هي رحلة إلى المجهول من أولها إلى آخرها يا هبة ولكن هذه الرحلة وغيرها من رحلات المجهول والتعذيب والقمع بينت معالم الطريق ونتج عنها ثورة وكسر لحاجز الخوف
نعم يا سيفتاب صدقت...
فسبحان الله رغم أن كل هذه العذابات وكل ما لحق بالإخوة والأخوات كان في طي السرية والكتمان، وكان من خلف جدران الظلم والقهر والإذلال والاستعباد، إلا أن الله تعالى بحكمته يشاء أن ينجو إخوة ويبقى فيهم الرمق، وتبقى فيهم الثورة رغم كل ما تعرضوا له مما يفقد العقل ويفقد الرشد، ويبقون على الدرب بعد خلاصهم، ويكتبون ويوثقون هذه الحقائق الأقرب إلى الخيال، لتصلنا الأخبار، فنشعر فعلا أنهم بما ذاقوا وبما عرفوا وبما رأوا قد رسموا معالم الطريق للخلاص ......
لم أعد أقوى فعلا على التعليق ........ تعمدت أن أقرأ هذا الكتاب شيئا فشيئا وألا أقرأه دفعة واحدة حتى أواكبكم من جهة وحتى نأخذه سوية ونتعاطى ما فيه سوية، ونرقبه سوية ........
وكلما قرأت جزءا مما أضع لكم أجد نفسي فعلا بين حالين، حال الأسير وحال الطليق معا، بين متناقضين ولكنهما فعلا قد اجتمعا رغم التناقض الصارخ بينهما
أشعر وكأن كل ما يلحق بالأخوات وبالإخوة يخنقني، وكأنني الأسيرة معهم، كما أشعر أن مشيئة الله تعالى وإرادته وحكمته فوق كل الآلام وفوق كل الاعتبارات والتصورات، إرادته سبحانه بخلاص هؤلاء وخروجهم وتسطيرهم لحقائق ما كانت لتصل بتفاصيلها لولا أنهم لم يخرجوا ........ ليرسموا معالم الطريق فعلا، ليعرّفوا غيرهم من الذين يجهلون ولم يعايشوا ما عايشوا ولم يعرفوا ما عرفوا، ولم يخبِروا ما قد خبِروا .......... هم أداة من أهم أدوات الثورة والدعوة للثورة، والتحريض على الثورة للخلاص من كل آثار الوحش المستشرية أطرافه في هذا الوطن ..........
فهو شعور السجن والحرية معا .......... ولكن شعور الحرية غالب، لأن السجن حدوده محدودة، من حيث الزمان ومن حيث المكان، بينما الحرية التي ذاقها من كان بسجونهم لا محدودة الزمان ولا محدودة المكان، حريتهم أقوى، حريتهم مَدّ عظيم لكل من بقي سجينا بين الجدران المبنية، أو سجينا بين حدود سوريا الكبيرة ....... أرض الله كلها أرضهم، فوجدوا أين يتنفسون، ولم تعد تحدهم جدران الوحش ...... فهاجروا إلى بلاد غير البلاد ومنها واصلوا الجهاد ...........
زمان الحرية أطول وأبقى ......... وزمان السجن والظلم والقهر محدود منته لا دوام له ولا بقاء .........لأن الحرية هي الأصل وهي العَود، فهي حق مملوك للإنسان حين ولد، وحق عائد إليه لا ريب وإن سُلب ...... والسجن والقهر والظلم هي الاستثناءات التي لن تدوم ولن تطول ............
"هبة الدباغ"، "مصطفى خليفة"، "عبد الله الناجي"،"خالد فاضل" .........كلها أسماء لسجناء كانوا في سجون سورية لسنوات، أسماء لطلقاء أحرار واصلوا الجهاد فكتبوا عن سجون سوريا وعن كل ألوان التعذيب والإذلال تفاصيل تجعل القارئ لهم ينتفض، يهتز، يستيقظ، يفيق، يعلم ، يعرف ، يستنير .......... وكلها أفعال هم قد فعّلوها في الأنفس بتحررهم وبمزاصلتهم الجهاد ولكأنه العهد الذي قطعوه على أنفسهم وعلى من ذاق ما ذاقوه من بعدهم أن يوصلوا بصوتهم كل أصواتهم لتخترق حدود السجن وجدرانه .... ليمتد تحررهم ويتعدى ثورة في النفوس الأخرى، ثورة تهز الرأي العام وتحرك ما لم يكن يتحرك .............
فالحرية أصل، والحرية أقوى، والحرية أدوم وأبقى ...........