أوراق

[أبو دواة]

في شهر أكتوبر مات أنيس منصور...... وجرى التعامل مع وفاته بأشكال مختلفة.........

منها استغلال جريدة الشروق حادث الوفاة وسيلة لنشر كتب الراحل........

عبر صفحتين غنيّتين نشرتهما اليومَ الجمعة عرضتْ  الجريدة عدة كتب من إصدارات الدار........ على رأسها (في صالون العقاد كانت لنا أيام)......... وهو بعبارة أنيس منصور نفسه وصف لعذابات ذلك الجيل..... وحكاية قدَر خلق كل تلك القامات الفكرية والفنية في آن....... صوت أم كلثوم وقلم العقاد وعود عبد الوهاب....... إلخ

أنيس منصور كاتب مخضرم....... ولد قبل حوالي تسعين عامًا....... وبحكم عمل أبيه مفتشا لضياع أحد الأعيان، تنقل الطفل بين قرى عدّة من الوجه البحري....... وكان الغجر الاستثناء الوحيد في عالم أنيس منصور المتبدل بتبدل المكان والزمان......... فهم دومًا على الحافة بين القانوني وغير القانوني..... يمجّون الناس ويمجّهم الناس...... للناس قانون ولهم قانون........ ما جعل للغجر نصيبا من كتب أنيس منصور.......... ومنها كتابه (نحن أولاد الغجر)..... وكتابه (إلا قليلا)...... ومقالات أخرى في ثنايا كتب أخرى........

أنيس منصور وهو دارس الفلسفة المجتهد....... وداعية الوجودية..... الفلسفة الأكثر رواجًا في زمانه........ والمبشّر بأدب اللامعقول........

هو نفسه الرحّالة الراوية.. الذي ترك كتابًا لا تكاد تفنى عجائبه -أقول لا تكاد....... حتى لا يزعل أحد   -.......... وهو صاحب كتاب (حول العالم في 200 يوم)......... وهو مجموع مقالات عن رحلة أنيس منصور في خمسينيات القرن الماضي.......... وفيها روح مصر العروبية الاشتراكية المتبنية لدول أقل تقدما........ الثائرة على نمط الحياة الأمريكية....... حبّا في زيد ربما........ الذي أفرد له أنيس منصور كتابا خاصا عنوانه (أطيب تحياتي من موسكو)........

كتب أنيس منصور أكثر من 250 كتاب....... وزّعتْ ملايين النسخ......... ومقالته في صفحة جريدة الأهرام كانت جزءً من حياة الرجل العادي ربما حتى هذه اللحظة بعد وفاة الكاتب........ خاصة في يوم الجمعة........ اليوم الأثير لدى قرائه من النساء  

أساغ الشارع موقف أنيس منصور من التطبيع........ وهو موقف مصلحة....... قوامه العلاقة الدبلوماسية والتجارة....... وليس التطبيع العقائدي على المستوى الشعبي........... ولعلّ أنيس منصور أن يكون الأوّل وراء مبادرة السادات..... وأنيس منصور هو مستشاره وربما كاتب سيرته..........

[ماما هادية]

رجل مشهور جدا وموهوب
قرأت له كتابه (حول العالم في 200 يوم) وعددا من المقالات والكتابات الأخرى التي تكفي لأحكم عليه أنه من مسممي عقول الجيل ومن دعاة الضلال البارعين جدا  

[أبو دواة]

رجل مشهور جدا وموهوب
قرأت له كتابه (حول العالم في 200 يوم) وعددا من المقالات والكتابات الأخرى التي تكفي لأحكم عليه أنه من مسممي عقول الجيل ومن دعاة الضلال البارعين جدا  

لي رأي قريب من رأي محمّد عبد القدّوس في أنيس منصور....... وهو أن كتابات أنيس منصور كتابات فيلسوف..... فيها غير قليل من الإيمان.... ويكفي أن نقرأ رأيه في كلام يوري غاغارن رائد الفضاء.......

