إذا تأملنا سنّة الله في عباده ساعة الوغى ولقاء العدوّ، تعلّمنا أمورا أساسية تُذهب عن عقولنا الشطط، وتعلّمنا عقيدة النصر، وكيف يتأتى للمؤمنين، وتمحو عقائد باطلة يرمي بها بعضهم ذات اليمين وذات الشمال سواء بنيّة التشكيك في الدين، أو لتخذيل المؤمنين وليظلوا على حالهم من الضعف والاستكانة ...
سورة آل عمران تعلمنا عقيدة النصر بقواعدها وبشروطها المتشابكة، إذا تأملنا في معرض السورة من مبتدئها إلى منتهاها .
1- فقد يقول قائل من أهل النفاق أو الدسّ أو التشكيك" لو كان محمد حقا لما هُزم أصحابه"، وقد قالها أهل النفاق في "أُحُد"، ويقولها كذلك أهل النفاق والتشكيك وتلامذة المستشرقين والعلمانيون اليوم. كما قد يقولها ضعاف النفوس من المؤمنين اليوم عن حالنا وما نعاني.
2-قد يقول قائل ناظر في حال الأمة اليوم، كيف يتأتى لنا نصر ونحن على ما نحن عليه من ضعف وتفرّق وتشرذم، ويقطع الأمل ويخذّل المؤمنين في حدوث نصر لهم جديد.
فلنتأمل آيات سورة آل عمران التي جاءت من أولها تلوّح بإمكانية تجدد نصر الأمة وأنه لا ينقطع مهما كان من حال ولكن بشروط : "قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ
تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً
لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ(13)"
وقبل هذا قد علّمنا الله تعالى هوان الكافرين عليه سبحانه، حتى لا يقع في قلوبنا من قوة يكونون فيها رهَب أو قياس بالعين التي تقدّر العدد والعُدّة وحدهما فقال سبحانه :
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ
لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ(10)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ(11) قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ
سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(12)"
علّمنا سبحانه أنّ عددهم وعدتهم وما هم عليه ليس دليل قوة مطلقة، وكيف يكونون الأقوياء وهم "الذين كفروا" ؟ إلا إذا قرّرنا نحن بنظرة قاصرة أنهم "الأقوياء" بينما يقرر الله تعالى أنهم بكفرهم "الضعفاء" وأنه متى كان المؤمنون معتزين بإيمانهم متقوّين به غيرَ ناكسي رؤوسهم وهم أهل إيمان كان الكفار بما لهم من مظاهر عزة هم الضعفاء...
فإن الآية بارزة لنا ظاهرة في نصر الله لفئة كانت صفتها الأهم "
يقاتلون في سبيل الله"
ولكنّ هذه العبرة لا تتأتى إلا
لأولي الأبصار، فأي أبصار هي؟ والبصر يقول أن الفئة الكافرة أكبر عددا وعدة من الفئة المقاتلة في سبيل الله ؟!
إنما هي البصائر التي لا تتخذ النظرة العينيّة حكما تاما كاملا مستوفي الشروط . بل إنّ التاريخ الإسلامي الممتد بالفتوحات والنصر المبين في عصور العزة يشهد بلقاء المؤمنين دوما بالفئة الكافرة وهي الأكثر عددا، بل تكون في غالب الأحيان بأضعاف المؤمنين .
أولا:
سورة آل عمران تعلّمنا من بداياتها أول السلاح الذي على الأمة أن تتسلح به وهو الخلاص من الهزيمة النفسية، ومعرفة هوان الكافرين على الله وإن يكن من مظهر قوتهم ما يكُنْ .
