طيب ربما
هادية قد شخصتها بدقة أكبر لأننا لا نختلف في أن العقل ما خلق إلا ليعمل إذ قالت:
انا ارى المشكلة هي تنحية العقل وتحكيم الهوى.. ثم اسباغ العقلانية على الهوى نعم، ولكن حتى الذين لا يؤمنون بوجود الله وبأن المادة هي أساس الوجود والذي لم يُخلَق هم عقلانيون اعتمدوا في إيمانهم المادي على العقلانية المفرطة، وهذا ما عنيته بالعقلانية المفرطة، يعني طبعا من وجه الحقيقة هذا هراء ولا وجه له من صحة لا في عقل ولا في نقل، ولكن هم علماء ومخترعون ومكتشفون يؤلهون المادة، وبالتالي من وجهة نظرهم وقد ألهوا العقل هذا ما وصلوا له، وبالتالي فنحن نحكم على هذه الحالة بالعقلانية المفرطة لأنهم فعلا ألهوا العقل فسار بهم على غير هدى، فكان هو الميزان فوق الميزان الحقيقي والذي هو الشرع الذي ينزله الله لعباده ليحتكموا إليه.
وأظن أن عدنان إبراهيم وغيره من المشككين وهم إذ يتشدقون برمي التهم هكذا يمنة ويسرة يتشدقون بالعقل وبأن الأسلاف متحجرون يرمون كل من يقدح بشيء من أشيائهم بالكفر.ولا يقبلون للعقل دورا، فهو يقحم العقل، والعقلانيون ممن يستمعون له تستهويهم دعاوى العقل واتهام الأسلاف بتعطيل العقل .
وما أقصده يا زينب بالاستخدام المفرط للعقل هو ما يقارب تقديس العقل بما وصل إليه في المجال العلمي، فيترك له العنان في المجال الروحي وهنا يختلط حابل بنابل.
اليس العقل يحكم أن العدد الأكثر يغلب الأقل؟ فكيف يحصل أن الفئة القليلة تغلب الفئة الكثيرة ؟
أليس العقل يحكم أن ما أخذت فيه بكل الأسباب يكون مزرعة النتيجة المرجوة؟ فكيف يتحول الأمر إلى مكان غير ما تفكر به وغير ما اتخذت له الأسباب ؟
وهكذا هم العقلانيون أصحاب المناهج الأرضية لا يعترفون إلا بما يلامس أطروحات العقل، فعرف هؤلاء بإنكارهم للغيب، ومن إنكارهم للغيبيات أنكروا وجود الله، ومن إنكارهم وجود الله أنكروا النبوات، ومن إنكار النبوات أنكر ما هو دونها من روايات و من تاريخ ونقل ووو ....
هذا ما عنيت بالاستخدام المفرط للعقل، وهو ليس بِدعا إذ أذكره بل يعرف هذا الاعتقاد المادي الأرضي من غابر الأزمنة وإلى يومنا، وأرى أن المسلمين قد تعالت بينهم صيحات تدعو إلى عدم تقديس القديم من علماء ومن علمهم ومن نقلهم ومما وضعوا وأن له مناصرين ومنافحين يرون أنّ في نقده كفرا بواحا، بينما الأمر ليس كذلك بالمرة، بل كما قالت هادية عرف المسلمون بالمنهج العلمي لتقصي الحقائق وهو المنهج الذي لم تعرفه أي حضارة إنسانية غير الحضارة الإسلامية، والتي يُعمَل فيها العقل، ولكن بقواعد، بشروط، بدراسة، بعلم وليس بكلمات تلقى يمنة ويسرة أو بتبن لمقولات مستشرقين الخبث ينضح من كل ما يكتبون عن الإسلام، وفي تلاميذ صنعوهم على أعينهم عرفت الأمة منهم الكثيرين ....وعلى رأي مالك بن نبي حتى عرفت الكتابات الاستشراقية في الإسلام إشعاعا كانت دونه الكتابات الإسلامية، ويقصد بالإشعاع حجم الحرب الت شنوها على الإسلام بكمّ ما كتبوا وهم يدسون السم في العسل ...
طيب أين أنا مما هو هنا؟
التشكك في كل نقل، وفي دقة الناقلين، ورمي القدامى بالكذب واستحالة أن يكون ما نقل صحيحا، ثم الانتقال إلى التشكيك في النبوة ومن بعدها في الدين كله، جزء مما ذكرت أعلاه، ومسعى من مساعي الدائبين على الوصول بشباب الأمة إلى تطبيق المنهج العقلي للتقصي وللحكم على من اجتهد وعمل وأعمل عقله كما ينبغي أن يُعمَل.
