السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعود لمسألة الصفات السبع بعد أن أشكر لماما هادية حوارها الهادئ الجميل وأشكر لأبي شعيب مشاركته الطيبة في المسألة...ولا أنبه إلا على أننا ما انحرف بنا الحوار إلى هذا المزلق إلا عن تعدد في وجهات النظر نريد أن نصل بها إلى الحق..وأننا هنا أسرة واحدة تربطها علاقات أسرية قوية من الحب والتعاون والإخاء والمودة ورغبة الخير لبعضنا بعضا، وما يشغلني عن هؤلاء الأحبة إلا دراسة في بحثي للماجستير أو عمل أرتزق منه أو حياة اجتماعية..
فأنا في هذا الموضوع أرى أن الخلاف في مسألة من مسائل العقيدة..وعلى درجة من الأهمية عظيمة، يهمني فيها أن أطلع على منهج الصحابة والتابعين وأن أنتهج نهجهم وأقتدي بقولهم في كل مسائل الاعتقاد..ثم بعد ذلك أنظر لمن خالف ذلك، فمن أراد أن يجعل هذه المخالفة مجرد اجتهاد، حاولوا منه تنزيه الله تعالى واجتهدوا في ذلك فأولوا أو فوضوا، وأنهم أخطئوا أو أصابوا في اجتهادهم هذا.. وخالفوا منهج الصحابة..فهذه نقطة تالية قد أقتنع بها..وإن اقتنعت بها فسأعتذر لهم ولكن لن أسمح أن أدور في فلكهم..ومن الأولى لمن علم ذلك أن يعود لما كان عليه الصحابة والتابعون ولا يظل يجادل عن مجرد اجتهادات أخطأت أو أصابت.........
وقد ذكرت ـ غير مفترـ أن الأشاعرة في منهجهم يثبتون لله سبع صفات فقط..(على إجمال المذهب)، وهذه هي الصفات السبع التي يثبتونها لله تعالى ثبوتا واجبا، ويسمونها الصفات المعنوية، ويرجعون الصفات السلبية والنفسية إليها، ثم إنهم يثبتون أسماء الله الحسني كلها ويقولون بتوقيفها ويشرحون معانيها ويبينون صفاتها ولكنهم يرجعونها للصفات السابقة، يؤولون كثيرا منها.....
وقلت إن المسألة فيها تفصيل كبير، لأن من أئمة الأشاعرة من أثبت لله الوجه واليدين ومنهم من أثبت الاستواء ومنهم من يفوض ومنهم من يؤول كل الصفات الخبرية..فكان اتفاق المذهب أوله وآخره على هذه الصفات السبع وكان اختلافهم في بقيتها...ولذلك كانت العبارة على إجمال المذهب كما ذكرت........
هل تقولنا على الأشاعرة ذلك....أبدا والله...
فلنرجع معا...إلى إمام من أئمتهم من متأخريهم ومن نقل المذهب عنهم..وهو عضد الدين الإيجي في كتابه: المواقف في علم الكلام.....يقول بعد أن يذكر الصفات السبع ومتعلقاتها في مقاصده السبعة:
"المقصد الثامن في صفات اختلف فيها، وفيه مقدمة ومسائل إحدى عشرة...