ثم تعرض السورة لما يداوي المؤمنين من أن يقعوا فرائس شهوات الدنيا التي تحيط بهم فتأخذهم عن نصرة دينهم "
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(14)
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(15)"
ثانيا:
فالمؤمن ليس فريسة للدنيا وشهواتها بل هو صاحب الخير العظيم الذي يخبئه له رب العزة، ومن شأن الشهوة أن تذهب العبد عن أن يكون همّه نصرة دينه . يزيد الله في تأكيد هوان الكافرين عليه سبحانه بما ظلموا وبما أتوا مع الأنبياء والرسل وبما قابلوا دعوة الله تعالى
"
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(110)
لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ(111)
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ
وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ
وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ(112)"
ثالثا:
فهم بما ظلموا وبما كان منهم من كفر وصدّ وتقتيل للأنبياء هانوا على الله تعالى، فكيف لهم أن يقاوموا قلوبا عامرة بالإيمان بالله ؟رابعا: الأمة التي كانت يوما ما قوية مؤيدة من الله تعالى، حقيقة بأن تعود لمجدها على خطى أسلافها .
أما إذا حاول منافقو اليوم-وهم يفعلون- أن يقولوا بقول منافقي الأمس وأنّ القتال في سبيل الله لا داعي له، وأنه انتحار، وأنه إرهاب، وأنّ الأضعف قوة كيف له أن يلاقي الأكثر والأظهر قوة؟ وأنّ الإقدام على قتال الكافرين الأقوياء عدة وعددا جنون وموت بلا معنى، فالله تعالى يعلّمنا الردّ عليهم، ويعلمنا قبل الرد عليهم عقيدة أن النصر من عند الله تعالى لا من سواه...
"
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(123)".إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ(124)
بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ(125) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ
وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(126)
خامسا:
تقوى الله مع الصبر والثبات في قلب اللقاء تؤهل أهلها للنصر على الكافرين وإن كان المؤمنون قلة .
كما تعلمنا آل عمران شروط نصر المؤمنين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً
وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(130)
وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(131)
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(132)
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133)
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ
الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ
وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(135) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(136)
سادسا:
نفوس المؤمنين الذين يستحقون نصر الله نفوس زكيّة، أعلنوا الحرب على أنفسهم وعلى غواياتها قبل إعلانهم الحرب على عدو الخارج .
ولقد علّمنا الله تعالى في آل عمران أن عدم الفشل وعدم الضعف وعدم الاستكانة(الصبر) وكل هذا مع توكل على الله تعالى ودوام سؤاله ودعائه أن يغفر لهم ويثبتهم وينصرهم.
وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ
رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ
فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ(146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ
ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(147) فَآتَاهُمُ اللّهُ
ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(148)
سابعا:
النصر حليف المؤمنين الربيّيين أي المطيعين لله ولرسوله، الصابرين المتواضعين لله مديمي الاستغفار وسؤال الثبات والاستنصار بالله .
ثم يعلمنا سبحانه شرطا آخر
إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ
وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ(160)
ثامنا:
فهو سبحانه الناصر لعباده المتوكلين عليه، وهو سبحانه الذي يخذل عباده الذين لا تتوفر في أنفسهم شروط النصر التي تعلمناها من الآيات أعلاه.ولا ننسى أن الله تعالى علمنا في معرض كثير من آيات آل عمران ضرورة التنبة للمنافقين في الصفوف، وضرورة توقّيهم، وعدم السماع لتخرّصاتهم وتشكيكاتهم، وأن عقائدهم عقائد كفر باطلة.
وبهذا نستنتج شروط النصر من آيات آل عمران السابقة ونجملها هنا مرقومة :
1- أول سلاح الأمة الخلاص من الهزيمة النفسية، ومعرفة هوان الكافرين على الله وإن يكن من مظهر قوتهم ما يكُنْ .
2-المؤمن ليس فريسة للدنيا وشهواتها بل هو صاحب الخير العظيم الذي يخبئه له رب العزة، إذ من شأن الشهوة أن تذهب المؤمن عن رسالته العظيمة وعن نصرة دينه.
