في هذه البلاد، أشعر بمعنى الدين والوطن...
أشعر بدقائق الأمور التي اعتدناها صغاراً... لكن تفكيرنا بها كان ربما محدوداً، وربما عقلياً بحتاً...
وكل الذي في هذه البلاد جمود، وما فيها شعور...
لقد غيبوا الإحساس في الفكرة، وبعثروا سميّ العواطف في تراكيب أدمغتهم المعقدة، ودفنوا القلوب في العقول... وما تكون كلّ أولى دون الثانية؟ ألا ما العقل لولا نبضة القلب وقيده وقيادته؟....
لكني بينهم أشعر بالفهم العميق... ويتعاظم في قلبي الشعور...
قبل أقل من شهر، أقاموا دعوة مفتوحة في مختبرنا للأهل والأصدقاء... كنت أنا وزوجي، وأشخاص كثيرين...
لكنا كنا نحن، وكانوا هم... كنا غيرهم... كنا مسلمين...
من عاداتهم المسروقة أن يمدّ الواحد منهم يده ويقترب كلما تعرف على شخص جديد... ومن عاداتي التي أوصاني بها ديني أن أعود إلى الوراء... وأن أضع يدي على نحري، وأن أقول بعزة المسلمة: أنا لا أصافح الرجال...
بعضهم يستغرب... وبعضهم يقول إنّه اعتاد هذا من النساء النصرانييات الكاثوليكيات، لكنه لم يعهده في المسلمات... وبعضهم يعتذر...
تأخذهم الساعات بأحاديث مكذوبة... وابتسامات مخادعة... ومشاعر مزيفة... أقسم إنها مزيفة...
يبتسمون ويضحكون... ويمكرون...
وبالقلب المسلم ننسحب نحن إلى مكتبنا كي نصلي... كي نذكر ربنا في أرض فسادهم... كي نتذكر أنا لسنا منهم ولن نكون....
الركعات في مكتبي هنا جميلة جداً... أصليها بكل ما فيّ... أصليها بحرقة القلب الذي ينتظر أن يصليها فيلمس الأرض التي يحب لمّا يسجد، وتتقاطر دموعه على بساط القدس...
أصليها وأنا أسمع قهقهات عالية وأصوات لم أعتدها... فتبكي كل خلايايَ تدعو أن ثبتْ يا ربّ...
الصلاة هنا لها طعم آخر... الصلاة هنا صلاة قلب وجوارح وشعور... هي مناجاة لربي الذي يعلم قلبي... ويعلم أنه ليس مثلهم... وبإذنه لن يكون...
وفي طعامهم ما ليس حلاً لنا... وفي كلامهم ما لا نسمعه... وفي حركاتهم ما لا نقبله... وفي لباسهم ما لا ننظره... وفيهم ما لا نستطيع له صبراً...
عزاؤنا أننا في الله غربتنا... من أجل دعوة إسلامٍ وقرآن...
ستشرق الشمس مهما طال مغربها... ويهزم البغي مصحوباً بخذلان...
ويصدح الصبح إنّ الصبح موعدهم... ما ينسج الليل من زيفٍ وبهتان...
والله المستعان :)