[أبو دواة]

المنفلوطي قامة أدبية......... وأستاذ جيل كامل......... عمره أكثر من مئة سنة........

في الأسبوع الماضي تناولت قصّته ماجدولين........ وهي رواية معرّبة على ما يبدو....... ملؤها الخنوثة....... وملحها الضعة....... لمن وجّه المنفلوطي قصّته هذه؟؟؟!!!!!!!!.......... وفيها حادثة انتحار....... و(نظراته) تذمّ الانتحار........ وفيها إشراك العبد مع الرب.... وفي (نظراته) ريح الإيمان.......

وآليت على نفسي ألّا أقرأ لهذا الرجل أبدا.........

وكيف لا والتهويل في كل كلمة؟؟؟!!!!!........ أكل تافهة تتفطّر له السماوات وتخرّ الجبال هدّا؟؟؟؟؟؟؟؟!!!........ أقيامة في كل ساعة؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!

عبارة المنفلوطي ليستْ في جمال الزّيّات ولا فخامة الرافعي..... ولعلّ في سهولة (نظراته) وجدّة رواياته المعرّبة ما لفت نظر معاصريه من الناشئة.....

من ثمانية أعوام..... وهي ثلث عمري بالتمام والكمال....... كتبتُ قصّة اسمها (الأمّ)..... فيها عبارة المنفلوطي ودموعه ووحدته ويأسه...... كتبتها في أيّام صعبة...... فجاءت عبارتها أصعب وأكثر قنوطا....... لكنها لا تعجبني اليوم.....و لا أحتفظ بها.......

لقد مسّ قلبي كثيرًا رأي يحرّم اختلاق الروايات من الخيال....... لأن فينا ضعافا يصدّقون...... ويهلكون بتصدقيهم......

فرجاء يا إخوتي قليلا من القصد...... ويكفي تهويلا...... ويكفي دمعا....... وقطرة أمل...... شمعة واحدة....... خير من لعن الظلام كما قال الأقدمون........

[أبو دواة]

في السنة الأولى في كلية الطب.......... درست اصطلاحا هو الهوميو ستازيس....... ومعناه أن الجسم بقضّه وقضيضه ساع على الاستقرار......... استقرار قيم الماء والأملاح ودرجة الحموضة والحرارة..... إلخ

ولا شك أن الاستقرار نعمة كبرى......... تعبر عن نفسها بسيد الكلمات........ الصمت.......

رأسنا لا ننتبه إليه إلا بالصداع......... وبطننا لا ننتبه إليه بالمغص........ وعيوننا لا يبكينا عليها إلا العمى....... لأن في كل منها اضطرابا....... ينقض الاستقرار........

وكاتب هذه السطور ولد في أرض....... لأب من أرض ثانية........ وأم من أرض ثالثة....... درج في أرض......... غير التي يكتب منها الآن........و غير التي درس فيها في الجامعة........ تبدلت عليه المحيطات........ و(فقد الأحبة والصحابا) مرات ومرات..... فهو يشيّع كل عائلة بحسرة وعبرة..... ويجهل معاني الصداقة...... كما يجهل اليتيم معنى البنوّة...... حياته في الهامش...... وراء الأسلاك....... وعيونه على الكلمات فوق السطور وفي صدر الصفحة....... في قلبه حسرة على غربته وتقحمه...... وإحساسه بثقل ظله والعالم الذي يلفظه لفظ النواة......... تماما كنقطة الزيت في كأس الماء....... في قريتنا.......و في العاصمة...... وفي الصعيد...... كنت أرى الناس ولا ألمسهم....... وأقول ولا يفهمون...........

