جزاكما الله خيرا سيفتاب وزينب
إذن فسؤال رب العزة لسيدنا عيسى عليه السلام ليس سؤال من ينتظر الجواب، طبعا، فهو سبحانه محيط بكل شيء علما، بما بدا وبما خفي، بما أسرّ وما أعلن ...
ونعم هو لتبكيت أهل الكتاب ولتقريعهم ولإقامة الحجة عليهم من فم عيسى عليه السلام ذاته ...وبالتالي هنا نعود إلى اللغة العربية وأغراض الصيغ في اللغة العربية، ولنتأمل مدى أهمية المعرفة باللغة وبأغوارها.
السؤال في اللغة من السائل للمسؤول يحمل أغراضا عديدة،من بينها السؤال الذي غرضه التقرير والسؤال الذي غرضه الإنكار، والذي غرضه التعجب، وما غرضه النفي، وما غرضه السخرية،والتشويق والتمني ... وغيرها، كل هذه أغراض ترجى بالسؤال، فهو على ضروب ....
وسأضرب أمثلة :
الإنكار: "فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون" " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير"، "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ "
التعجب:"قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ ".
النفي : "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "
التقرير: "أليس الله بأحكم الحاكمين"، " أليس في جهنم مثوى للكافرين"
وغيرها أيضا من الأغراض ...
أما سؤال الله عز وجل هنا، فغرضه في إطار
التقرير، إنه سبحانه يريد تقرير الأمر أمام الناس على رؤوس الأشهاد، في ذلك المشهد العظيم، يوم القيامة، وانظروا إلى بناء الفعل للماضي، وهو عن يوم القيامة، وذلك كما علمنا لانتفاء الزمن عند الله تعالى وهو سبحانه خالق الزمن، ذلك لأنه سبحانه غير مخلف وعده، ولا وعيده، فأمره سبحانه مقضيّ ماض لا شك ولا ريب، فيضعنا عز وجل في موقف استشعار للأمر على أنه قد كان، لنستشعر نحن ذلك المشهد وكأننا فيه، ولنكون أمام المستقبل القادم لا محالة، الوعد المحقق لا ريب، وكأننا نراه رؤيا العين ....
إذن فغرضه التقرير لتقريع أهل الكتاب ممن كفر بعيسى عليه السلام، وممن افترى عليه الكذب، وممن اختلق في ذاته الأباطيل الشنيعة التي لا تغتفر ....
ويالعظمة نعمة الإسلام علينا .... يالعظمة هذه النعمة، أي كلمات، وأي كلمات، وأي كلمات تلك التي تفي وصف عظمة هذه النعمة علينا في هذا الموقف وحده، نحن المسلمين، وقد نجونا من ذلك الخزي، والعار، والذل على رؤوس الأشهاد .... ماذا لو كنا منهم ؟؟!!!(اللهم ربنا ثبتنا ) لتحاتّت وجوهنا خزيا وذلا من ذلك الموقف المهيب، وذلك السؤال من رب العزة يملأ كل الأرجاء والأنحاء، وذلك الجواب من عبده ونبيه عليه السلام ....ذلك الجواب العظيم العظيم الدقيق الصادق الذي يعرف به صاحبه قدر ربه حق قدره ....
والمسافة بين قوله سبحانه : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا
إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ(109) " وبين قوله سبحانه جواب سيدنا عيسى عليه السلام: "قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ
إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ(116)" ... هي ذاك السؤال لواحد من أنبيائه، فأجابه أنه هو سبحانه
علام الغيوب ....عالم بما قال وبما لم يقل، ولكنه أدبا وأنْسا بالله تعالى وبالحوار معه أجاب،وإرادة الله سبحانه أن يكون الجواب على فمه قد سبقت ويالذلك كان الجواب !!
بالأمس كان موعدنا مع هذه الصفحة العظيمة، فقلت للأخوات فيما قلت : عادة ما يكون آخر المائدة نزرا يسيرا من طعام كان يملؤها، ولكن آخر مائدتنا اليوم شيء عظيم عظيم ....
فقالت أخت لنا : ولكن كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الطعام البركة والنفع، وكذلك في آخر مائدتنا اليوم
وحقا وصدقا ... كانت العظمة والبركة والخير الذي لا يوصف .... كان جلال الله الملك الحق، وكان أدب النبي الجمّ مع ربه في حضرة ربه، في كبرياء ربه، في علم ربه،في إحقاق ربه للحق، في أنفاذ ربه لأمره، وتحقيقه لوعده ....
ملاحظة: زينب بالنسبة لقولك أنه لتبيّن أن ليس عيسى عليه السلام من قال للناس تلك الفِرَى(جمع فِرْية وهي الكذبة
) العظيمة -حاشاه-، فنعم... تأملي قوله سبحانه "أأنت قلت للناس"، أأنت هنا -ولله المثل الأعلى- قوْلي لك : أأنتِ قرأت الكتاب يا زينب، تقولين مثلا : لا بل قد قرأته سيفتاب .
أي أن: "أأنت" هنا توحي بأن غيره من قال ....