أهلا بك أختنا
مريم أخ
جواد ربما حواراتنا دائما تكثر وتكبر من حيث لا حاجة إلى تكبيرها إلى الحد الذي تصل إليه،وربما ساهمت إلى حد كبير كلمات تبرئة أنفسنا من فهم يفهمه غيرنا لما نكتب في إطالة هذه الحوارات فوق ما يلزم، فنجد أنفسنا ونحن نطيل ونصول ونجول نصل دوما إلى أن دائرة الاختلاف ليست أبدا بالكبيرة، بل إنّ هناك بديهيات في تفكيرنا نتشاركها ولكننا نضيّع نقاط الاشتراك من كثرة وقوفنا بالمرصاد لطرق فهم غيرنا لما نقول ونكتب .
أولا يا أخي أنا لم أكتب ولم أردّ عليك على سبيل الترصّد لكلماتك بالتفسير والتأويل، بل إن كلماتك لو راجعتها لوجدتَها تعني ما وضعته من فهم لها، ولكننا إذ نضع قناعاتنا الشخصية على سبيل القواعد العامة، ورؤيتنا الشخصية على سبيل القواعد العامة نكون بعدها مضطرين للشرح والتفسير بأننا نقصد أو لا نقصد .... ويضيع الهدف والفائدة في تفسيراتنا تلك.
ولو عدتَ لكلامي لوجدتني أسالك :
هل فعلا هي أولوية ولا تكون معرفتنا بحاجة الأمة الملحة إلا إذا فعلنا هذا ؟؟؟
يعني لا يحتاج الأمر منك لأن تُفهمني أنك قصدت الأولوية إذ أنني أيضا سألتك من باب أن وضعتَها أولوية،
ثم وحتى لا أطيل أنا الأخرى فتضيع منا الفائدة، سأكتفي مما كتبت بوضع هذا :
وما هو إعمار الأرض إذن إن لم يكن إعمارا لها بتطويعها من موحّدين لله .
ثم يجب أن تعرف يا أخي أنني وأنا أناقشك لست ببعيدة عن مجال التربية بل إنني في غِمارها، وأتخذها سبيلي الأولى، فأين ترى التحوّل الغريب في كلماتي ؟
ثم إنّ ما وضعتَ عن الأستاذ المرحوم سيد قطب هذا ليس جديدا على من كان من أجيال جاءت قبله، ومعه وبعده تؤسس لمؤمنين تكون غايتهم الأولى الرسالة وحمل الرسالة وإعمار الأرض لنشر الرسالة، أما عن تغليب التربية عن العلم فيما ذهب إليه، فهذا برأيي يبقى رأيا رآه، وتنظيرا وضعه، لا يؤكد صحّته من عدمها إلا التطبيق على الأرض، والمعرفة الحقيقية بحاجات الأمة بعد النظر والمعرفة والتقرّب والاحتكاك.
فهل نكون فعلا محقين ومفلحين إذا سعينا لتربية جيل يرضى بأن يكون السبق العلمي لآخرين، ويتفرغ هو للتربية ؟ أي أنه يأخذ من العلم بالقليل الذي لا يجعله منزويا عن معانيه، ويتفرغ للتربية الروحية؟ إذن هنا ألا يحق لنا أن نطرح الأسئلة بحكم ما نُعاين ؟؟ ألا يُسمح لنا أن ننتقد هذه الكلمات بحكم ما نعايش؟؟ أم أنّ علينا التقيّد الحرفي بما جاء به الأستاذ ؟
هل ننجح فعلا في إذهاب الانبهار عن عقول مسلمين يبقون مدى الدهر مستهلكين لمنتوجات الحضارات؟ ونربيهم أنه ليس من الضروري ولا الأولوي أن يكونوا هُم أيضا أصحاب عقول تخترع وتبتكر، وتصنع، هل ننجح مع أمثال هؤلاء في أن نكوّنهم أقوياء وهم دوما وأبد الدهر يرون القوة في غيرهم ؟ والعقل العامل الصانع المخترع في غيرهم ؟ هل يجب أن نتعامل مع "بشريّة" فيهم أم مع "ملائكية" ؟ تتقبل منا هذه التربية في ظل ما يعايشون؟
ألا يجب أن نُعاين الداء الأصيل الممتد في أرض الإسلام أمام أعيننا، ومن احتكاكنا القوي بالمجتمع نخرج بما يكون لهم دواء ناجعا، ينفعهم ، لا أن نتخذ الآراء المختلفة والرؤى المختلفة قواعد صماء نطبقها بلا نظر في الواقع على أنها فقط هي السبيل وهي الحل، فلا نصل بها إلى الحل بقدر ما نضيّع على الأمة حلولا وسُبُلا أكثر نجاعة معها .