3-الكافرون(أهل الكتاب) بما ظلموا وبما كان منهم من كفر وصدّ وتقتيل للأنبياء هانوا على الله تعالى، فكيف لهم أن يقاوموا قلوبا عامرة بالإيمان بالله ؟
4-الأمة التي كانت يوما ما قوية مؤيدة من الله تعالى، حقيقة بأن تعود لمجدها على خطى أسلافها .
5-تقوى المؤمنين الله مع الصبر والثبات في قلب اللقاء تؤهلهم -وإن كانوا قلّة- للنصر على الكافرين .
6- نفوس المؤمنين الذين يستحقون نصر الله نفوس زكيّة، أعلنوا الحرب على أنفسهم وعلى غواياتها قبل إعلانهم الحرب على عدو الخارج .
7-النصر حليف المؤمنين الربانيّين أي المطيعين لله ولرسوله، الصابرين المتواضعين لله مديمي الاستغفار وسؤال الثبات والاستنصار بالله.
8-الله سبحانه الناصر لعباده المتوكلين عليه، وهو سبحانه الذي يخذل عباده الذين لا تتوفر في أنفسهم شروط النصر التي تعلمناها من الآيات أعلاه.
9- معرفة صفات المنافقين وضرورة اتقاء المؤمنين تخذيلهم وتشكيكهم وتضعيفهم .
والآن وبعد هذا ....نأتي على آية عظيمة من سورة آل عمران، جامعة شاملة لك ما سبق:
"لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(164) "
أ-يتلو آيات الله
--------> يبلّغ المؤمنين ما يعلّمهم الله تعالى من هوان الكافرين عليه، ومن حقيقة المنافقين وخطورة الركون لتخرّصاتهم، ومن تقوية للمؤمنين رغم كل بأس، ومن تخليصهم من الهزيمة النفسية إزاء القوة الظاهرة للكافرين، ومن حقيقة كفرهم وفعلهم بالأنبياء، وغضب الله عليهم وضربه الذلة عليهم.
ب-يزكّيهم
-------------> للتسلح بالتقوى، والتزكية (من الآية130 إلى 136) .
ج-يعلمهم الكتاب والحكمة
---------> يعلمهم أمر الله ونهيه، ويعلّمهم بسلوكه صلى الله عليه وسلم وتربيته إياهم .
ولذلك وحتى يُبهت المنافقون المتقوّلون، بأن هذا الدين لو كان حقا لما هُزم المسلمون ولما ضعفوا، قال تعالى "
رسولا من أنفسهم" بشر عليه الصلاة والسلام جاء ليبلّغ رسالة ربه، ويقابل كل
فعل منه صلى الله عليه وسلم
تفاعل من المؤمنين ليتحقق النصر .
فتلاوته آيات الله يقابلها منهم
-----------------> فهمها وتشرّبها والعيش بها.
وتزكيته لنفوسهم منه يقابلها منهم
--------------> أن تتزكّى نفوسهم وتتطهر فعلا على الأرض .
ويعلمهم الكتاب والحكمة منه تقابلها منهم
--------> أن يعملوا بما تعلموا أي أن يطيعوا الله ورسوله.
ولهذا تأتي الآية الموالية لهذه الآية الجامعة تبيّن للمؤمنين أن ليس عليهم أن يتساءلوا عن سر هزيمتهم وضعفهم، وهم الذين لم يتفاعلوا مع أمر الله تعالى ومع فعل الرسول صلى الله عليه وسلم معهم، ولتخرص ألسنة المنافقين وكل المشككين في الدين، فالله تعالى قدير على أن ينصرهم، ولكنّ نصره سبحانه وتأييده لهم مرتبط بتفاعلهم هُم، وفعلهم على الأرض، وفقههم لشروط النصر سواء على الجبهة الداخلية بتزكية أنفسهم واتقاء المنافقين وتخلّصهم من الهزيمة النفسية أو على الجبهة الخارجية بمعرفتهم هوان الكافرين على الله وياعتزازهم بإيمانهم فيقول تعالى :
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(165)