[حازرلي أسماء]

لربما في ترحالك ومعرفتك أكثر من مكان ميزات أيضا يا عبد الرؤوف ... بل أكاد أجزم أن له ميزات .... ولكن متى ستعرفها ؟؟ !!  ساعة تعرف الهميوستازس    عندها ستجمع من كل ما تعلمت لما ستطبق ..... معرفة طبائع الناس بين مكان ومكان، واختلافهم شيء ذو بال يا عبد الرؤوف لمن يكون له أفق رحيب يرنو لأن يعرف فيه الاختلافات ويلامسها عن قرب 

[أبو دواة]

لربما في ترحالك ومعرفتك أكثر من مكان ميزات أيضا يا عبد الرؤوف ... بل أكاد أجزم أن له ميزات .... ولكن متى ستعرفها ؟؟ !!  ساعة تعرف الهميوستازس    عندها ستجمع من كل ما تعلمت لما ستطبق ..... معرفة طبائع الناس بين مكان ومكان، واختلافهم شيء ذو بال يا عبد الرؤوف لمن يكون له أفق رحيب يرنو لأن يعرف فيه الاختلافات ويلامسها عن قرب  

ربما.........

[أم وعالِمة]

في السنة الأولى في كلية الطب..........

** ده حضرتك زميل بقا !!!!!

عشان كده نظرة التشاؤم و الاحباط .. ده طبيعي جدا في كليتنا
دلوقتي انا مش هقلق عليك 

انت طبيعي يابني !



عموما قلمك رغم الاحباط و رنة اليأس فيه لكن مبدع - كعادة معظم من دخل هذه الكلية - و رقيق

استمر ولا تتوقف
لو توقف قلمك عن التعبير فقد يتوقف قلبك عن الإحساس

اذكر نصيحة من شخص ما لا أذكره حتى ولا أذكر هل كانت نصيحة مكتوبة أم مسموعة

قال لمن يملك حاسة و موهبة الكتابة : اكتب دائماً حتى لو لم يقرأ ما تكتبه سواك
لا تكتب حتى يقرأ الناس
لكن اكتب حتى ينضج ما بداخلك من انفعال بالناس و بالأحداث و المواقف
و يتخذ عقلك دائماً القرار الصواب في الوقت الصحيح ...

ولا تقلق لمن سيقرأ.. فأهم من سيقرأ هو الله ...

[أبو دواة]

** ده حضرتك زميل بقا !!!!!  

بمناسبة الزمالة  

دراسة الطب....... نظرة على ما وقع........

-1-

تقسّم الدراسة الطبّية العاديّة إلى ستّ سنوات........ ثلاث سنوات أكاديميّة........ وثلاثة تطبيقية........

الثلاثة الأكاديمية هي السنتان الأوليان المخصصتان لدراسة الإنسان في سوائه...... وفي السنة الثالثة تأتي المشكلات والحلول........

تقسم دراسة المادة الإنسانية -لا المعنى........ كثير منّا يعرف أن الماء الذي يطفئ النار يتألّف من عنصرين ملتهبين.... ويومًا ما سيصطدم الناس بجناية التجزيئية التي هي جزء من طبيعتنا الإنسانية-....... تقسّم دراسة جسم الإنسان في سوائه على السنتين الأوليين...... حيث يجري اختزال الإنسان إلى محض آلة....... يتعرض التشريح لبنيتها..... وتدرس آليّة عملها ضمن مادة الفسيولوجيا...... أما التركيب الدقيق للآلة الإنسانية فيأتي ضمن علم الأنسجة (الهستولوجيا)...... وللخداع تسمّى كيمياء الجثّة الإنسانيّة: الكيمياء الحيوية.........

في السنة الثالثة يخرج سِيد هارتة إلى العالم........ ويكتشف وجود الألم والمرض....... ليصبح بوذا أو ما شابه.......

يدرس أوّلا الجسم في مرضه....... مكبّرا ومصغّرا........ بالعين المجردة والعين المسلحة بالمجهر.......... ضمن ما يمسّى بالباثولوجيا.......

ومؤمنا بالسببية........ يدرس الميكروبيولوجيا والبارازايتولوجيا..... ليعرف أنّ أكثر عذاباته صناعة جراثيم معجزة في دقتها وتهافتها.........