فلتأخذ مني سؤالا واحدا فقط من عديد أسئلة تتبادر إلى ذهني مع قراءة رؤية سيد قطب رحمه الله، ومقارنتها بما نعاين في مجتمعاتنا اليوم :
هل عُرف المسلمون في عصر فتوحاتهم وفي عصور نهضتهم إلا أقوياء روحيا وماديا، هل يقصر الإسلام حقا عن تحقيق الاثنين، وهو ميزته أنه الذي يحقق الاثنين معا، بلا تفريط ولا إفراط في جَنب أحدهما ؟
هل هكذا فعلا يُكتب على أمتنا، بصراحة أنا أرى هنا النظرة للإسلام قاصرة، وظالمة له، فإذا كان هو الدين الكامل الذي جاء فهل يعجز الإسلام عن تكوين أجيال تنجح ماديا وروحيا، فتنجح على الصعيد الداخلي بين المسلمين أولا والذين هم عرضة لاستقبال كل وارد يُبهِر، قبل أن تنجح مع غير المسلمين .
هل ننجح في تعميم القناعة بأننا نَعَمْ نعلم عن العلوم، ولكننا لسنا أهلا للنفع بها، وبالموازاة مع هذا التثبيط، والتصغير، نعلّقهم بفكرة أنّ دورهم التربوي هو الأساسي، وغيرنا له الدور الدنيوي ؟
هل فعلا هي قواعد ناجعة فعلية صالحة للتطبيق، أم أننا بهذا قد نزيد الطين بلا، لا أتهم أبدا رأي الأستاذ سيد قطب، ولا أرى نظره قاصرا، فمن أكون لأرى واحدا من كبار أساتذتي ومراجعي قاصر الرؤية،؟ ولكن الواقع الذي نعيشه هو الذي يحدد أكثر من أي الشيء الأسلوب الناجع للأمة.
الا ترى أنه في ظل بقاء دول تنتج وتصنع وتخترع وتنجح وتتفوق، سنبقى بالموازاة حالتنا حالة المستهلك دائما، المنبهر، الذي يرى الآخر خيرا منه وأقوى منه، ستقول التربية كفيلة بترسيخ مفهوم أننا نسعى لنشر رسالتنا التربوية، نقول أن البشر بشر وليسوا ملاكا، وما يجعلنا كفءا لهم أن نسعى ضمن إطار تربية خاصة أقول إلى التقدم والاكتفاء ووو...
وأعيد هنا أنني أبدا لست ضدّ أن تكون التربية هي الأولوية، ولكن بالموازاة لا يحق لنا أن نخطّئ من يتبنى العلم في دعوته لرسالة الإسلام، لا نخطّئ من ينجح طبيبا ليوصل -وهو الطبيب المسلم- رسالة الطبيب المسلم لمن حوله من المسلمين وللعالم، لا نخطّئ من اتخذ علم الاقتصاد سبيلا وهو يعلّم العالم أن الاقتصاد الإسلامي هو الحل لمشاكلهم اليوم، لا نخطّئ الفلكي المسلم الذي يتخذ من علم الفلك سبيلا ليبني لمن حوله من المسلمين ولغيرهم أنّ أسرار الفلك آية من آيات الله تعالى في خلقه هذا الكون ....