سأنهي الكلام في هذا هنا لئلا أتمادى لأنني أرى الحبل يسفر عن طوله
والآن معك يا
سلمى وسأدخل لب القضية :
لكنك لم تجيبي عن المشكلة الاهم و هي : آلنبي قال هذا؟ آلبخاري نقل هذا عن النبي ؟ هذه تصرفات نبوية؟ هل فعل الصديق هذا؟
من ذا سيجيبك عما إذا كان قال هذا أو لم يقله؟ مادام كلام البعض الملقى جزافا من غير علاته العلمية ولا قواعده ولا إنصافه قد تمكّن من عقلك فجعلك تسألين فلا تقبلين. من ذا سيقنعك فينا إن لم يسترشد بمنهج العلماء الأفذاذ في تبيين الحقيقة -على اعتبار مناقشتنا لكتاب من أصح الكتب وقد كان أمرا واقعا ولا مناص منه وأنت تطرحينه-
من ذا سيقنعك يا سلمى ما دام كلام من شاكلة كلام عدنان إبراهيم قد جعلك تنفين الصحة عن كل كلام عداه، عن كل ما اجتهد به المجتهدون . أنا ؟ غيري هنا؟ عبثا سنحاول معك وأنت ترين البخاري قاصرا، عبثا سنحاول معك إلا من قبولك طرح هادية والذي بدأته فعلا في موضوعها "المنهج العلمي" والذي كان عن الحديث، فلمَ اعرضت عن المواصلة معه رغم أن الحال عندك يتقدم إلى الأسوء من حيث التشكيك .
بالنسبة لي يا سلمى سأقول موجزا من القول هنا، إذا انتقد عددا من الأحاديث في صحيح البخاري علماء ذوي علم وورع ودين ومعرفة بالنقد وبشروطه كلها،وكما بين الفيديو فلا أحد منهم حكم بالوضع على واحد من تلك الأحاديث في صحيح البخاري، ولا بالكذب. فهذا هنا يكفي لأن عقلي ساعتها سيقبل العلم ولن يقبل الاتهام المبني على الهواء
ورغم ذلك فهل يضيرني معرفة هذا ؟؟؟؟ أبدا إطلاقا لن يضيرني أن أعرف نقدا لشيء مما فيه. فالإيمان هو الأساس الذي أدعوك وأدعو نفسي لتقويته حتى إذا ما سمعنا شيئا من هذا دعانا إيماننا لئلا يقع اهتزاز في أنفسنا فيما نعتقد ونؤمن به وذلك ليقيننا بما هو بين أيدينا، وإلا انقلب الحال يا سلمى إلى تشكيك يقود إلى تشكيك ...
وهنا أدعوك بكل وضوح وصراحة إلى أن تفصلي مع نفسك وأن تجلسي معها جلسة مصارحة، وسؤالها، إلى متى؟ إلى أين؟ وبعد؟ حتى تضعي حدا لهذه الطريق الموحشة التي لن توصل إلى شيء إلا إلى التكذيب بكلشيء والعياذ بالله والوصول بالعبد إلى التكذيب بأهم شيء....
بعد هذا الفصل والحزم مع النفس وضرورة أخذ القرار معها، ستنفتح لك دروب الاستفهام على بصيرة من هدى الله الذي حافظت على الإيمان به هاديت ونصيرا ووليا وحافظا سبحانه، انطلاقا من هذا التمسك والاستمساك بالعروة الأساسية يا سلمى ستهتدين إلى ما يكون وفق الحق والعقل ال وفق الهوى .
أجل , كنت من جنود فكرة " هات دليلاً يقنعني .." , حتى صار إيماني بالله اشبه بقطع صخر جاف صلد .. صلاة قاتمة و يقين مضطرب بحسب وفرة الادلة ..
هناك دليل , إذاً اطمئننت .. راح الدليل , راح الايمان ..
و بدأ الشك ..
هناك دليل إذن اطمئنان وهذا كله من ربقة "العقلانية المفرطة" التي عنيتها، أو لنقل على تعبير هادية الأوضح ما يُلبس لباس العقلانية والعقل وهو الهواء والهراء .
لن أكمل ففي هذا كفاية ولعل لي عودة إن أحببت يا سلمى