ويروح يستقري للأدواء أدوية....... فيدرس الفارماكولوجيا......... ومن الصراع بين الداء والدواء تولد السنوات التطبيقية الثلاثة التالية......... وهي ليست أكثر من إعادة رصف للعلوم الطبية المعنية بدراسة المادة الإنسانية بمزيد من العمق والتفصيل........

-2-

بحلول السنة الرابعة يكون على بوذا أن يقطع خلوته ويخالط المرضى.....

لن يتخلّى بوذا عن فلسفته........ فيشبعها عبر دراسة أدبية علمية....... اسمها طب المجتمع........ وهو الطب المعنيّ بدراسة الإنسان الجمعيّ دونًا عن الفرديّ...... فيتعرّض للعامل والفلاح وغيرهما من أفراد الشعب العامل....... ثم دراسات إحصائية ونصائح تغذوية..... والذي يحمل صليب هذه المادّة لا يلبث أن يطّرحه عنه إلى زملاء العمل في المستقبل......... لأنّها تؤهله للعمل في مكافحة العدوى........ وهي مهنة تناسب الشخص الثائر الذي يعتقد النقد للنقد....... ويفتش عن خطإ ما في وضع الأسرّة والمفارش وأدوات الجراحة في غرف الكشف والعنابر.........

سرعان ما يقترب بوذا أكثر من الجسم الإنساني....... فيبدأ بالعين الجزء الأكثر رقّة من الجثّة الإنسانيّة....... ثم الفتحات الأخرى من الدماغ: الأذن والأنف والحنجرة....... وهو عمل يناسب هواه في سبر الأعماق الإنسانية.......

وأخيرًا يدرس بوذا الإنسان الأكثر جثثية....... الميّت....... من خلال دراسة الطبّ الشرعيّ........ فيدرس الموت فعلًا وفاعلًا....... والأسباب المفضيات إليه..... من حروق وسموم وجروح جسدية وجنسية........

-3-

في السنة الخامسة من الدراسة الطبية يكتشف بوذا أنه يدرس الطب للمرة الأولى!!!!!..... يخاتل الأساتذة ويترجمون الطب إلى الباطنة في مصر والداخلية في سورية...... كفى سقوطًا!....... وإيغالًا في إيقاع الآلام على بوذا الذي جرى اختزاله إلى مصوّرة (كاميرا) يتمّ تدريس الطب بصورة تناسب الأطفال....... واسمها طب الأطفال...... حسنا لقد كان الأول طب الكبار........ فلماذا نكذب على أنفسنا إذن يا قتلة يا مزوّرين؟!!!!

تدخل يد القدر في تحديد رئيس للقسم ومن ثمّ الامتحان....... البعض يحاول الاحتيال ويؤجّل الامتحان........ في مقامرة لا تقل قذارة عن التي تجري في الحانات..........

الآن أصبح الألم مادّة حياة بوذا............ ثلاثة أشهر للآلام العامّة........ وثلاثّة موزّعة في آلام القلب والدماغ... إلخ.........

الآن جاء دور أسبوع الآلام (النفسية)........ سمع بوذا هذه السفاهة:
Psych is an organ!
إن عفن الجثة الإنسانية يزحف الآن على إكسيرها....... لم يرض بوذا عن معاملة النفس معاملة الجسد واحتساب الإنسان لعبة في يد النواقل العصبية والعقاقير.........

دراسة الأشعة نوع من طبيعة بوذا المتوغلة......... ومزيد من الآلام يا بوذا......
أمراض الكلى والمناعة والهضم والدم....... إلخ........

في عامك القادم ستحمل سكينا لتفتش عن المعنى في وجود المادة..........

-4-

الآن يلتقي بوذا وجعه وجها لوجه... أن يشقى برجولته التي يعرفها في شواربه وصوته....... إن عليه هذا العام أن يدرس طب النساء........

عندما رأى بوذا (بوّابة الجحيم) في الحصّة العمليّة للمرّة الأولى وربما الأخيرة... سعل وقال: "لهذا إذنْ قتل قابيل أخاه........."

