يعني ليس كل نسخ الكتاب مثل بعضها
هناك الكثيرون ممن عارضوه في فكره هذا.. ربما لو قرأت لهم سيساعدك ذلك.. ليس بالضرورة أن نأخذ من شخص معين كل شيء.. فمن الممكن أن نرفض بعض الأفكار لذلك الشخص ونأيده ونعجب به في غيرها..
وأنا لا أرى تناقضا بين التربية وعمارة الأرض.. المفروض أنهما يمشيان معا.. المشكلة هي بأن عمارة الأرض أغلبنا لا يستطيع المساهمة فيها بشكل كبير.. يعني في كل الأحوال نجد أنفسنا محصورين في مجال التربية والدعوة..
مفروغ منه يا زينب أنّ الأخذ لا يكون من مصدر واحد، إذا عنينا الكتابات والمؤلفات، والأفكار البشرية، وطبعا المصدر الواحد الأساسي الذي هو كتاب وسنة هو الذي يجعلك تنفرين من نقاط وتقبلين نقاطا أخرى من هذه المصادر المتفرعة عنهما ...
نعم يا زينب قرأت من قبل عن المعارضين للظلال ولفكر سيد قطب، وعن القطبيين الموالين لفكره، وعن فكرهم المتشدد، ولكنني لم أكن أرعي اهتماما كل هذا، فالفرق كبير بين أن نقرأ عن شيء لم نعرفه بعد بالطريقة الجيدة، وبين أن نسمع عنه وعن قول فيه بعد أن نقرأه ونعرفه عن قرب، قراءتي للظلال كونت عندي هذه التصورات والانطباعات والتناقضات مجرّدة عن آراء المعارضين له ...
فقد كنت أعجب جدا بأسلوبه، حتى تنبهت أخيرا-وربما بعد قراءتي في الكتاب الورقيّ وخاصة سورة الأنعام- إلى ما أستطيع أن أسميه سببا من الأسباب الرئيسة في الإعجاب، وهي أنني بطبعي أميل للأدبيات وللتعابير الحسنة المنسابة التي تأخذ الوجدان وترحل بك إلى حيث الجمال البياني، وهذا مما شدني في الظلال، وهو يمتاز بجزالة التعبير وبالخواطر المنسابة كما المياه العذبة من يد أديب أريب ....
هذا -أقول- سبب من الأسباب، فقد استنتجت، ووصلت إلى أن كتاب الظلال يليق أن نصفه بخواطر قرآنية، ولا يليق أن يسمى تفسيرا للقرآن ...ذلك أن الخواطر هي التي ينساب فيها صاحبها بفكره، برؤيته، بحريته، فيغوص ويطرق أبوابا من باب إلى باب، وهو يأخذ القارئ في سياق "السيّ بالسيّ يذكر"....
أما التفاسير، فكما عرفت من تفسير ابن كثير، وتفسير التحرير والتنوير، وصفوة التفاسير للصابوني، والكشاف للزمخشري، وتفسير القرطبي، وتفسير الطبري وغيرهم كلها تشترك في استنادها إلى ،إلى تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالأحاديث،وإلى الرواية عن الصحابة بشكل كبير،الذين عايشوا القرآن في أول تنزّله وعايشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم،وإلى أقوال العلماء بعضهم عن بعض،وإن أراد أحدهم الإدلاء بدلوه الخاص بيّن وجه مخالفته لما قاله غيره، وغالبا في غير نقض لما قاله الآخر على أساس أن الآية تحتمل هذا وتحتمل ذاك ... وإلى تعريف سبب النزول، وشرح المبهم والغريب من الألفاظ بالعودة إلى أصل المنطوق به بين العرب القدامى، وإلى قواعد اللغة...
وإلى الإعجاز اللغوي في القرآن وهكذا....وبالتالي يحصل النفع في فهم القرآن وفهم حيثياته وما أحاط بآياته من أحداث عند نزولها، كما يحدث الانتفاع بسبب ورود لفظ ذاته دون آخر لغويا، ويحصل النفع في حال الغوص في المعاني ....
أما ما عدا ذلك من خواطر أدبية منسابة فهي في إطار الخواطر ولا تعدّ تفسيرا .... وهذا ما أرتاح له الآن بخصوص الظلال، والذي جعلني أتنبّه إلى ما لا أراه يستساغ فقهيا وعند علماء الدين المتخصصين الذين إذا ضربوا في هذا البحر ضربوا بمعرفة للحدود، فلا يتعدّونها، ويبقى القارئ في إطار الاستفادة وهو يعلم أنه يقرأ ليفهم القرآن ولا يقرأ ليغوص في فكر واحد من الرجال...وبالتالي فأنا الآن مع مَن ينصفون سيد قطب فلا يمدحون الظلال مدحا مطلقا بل يبينون مساوئه وأخطاءه، ومع مَن لا يصنفه كتاب تفسير، وفي الوقت ذاته مع مَن لا يجنح لتكفيره، كما يفعل المبالغون في الحكم عليه . رحم الله صاحبه وأسكنه فسيح جناته وتقبله في الشهداء
وهذا فيديو أرى صاحبه منصفا موضوعيا عن الظلال:
حكم كتاب سيد قطب "في ظلال القرآن"