فالمقدمة: هي أنه هل لله تعالى صفة وجودية زائدة على ذاته غير ما ذكرناه من الصفات السبع التي هي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام فمنعه بعض أصحابنا مقتصرا في نفيها على أنه لا دليل عليه أي على ثبوت صفة أخرى فيجب نفيه
ولا يخفى ضعفه لما مر من أن عدم الدليل عندك لا يفيد
وعدمه في نفس الأمر ممنوع
وإن سلم لم يفد أيضا لأن انتفاء الملزوم لا يستلزم انتفاء لازمه ومنهم من زاد على ذلك فاستدل على نفيها بأن قال نحن مكلفون بكمال المعرفة وإنما يحصل بمعرفة جميع صفاته
فلو كان له صفة غيرها لعرفناها لكنا لا نعرفها
بل لا طريق لنا إلى معرفة الصفات سوى الاستدلال بالأفعال والتنزيه عن النقائص
ولا يدل شيء منهما على صفة زائدة على ما ذكر
والجواب منع التكليف بكمال معرفته
إذ هو أي التكليف بقدر وسعنا فنحن مكلفون بأن نعرف من صفاته ما يتوقف تصديق النبي العلم به لا بمعرفة صفات أخرى أو بأن نقول سلمنا تكليفنا بكمال معرفته
لكن لا يلزم من التكليف به حصوله من جميع المكلفين بل ربما يعرفه معرفة كاملة بعض منهم كالأنبياء والكاملين من أتباعهم دون بعض وهو من عداهم
وهؤلاء وإن كانوا هم الأكثرين ولكن لا يمتنع كثرة الهالكين بسبب ترك ما كلفوا به من كمال معرفته وأثبت بعض من المتكلمين صفات أخر بيانها تلك المسائل الإحدى عشرة
الأولى البقاء اتفقوا على أنه تعالى باق لكن اختلفوا في كونه صفة ثبوتية زائدة كما أشار إليه بقوله أثبته الشيخ أبو الحسن وأتباعه وجمهور معتزلة بغداد صفة وجودية زائدة على الوجود إذ الوجود متحقق دونه أي دون البقاء كما في أول الحدوث بل يتجدد بعده صفة هي البقاء وأجيب عنه بأنه منقوض بالحدوث
فإنه غير الوجود لتحقق الوجود بعد الحدوث يعني أن البقاء حصل بعد ما لم يكن والحدوث زال بعد أن كان لأنه الخروج من العدم إلى الوجود عند الشيخ لا مسبوقية الوجود به فلو دل ذلك الذي ذكرتموه في البقاء على كونه وجوديا زائدا لكان الحدوث أيضا وجوديا زائد لما ذكرناه لأن العدم بعد الحصول كالحصول بعد العدم في الدلالة على الوجود في الجملة إذ حاصلهما الانتقال الواقع بين العدم وما يقابله
أعني الوجود ولزم التسلسل في الحدوثات الوجودية ضرورة أن الحدوث لا بد أن يكون حادثا
مع أن الشيخ معترف بأن الحدوث ليس أمرا زائدا وحله بعد نقضه أن تجدد الاتصاف بصفة لا تقتضي كونها وجودية كتجدد معية الباري تعالى مع الحادث وكذا زواله أيضا لا يقتضيه
وذلك كله لجواز اتصافه بالعدميات وزوال ذلك الاتصاف ونفاه أي نفى كون البقاء صفة موجودة زائدة القاضي أبو بكر والإمامان إمام الحرمين والإمام الرازي وجمهور معتزلة البصرة وقالوا البقاء هو نفس الوجود في الزمان الثاني لا أمر زائد عليه لوجهين
الأول لو كان البقاء زائدا لكان له بقاء إذ لو لم يكن البقاء باقيا لم يكن الوجود باقيا لأن كونه باقيا إنما هو بواسطة البقاء المفروض زواله وحينئذ تتسلسل البقاءات المترتبة الموجودة معا
والجواب إن بقاء البقاء نفس البقاء كما قيل في وجود الوجود ووجوب الوجوب وإمكان الإمكان فلا تسلسل أصلا
ويرد على هذا الجواب أن ما تكرر نوعه اعتباريا كما مر
الثاني لو احتاج البقاء على تقدير كونه وجوديا إلى الذات لزم الدور لأن الذات محتاج إلى البقاء أيضا
فإن وجوده في الزمان الثاني معلل به
وإلا أي وإن لم يحتج البقاء إلى الذات لكان الذات محتاجا إليه وكان مستغنيا عن الذات مع استغنائه عن غيره أيضا فكان البقاء هو الواجب الوجود لأنه الغني المطلق دون الذات