دراسة الطب عند النساء..... كدراسته عند الأطفال.... أو الكبار...... عذابة كان بإمكان الجامعة أن تختصرها على بوذا الذي يئن الآن تحت دراسة أكثر عنفا في اتخاذ التدابير...... الجراحة.....

-5-

سنة الامتياز........

تلاشى الآن سِيد هارتة الوادع ابن النعيم تمامًا......... وتحوّل إلى غول صناعته خياطة الجلود الآدميّة ورشق الإبر في الأجساد الإنسانية........ وتعطّلتْ ساعته الذهنية تمامًا..... لأنّه اكتشف فجأة أن عمله لا يختلف عن خفارة عمارة......... وأن لعنة اسمها النوبتجيات تنتظره.........

الآن استكمل بوذيّته...... انتصر على ألمه بموت إحساسه........

-انتهتْ-
------------------------------
بوذا هنا رمز لطالب الطب....... بوذا الذي عاش في الطفولة في الحدائق الغنّاوات معزولا عن العالم وعذاباته....... فجأة اكتشف وجود الألم...... وبدأت فلسفته لتخطّيه......... وكان اسمه في الصغر سِيد هارْتة...........

[بسمة ذياب]

مميزة فعلا ... وكما أخبرتك في حينه يا عبد الرؤوف فقد أرسلتها للبعض ومنهم أطباء :-)

[حازرلي أسماء]

لم أقرأ آخر ما كتبت بعد يا عبد الرؤوف، فقد مررت سريعا فوقعت على هذه الكلمات الرائعة منك يا سارة، ولكم لامست قلبي     جزيت خيرا كثيرا :

قال لمن يملك حاسة و موهبة الكتابة  اكتب دائماً حتى لو لم يقرأ ما تكتبه سواك
لا تكتب حتى يقرأ الناس
لكن اكتب حتى ينضج ما بداخلك من انفعال بالناس و بالأحداث و المواقف
و يتخذ عقلك دائماً القرار الصواب في الوقت الصحيح ...

ولا تقلق لمن سيقرأ.. فأهم من سيقرأ هو الله

[أبو دواة]

يا إخوتي أنتم عهدتي........ أنتم كنزي..... كلماتكم روح من الله......... فيها حياة كلماتي.......

[أم وعالِمة]

** ده حضرتك زميل بقا !!!!! 

بمناسبة الزمالة 

دراسة الطب....... نظرة على ما وقع........

-1-

تقسّم الدراسة الطبّية العاديّة إلى ستّ سنوات........ ثلاث سنوات أكاديميّة........ وثلاثة تطبيقية........

الثلاث الأكاديمية هي السنتان الأوليان المخصصتان لدراسة الإنسان في سوائه...... وفي السنة الثالثة تأتي المشكلات والحلول........

تقسم دراسة المادة الإنسانية -لا المعنى........ كثير منّا يعرف أن الماء الذي يطفئ النار يتألّف من عنصرين ملتهبين.... ويومًا ما سيصطدم الناس بجناية التجزيئية التي هي جزء من طبيعتنا الإنسانية-....... تقسّم دراسة جسم الإنسان في سوائه على السنتين الأوليين...... حيث يجري اختزال الإنسان إلى محض آلة....... يتعرض التشريح لبنيتها..... وتدرس آليّة عملها ضمن مادة الفسيولوجيا...... أما التركيب الدقيق للآلة الإنسانية فيأتي ضمن علم الأنسجة (الهستولوجيا)...... وللخداع تسمّى كيمياء الجثّة الإنسانيّة: الكيمياء الحيوية.........

في السنة الثالثة يخرج سِيد هارتة إلى العالم........ ويكتشف وجود الألم والمرض....... ليصبح بوذا أو ما شابه.......

يدرس أوّلا الجسم في مرضه....... مكبّرا ومصغّرا........ بالعين المجردة والعين المسلحة بالمجهر.......... ضمن ما يمسّى بالباثولوجيا.......

