ونبقى مع سورة الإسراء ...
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً .... -الإسراء-
قد يسأل سائل :
مادام الإسراء أو السُّرى هو المشي ليلا، فلماذا جاء التعقيب بعد الفعل "أسرى" بــ "ليلا" ؟؟هييييه من يجيب على سؤال كهذا ؟؟؟ هيا يا جماعة فكروا قليلا قبل أن تنزلوا
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
هه هل وصلتم ؟؟
أقصد هل وصلتم للإجابة، ولا أقصد هل وصلتم إلى هنا بعد كل تلك النقاط
طيب الإجابة هي :
لو لم يكن التعقيب بـ "ليلا"، لما عرفنا أنّ الرحلة كلها استغرقت جزءا من الليلة، بل لكان بالإمكان التصور أن الرحلة دامت ما دامت، شهرا، ستة أشهر، أكثر ....لو لم يكن التعقيب بـ "ليلا" لعرفنا أن الفعل أي الرحلة بدأت إسراء، يعني مشيا بليلة من الليالي، ولكن لن نعرف متى كانت نهاية الرحلة، لو لم يكن التعقيب لما عرفنا أن الرحلة استغرقت جزءا من الليل...
وأيضا في الظروف أي ظروف الزمان وظروف المكان، وفي الحال وفي الصفة لغةً يوجد حال أو صفة أو ظرف مؤسس وظرف مؤكد، فالظرف المؤكد هو ما يأتي مُعَقَّبا بكلمة تؤكد المعنى، بينما المؤسس هو الذي يؤسس لمعنى جديد، أما التي تؤكد المعنى فذلك مثل : "مكث زمنا" فالمكث وحده يعني البقاء زمنا، ثم جاء التعقيب بـ "زمنا" ليكون التأكيد، والحال هنا : "أسرى ليلا " فالظرف هنا مؤكد،إذ أنّ "أسرى" وحدها تعني أمشاه ليلا، فجاءت ليلا لتؤكد المعنى .
طيب وما الذي يبين أنها استغرقت جزءا من الليل ولم تستغرق الليل كله ؟؟ ذلك أنّ قاعدة لغوية سيبويّة (من سيبَوَيْه) تقول :" إذا عرّفت استغرقت "، فلو كان هنا "الليل" معرفا بالألف واللام لأفاد ذلك أن الرحلة استغرقت كل الليل، كله، وليس جزءا منه، فنقول "حادثته ليلا" أي حادثته في جزء من الليل، أما "حادثته الليل" فتعني محادثته كلّ الليل، كلّه .
وفي ذلك يقول المولى عز وجل :
"وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ(19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ(20) "-الأنبياء- فجاءت "الليل" معرّفة لتدلّ فعلا على أنهم لا يفترون، لا يسبحون جزءا من الليل وكفى، بل يسبحون النهار كله والليل كله دون أن يفتروا .
من كلمات في بيان سورة الإسراء للدكتور فاضل السامرائي ---------------
وفعلا عندما تتأمل هذه الدقائق : تقول وحدَك : "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" .... سبحانه !! سبحانه ...
كم أنّ "سبحان " هنا في محلّها تماما ، وكيف لا والمعنى من لغويات الآية، أنه جل وعلا أسرى به في جزء من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكانت تلك الرحلة العظيمة العجيبة في ذلك الزمن القصير القياسيّ...............