والجواب منع احتياج الذات إليه وما قيل من أن وجوده في الزمن الثاني معلل به ممنوع
غاية ما في الباب أن وجوده فيه لا يكون إلا مع البقاء
وذلك لا يوجب أن يكون البقاء علة لوجوده فيه إذ يجوز أن يكون تحققهما على سبيل الاتفاق
وإليه الإشارة بقوله وإن اتفق تحققهما معا
تنبيه إثبات البقاء قد يفسر بأن الوجود في الزمان الثاني أمر زائد على الذات يريد أن المثبتين للبقاء يفسرونه تارة باستمرار الوجود ويدعون أن الوجود في الزمان الثاني زائد على الذات وأخرى بأنه معنى يعلل به الوجود في الزمان الثاني
وأول الوجهين للنافين ينفي المعنى الأول من معنى البقاء لأن الاستمرار إذا لم يكن باقيا لم يكن الوجود مستمرا
ولا ينفي الثاني لأن البقاء إذا كان أمرا يعلل به الوجود في الزمان الثاني لا يلزم أن يكون له بقاء آخر والوجه الثاني ينفي المعنى الثاني دون الأول إذ لا يلزم من استمرار الوجود وكونه زائدا على الذات احتياج الذات في وجوده إلى البقاء الذي هو الاستمرار
فلا يلزم الدور
الصفة الثانية القدم
وأحاله الجمهور متفقين على أنه قديم بنفسه لا بقدم وجودي زائد على ذاته وأثبته ابن سعيد من الأشاعرة ودليله على كونه صفة موجودة زائدة ما مر في البقاء وتصويره ههنا أن يقال القديم قد يطلق على المتقدم بالوجود إذا تطاول عليه الأمد
ومنه قوله تعالى كالعرجون القديم
والجسم لا يوصف بهذا القدم في أول زمان حدوثه بل بعده فقد
تجدد له القدم بعد ما لم يكن فيكون موجودا زائدا على الذات
فكذا القدم الذي هو التقدم بلا نهاية لا بمجرد مدة متطاولة بإبطاله أي ما مر مع إبطاله
فلا حاجة إلى إعادة شيء منهما وحمل ما مر على الوجهين السابقين مما لا وجه لصحته والذي يخصصه أي يختص بإبطاله أنه إن أراد به أي بالقدم أنه لا أول له فسلبي فلا يتصور كونه وجوديا أو أنه صفة لأجلها لا يختص الباري سبحانه وتعالى بحيز كما فسره أي كما فسر كلام ابن سعيد بذلك الشيخ أبو إسحاق الإسفرايني فإنه قال معنى كلامه أنه تعالى مختص بمعنى لأجله ثبت وجوده لا في حيز كما أن المتحيز يختص بمعنى لأجله كان متحيزا
ولا يخفى عليك أن هذا التفسير بعيد جدا عن دلالة زيادة القدم عليه فكذلك يكون القدم أمرا سلبيا إذ مرجعه حينئذ إلى وجوده لا في حيز
فإن قلت هذا السلبي معلل بالقدم لا نفسه
قلت إن الصفات السلبية لا تعلل بخلاف الثبوتية أو غيرهما من المعاني فالتصوير أي فعليه تصوير ذلك المعنى المراد أولا ثم التقرير والتحقيق بإقامة الدليل عليه ثانيا
هذا الذي أوردناه ههنا في إبطاله منضم إلى ما سبق في مباحث الأمور العامة من أنه أي القدم أمر اعتباري لا وجود له في الخارج
فإنه يدل على بطلان مذهبه ودليله أيضا
الصفة الثالثة الاستواء
لما وصف تعالى بالاستواء في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى اختلف الأصحاب فيه
فقال الأكثرون هو الاستيلاء
ويعود الاستواء حينئذ إلى صفة القدرة
قال الشاعر
قد استوى عمرو على العراق ... من غير سيف ودم مهراق أي استوى
وقال الآخر
فلما علونا واستوينا عليهم ... تركناهم صرعى لنسر وطائر أي استولينا
لا يقال الاستواء بمعنى الاستيلاء يشعر بالاضطراب والمقاومة والمغالبة أي يشعر بسبق هذه الأمور التي تستحيل في حقه تعالى
وأيضا لا فائدة لتخصيص العرش لأن استيلاءه يعم الكل لأنا نجيب عن الأول بمنع الإشعار ألا ترى أن الغالب لا يشعر به كما في قوله تعالى والله غالب على أمره
نعم ربما يفهم سبق تلك الأمور من خصوصية من أسند إليه الاستيلاء في أمر مخصوص
وعن الثاني بأن الفائدة هي الإشعار بالأعلى على الأدنى