ومؤمنا بالسببية........ يدرس الميكروبيولوجيا والبارازايتولوجيا..... ليعرف أنّ أكثر عذاباته صناعة جراثيم معجزة في دقتها وتهافتها.........

ويروح يستقري للأدواء أدوية....... فيدرس الفارماكولوجيا......... ومن الصراع بين الداء والدواء تولد السنوات التطبيقية الثلاثة التالية......... وهي ليست أكثر من إعادة رصف للعلوم الطبية المعنية بدراسة المادة الإنسانية بمزيد من العمق والتفصيل........

-2-

بحلول السنة الرابعة يكون على بوذا أن يقطع خلوته ويخالط المرضى.....

لن يتخلّى بوذا عن فلسفته........ فيشبعها عبر دراسة أدبية علمية....... اسمها طب المجتمع........ وهو الطب المعنيّ بدراسة الإنسان الجمعيّ دونًا عن الفرديّ...... فيتعرّض للعامل والفلاح وغيرهما من أفراد الشعب العامل....... ثم دراسات إحصائية ونصائح تغذوية..... والذي يحمل صليب هذه المادّة لا يلبث أن يطّرحه عنه إلى زملاء العمل في المستقبل......... لأنّها تؤهله للعمل في مكافحة العدوى........ وهي مهنة تناسب الشخص الثائر الذي يعتقد النقد للنقد....... ويفتش عن خطإ ما في وضع الأسرّة والمفارش وأدوات الجراحة في غرف الكشف والعنابر.........

سرعان ما يقترب بوذا أكثر من الجسم الإنساني....... فيبدأ بالعين الجزء الأكثر رقّة من الجثّة الإنسانيّة....... ثم الفتحات الأخرى من الدماغ: الأذن والأنف والحنجرة....... وهو عمل يناسب هواه في سبر الأعماق الإنسانية.......

وأخيرًا يدرس بوذا الإنسان الأكثر جثثية....... الميّت....... من خلال دراسة الطبّ الشرعيّ........ فيدرس الموت فعلًا وفاعلًا....... والأسباب المفضيات إليه..... من حروق وسموم وجروح جسدية وجنسية........

-3-

في السنة الخامسة من الدراسة الطبية يكتشف بوذا أنه يدرس الطب للمرة الأولى!!!!!..... يخاتل الأساتذة ويترجمون الطب إلى الباطنة في مصر والداخلية في سورية...... كفى سقوطًا!....... وإيغالًا في إيقاع الآلام على بوذا الذي جرى اختزاله إلى مصوّرة (كاميرا) يتمّ تدريس الطب بصورة تناسب الأطفال....... واسمها طب الأطفال...... حسنا لقد كان الأول طب الكبار........ فلماذا نكذب على أنفسنا إذن يا قتلة يا مزوّرين؟!!!!

تدخل يد القدر في تحديد رئيس للقسم ومن ثمّ الامتحان....... البعض يحاول الاحتيال ويؤجّل الامتحان........ في مقامرة لا تقل قذارة عن التي تجري في الحانات..........

الآن أصبح الألم مادّة حياة بوذا............ ثلاثة أشهر للآلام العامّة........ وثلاثّة موزّعة في آلام القلب والدماغ... إلخ.........

الآن جاء دور أسبوع الآلام (النفسية)........ سمع بوذا هذه السفاهة:
Psych is an organ!
إن عفن الجثة الإنسانية يزحف الآن على إكسيرها....... لم يرض بوذا عن معاملة النفس معاملة الجسد واحتساب الإنسان لعبة في يد النواقل العصبية والعقاقير.........

دراسة الأشعة نوع من طبيعة بوذا المتوغلة......... ومزيد من الآلام يا بوذا......
أمراض الكلى والمناعة والهضم والدم....... إلخ........

في عامك القادم ستحمل سكينا لتفتش عن المعنى في وجود المادة..........

-4-

الآن يلتقي بوذا وجعه وجها لوجه... أن يشقى برجولته التي يعرفها في شواربه وصوته....... إن عليه هذا العام أن يدرس طب النساء........

