طيب يا فارس الشرق نأتي الآن لبعض البيان في تساؤلاتك بفضل الحنّان المنّان.
رائع يا أسماء ما نقلتيه عن سورة الإسراء..
والذي شغلني في هذه السورة، أن مطلعها جاء متعلقا بحديث الإسراء، دون المعراج، واقتضى الإسراء تسبح الله فما بال المعراج؟ .
من الذي عرفتُه أثناء علاقتي بهذه السورة، وبسورة النجم في مرحلة الإسراء والمعراج من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنّ الإسراء والمعراج ثابتان في القرآن والسنة، وذلك في قوله سبحانه عن الحكمة من الإسراء :"
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(1) " -الإسراء- .
وفي قوله سبحانه عن ثمرة المعراج : "
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى(13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى(14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى(15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى(16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى(17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى(18)" -النجم-
أما عن التسبيح في الإسراء دون المعراج، أفلا ترى أنّ التسبيح في الإسراء تضمنّهما الاثنين؟ ، إذ أنّ الإسراء كانت مبتدأ الرحلة، وبعد الإسراء كان المعراج من المسجد الأقصى ؟
وأيضا : "لنريه من آياتنا" و هي علة الإسراء، طيب ألا يجوز أن يكون الإسراء وما رأى فيه والمعراج وما رأى فيه هي "من آياتنا"، أي من آيات الله التي أراها الله لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ؟
. ثم بعد الآية الأولى مباشرة جاء ذكر موسى عليه السلام، ثم الآية الثالثة جاء ذكر نوح عليه السلام، ثم بعد ذلك جاء الحديث عن بني إسرائيل...كل هذا في مطلع السورة، ولعل لذلك بيان عند أهل البيان، فلو عندكم بيان من هذا فلا تحرموناه..
حينما كنت مع الإسراء والمعراج من السيرة، وأنا أبحث ، اعترضني ما يشير لهذا يا فارس الشرق، أي كيف أن السورة كاملة سميت "الإسراء"، بينما الحديث فيها عن الإسراء لم يكن إلا في آية واحدة منها، وكل باقي آياتها عن بني إسرائيل وأمور أخرى .
والخلاصة أنّ الإشارة إلى المسجد الأقصى، وبني إسرائيل، وإلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب الرسالة الخاتمة التي على كل الأمم أن تتبعها وأنّ المسجد الأقصى مرجعه لأمّة المُسْرى به إليه والمُعرَج به منه .
وأدعوك لقراءة هذه الكلمات لسيد قطب :
هذا الإسراء آية من آيات الله . وهو نقلة عجيبة بالقياس إلى مألوف البشر . والمسجد الأقصى هو طرف الرحلة . والمسجد الأقصى هو قلب الأرض المقدسة التي أسكنها الله بني إسرائيل ثم أخرجها منها . فسيرة موسى وبني إسرائيل تجيء هنا في مكانها المناسب من سياق السورة، وهذه الحلقة من سيرة بني إسرائيل لا تذكر في القرآن إلا في هذه السورة . وهي تتضمن نهاية بني إسرائيل التي صاروا إليها ; ودالت دولتهم بها . وتكشف عن العلاقة المباشرة بين مصارع الأمم وفشو الفساد فيها , وفاقا لسنة الله التي ستذكر بعد قليل في السورة ذاتها . وذلك أنه إذا قدر الله الهلاك لقرية جعل إفساد المترفين فيها سببا لهلاكها وتدميرها . ويقول :
ولقد خاطبهم باسم آبائهم الذين حملهم مع نوح , وهم خلاصة البشرية على عهد الرسول الأول في الأرض . خاطبهم بهذا النسب ليذكرهم باستخلاص الله لآبائهم الأولين , مع نوح العبد الشكور , وليردهم إلى هذا النسب المؤمن العريق .
ووصف نوحا بالعبودية لهذا المعنى ولمعنى آخر , هو تنسيق صفة الرسل المختارين وإبرازها . وقد وصف بها محمدا [ ص ] من قبل . على طريقة التناسق القرآنية في جو السورة وسياقها .
وما يزال هناك بيان آخر في الآية الأولى من السورة أؤجله لمداخلة أخرى بإذن الله تعالى