فما حجة كل فريق، وما اعتراض كل فريق على الآخر..
المؤولة قالوا: إنكم إذا أثبتم المعاني البشرية تكونون كاليهود والنصارى من المشبهة الذين يشبهون الخالق بالمخلوقين، وتنقضون القاعدة الكلية التي قررها ربنا تبارك وتعالى في الآية المحكمة الفيصل {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
وإن فوضتم المعنى، وقلتم لا ندري ما هو، جعلتم كأن الله ورسوله خاطبونا بما لا نفهم ولا نعي معناه... فإذا كان لا يجوز لنا أن ننفي المعاني، ولا يجوز لنا أن أن نثبت المعاني اللغوية الحقيقية لأنها تشبه الخالق بالمخلوقين، لزم لنا البحث عن معنى مجازي مناسب لسياق الآية والحديث وتأدية معناهما، كالأمثلة التي ذكرناها، والقرآن العربي نزل بلسان عربي مبين والمجاز أمر معروف في لغة العرب ( هذه حقيقة ثابتة وإن أنكرها بعضهم، لكن إنكاره لا يصمد أمام أبسط نقاش)..
المفوضة قالوا: ليس لكم أن تؤولوا النصوص إلى معان مجازية، لأن هذا التأويل لا دليل عليه، وبالتالي لا يمكننا أن نجزم بشيء منه، ولم يردنا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا تابعيهم، فلا يجوز أن نحكم بالظن على آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم..
لذلك نحن نقول لكم نفوض معناها لله عز وجل..
وليس معنى هذا أننا ننكر هذه الصفات أو الآيات، بل نؤمن بها ونثبتها كما قالها ربنا، ولكننا لا نخوض في معانيها ونمسك عن ذلك، كما أمسك سلفنا الصالح، ولو كان في بيان معانيها خيراً لنا لبينوه..
السلفية (أتباع ابن تيمية) اعترضوا وقالوا:
لا...
ليس لكم أن تؤولوا النصوص إلى معان مجازية، لأن هذا التأويل لا دليل عليه، وبالتالي لا يمكننا أن نجزم بشيء منه، ولم يردنا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا تابعيهم، فلا يجوز أن نحكم بالظن على آيات القرآن وأحاديث النبي.. ولو سمحنا لكم بالتأويل فلربما أولتم كل صفات الله كالمعتزلة، ولربما أولتم أيضا أحكام القرآن وجعلتموها كلها لها حقيقة ومجاز، أو ظاهر وباطن، فصرفتموها عن الأحكام الظاهرة إلى تأويلات مختلفة كالفرق الباطنية، فتضيع العقيدة وتضيع الشريعة.
كذلك لا نوافق على كلامكم أيها المفوضة فإن فوضتم المعنى، وقلتم لا ندري ما هو، جعلتم كأن الله ورسوله خاطبونا بما لا نفهم ولا نعي معناه...ففيم كانت الرسالة إذن؟ وكيف قال تعالى { تبيانا لكل شيء}
وإنما نحن نقول: أثبت الصفة ومعناها، وفوض كيفيتها لله، فنقول لله يد، ومعنى اليد معروف في اللغة، لكننا لا نعرف كيف تكون يده، فنفوض كيفيتها.
رد عليهم المفوضة وقالوا:
ما دمتم تقولون نثبت المعنى، ولا يجوز تفويضه، فقولوا لنا ما معنى يد؟ ما معنى وجه؟ ما معنى ضحك؟ ما معنى نزول؟
لأننا لا نجد لها إلا معان بشرية هي الموجودة في المعاجم اللغوية، وهذه المعاني نحن وأنتم متفقون أنها لا تجوز لله
فإذن ما هي المعاني التي تريدون أن نثبتها، هاتوها لنثبتها..
يرد السلفيون: هل عندما نقول لكم "رضي الله عنهم"، تفهمون من كلمة (رضي) أنها حروف لا معنى لها مثل (ألم أو كهيعص؟) أم تستشعرون لها معنى في ذهنكم؟
قالوا: بل نستشعر لها معنى، لكننا لا نستطيع أن نفكر فيه ولا أن نحدده، ولا نفسره ونوضحه بألفاظ محددة.. لهذا نفوض.
يقول السلفيون: فهذا المعنى هو الذي نريد منكم أن تثبتوه
أثبتوا أن الله يضحك ضحكاً يليق بجلاله، وأن لله يداً تليق بجلاله، ولله نزول يليق بجلاله... إلخ...
فيقول لهم المفوضة: فأين المعاني التي أثبتموها، أنتم فسرتم الماء بالماء.. ما قلتموه ليس معان، وإنما أنتم مثلنا مفوضة ولكنكم لا تقرون بذلك..
فيرد السلفيون: لا... بل أنتم تفوضون المعاني فتعطلون دلالات النصوص
يرد المفوضة: بل نحن لا نعطل دلالات النصوص، لأن جميع هذه الصفات التي اختلفنا حولها لم ترد هكذا مسرودة مجردة كما هو الحال في أسماء الله الحسنى...
فلا تجد آية تذكر أن لله وجها ويداً وعينا ورضى وغضب هكذا فقط..
بل كل صفة من هذه الصفات جاءت ضمن نص يفيد معنى عاماً، ولو كانت مجردة من النص لما فهمنا منها إلا المعنى البشري اللغوي للمخلوقات... لذا لا يمكن اقتطاعها من سياق الآيات والأحاديث منفردة... وهي في السياق ستكتسب معنى منه، وبالتالي لن نقول أن الله تعالى أو رسوله خاطبنا بما لا نفهم... فنحن فهمنا معنى النص العام والغرض منه.
بخلاف أسماء الله الحسنى التي وردت متتالية مجردة عن الجمل، في مثل قوله تعالى:
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }
قال السلفيون هل تعنون أنكم تتورعون عن أن تصفوا الله تعالى بما وصفه به نبيه؟ فهل أنتم أكثر تنزيهاً لله من نبيه صلى الله عليه وسلم..
قال الآخرون بل نحن نصف الله تعالى بما وصف به نفسه، ولكننا نعترض على فهمكم أنتم لهذه النصوص والصفات..
-
-
-
-
-
وهكذا لا ينتهي الجدال... وسودت به آلاف المؤلفات، ثم آلاف المقالات، ثم آلاف صفحات المنتديات...
طيب ما هو الفيصل؟
قال السلفيون الفيصل بيننا وبينكم هو فهم السلف الصالح لهذه النصوص
قال الآخرون: السلف الصالح هم القرون الخيرية الثلاثة الأولى التي شهد لها رسول الله، والتي تلقت الوحي والسنة غضة طرية، من صحابة وتابعين وتابعي تابعين...
فهؤلاء الذين فهمهم حجة لنا أو لكم أو للمؤولة...
اتفقنا؟