عندما رأى بوذا (بوّابة الجحيم) في الحصّة العمليّة للمرّة الأولى وربما الأخيرة... سعل وقال: "لهذا إذنْ قتل قابيل أخاه........."

دراسة الطب عند النساء..... كدراسته عند الأطفال.... أو الكبار...... عذابة كان بإمكان الجامعة أن تختصرها على بوذا الذي يئن الآن تحت دراسة أكثر عنفا في اتخاذ التدابير...... الجراحة.....

-5-

سنة الامتياز........

تلاشى الآن سِيد هارتة الوادع ابن النعيم تمامًا......... وتحوّل إلى غول صناعته خياطة الجلود الآدميّة ورشق الإبر في الأجساد الإنسانية........ وتعطّلتْ ساعته الذهنية تمامًا..... لأنّه اكتشف فجأة أن عمله لا يختلف عن خفارة عمارة......... وأن لعنة اسمها النوبتجيات تنتظره.........

الآن استكمل بوذيّته...... انتصر على ألمه بموت إحساسه........

-انتهتْ-
------------------------------
بوذا هنا رمز لطالب الطب....... بوذا الذي عاش في الطفولة في الحدائق الغنّاوات معزولا عن العالم وعذاباته....... فجأة اكتشف وجود الألم...... وبدأت فلسفته لتخطّيه......... وكان اسمه في الصغر سِيد هارْتة...........

** يا دكتور .... إنت موهووووب !!!!

إنت خسارة في الطب يابني
انا بتكلم بجد !

أعرف زملاء كتير لينا جمعوا بين الطب و الكتابة و بعضهم نشرت له أعمال أدبية رائعة من دور نشر كبيرة ....

خسارة موهبتك بجد !!


** أسماء .... جزانا و إياك يا بنتي
قد أتذكر من القائل لاحقاً
وإني لأعتقد أنه ربما دكتور نبيل فاروق القريب لقلبي جداً ... ربما لست أتذكر جيداً
بل ولست حتى أتذكر نص الكلمات
لكن وقعها لازال في نفسي يحركني بشدة لأكتب كل شيء يجول في خاطري و أنفعل به

وربما لهذا - ولهذا فقط - أحببت الفيس بوك ... هو يتيح لي ذلك بمنتهى السهولة
أحيانا تلقى كلماتي استحساناً
وأحياناً لا تلقى أي اهتمام و ربما لا ينتبه لها أحد

لكن ترفع عني الكثير من صعوبة وجود ورقة و قلم في كل مرة تنفعل فيها أفكاري ..... بس كده !

[أبو دواة]

** يا دكتور .... إنت موهووووب !!!!

إنت خسارة في الطب يابني
انا بتكلم بجد !

أعرف زملاء كتير لينا جمعوا بين الطب و الكتابة و بعضهم نشرت له أعمال أدبية رائعة من دور نشر كبيرة ....

خسارة موهبتك بجد !!

ربنا يكرم...........

[أبو دواة]

نفوس صغيرة........

أول ما لفت انتباهي....... حينما عدتُ إلى الشَّمال........ أنه بتركنا كوب الشاي بدون غسل ليومين أو أكثر يتعبّأ بالفطر...... بقع بيضاء....... ثم خضراء........ ثم السواد في كل مكان........ العفن........

في الجنوب... كان كوب الشاي يجفّ...... ويقسو (التفل).......

في الجنوب......... حيث الشمس تجلو المرض........ والسماء المرصّعة بالنجوم......... وهواء بحري (رياح الشمال) محمّل بالقبّل........ وخط السكة الحديد يمتد ويضيق وينتهي بنقطة في الأفق.......... هناك بلادنا في الشمال....... هناك........ هناك الجنّة....... أرض ميعادنا....... حيث ينتهي الصراع......... وينتهي التاريخ........... وتحال كل المشكلات على العودة...... في الشمال سنجد كرامة وخيرا كثيرا......... سنجد أهلا وعزوة.........

