يا إلهي أجدني أريد أن أعلق على كل ما كتبتْ، كله يهز.....!! ولكن سبحان الله على قدر ما تؤلم ذكرياتها على قدر ما تنبجس من بين ثنايا الألم قبسات منيرة .....
فجأة سمعت من آخر الزنازين (رقم 24 ) صوت أمي التي يبدو أنها سمعت صوتي أيضا فبدأت تدعو عليهم بصوت عال وتصيح : هؤلاء حريمات تتقوون عليهن يا ظلام . . ما عندكم رحمة ! والله أنا طول عمري أسمع أنه لا رحمة في قلوبكم ولكنني أرى ذلك الآن بعيني ! بهرتني المفاجأة . . وركضت ثانية باتجاه مصدر الصوت وأنا أصيح بدوري : أمي هنا ؟ الله يخرب بيتكم . . ماذا تفعلون بها ؟ إخوتي صغار وأبي مريض . . ولا حول جميعا لهم ولا قوة .
أمك يا هبة ؟؟!!...... نعم يستوي عندهم كل شيء، لا فرق عندهم بين امرأة ورجل، ويالشجاعتها...!! على الأقل أفرغت بدعواتها عليهم شيئا من غضبها.......لكم أحببتها ...
وهنا حضر عنصر اخر متقدم في السن كان يحسن معاملتي فيما بعد قدر المستطاع . . تقدم مني وقال بصوت منخفض : يالله يا أختي ادخلي وتوكلي على الله ولا تتركي له مزيدا من الفرص ليسخر منك .
سبحان الله وكما قلت يا هبة يسخر لك الله من بين الظلمة أنفسهم من بقلبهم شيء يحس ويشعر ....
حتى أنني لم أمد البطانيات خوف أن يأتي أحد العناصر فيفتح نافذة الباب أو يدخل علي وأنا نائمة
يا إلهي كم أشعر بالخوف معك، في هذه المواقف بالذات يزورنا بنات حواء -والمؤمنات خاصة- الخوف الحقيقي ....!!
وعلمت لاحقا أنهم ستة أو سبعة شباب بين الثانية عشرة والخامسة عشرة من العمر جمعوهم من مسجد واحد وحشروهم معا في هذه المنفردة التي لا تزيد بمساحتها عن متر بمتر ونصف !
أطفال .....!!!! أطفال .....!!! تعتقلون الأطفال .....12 و15 ؟؟؟؟؟ والسوريون قد خبروا جرائمكم وألوانها.....!! ولهذا اقتدتم أطفالا كتبوا على الجدران من قريب "الله سورية حرية وبس" !!! ليس ذلك عليكم بجديد يا معذبي الأطفال .........................!!! يا وجع قلبي من أين لي بدواااائك !!!! آآآآآآه
وتعالى صراخ أمي من منفردتها ثانية تدعو عليهم وتقول له : يخرب بيتك . . مالك قلب بشر؟ سألك أن تخرجه فلم تفعل ففعلها تحته . .ماذا يفعل المسكين بنفسه ؟
أتخيلها قوية لا تقوى على الكتمان ، لا تسكت ..... ياه نطقت في سجونهم يا خالة ......!! لله درك ودر أمثالك .....
ولم ألبث وقد دنا وقت الفجر أن أحسست بما يشبه الطرق الخافت على الجدار من الزنزانة الأخرى المجاورة حيث وضعوا ماجدة ٬ فعلمت أنها تنبهني إلى موعد الصلاة
وهذه القبسات النونرانية التي توهموا إطفاءها ........!!! ها هي تبقى في عز الألم والعذاب بل هي الملجأ وهي الملاذ ....!! والصلاة راحة المؤمن أيضا يا هبةسألته وأنا أشهق بالبكاء : ولماذا أخرجوهم ولم يخرجونا نحن ؟ أنا لم يثبت أي شيء علي . . أنا بريئة .
وهل يأتي المجرمون بالمجرمين يا هبة ....؟؟!!
لما اشتد علي الجوع في اليوم الثاني بدأت آكل القشرة الخارجية للصمون الذي يحضرونه لأن الداخل عجين كله . . وقطعة الجبن التي لا يحضرونها إلا نادرا بطبيعة الحال ٬ وعلى هذه الحال بقيت طوال فترة بياتي في المنفردة ثمانية أيام بالتمام والكمال !
أطعمك الله وسقاك من الجنة يا هبة .....
لكن تسرب بعض الضوء واعتياد عيناي على الظلمة جعلني أبصر خطوطا مميزة بعض الشيء وشعار "الله أكبر ولله الحمد" محفورة أكثر من مرة وحولها أسماء أشخاص عديدين مروا على هذا المكان التعس قبلي . . وكان ثمة نقش لمسجد كتب حوله "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وأسفل منه اسم الشخص الذي نقشه على الأغلب . . كذلك لمحت خريطة لفلسطين وتحتها عبارة "الله أكبر ولله الحمدا ا!
سبحان الله ...سبحان الله ....وهذه قبسات النور يا هبة ..... كم علمتني كلماتك أن أهل الحق المغيبين في السجون عاشوا للحق وماتوا عليه حقا ....... ما أروعهم، ما أشجعهم، ما أقواهم بالله ...........وسرعان ما انطلق صوت أمي من زنزانتها تنادي عليه : يا ولدي . . هل تظن أنك لا تزال في الضيعة التي جئت منها وهؤلاء قطيع من البقر الذي كنت ترعاه !
اقتاد كلاهما والدتي وهي لا تكف عن إطلاق دعواتها عليهم ٬ ولم تتح لي رؤيتها ثانية إلا بعد أيام ٬ ولم تتح لي معرفة سبب وكيفية اعتقالها إلا حينما اجتمعنا في المهجع بعد انتهاء التحقيق . . فقصت علي رحمها الله ما جرى بالتفصيل .
ودائما أنت قوية يا خالة..... يالهذا الجهاد الذي جاهدته ياكلمات الحق التي نطقت بها عند سلطان جائر من قبل موتك ليتوجك الله بجزائه العظيم بإذنه سبحانه ....أسرة عمر مرقة الذين اعتقلوا معها ٬ فوالدتهم لم تكن قد أفاقت بعد من صدمة مقتل ابنها أيمن 18 سنة وأخته مجد 14 سنة حينما رشهما الخابرات في الشارع انتقاما من أهالي الملاحقين وحسب !
ولقد استمر الكمين من بعد اعتقال أمي ومرافقيها ٬ فاعتقلوا من زميلات السكن ومن الزائرات من غير أي تهمة أو علاقة أكثر من عشر أشخا ص
شكرا لك يا هبة ..... عرفتني بمعاناة شعب لا أستبعد أن تكون لكل أسرة فيه مع المعتقل قصة وحكاية إن لم يكن مع التقتيل والتذبيح ...... اللهم فرجك وخلاصك لهم يا رب
و
يشتد بها الغيظ وتنادي داعية عليه : شكيتك لواحد أحد . . لأحكم الحاكمين . . وإن شاء الله تقعد قعدتي وما بتصبر صبري . وسبحان الله لم يمر شهر أو شهران حتى قتل هذا الرجل كما بلغنا حادث سيارة . . ودخل المقود في بطنه . . وسمعت أمي بموته قبل أن تموت .
سبحان الله ...........دعوة المظلوم على الظالم .........الله المنتقم .....وكذلك يومكم آت يا ظُلاَّم سوريا قريبا قريبا غير بعيد