كل هؤلاء أرى أن التربية والعلم فيهم قد مشيا بشكل عادل، وأن الإسلام قد حقق فيهم التفوق التربوي والتفوق العلمي لأنهم ينشرون الرسالة عبر علمهم .
وفي الخلاصة، نحتاج لكل من عمل عملا واتخذه سبيلا للدعوة، من أبسط الأعمال إلى أعلاها درجة، فكان في نفسه الشحنة الإيمانية التربوية على منهج القرآن والسنة اللازمة والكافية لأن يسخّر علمه لخدمة الدعوة، ولخدمة الرسالة واللازمة والكافية هنا هي تلك التي تحصّنه من غرور الدنيا فلا ينقلب باحثا عن الدنيا لا عن إعلاء رسالة الإسلام فيها، ، ، ولن نحكم بانعدام هؤلاء، فهم موجودون وإن كانوا قلة إلا أن قلتهم تعمل في صمت، وعلى قلتهم عملهم سيكون له أثره، لأنه بإخلاص،عندها ستصغي أجيال اليوم لهذا أكثر، لمن ملك أن يسخّر علمه لتربيته، لرسالته، ستصغي إلى أفعاله أكثر مما تصغي لداعية متخصص، وجنبا إلى جنب سيكون عمل هذا وعمل ذاك... عمل المربّي الذي لا ينقطع ولا يجب أبدا أن ينقطع، ويجب أن يكون له أهله.
وإن قلنا أن هذه خدعة وقع فيها من وقع، فإذا دعاتنا قد أصبحوا نسخا ممسوخة لا تقدم الآخرة على الدنيا بل تقدم الدنيا على الآخرة، أقول وما بالنا يا إخوتي نعمم؟؟ ألم يكن من بين كل الدعاة الذين مروا بالأمة داعية رشيد؟؟! إذن من أين جاء خير كثير ليس مجال تعداده الآن، إن لم يكن من تربيتهم هم وجهادهم فيهم؟
والتربية هي الأولى، وهي الأَولى،وهي التي علينا أن نعتمدها كأساس يتركب عليه كل هذا فيصلح لأن يكون دعوة غير صماء بل دعوة واقعية فاعلة مؤثرة، لا تنكر على الأمة أن تسير في ركب العلم.
وفي خلاصة أيضا أقول أنّ كل من خدم الإسلام مخلصا نحتاجه، والطرق تختلف، ولا يجب أن نحتكم لطريقة واحدة، بل إن المنطلق هو الذي يجب أن يكون واحدا، والهدف أن يكون واحدا .
وبالأخير سيمضي ركب المخلصين الذين عملوا للأمة وللدين وللرسالة كل حيث وضع، وكل بطريقته ولم يألُ جهدا في بعث هذه الأمة من ركامها .
وأول من سأتّهم سأتهم نفسي، وسأسألها، هل أنا عاملة أم أنني مكثرة للقول وللتنظير؟ هل أنا مدركة لحقيقة ما يتخبط به مجتمعنا؟؟ هل لدي الحكمة التي تؤهلني للصبر مع الأمل الدائم، لأن أحاول نشر العلاج الناجع الفعلي المؤثر الذي يجتث الداء من جذوره، أم أنني فقط أنظّر ؟؟ كل هذه أسئلة هي صديقتي وعشيرتي وليست بالغريبة عني، كلها، كلها تتجدد عندي، وأتهم نفسي أول ما أتهم أنّ عليّ أن أعرف عن قرب حاجة المجتمع حتى أحاول أن أضع وفقها الدواء الذي أراه يسري في جسده شفاء خطوة بخطوة ....