العفن في الشمال........ والشدة في الجنوب........ والنفس الصغيرة تلد نفسها ألف مرة......... والحقد ملح الحياة....... وسوء الظن عملتها...... والجنّة هناك......... في مكان لا يعلمه إلا الله............

[أبو دواة]

ناس في الهامش........

هناك في طرف الصفحة يقع الهامش.......... ومن وراء السلك الطويل..... تنظر الكلمات المبتورة والحسابات الناقصة لنهر السطور........ وأمّة من الكلمات عليه........ وينسى الهامش أنّه في النهاية هامش........ يقطع رفد النهر........ ولن يكون في يوم من الأيام مادة لكتاب......... في الهامش يحيا النسّاك والفلاسفة والغجر والخارجون على القانون................

[حازرلي أسماء]

ناس في الهامش........

هناك في طرف الصفحة يقع الهامش.......... ومن وراء السلك الطويل..... تنظر الكلمات المبتورة والحسابات الناقصة لنهر السطور........ وأمّة من الكلمات عليه........ وينسى الهامش أنّه في النهاية هامش........ يقطع رفد النهر........ ولن يكون في يوم من الأيام مادة لكتاب......... في الهامش يحيا النسّاك والفلاسفة والغجر والخارجون على القانون................

جميلة جدا .بارك الله فيك

كم من واقف على الهامش وواقف، وبين واقف وواقف، هناك من يهجر الجمع بين الحين والحين ليقف على حدوده... ينظر، يراقب، يتعلم، ينتظر، ولكنه لا يفنى كذلك، وإنما ليجدد العزم  وقد أعدّ على الهامش عُدّته لحركة جديدة ولخوض جديد، قد يكون الأصعب ...

[أبو دواة]

شكرًا لك يا أسماء....... حقًّا....... (ما أضْيَقَ العيشَ لولا فسحة الأملِ!)........

[أبو دواة]

في كلّ اثنين أركب الحافلة إلى قصر العيني لأحضر درس الأشعّة عند الدكتور ممدوح محفوظ...... بلحيته الوافرة وسمته الوجيه ولهجته الرزينة......

قبل الحصّة تدفّق آيات القرآن الكريم من سمّاعة القاعة....... وقبل الكلام البسملة........ وبعد الكلام كفّارة المجلس........

وقبل هذا كلّه يجلّس الركّاب في الحافلة مسلمهم ومسيحيّهم حاملًا كتابه ذاكرًا لربّه......

كل هذه الصور يحاصرني حين أسمع رجلًا ينادي بالتسوية بين أهل الديانات بطمس كل الديانات........

عشتِ يا مصر...... وعاش بنوك........ والله أكبر والنصر للحقّ........

[أبو دواة]

قبل شهور دلّني صديق -جزاه الله خيرًا- على عمل خاصّ في (بهتيم) وهي قريب من العاصمة حيث تسكن العائلة منذ حوالي خمس سنوات........

وبهتيم هي القرية التي ولد فيها حجّة الأدب ونابغة العرب مصطفى صادق الرافعي........

في أوّل يوم احتملتُ كتبي وسمّاعتي وأوراقي........ وفي مخيّلتي صورة كبيرة كالرافعي....... حيّة ككلماته.......... رسمتْها ذكريات العرب المغتربين في بريطانيا عن بيوت الشعراء في الريف هناك........

وصدمتني القرية بصورتها المشوّهة........ فهي كأكثر هذه البلاد منافقة....... قرية متمدينة...... فيها فقر الريف ووقاحة المدينة....... فيها جهل الريف وكبر المدينة........ الحقول هنا وهناك مغتصبة دامية باكية.......... والعمارات سيوف مغمدة شائهة........ فقط السماء هي ما بقى للعين..... السماء الواسعة التي موّهها الغيم وذهّبتْها الشمس........

عذّبني الريف........ خدعتْني براءته...... خدعني الأخضر وخدعني الشعر الذهب وكذبني النسيم..........

أحبّك يا بلادي...... وأحبّ عذابي في هواك.........