إذ مقرر في الأوهام أن العرش أعظم الخلق
فإن استولى عليه كان مستوليا على غيره قطعا
وهذا عكس ما هو المشهور من التنبيه بالأدنى على الأعلى
وكلاهما صواب
فإنه كما يفهم من حكم الأدنى حكم الأعلى إذا كان به أولى كذلك يفهم عكسه إذا كان الأدنى بالحكم أولى
وقيل هو أي الاستواء ههنا القصد فيعود إلى صفة الإرادة نحو قوله تعالى ثم استوى إلى السماء
أي قصد إليها وهو بعيد
إذ ذلك تعدى ب إلى كالقصد دون على كاستيلاء
وذهب الشيخ في أحد قوليه إلى أنه أي الاستواء صفة زائدة ليست عائدة إلى الصفات السابقة وإن لم نعلمها بعينها ولم يقم دليل عليه
ولا يجوز التعويل في إثباته على الظواهر من الآيات والأحاديث مع قيام الاحتمال المذكور
وهو أن يراد به الاستيلاء أو القصد على ضعف
فالحق التوقف مع القطع بأنه ليس كاستواء الأجسام
الصفة الرابعة الوجه
قال تعالى ويبقى وجه ربك
كل شيء هالك إلا وجهه أثبته الشيخ في أحد قوليه وأبو إسحاق الإسفرايني والسلف صفة ثبوتية زائدة على ما مر من الصفات
وقال في قول آخر ووافقه القاضي إنه الوجود وهو كما قبله أعني الاستواء في عدم القاطع وعدم جواز التعويل على الظواهر مع قيام الاحتمال
تنبيه الوجه وضع في اللغة للجارحة المخصوصة حقيقة
ولا يجوز إرادتها في حقه تعالى ولم يوضع لصفة أخرى مجهولة لنا بل لا يجوز وضعه لما لا يعقله المخاطب إذ المقصود من الأوضاع تفهيم المعاني فتعين المجاز والتجور به عما يعقل وثبت بالدليل متعين وهو أن يتجوز به عن الذات وجميع الصفات
فإن الباقي هو ذاته تعالى مع مجموع صفاته وما سواه هالك غير باق
الصفة الخامسة اليد قال الله تعالى يد الله فوق أيديهم ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي فأثبت الشيخ صفتين ثبوتيتين زائدتين على الذات وسائر الصفات
لكن لا بمعنى الجارحتين وعليه السلف
وإليه ميل القاضي في بعض كتبه
وقال الأكثر إنهما مجاز عن القدرة فإنه شائع وخلقته بيدي أي بقدرة كاملة ولم يرد بقدرتين وتخصيص خلق آدم بذلك مع أن الكل مخلوق بقدرته تعالى تشريف وتكريم له كما أضاف الكعبة إلى نفسه في قوله أن طهرا بيتي للتشريف مع أنه مالك للمخلوقات كلها
وكما خصص المؤمنين بالعبودية لذلك في قوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان
وقالت المعتزلة بأن اليد مجاز عن القادرية بناء على أصلهم الذي
هو نفي الصفات وإثبات الأحوال
وقال بعضهم مجاز عن النعمة وهو في غاية الضعف إذ لا يلائم نسبة الخلق إلى اليد
وقيل صفة زائدة وهذا تكرار لما تقدم من مذهب الشيخ والسلف
وقد يوجد في بعض النسخ يد له
وقيل صلة
أي لفظة بيدي زائدة كما في قوله
دعوت لما نابني مسورا ... فلبا فلبى يدي مسور وهو في غاية الركاكة
وتحقيقه كما في الأول أي كالتحقيق الذي ذكرناه في الوجه من أنه موضوع للجارحة
وقد تعذرت فيجب الحمل على التجوز عن معنى معقول هو القدرة
الصفة السادسة العينان
قال تعالى تجري بأعيننا ولتصنع على عيني وقال الشيخ تارة إنه صفة زائدة على سائر الصفات وتارة إنه البصر والكلام فيه ما مر آنفا فإن إثبات الجارحة ممتنع
والحمل على التجوز عن صفة لا نعرفها يوجب الإجمال فوجب أن يجعل مجازا عن البصر أو عن الحفظ والكلاءة وصيغة الجمع للتعظيم
الصفة السابعة الجنب
قال تعالى أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله
وقيل صفة زائدة
وقيل المراد في أمر الله
كما قال الشاعر
أما تتقين الله في جنب عاشق ... له كبد حرى وعين ترقرق أي تلمع وتتحرك
ورقراق الشراب ما تلألأ منه
أي جاء وذهب
