سؤالك هذا.. لأننا لم نشرح بعد أي شيء عن أحاديث الآحاد، وما يقبل منها وما يرد .. وسنتعرض له بتفصيل مطول إن شاء الله

« آخر تحرير: 2013-04-21, 17:02:29 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
شكرا لمتابعتك يا ام عبد الله
وأهلا وسهلا بك يا جواد


اقتباس
من أول السند: أي ما وصلنا مكتوبا في المصاحف أو الكتب ومحفوظا في صدور الحفاظ
 إلى منتهاه: وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للحديث، أو جبريل عن ربه عز وجل بالنسبة للقرآن

هذه النقطة لو سمحت يا هادية أريد عنها شرحا أوفى، أي ما معنى أن ما وصلنا في المصاحف يعتبر أول السند، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أو جبريل عن ربه عز وجل يعتبر منتهى السند، لماذا أرى العكس ؟



أول السند يا أسماء هو أول الخيط الذي نمسك به نحن.. ونتابع هذا الخيط لنصل الى نهايته، وهي القائل الأول للخبر
ولهذا يعتبر اول السند، ما بيدي: من كتاب قرأته، او خبر سمعته
وآخر السند او منتهاه، هو نهاية الطريق، وهو القائل الأول ومصدر الخبر الاصلي

لأن البداية بالنسبة لنا طلاب الحقيقة هي ما بأيدينا الان من اخبار. نتتبعها ونسير من قائل الى قائل حتى نصل للمصدر الاصلي للخبر وهو نهاية المسير

واضح؟؟
  emo (30):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
باركَ الله فيك ماما هادية ^^