وكذلك الدمع إذا دار في الحملاق أو أراد الجانب
يقال لاذ بجنبه أي بجنابه وحرمه
الصفة الثامنة القدم
قال أثناء حديث مطول فيضع الجبار قدمه في النار فتقول قط قط
أي حسبي حسبي
وفي رواية أخرى حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك
وفي أخرى يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد حتى يضع الرب قدمه عليها فتقول قط قط
وتأويل الجبار بمالك خازن النار أو بمن يرفع نفسه عن امتثال التكاليف مما لا يلتفت إليه كيف وقد ورد في رواية أنس في أثناء حديث وأما النار فلا تمتلى حتى يضع الله رجله فيها
الصفة التاسعة الإصبع
قال إن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن
وفي رواية إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف يشاء
ولا يمكن إثبات الجارحة
وأما وجه التأويل فكما في اليدين
الصفة العاشرة اليمين
قال تعالى والسموات مطويات بيمينه
وتأويلها بالقدرة التامة ظاهرة
الصفة الحادية عشرة التكوين
أثبته الحنفية صفة زائدة على السبع المشهورة أخذا من قوله تعالى كن فيكون فقد جعل قوله كن متقدما على كون الحادثات
أعني وجودها
والمراد به التكوين والإيجاد والتخليق
قالوا وإنه غير القدرة لأن القدرة أثرها الصحة
والصحة لا تستلزم الكون فلا يكون الكون أثرا للقدرة
وأثر التكوين هو الكون
الجواب إن الصحة هي الإمكان
وإنه للممكن ذاتي فلا يصلح أثرا للقدرة لأن ما بالذات لا يعلل بالغير بل به أي بإمكان الشيء في نفسه تعلل المقدورية فيقال هذا مقدور لأنه ممكن
وذلك غير مقدور لأنه واجب أو ممتنع
فإذن أثر القدرة هو الكون أي كون المقدور وجوده لا صحته وإمكانه
فاستغنى عن إثبات صفة أخرى كذلك أي يكون أثرها الكون
فإن قيل المراد بالصحة التي جعلناها أثرا للقدرة هو صحة الفعل بمعنى التأثير والإيجاد من الفاعل لا صحة المفعول في نفسه وهذه الصحة هي إمكانه الذاتي الذي لا يمكن تعليله بغيره
وأما الصحة الأولى فهي بالقياس إلى الفاعل ومعللة بالقدرة فإن القدرة هي الصفة التي باعتبارها يصح من الفاعل طرفا الفعل والترك على سواء من الشيء المقدور له فلا يحصل بها منه أحدهما بعينه بل لا بد في حصوله من صفة أخرى متعلقة به
أي بذلك الطرف وحده
فتلك الصفة هي التكوين
قلنا كل منهما أي من ذينك الطرفين يصلح أثرا لها أي للقدرة
وإنما يحتاج صدور أحدهما بعينه عنها إلى مخصص بعينه وهو الإرادة المتعلقة بذلك الطرف وحينئذ لا حاجة إلى مبدأ للكون غير القدرة المؤثرة فيه بواسطة الإرادة المتعلقة به
وقد ورد في حديث ليلة المعراج وضع كفه بين كتفي فوجدت بردها في كبدي
ولا يجوز إثبات الجارحة كما ذهبت إليه المشبهة
فقيل هو موصوف بكف لا كالكفوف
وقيل مؤول بالتدبير
يقال فلان في كف فلان: أي في تدبيره
فالمقصود من الحديث بيان ألطافه في تدبيره له وبيان أنه وجد روح ألطافه
لأن البرد يطلق على كل روح وراحة وطمأنينة
وقد ورد في الأحاديث أنه تعالى ضحك حتى بدت نواجذه
ويمتنع حمله على حقيقته
فقيل هو ضحك لا كضحكنا
وقيل مؤول بظهور تباشير الخير والنجح في كل أمر
ومنه ضحكت الرياض إذا بدت أزهارها
فمعنى ضحك ظهر تباشير الصبح، والنجح منه، وبدو النواجذ عبارة عن ظهور كنه ما كان متوقعا منه.
ومن كان له رسوخ قدم في علم البيان حمل أكثر ما ذكر من الآيات والأحاديث المتشابهة على التمثيل والتصوير وبعضها على الكناية
وبعضها على المجاز مراعيا لجزالة المعنى وفخامته ومجانبا عما يوجب ركاكته فعليك بالتأمل فيها وحملها على ما يليق بها
والله المستعان وعليه التكلان"...انتهى من المواقف ص147: 156